عندما يَجْتاحُنا الحزنُ الرَّماديُّ ، ونُقْعِي في زوايا القلبِ مكسورين ، نَجْترُّ الحكاياتِ القديمة .
الأسى
الفارغُ يستيقظُ من بيْنِ الدَّهالِيزِ ، ويصحُو وترُ الشَّجْوِ ،
الكتاباتُ التي جَفَّتْ على الأوراقِ كانت ذات يومٍ صوتنا العَالِي ، لفْح
الشَّوْقِ ، والرُّؤْيا الحميمة .
خرجتْ منها وجوهٌ لفَّعتْها دورةُ الأيامِ ، شاخْتْ في كُوى النِّسْيانِ ، تحْكي وجه بُومة .
في
الجدارِ الأسْودِ الشَّاخصِ نرتدُّ ، وفي قاعِ العيونِ الجُوفِ نَهْوِى ،
نَكْتَوِي مِنْ لذعةِ الذكرى ، ومن وحْدِتَنْا في ليلنا العارِي ، ومِنْ
هَوْلِ انسحاقِ القلْبِ من طَعْمِ الهزيمة
ها أنا في دَوْرَةٍ الإعصارِ أرتَدُّ عنيفا
خائبَ المَسْعَى أسيفا
و انهمارُ العُمرِ من حولي خُطّى مَبْهُوَرةُ الأنِفاس ، فُقَّاعَاتُ لَغْوٍ زائفٍ ، صارت على الْوَجْهِ أخاديدَ ، وفي القلبِ حروفا
سَكَنَتْ همَّتُكِ الشَّمْطاءُ يا نفسُ ، عَرَفْتِ الأمرَ ، جَرَّبْتِ الذي كان ، تَخَطَّيْتِ الزَّوايا والصُّفوفا
و المصَلِّين _ وراء الهيكلِ البِالي _ وُقُوفا
ها أوانُ الْفَصْلِ ، بوحِي ، اعْتَرِفِي ، لا تَدَّعِي بَعْدُ عُزُوفا
و
اهْتِكِي عنك ستار الرَّغْبَةِ الْحُبْلىَ ، قِنَاعَ الأسفِ الكاذبِ ، ذاك
المضحكُ الْمُبْكِي ، فما عادَ يفيدُ الصَّمْتُ ، كُوشِفْتِ ، وأتُرِعْتِ
من اليأسِ صُنُوفا
كم تطامنتِ ، وأسرعتِ الخطى عَدْواً ، وجاوزتِ حدودَ الوهْمِ ، شارفتِ على الأفقِ ظلالا قابعاتٍ ، و طيوفا
كم تبدَّلْتِ قِنَاعاً ، وتلبَّسْتِ خِداعاً ، وتواريْتِ وراء الأملِ الخُلَّبِ سَيْفاً ورغِيفا
وصحوْنا حين طار العمرُ ، نقْتاتُ الحصادَ الْمُرَّ ، نهتزُّ لمرأى الْغَدِ إذ يفْجَؤُنا عارِينَ ، ننهارُ جِراَحاً و نَزَيِفا
دائماً
أنتِ ؟ تجيئين سراباً خادعا ، وجهاً هُلاميّاً ، رذاذاً يَنْضَحُ الوجهَ
ولا يروي صدى القلبِ ، سحاباً يُسْقِطُ الطَّلَّ ويمضي ، تاركاً في وقْدةِ
الصَّحْراء أنفاساً شَحِيحَات عليلة
دائماً أنتِ ! أكاذيبي التي أعشَقُ فيها الموتَ ، طَعْمُ الغدرِ ، تفضي بي إلى ساعةِ صفْوٍ مستحيلة
آه ! لولاكِ لما امتدَّ بنا الليلُ الخئونُ الوجهِ ، ما اجْتَزْنَا _ وراءَ الوهمِ _ ساحاتِ المُراءاةِ الذليلة
آه ! لولاكِ لما كان انْحَنَى الجِذعُ ، ولا هانت على السِّكَّةِ أعناقُ الرجالِ الشُمِّ و ارتاحت لقيً مِنْ غيرِ حيلة
وتعودين
، فماذا بعدُ في الأيدي سوى أعمارِنا الفاغِرَةِ الأفْواهِ جُوعاً وظمأ و
طريقٍ جمدتْ فيه خُطانا ، انْتَصَبَتْ فيه خطايانا ، شخُوصاً مُفْرِعاتٍ
وتماثيلَ استحالتْ ندما !
آه لو نَرْجِعُ للصَّفو الذي كان ، لِحُلْمٍ
كان في أعماقِنا غَضَّا ، طُفُوليًّا ، بَرِيءَ السَّمْتِ ، عذريا ،
نَقِيًّا ... عندما ...
عندما أرْجِعُ بِالتَّذْكارِ ، أسْتَدْنِي الذي فات ، أجِيلُ الطَّرْفَ ، ألقَاكَ غَرِيراً ، وضيئلا ، وقصَّيا
حافيا ، تستلهِمُ الأرضَ ، طَرِيحاً ، نَزِقَ الأسْمَالِ ، خَجْلانَ ، حَييًّا
و أرى حولك غلمان الْحِمَى ، يستطلعون الغَيْبَ ، يَسْتَجْلُونَ في عينيك سِراً غامضَ اللَّمْعَةِ ، مشحونا ، عِتَيّا
يرحل
العمرُ وئِيداً ، تسقطُ الأعوامُ في الهُوَّةِ ، يْلَتَفُّ الصبايا حولَ
نَايِ الحُبِّ تغريهِنَّ بالتَّرنْيِمِ مَنْضُوراً فَتِيّا
عاشقاً ، طَلْق الْمُحِيَّا
يرحلُ العمرُ ، وتمضي سَلَّةُ الأعوامِ لا تَحْمل شَيّا
يَسْقُطُ السرُّ ، يدوسُ الناسُ ، ينهالُ الترابُ الصَّلدُ ، يدنو القَيْدُ ، يَهْوِي النَّايُ مُلْتَاعاً ... شَجِيّا
من جديد ها أنا ألقاكَ في عَصْفِ الذُّهول الْمُرِّ ، تجتازُ الفِجَاجَ السُّودَ ، مَخْبُولا ... شَقيًّا
و بعينيكَ سؤالٌ أخْرَسُ الدَّمْعَةِ مازالَ عَصِيّا
ما الذي سَدَّدَ في قلبِكَ سِكِّينا ؟! وفي عْيَنْيكَ حُزْناً أبَدِيْا ؟!