منتدي المركز الدولى


أدب المؤمن مع نفسه Ououou11

۩۞۩ منتدي المركز الدولى۩۞۩
ترحب بكم
أدب المؤمن مع نفسه 1110
أدب المؤمن مع نفسه Emoji-10
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول
ونحيطكم علما ان هذا المنتدى مجانى من أجلك أنت
فلا تتردد وسارع بالتسجيل و الهدف من إنشاء هذا المنتدى هو تبادل الخبرات والمعرفة المختلفة فى مناحى الحياة
أعوذ بالله من علم لاينفع شارك برد
أو أبتسانه ولاتأخذ ولا تعطى
اللهم أجعل هذا العمل فى ميزان حسناتنا
يوم العرض عليك ، لا إله إلا الله محمد رسول الله.
شكرا لكم جميعا أدب المؤمن مع نفسه 61s4t410
۩۞۩ ::ادارة
منتدي المركز الدولى ::۩۞۩
منتدي المركز الدولى


أدب المؤمن مع نفسه Ououou11

۩۞۩ منتدي المركز الدولى۩۞۩
ترحب بكم
أدب المؤمن مع نفسه 1110
أدب المؤمن مع نفسه Emoji-10
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول
ونحيطكم علما ان هذا المنتدى مجانى من أجلك أنت
فلا تتردد وسارع بالتسجيل و الهدف من إنشاء هذا المنتدى هو تبادل الخبرات والمعرفة المختلفة فى مناحى الحياة
أعوذ بالله من علم لاينفع شارك برد
أو أبتسانه ولاتأخذ ولا تعطى
اللهم أجعل هذا العمل فى ميزان حسناتنا
يوم العرض عليك ، لا إله إلا الله محمد رسول الله.
شكرا لكم جميعا أدب المؤمن مع نفسه 61s4t410
۩۞۩ ::ادارة
منتدي المركز الدولى ::۩۞۩
منتدي المركز الدولى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدي المركز الدولى،منتدي مختص بتقديم ونشر كل ما هو جديد وهادف لجميع مستخدمي الإنترنت فى كل مكان
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
Awesome Orange 
Sharp Pointer
منتدى المركز الدولى يرحب بكم أجمل الترحيب و يتمنى لك اسعد الاوقات فى هذا الصرح الثقافى

اللهم يا الله إجعلنا لك كما تريد وكن لنا يا الله فوق ما نريد واعنا يارب العالمين ان نفهم مرادك من كل لحظة مرت علينا أو ستمر علينا يا الله

 

 أدب المؤمن مع نفسه

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
مشمشه
عضو مميز
عضو مميز
مشمشه


عدد المساهمات : 858
تاريخ التسجيل : 02/12/2010

أدب المؤمن مع نفسه Empty
مُساهمةموضوع: أدب المؤمن مع نفسه   أدب المؤمن مع نفسه Icon_minitime1الثلاثاء 22 يناير - 14:38

أدب المؤمن مع نفسه أدب المؤمن مع نفسه أدب المؤمن مع نفسه
أدب المؤمن مع نفسه
يُعَدُّ التأديب الذاتي من المهمات الشائكة جدّاً، نظراً لالتصاقه بالنفس وما يستوجبه من مجاهدتها والوقوف وجهاً لوجه مع متطلباتها التي قد تلح إلى حدِّ تسجيل الغلبة على القوى العقلية الضابطة لحركة النفس واللاجمة لاندفاعاتها. ومنشأ الصعوبة في تأديب المرء لنفسه يكمن في توحد النية والإرادة والعمل، وهذه خصيصة لا يتفق وجودها في حالات وصور التأديب الأخرى، يضاف إلى التوحد عدم تخلف عملية التغيير عن العزم والإرادة. بينما لا يقع التوحد وعدم التخلف في تأديب الآخر الخارج عن الذات. هذا الاختلاف البيِّن لا يلغي حقيقة علميّة ثابتة مفادها تصور المثل المراد معرفته وإلا لا يبقى ما يضمن الوصول إلى الغاية والهدف المرجوين.
وقبل المباشرة في رسم صورة الإنسان المتأدب أو المؤدِّب نفسه بالإسلام، نقول بأنّ الحديث عن التأديب هو في الواقع حديث عن مؤدى العملية وهي الغاية المرجوة، وحديث عن الطريق الموصل إلى نفس العملية الواسعة. فبلورة ملامح الصورة مع أهميتها لا تكفي دون التطرق إلى الكيفية التي تتمثل بها الصورة، وهذه الإلفاتة تدفعنا إلى تسليط الضوء على المدلول اللغوي للأدب فضلاً عن المعنى المراد هنا.

الأدب لغة:
جاء في لسان العرب أنّ الأدب هو الذي يتأدب به الأديب من الناس، وسمّى أدباً لأنّه يأدب الناس إلى المحامد، وينهاهم عن المقابح. وأصل الأدب الدعاء. وأدبه فتأدب: علمه، وفلان قد استأدب بمعنى تأدب.
قال سيبويه: المأدبة كما قالوا المدعاة، وفي الحديث عن ابن مسعود: إنّ هذا القرآن مأدبة الله في الأرض فتعلموا من مأدبته، يعني مدعاته. قال أبو عبيد يقال مأدبة فمن قالها أراد بها الصنيع يصنعه الرجل فيدعو إليه الناس. وقد لجأوا إلى تأويل الحديث السابق تبعاً للمعنى المشار إليه، فشبه القرآن الكريم بصنيع صنعه الله للناس لهم فيه خير ومنافع ثمّ دعاهم إليه.
وذكر في تاج العروس ما يقرب من المعنى السابق، حيث ورد أن معنى الأدب، محرّكة، الذي يتأدب به الأديب من الناس إلى المحامد وينهاهم عن المقابح. وأصل الأدب الدعاء. ونقل الزبيدي صاحب التاج عن شيخه عن تقريرات شيوخه، أنّ الأدب ملكة تعصم من قامت به عمّا يشينه. وذكر أنّه تعلم رياضة النفس ومحاسن الأخلاق.
ونقل الخفاجي في العناية عن الجواليقي في شرح أدب الكاتب: الأدب في اللغة؛ حسن الأخلاق وفعل المكارم، واطلاقه على علوم العربية مولد. وقال ابن السيد البطليموس؛ الأدب أدب النفس والدرس.
وقد أورد الطريحي في مجمع البحرين معنى آخر حيث قال: "أدبته أدباً – من باب ضرب: علمته رياضة النفس ومحاسن الأخلاق، وأدبته تأديباً مبالغة، وتكثيراً، وفي الحديث: "خير ما ورث الآباء لأبنائهم الأدب". قال مسعدة يعني بالأدب العلم، وفيه: كان علي (ع) يؤدب أصحابه أن يعلمهم العلم ومحاسن الأخلاق".

- الأدب عرفاً:
هو علم كل ما يحمدُ المرءُ عليه ويحسِّن في الخلق، والتأدب هو نفس العملية التربوية التي تهدف إلى زرع مفاهيم الخير ومحاسن الأخلاق في النفوس، والإنسان المتأدب هو الذي تتحول فيه المفاهيم إلى سلوك أو الذي هو في مدارج التحول، أما المؤدب فهو من ترسخت في نفسه ملكة الأخلاق الحسنة وباتت تعصمه عن الانحراف أو عمّا يشينه. إذاً التأدب رياضة نفسانية تصهر المفاهيم الأخلاقية المتصورة في قالب سلوكي مقنن.
وأما تحديد "الطباطبائي" من أنّ الأدب "هو الهيئة الحسنة التي ينبغي أن يقع عليه الفعل المشروع إما في الدين أو عند العقلاء في مجتمعهم" ومن أنّه "لا يكون إلّا في الأمور المشروعة غير الممنوعة فلا أدب في الظلم والخيانة والكذب ولا أدب في الأعمال الشنيعة والقبيحة، ولا يتحقق أيضاً إلّا في الأفعال الاختيارية التي لها هيئات مختلفة فوق الواحدة حتى يكون بعضها متلبساً بالأدب دون بعض كأدب الأكل مثلاً في الإسلام، وهو أن يبدأ فيه باسم الله ويختم بحمد الله ويأكل دون الشبع إلى غير ذلك"، هو في الواقع تحديدٌ باللازم السلوكي لعملية التأديب وليس لنفس الأدب. ولهذا لا يقال للإنسان هذا أدبٌ وإنما هذا متأدبٌ.
فيتحصل من مجموع ما تقدم، أنّ الاختلاف بين التحديدات اللغوية والعرفية ليست في الحقيقة والواقع إلّا اختلاف في مصب النظر، وهي متفقة على معنى واحد وتعريف محدد في المصب المشترك. وإذا تبلور المراد من الأدب والتأديب يتضح معنى التأدب الذي هو فعلٌ ذاتي غير مقوّم بطرفين خارجيين، وإن كان بالدقة متقوماً بطرفين هما عقل الإنسان ونفسه تتوسطهما الإرادة. هذا التقريب للمراد من موضوع المعالجة التي بين أيدينا، يدفعنا لإثارة قضية ما يستلزمه التأديب الذاتي المعروف بالتأدب.

- مستلزمات التأدب:
لما كان الأدب المركوز في الذهن هو خاص الحسن دون غيره عُدَّ الحسن من مقومات معنى الأدب وإن "كان مختلفاً بحسب المقاصد الخاصة في المجتمعات"، فهذا ينتج ضرورة اختلاف الآداب الاجتماعية الإنسانية "فالأدب في كل مجتمع كالمرآة يحاكي خصوصيات أخلاق ذلك المجتمع العامة التي ربتها فيهم مقاصدهم في الحياة، وركزتها في نفوسهم عوامل اجتماعهم وعوامل مختلفة أُخر طبيعية أو اتفاقية".
وإذا كان الأدب هو العاكس للأخلاق في كل مجتمع، فهذا يعني أنّ الأدب غير الأخلاق؛ فالأخلاق هي الملكات الراسخة الروحية التي تتلبس بها النفوس، وهي من مقتضيات الاجتماع البشري المعين بخصوصه وبحسب غايته، بينما الأدب هيئات حسنة مختلفة تتلبس بها الأعمال الصادرة عن الإنسان وعن صفات نفسية مختلفة. إذاً الآداب متفرعة عن الأخلاق ومن منشآتها. فالغاية المطلوبة للإنسان هي الأخلاق التي تحدد بل تشخص أدبه في أعماله وترسم لنفسه خطاً لا يتعداه. وإذا كان الأدب يتبع في خصوصيته الغاية المطلوبة في الحياة، كما تقرر، فالأدب الإلهي الذي أدَّب الله سبحانه به أنبياءه ورسله هو الهيئة الحسنة في الأعمال الدينية التي تحاكي غرض الدين وغايته وهو العبودية.
ولما كان غرض الإسلام التعرض لمختلف أوجه الحياة بحيث لا يشذّ شيء من شؤون الحياة "فلذلك وسع الحياة أدباً، ورسم في كل عمل هيئة حسنة تحاكي غايته. وليس له غاية عامة إلّا توحيد الله سبحانه في مرحلتي الاعتقاد والعمل جميعاً،...، فالأدب الإلهي – أو أدب النبوة – هي هيئة التوحيد في الفعل".
فالتأدب في الإسلام، يبدأ اعتقاداً بأنّ للإنسان إلهاً واحداً، منه بدء كل شيء وإليه منتهى كل شيء، ويُتابع بمعايشة تفصيلية تحاكي بنفسها عبودية كل شيء لله تعالى، وبذلك يسري التوحيد في باطن الإنسان وظاهره وتظهر العبودية في أقواله وأفعاله وسائر جهات وجوده ظهوراً لا ستر عليه ولا حجاب يغطيه.
إذاً قبل المباشرة بالتأدب الذاتي، يفترض بناء التصور التوحيدي الشامل للحياة بما فيها البعد الاجتماعي وحتى الذاتي، وشحذ إرادة التغيير وفق البناء السابق وبروحية الاقتراب من الله بتحقيق غرضه في الخلق وهو العبودية التامة له.

- معرفة الذات وطريق صلاحها:
الإنسان من حيث كونه ممكناً، عنده استعداد الوقوع في عالم البليات الدنيوية من جانب، وعنده استعداد السير في معارج الكمال من جانب آخر، فنفس إمكانه يعني قصوره الذاتي وحاجته المستمرة للعون والهداية. وقد شاء الله تعالى أن يدبر الخلق باخراجهم عن مكمن الإمكان إلى عالم السمو والروح الذي هو روح العالم ومظهر اسم الله وخليفته.
فوجود الإنسان لم يحدث من الله تعالى إلّا بعد استيفاء الطبيعة جميع درجات الأكوان وطيها منازل النبات والحيوان، ويجتمع في ذاته جميع القوى الأرضية والآثار النباتية والحيوانية وهذا هو أوّل درجات الإنسانية التي يشترك فيها جميع أفراد الناس ثمّ يرتقي البعض إلى عالم السماء ومجاورة الملكوت الأعلى بتحصيل العلم والعمل، وله أن يستكمل ذاته بالمعرفة الكاملة والعبودية التامة ويفوز بلقاء الله، حينئذٍ يكون رئيساً مطاعاً في العالم العلوي مسجوداً للملائكة وسارياً حكمه في الملك والملكوت.
على ضوء ما تقدم يمتاز الإسلام بتصورٍ خاص في الأخلاق والسلوك ونمط التفكير والاجتماع الإنساني والكوني، والتأدب يتم بامتلاك المعارف المتصورة وتحويلها إلى ملكة تعصم الإنسان عن كل ما يشينه ويرده إلى أسفل السافلين، ومحور فكرة الأخلاق التي هي مادة التأدب التوحيد، فهو المقياس والضابط للنظرة والسلوك. فإذا كان الميزان هو ما ذكرنا، فأولى مهمات التأديب الذاتي ربط النفس بالمحور الاعتقادي الذي هو التوحيد ومن ثمّ تعليمها وتزويدها بالمعارف لتكون على بصيرة من مختلف المظاهر التوحيدية، وبالتالي مراقبة عنصر الانسجام بينها وبين تلك المظاهر، حتى لا يكون من (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (الكهف/ 104).
فعلى مستوى ملامسة الفطرة التي في الحفاظ على سبيلها تمسكٌ بالعبودية للخالق وبالبعد الإنساني في شبكة العلاقات التي يقيمها الإنسان مع غيره. لأنّ الفطرة لا ترشد إلى أكثر من وحدة النظرة إلى الناس في معاشرتهم، فتدعو إلى احترام "الضعفاء والأقوياء على حد سواء والاكثار والمبالغة في حق أهل العلم والتقوى منهم"، فإنّها لمّا ابتنت على أساس العبودية لله والتوحيد تفرع تسوية الحكم في الغني والفقير والصغير والكبير الرجل والمرأة والمولى والعبد والحاكم والمحكوم والأمير والمأمور والسلطان والرعية وإلغاء تمايز الصفات واختصاص الأقوياء بمزايا اجتماعية، فيصبح الناس على وفق معاييرها سواء، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ...) (الحجرات/ 13)، هذا من ناحية النظرة إلى الآخر، أمّا التعاطي مع الذات فتنعدم، بنظرها، مرجحات التمايز الطبقي والجسدي والنفسي، فلا ينظر الإنسان إلى نفسه في حال امتلاكه وتنعمه وسعادته على أنّه غير الفاقد والمحروم والشقي، فيتعطل عنده الشعور الإنساني، بل يتبدل في حال التأدب بالأخلاق التوحيدية الاستكبار والمباهاة تواضعاً للحق ومسارعة إلى المغفرة والرحمة وتسابقاً في الخيرات وجهاداً في سبيل الله وابتغاءً لمرضاته.
وإذا أردنا الغوص أكثر في صورة الإنسان التي لابدّ من أن ينسبق الذهن إليها كي يتعاطى الإنسان مع نفسه ويتفاعل معها على ضوئها، يمكن القول إنّ الإنسان الكامل هو "العالم الصغير ومظهر اسم الله الجامع لمظاهر الأسماء كلها، وهو خليفة الله في أرضه، ومثال نور الله في سمائه، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله، قال سبحانه: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (البقرة/ 31-32).
ليس على الله بمستنكرٍ **** أن يجمع العالم في واحد.
وكما أنّ كل موجود من الموجودات التفصيلية في الكون مظهر من مظاهر اسم الله تعالى، فأجزاء العالم فيها أجناس وأنواع وأشخاص وجواهر وأعراض والأخيرة بمقولاتها التفصيلية أيضاً، وكذلك في الأسماء الإلهية، توجد أسماء جنسية ونوعية وجوهرية وعرضية، كمية وكيفية وغيرها، وفي الإنسان الكامل، الذي هو المظهر الجامع، يوجد أيضاً ما يوجد في عالم الأسماء وفي مظاهر الآفاقية، وقد أشار إلى ذلك أمير المؤمنين علي (ع):
وأنت الكتاب المبين الذي **** بآياته يظهر المضمر
وتزعم أنك جرم صغير **** وفيك انطوى العالم الأكبر
وعلة هذا التناسب المشار إليه الذي قرر بأنَّ كل ممكن من الممكنات هو مظهر اسم خاص، مرجعها – أي العلة – إلى أنّ المناسبة يجب أن تكون ثابتة بين المفيض والمفاض عليه، فتعدد الكمالات وكثرة صور المعلومات يدل على تحقق تلك المعاني الكلية والخيرات في أسبابها وعللها على وجه أعلى وأتم، من غير لزوم تكثر وتجسم في علتها الأولى.
والنظرة السالفة إلى علو مرتبة الإنسان الكامل تستلزم لا بل تستوجب قبل مباشرة مهمة التأديب الذاتي أو نظم العلاقة بين المرء ونفسه، معرفة النبي والإمام لتتاح المؤمن فرصة توظيف ما يعرفه في النبي أو الإمام في نظم عملية التأدب أو اختيار سبيل الرشد للنفس. لقد اختار الله تعالى الإنسان الكامل الذي هو المعصوم مثالاً له تعالى "ذاتاً ووصفاً وفعلاً، ومعرفة هذه الفطرة البديعة، والنظم اللطيف، والعلم بهذه الحكمة الأنيقة والأسرار المكنونة فيها، سر عظيم من معرفة الله، بل لا يمكن معرفته تعالى، إلا بمعرفة الإنسان الكامل، وهو باب الله الأعظم، والعروة الوثقى، والحبل المتين، الذي به يرتقى إلى العالم الأعلى، والصراط المستقيم،... فيجب على كل أحد معرفة ما في هذا الكتاب المكنون وفهم هذا السر المخزون، وهذا معنى وجوب معرفة النبي، ومعرفة الإمام عليهم السلام، من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، لأنّ حياة الإنسان في النشأة الدائمة، إنما هي بمعارف الحكمة الإلهية، والإنسان الكامل تنطوي الحكمة كلها...".
ومعرفة الإنسان الكامل تقود إلى تمييز كل ما يردي المرء إلى الأسفل ويركسه، فدون الصورة المثال يعسر النظر والتحقق في المجافي والمخالف للفطرة والتكوين الصحيح للإنسان، ولهذا سميت الأنواع التي قد يصطحبها في تركيبه وخلقته، بالشوائب لخروجها عن حد الفطرة وابتعاد الإنسان بها عن الصراط وهي الصفات السبعية والبهيمية والشيطانية والربانية ففي خروجه بالغضب عن الحد الطبيعي يتعاطى الإنسان أفعال السباع من العداوة والبغضاء والتهجم على الناس بالضرب والشتم. وفي خروجه بالشهوة عن الاعتدال يتعاطى أفعال البهائم من الشره والحرص والشبق وغيره. وبجموح نفسه في النزعة التسلطية يتصرف مع الضعفاء والخاضعين لولايته بروحية جبروتية وقد يدعي لنفسه الربوبية ويحب الاستيلاء والاستعلاء والتخصيص والاستبداد بالأمور كلها، ومن حيث يختص عن البهايم بقدرة استنباط الحيل والشر قد تنمو فيه الروح الشيطانية فيصير شريراً يتوصل إلى أغراضه بالمكر والحيلة والخداع.
ولعل معظم الصفات غير الحميدة التي لم يمر ذكرها هي تفصيلات متفرعة عن تلك التي مرّت الإشارة إليها؛ فطاعة خنزير الشهوة يصدر منها صفة الوقاحة والخبث والتبذير والتقتير والرياء والهتكة والمجانة والعبث والحرص والجشع والملق والحسد والشماتة، وأما طاعة كلب الغضب فينتشر منها إلى القلب صفة التهور والنذالة والبذخ والصلف والاستشاطة والتكبر والعجب والاستهزاء والغمز والاستخفاف وتحقير الخلق وإرادة الشر وشهوة الظلم وغيرها.
وأما طاعة الشيطان بطاعة الشهوة والغضب فيحصل منها صفة المكر والخداع والحيلة والدهاء والتدليس والغش.
ولو عكس الأمر وقهر الجميع تحت سياسة الصفة الربانية لاستقر في القلب من الصفات الربانية العلم والحكمة واليقين والاحاطة بحقايق الأشياء ومعرفة الأمور على ما هي عليه والاستيلاء على ذلك كله بقوة العلم والبصيرة.
ما تقدم مجموع الصفات المتفرعة عن جموح الصفات المذكورة عن حدّها الوسط، الأمر الذي يعني أنّ امكان الافراط والتفريط متحقق في حدود الصفات المشار إليها، وبالتالي فإنّ عقل وقلب الإنسان صالحان لقبول آثار الملائكة ولقبول آثار الشيطان قبولاً متساوياً، ويترجح أحدهما على الآخر إمّا باتباع الهوى والانكباب على الشهوات أو بمخالفة الهوى والارتباط بالله وتمتين العلاقة به تعالى. وقد صور "الكاشاني" حالة التجاذب بين القوى الملكوتية والأخرى الشيطانية بمعركة طويلة ومحتدمة تستمر "إلى أنّ ينفتح القلب لأحدهما فيسكن ولا يستوحش ويكون اجتياز الثاني اختلاساً، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف/ 201).
وقد صور النبي (ص) ذلك الواقع بتعبير خاص عندما قال "في القلب لمّتان: لمة من الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنّه من الله فليحمد الله، ولمة من العدو إيعاد بالشر وتكذيب بالحق ونهي عن الخير ومن وجد ذلك فليتعوذ من الشيطان ثمّ تلا: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) (البقرة/ 268).
إذا كان واقع الإنسان على الصورة التي تقدمت، وبالخطورة المتصورة والحاصلة أيضاً، أمكن تصور أهمية تعلم الإنسان ومعرفة نفسه، لأنّه هو الأقدر على صوغ البعد الجواني فيه من غيره، وإن لم يكن للمرء من نفسه واعظ فلا تنفعه المواعظ أبداً؛ وخصيصة القلوب والسرائر أنها "خزائن الأسرار ومعادن الجواهر، وقد طويت فيها جواهرها كما طويت النار في الحديد والحجر وكما أخفي الماء تحت التراب والمدر، ولا سبيل إلى استشارة خفاياها إلّا بقوادح السماع، ولا منفذ إلى القلوب إلّا من دهليز الأسماع. فالسماع للقلب محك صادق ومعيار ناطق، فلا يصل نفس السماع إليه إلّا وقد تحرّك فيه ما هو الغالب عليه".
يتبع...



‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗










http://up.aldwly.com/uploads/13584219651.gif

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مشمشه
عضو مميز
عضو مميز
مشمشه


عدد المساهمات : 858
تاريخ التسجيل : 02/12/2010

أدب المؤمن مع نفسه Empty
مُساهمةموضوع: رد: أدب المؤمن مع نفسه   أدب المؤمن مع نفسه Icon_minitime1الثلاثاء 22 يناير - 14:40

أدب المؤمن مع نفسه Adab-almoemen-ma-nfsaho2


تحصّل من كل ما تقدم في
الجزء الأوّل من الموضوع أنّ التأدب، أو أدب العلاقة بين المؤمن ونفسه،
يرتكز على اجتهاد المرء في اخراج كل شوائب الانحراف من نفسه والاجتهاد في
المقابل بتغليب جوانب الصلاح والهداية والاستقامة. والاجتهاد المشار إليه
مُبتنٍ على قوة العلم بالدرجة الأولى لأنّ حسن وصلاح هذه القوة في قدرتها
على إدراك الفرق بين الصدق والكذب في الأقوال وبين الحق والباطل في
الاعتقادات، وبين الجميل والقبيح والأفعال، فإذا تحصلت هذه القوة حصل منها
ثمرة الحكمة، والحكمة رأس الأخلاق الحسنة، ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً
كثيراً.
والحكمة هي معيار ضبطي به يتحدد مقدار القوة الشهوانية المرادة وحجم قوة
الغضب المطلوبة والتي بها تسمى القوة الأولى عفة والثانية شجاعة، والمحمود
في هاتين الصفتين الوسط. ومما تقدم ندرك أبعاد تفضيل التفكر وطلب العلم على
العبادة، فعن أبي عبدالله (ع) قال: "عالم أفضل من ألف عابد وألف زاهد،
والعالم ينتفع بعلمه خيرٌ وأفضل من عبادة سبعين ألف عابد"، وعنه أيضاً قال:
"قال رسول الله (ص): من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى
الجنة، وانّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم،...، وانه ليستغفر لطالب
العلم من في السماوات ومن في الأرض حتى الحوت في البحر، وفضل العالم على
العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وأنّ العلماء ورثة
الأنبياء، وانّ الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورثوا العلم
فمن أخذ منهم أخذ بحظٍّ وافر"، وعنه (ع): "من عمل بما علم كُفيَ ما لم
يعلم".
والعلم المستحب لا بل الواجب تحصيله له روادٌ وحَمَلَةٌ صادقون ومتعينون،
سُئل الباقر (ع) عن قول الله تعالى: (فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ إِلَى
طَعَامِهِ) (عبس/ 24)، ما طعامه؟ قال (ع): "علمه الذي يأخذه". وعن الصادق
(ع): "العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا تزيده سرعة السير
إلا بعداً". وقد اعتبر الفيض الكاشاني المعرفة مدخل التكامل والسمو الأوّل،
فكل معرفة، بنظره، تثمر حالاً وصفاءً في النفس، وكل حال تحمل صاحبه على
عمل وعبادة، وكل عبادة تثمر حالاً آخر وصفاء غير الأوّل، وهو يثمر معرفة
أخرى سوى الأولى، وهكذا يتكامل إيمان المرء بالمعرفة والعبادة حتى يبلغ
الغاية ويخلص من التعب والمشقة ويستقر في الأمن والراحة، ومثل ذلك مثل من
يمشي بسراج في ظلمة، فكلّما أضاء له من الطريق قطعة مشى فيها فيصير ذلك
المشي سبباً لاضاءة قطعة أخرى منه وهكذا، وفي الحديث النبوي: "من عمل بما
علم وَرَّثه الله علم ما لا يعلم".
وأدب المؤمن مع نفسه بعد كل ما تقدم واجب مقدم على كل ما سواه وبتأديب نفسه
يرفع الإنسان السد والحجاب الذي بينه وبين الحق، الذي قد يسبب حرمان الحق
له، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ
خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (يس/ 9).
وتأديب المرء لنفسه واصلاحها واجب عيني، بينما قد لا يتعين حصراً به تأديب
الآخرين، ولهذا كان واجب الصياغة الذاتية مقدماً على فروض الكفايات، إذا لم
نقل بعدم جدوائية إصلاح الآخرين قبل اصلاح الذات، وذلك "لأن آداب الظواهر
عنوان آداب البواطن، وحركات الجوارح ثمرات الخواطر، والأعمال نتيجة الأخلاق
ورشح المعارف، وسرائر القلوب هي مغارس الأفعال ومنابعها، وأنوار السرائر
هي التي تشرق على الظواهر فتزينها وتجليها وتبدل بالمحاسن مكارهها
ومساويها، ومن لم يخشع قلبه لم تخشع جوارحه، ومن لم يكن صدره مشكاة الأنوار
الإلهية لم يفض على ظاهره جمال الآداب النبوية".
مما تقدم تتنقح شرائط عملية التأديب عند المؤمن، من معرفة النفس ومكوناتها،
والتأمل في صورة كمالها بمعرفة النبي أو الإمام المعصوم لكي يتمكن المتأدب
من ملاحظة عناصر الخلل والاندفاع إلى تصحيحها، كما انّه تبلور وجه الحكمة
في مراعاة التوازن والاعتدال في الصفات التي تشكل بتفرعاتها التفصيلية كل
ملامح أفراد الجنس البشري.
وأخيراً اتضحت أهمية تقديم جانب التأدب على التأديب، أي التحصين الذاتي على
تغيير الآخرين، لأرجحية الواجبات العينية على الكفائية من جهة، ولعدم صلاح
خطة تغيير وتأديب الآخر، قبل التمثل الذاتي للصورة الأنموذج أو الأسوة
بنسبة ما كشرط ضروري لنجاح عملية تأديب الآخرين.
يبقى مجموع العناصر التي لابدّ من أن تلحظها عملية التأدب الذاتية، أو أدب
علاقة المؤمن مع نفسه، التي هي في محصلتها الأخيرة علاقة بناء وصلاح وهذه
كلها مشدودة إلى ضابطة تحكيم العبودية المطلقة لله تعالى وتوحيده على كل ما
سواها، والتي تتلخص بإقامة ميزان دقيق يمنع ترجيح أحد جانبي الافراط
والتفريط وهذا بجوهره تعبيراً آخر من الحكمة.


- صورة الشخصية المتزنة:
إذا كان أدب العلاقة مع الآخر، يتجلى في حُبّه وعدم أذيته وحفظ غيبته
واسداء النصيحة له، واشعاره بمحتملات الخطر وإرشاده وتعليمه كل ما يجهله،
فأدب العلاقة مع النفس والذات آكد في تقديم ما سبق وذكرنا لأنّه ما الفائدة
لو ربح العالم كله وخسر نفسه. إلا انّ الصورة التي يؤدي بها مسؤوليته مع
نفسه أكثر جلاءً من غيرها، لأنّ علم المرء بنواقص نفسه ومعرفته بمختلف
عوامل الجذب والطرد فيها حضوري بخلاف علم الإنسان بمكنونات الآخر فهو
حصولي.
إذاً أدب العلاقة مع النفس يرتُكز على اعتبار الإنسان نفسه قائداً وموجهاً
لذاته يفكر في رفع شأن نفسه في الدنيا للآخرة لا فيها ولها في آن. وهذا
يستوجب وضع تصور خاص عن الدنيا والآخرة، وعالم الجسد والروح، والغرائز
والشهوات، ونظم العلاقة مع الأخوان والأعداء ومعايير كل ذلك.
وبما أنّ هذا العالم هو عالم المغالطة والاشتباه وعالم الانعكاس والانتكاس،
"ففيه يقع الاشتباه بين الصديق والزنديق، كما بين العالم النحرير والجاهل
الشرير، وكذا بين أحباء الله المستغرقين في أنوار العظمة والجبروت واعداء
الله الهائمين في طلب شهوات الناسوت. وانما يتبين الفرق وينكشف التمييز بين
هذه الأضداد، لمن كان له قدم راسخ في استحصال العلوم الحقيقية والمعارف
اليقينية، واستكمال النفس بها بعد تصفيتها بالرياضيات الشرعية، وتجليتها
بالمجاهدات العقلية، حتى يستقبلها انكشاف الحقايق من كل صوب وجانب، وينكشف
عليها جلية الحال في كل شاهد وغايب". فتمليك النفس القدرة على كشف الفوارق
والتمييز بين الأضداد أولى مهمات التأدب أو علاقة المرء مع نفسه، فإذا نجح
في ازاحة قناع الخداع والتضليل مع نفسه، وفق في إزاحة كل الأقنعة ومظاهر
التزييف عن وجوه الآخرين. وبالتالي لا يبقى المرء مقتصراً في تصديه للأشياء
خيرها وشرها، نفعها وضرها، حسنها وقبحها، وسعادتها وشقاوتها على ما تدركه
المشاعر الظاهرة، لأنّ الاقتصار عليها من سمات البهيمية لأنّ البهائم تشارك
الإنسان في الحواس الخمس، وهو مفارق لها بسر إلهي وأمانة مودعة فيه طيلة
أيام حياته عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن
منها.
وتأديب النفس وتربيتها كما أنهما يتحققان بدعوتها إلى التزام مضمون الأمانة
المودعة فيها والتي تميزها عن البهائم، كذلك يتوفران في سلوك السبيل
الوحيد القويم الموصل إلى كل الحقائق، وهو سبيل إقامة وظائف العبادة وإدامة
مراسم العدالة. والأوّل مبتنٍ على تهذيب الأخلاق وتقويم الملكات أمّا
الثاني فمرتكز على إقامة مراسم العبودية وأداءً الشكر على النعم الربوبية
والعطايا الإلهية. ولا يستقيم الأوّل دون الثاني وهما لا يستقيمان إلا
بالتشوق إلى المعبود الحقيقي والخير المحض، جلت عظمته وكبرياؤه. فغاية
السلوك والحركة والمعرفة، فالمعرفة هي "المبدأ والنهاية والفاعل والغاية.
فهو الأوّل علماً وإيماناً، والآخر شهوداً وعياناً.
فكلما اشتدت المعرفة جلاءً وظهوراً؛ اشتد الشوق حدّةً وقوةً، وازدادت
بازائها الحركة والسلوك سعياً واجتهاداً. وكلما قوي الشوق وازدادت الحركة؛
كملت المعرفة كشفاً ووضوحاً، وهكذا إلى أن يتصل أوّل الدائرة بآخرها، ولم
يبق في البين عارف ومعرفة غير المعروف، ومشتاق وشوق سوى المشتاق إليه،
وسالك وسلوك سوى المسلوك إليه المقصود. فصار الأوّل عين الآخر والباطن عين
الظاهر".
مما تقدم يتضح بجلاء لا لبس فيه حجم مهمة التأدب الذاتي أو أدب علاقة
المؤمن مع نفسه. فأولى المهمات المقدسة دفع النفس لمعرفة الله تعالى التي
بالاتجاه إلى تحصيلها تتكشف تدريجياً لدى النفس كل الحقائق. وتظهر مقادير
الأشياء على حقيقتها فلا يتغلب جانب الروح على الجسد ولا العكس، إذ للجسد
وظيفته ودوره وللروح كذلك ولو قدمنا إحدى الوظيفتين على الأخرى لاختلَّ
النظام الصغير وانعكس على النظام الكبير لأنّ الإنسان، وكما بيَّنا سابقاً،
جرمٌ صغير فيه يتمثل العالم الكبير، "فسلوك الطريق الوسط بين المدرستين –
مدرسة الجسمانيين ومدرسة الروحانيين – هو الوسيلة المثلى إلى السعادة
والتكامل، بحيث يأخذ الإنسان من خير هذه وخير تلك ويتجنب الإفراط والتفريط.
وهذا ما تحسه الفطرة السليمة وتقضي به قوانين الطبيعة".
وشرط السلوك الطبيعي في معرفة الخالق والاقتراب من مكاشفة الحقايق هو في
مراعاة وجود وظيفة كل ما وجد وتوفر في الإنسان روحاً ومادة. فالطريق الوحيد
إلى التكامل الحقيقي والغناء الذاتي الاستقلالي إنما يكون في الارتباط مع
الله تعالى والانقطاع عن غيره فيبتعد الإنسان عن المعاصي ويتزيّن بلباس
التقوى.
والتوازن على مستوى الروح والجسد يعادله وبنفس النسبة توازن آخر يحمل في
جوهره عين خصائص التوازن السابق وهو الدنيا والآخرة. غير أنّ الطرفين
المتعادلين محكومان بوازنٍ أساسي يعد التغاضي عنه والقفز فوقه خطراً يهدد
الروح والآخرة بالصميم، وهو مراعاة جانب الثابت في المعادلة وعدم اعطاء حق
المتغير بمنأى عن ملاحظة المتغير. فوزان قيمة الإنسان في روحنة جسده
ودنياه، وذلك بأن يعطي الجسد ما لا يضر به الروح، إن لم نقل يخدمها وكذا
الدنيا بالنسبة للآخرة. ومن منطلق هذا الفهم يمكن ادراج مختلف الروايات
التي تذم الدنيا وتحبب في الآخرة، فتكون الدنيا مذمومة عندما تقف في طريق
الكمال وتبعّد الآخرة، لكنها لا تكون كذلك إذا أعطاها الإنسان ما تستحقه
كممرٍ ومزرعة للآخرة، وبذا نستطيع تأويل مختلف الروايات التي قد توحي
بالعداء التام للدنيا، وقد أحسن الغزالي عندما علل سبب عداوة الدنيا لله
ولأوليائه وساوى في عداوتها لله تعالى ولأعداء الله أيضاً، أما عداوتها
"لله فإنّها قطعت الطريق على عباد الله، ولذلك لم ينظر الله إليها منذ
خلقها وأما عداوتها لأولياء الله، فإنها تزينت لهم بزينتها وعمتهم بزهرتها
ونضارتها حتى تجرعوا مرارة الصبر في مقاطعتها".
وأمّا عداوتها لأعداء الله، فلأنّها "استدرجتهم بمكرها وكيدها فاقتنصتهم
بشبكتها حتى وثقوا بها، وعوّلوا عليها فخذلتهم أحوج ما كانوا إليها،
فاجتنبوا منها حسرة تتقطع دونها الأكباد. ثمّ حرمتهم السعادة أبد الآباد،
بل، يقال لهم: (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ)
(البقرة/ 86)".
فالدنيا عبارة عن أعيان موجودة، وللإنسان فيها حظ، وله في اصلاحها شغل، وهي
الأرض وما عليها، فإنّ الأرض مسكن الآدمي، وما عليها ملبس ومطعم ومشرب
ومنكح، وكل ذلك علف لراحلة بدنه السائر إلى الله عزّ وجلّ، فإنّه لا يبقى
إلّا بهذه المصالح، فمن تناول منها ما يصلحه على الوجه المأمور يمدح، ومن
أخذ منها فوق الحاجة يكتنفه الشره ويقع في الذم.
وقول أمير المؤمنين علي (ع): "ما أصف من دار أولها عناء، وآخرها فناء. في
حلالها حسابٌ وفي حرامها عقابٌ، من استغنى فيها فُتِن، ومن افتقر حزن، ومن
ساعاها فاتته، ومن قعد عنها واتته. ومن أبصر بها بصرته، ومن أبصر إليها
أعمته"، إشارة إلى من تمحض نظره واهتمامه بالدنيا، أو كان ما يرمي إليه في
الدنيا لها لا لسواها، أي لم ينظر إلى ما يعمل فيها كزاد للآخرة، وقد توضح
نصوص أخرى مراده كتلك التي يقول فيها "من عظمت الدنيا في عينه، وكبر موقعها
في قلبه، وآثرها على الله تعالى، فانقطع إليها وصار عبداً لها".
وفي السياق نفسه نفهم المراد من سؤال النبي موسى (ع) كليم الله عندما قال:
(إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (القصص/ 24)، وهو
لم يسأله إلا عن خبز يأكله، لأنّه كان يأكل بقلة الأرض. ولقد كانت خضرة
البقل تُرى من شفيف صفاق بطنه، لهزاله وتشذب لحمه.
ويتحصل أنّ النظرة إلى الدنيا والآخرة تنبع من محدودية الدنيا وعظم الآخرة،
لكن دون إغفال بعض ما يضمن الحياة الكريمة في الدنيا ولا يقع في طريق
تحصيل الآخرة.
وإذا كان الإنسان الكامل هو العالم الصغير ومظهر اسم الله، فإنّ التأدب في
خصوص النظرة إلى الدنيا أو الآخرة لابدّ أن ينطلق من واقع حضور البعدين
الدنيوي والأخروي بالكيفية التي لا تضر بسلامة المسير إلى الآخرة.
سبق وتقرر في خصوص النظرة إلى الدنيا والآخرة والروح والجسد أنّ الوازن في
الترجيح أو المساواة هو البعد التعبدي، باعتبار أنّ الإنسان خلق ليعبد،
والعبادة هي التسليم لله سبحانه، والتسليم تعني العمل بمختلف التكاليف
الشرعية المنزلة. فإذا كان منطلق النظرة هو ما تقدم، فنفس الكلام الكلام في
مسألتي الميول والغرائز والشهوات نظراً لتفرعها، بالدقة، عن الاهتمام
بالجسد والدنيا.
وإثارة مسائل الميول والغرائز، بعد موضوعي الدنيا والآخرة، إنما كانت بسبب
مساعدتها في بلورة فلسفة التأدب ومنطلقاتها. فالإنسان ببعده كجرمٍ انطوى
فيه العالم الكبير، لا يتحقق كماله إلّا بشمول نظره ودقة توازنه بين مختلف
المؤثرات، يضاف إلى ذلك توحد كافة الخصائص الكونية فيه، وهو ما يستدعي وفق
اعتقاده التوحيدي أن يراعي ما يتوافق والتوحيد في النظرة، فلا يغلب جانب
باخراجه عن حدّه على جانب آخر، ولا الانقاص من مستلزمات أمر لحساب ثانٍ
وهكذا.
وبذلك يتجسد الاعتقاد بالتوحيد ويترجم ممارسة في كل شيء. وعلى ضوء هذا
الفهم تندرج مختلف الأوامر والنواهي والإرشادات الأخلاقية الواردة في
النصوص الكثيرة، وقد صور الغزالي البعدين الباطني والظاهري في الإنسان بما
يتفق وما تم تشخيصه في المقام، قال: "الباطن هو خلق في النفس، والظاهر هو
أعمال تصدر عن الجوارح. وأمّا الأعمال فإنّها ثمرات لذلك الخلق، وخلق
الكِبر موجب للأعمال، ولذلك إذا ظهر على الجوارح يقال تكبر، وإذا لم يظهر
يقال في نفسه كبر"، وسنة التوحيد في شخصية الإنسان أن يتوحد الباطن والظاهر
على الاعتدال والتوازن دون الإفراط والتفريط
.



‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗










http://up.aldwly.com/uploads/13584219651.gif

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مشمشه
عضو مميز
عضو مميز
مشمشه


عدد المساهمات : 858
تاريخ التسجيل : 02/12/2010

أدب المؤمن مع نفسه Empty
مُساهمةموضوع: رد: أدب المؤمن مع نفسه   أدب المؤمن مع نفسه Icon_minitime1الثلاثاء 22 يناير - 14:46

أدب المؤمن مع نفسه Adab-al-momen-j33


هنا نفهم سبب تسمية النفس
الوازنة أي الخاضعة للأوامر والنواهي، وإن زايلها الاضطراب بسبب معارضة
الشهوات، بالنفس المطمئنة قال الله تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ
الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) (الفجر/
27-28)، أما إذا لم يتم سكونها وصارت مدافعة للشهوة والغضب ومعترضة عليهما
سميت النفس اللوامة، لأنّها تلوم صاحبها عند تقصيره في عبادة مولاها قال
الله تعالى: (لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (القيامة/ 2)، وان
تركت الاعتراض وأذعنت وأطاعت لمقتضى الشهوات ودواعي الشيطان سميت الأمّارة
بالسوء، قال الله تعالى اخباراً عن يوسف (ع): (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي
إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي) (يوسف/
53).
وتوحيد النظرة واعتدال العلاقة بين المتعارضات، فيما يتعلق بالشهوات ولذائذ
الدنيا تحدث الاستقامة السلوكية والانتظام الاجتماعي، وارتفاع التوحيد
والاعتدال يورثان المنغصات، وذلك لأنّ الشخص الذي لا إيمان له مهما كان
سعيداً في الدنيا بحسب الظاهر فإنّ باطنه في ضغط واضطراب لأنّه لا يحقق
جميع امنياته، وفي المقابل يخاف من زوال ما تحقق. وطغيان الجانب الشهواني
والغرائزي يولد الكثير من المظاهر السلوكية البغيضة التي تورث الاختلاف
والتباغض، كالحسد قال تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا
آتَاهُمُ اللَّهُ) (النساء/ 54)، وقال في آية أخرى: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا
فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا
اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا
اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)
(النساء/ 32). كذلك يولد الخلل، الناتج عن تغليب الجوانب المادية الغرائزية
والشهوانية، التكبر وحب التفرد، والحرص والطمع والبخل، قال رسول الله (ص):
"حرمت الجنة على (...) البخيل..".
والوصول إلى مستوى الاعتدال في التعاطي مع الشهوات، قد يتم بالتقليل من
المقدار المعتاد يسيراً يسيراً إلى أن يقف على حدّ التوسط، والإبقاء على
حالة طغيان الجاه والمال والشهوات هو في الواقع تمسك بالدنيا؛ "فالجاه
والمال هما ركنا الدنيا، ومعنى المال ملك الأعيان المنتفع بها، ومعنى الجاه
ملك القلوب المطلوب تعظيمها وطاعتها والتصرف فيها.
فالجاه هو قيام المنزلة في قلوب الناس، وهو اعتقاد القلوب نعتاً من نعوت
الكمال في هذا الشخص، إما من علم أو عبادة، أو نسب أو قوة أو حسن صورة، أو
غير ذلك مما يعتقده الناس كمالاً، فبقدر ما يعتقدون له من ذلك، تذعن قلوبهم
لطاعته، ومدحه ومذمته وتوقيره".
والتوحيد كما يظهر في النظرة إلى الدنيا والآخرة والروح والجسد والشهوات
والميول والغرائز، ووفق ما سبقت الإشارة إليه، يتمثل في استواء النظرة إلى
الناس وعدم التمييز بينهم بغير الجانب الروحي والمعنوي.
وقد كثرت الروايات التي تحض على مراعاة البعد الإنساني الواحد في العلاقات
الاجتماعية، وروي عن أبي عبدالله (ع) قوله: "من أعان أخاه المؤمن اللهفان
اللهثان عند جهده فنفّس كربته وأعانه على نجاح حاجته كانت له بذلك اثنان
وسبعون رحمة لأفزاع يوم القيامة وأهواله"، وعن أبي جعفر (ع) قال: "أربع من
كنّ فيه بنى الله له بيتاً في الجنّة: من أوى اليتيم، ورحم الضعيف، وأشفق
على والديه، ورفق بمملوكه"، وعنه أيضاً (ع) قال: "من كفّ نفسه عن أعراض
الناس كفّ الله عنه عذاب يوم القيامة، ومن كفّ غضبه عن الناس أقاله الله
نفسه يوم القيامة".
هذه النظرة السامية للناس، هي في حدها الاعتيادي، دون ما قد يرفع من قدرها
وقيمتها كالإيمان والعدالة والأخوة الإنسانية، فكيف بها. من هنا لابدّ من
مراعاة مشاعر الأخوة في العقيدة في العملية التربوية، لأنّ الانسجام
المعتقدي قائمٌ في العمق على أسس مشتركة وروحية موحدة؛ ولهذا كانت الخصوصية
في الخطابات الشرعية فيما يتعلق بعلاقة المؤمنين بعضهم ببعض، قال رسول
الله (ص): "من أقرض مؤمناً قرضاً ينتظر به كان ماله في زكاة، وكان هو في
صلاة من الملائكة حتى يؤديه إليه". وقال (ص): "من ردّ عن عرض أخيه المسلم
وجبت له الجنة البتة"، وعن أبي عبدالله (ع) قال: "أيما مؤمن نفس عن مؤمن
كربة نفس الله عنه سبعين كربة من كرب الدنيا وكرب يوم القيامة، وقال: من
يسر على مؤمن وهو معسر يسَّر الله له حوائجه في الدنيا والآخرة، قال: ومن
ستر على مؤمن عورة يخافها ستر الله عليه سبعين عورة من عوراته التي يخافها
في الدنيا والآخرة، قال: وإنّ الله عزّ وجلّ في عون المؤمن ما كان المؤمن
في عون أخيه المؤمن، فانتفعوا بالعظة وارغبوا في الخير"، وعن علي بن الحسين
(ع) قال: "من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى
مؤمناً من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم، ومن كسا مؤمناً كسا الله من
الثياب الخضر".
والمساواة في النظرة مع ترجيح العلاقة مع المؤمنين، هي تماماً كسائر مسائل
الحياة بالنسبة للإنسان الكامل، حيث يؤخذ حدُّ الوسط في كل الأمور فلا
يترجح طرف على الآخر، وجامع كل المسائل التكامل بأداء الأدوار وانتظام
الأمور، اللذان هما عنوانا التوحيد الاعتقادي، وقد وردت روايات كثيرة تعكس
هذه الروح التكاملية في السلوك والنظرة والتعاطي، وقد أجاد البعض في تصوير
الحلم وكظم الغيظ بما يتفق والرؤية المشار إليها حيث قال: "الحلم أفضل من
كظم الغيظ، لأنّ كظم الغيظ عبارة عن تكلف الحِلْم، ولا يحتاج إلى كظم الغيظ
إلا من هاج غضبه ويحتاج فيه إلى مجاهدة شديدة، ولكن إذا تعود ذلك مدة صار
ذلك اعتياداً فلا يهيج الغيظ، وإن هاج فلا يكون في كظمه تعب، وهو الحلم
الطبيعي، وهو دلالة كمالة العقل واستيلانه وانكسار قوّة الغضب وخضوعها
للعقل، ولكن ابتداؤه التحلم وكظم الغيظ تكلفاً".
من هنا كان اللغو محرماً، لأنّه خروج عن الحد المعتبر في الحديث، وكذلك قلة
الكلام وكثرته إن كانتا مخلتين؛ قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ
اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) (المؤمنون/ 3)، (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ
مَرُّوا كِرَامًا) (الفرقان/ 72)، وروي الكثير في رجحان ترك المرء لما لا
يعنيه "أعظم الناس قدراً من ترك ما لا يعنيه"، "ترك ما لا يعني زينة
الورع"، وجاء في دعاء نبي الله ادريس (ع) ما يؤكد هذه الحقيقة "اللّهمّ سلّ
قلبي عن كل شيء لا أتزوده إليك، ولا أنتفع به يوم ألقاك، من حلال أو
حرام".
كذلك الاختلاط بالناس والاعتزال فإن كانا بالقدر الذي يحفظ التوازن الداخلي
للفرد والخارجي مع المجتمع فهو مستحب ومطلوب وإلا فهو مبغوض، وعلى ضوء هذا
الفهم يمكننا حمل معاني كل الروايات المبثوثة في كتب الأحاديث، فقد روي
أنّ "العزلة أفضل شيم الأكياس" و(في اعتزال أبناء الدنيا جماع الصلاح" و"لا
سلامة لمن أكثر مخالطة الناس" وكذلك "إنّ قدرت على أن لا تخرج من بيتك
فافعل، فإنّ عليك في خروجك أن لا تغتاب، ولا تكذب، ولا تحسد، ولا ترائي،
ولا تتصنّع، ولا تداهن"، وفي الحديث القدسي قال الله عزّ وجلّ: "إنّ من
أغبط أوليائي عندي رجلاً خفيف الحال ذا خطر، أحسن عبادة ربه في الغيب، وكان
غامضاً في الناس، جعل رزقه كفافاً فصبر عليه، مات فقلّ تراثه وقلّ
بواكيه".
وفي المقابل روي عن كراهية العزلة فعن اسحاق بن عمار الصيرفي قال: "كنت
بالكوفة فيأتيني اخوان كثيرة وكرهت الشهرة فتخوّفت أن أشتهر بدين، فأمرت
غلامي كلما جاءني رجلٌ منهم يطلبني قال: ليس هو ههنا: قال: فحججت تلك السنة
فلقيت أبا عبدالله (ع) فرأيت منه ثقلاً وتغيّراً فيما بيني وبينه قال:
قلت: جعلت فداك ما الذي غيِّرني عندك؟ قال: الذي غيَّرك للمؤمنين، قلت جعلت
فداك، إنما تخوفت الشهرة، وقد علم الله شدة حبي لهم، فقال: يا اسحاق لا
تملَّ زيارة اخوانك فإنّ المؤمن إذا لقي أخاه المؤمن فقال له: مرحباً كتب
الله له مرحباً إلى يوم القيامة...".
وعلى مثل اللغو والعزلة وكثرة الكلام فلتقس مختلف المسائل السلوكية
والعقلية والشهوانية، التي يمكن أدراجها في عناوين ثلاثة، كما ورد عن أبي
جعفر (ع) الذي قال: "قال أمير المؤمنين (ع): جمع الخير كله في ثلاث خصال:
النظر والسكوت والكلام، وكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو، وكل سكوت ليس فيه
فكر فهو غفلة، وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو، وطوبى لمن كان نظره عبرة،
وسكوته فكرة، وكلامه ذكراً، وبكى على خطيئته، وأمن الناس شره". فالخروج عن
الحدود المعتبرة شرعاً، لا يُقَوّم سلباً أو إيجاباً إلّا بعد ملاحظة قيمة
الفعل نفسه.
ورواية أبي عبدالله (ع) التي موردها الحديث عن التكلم وثوابه وآثامه، لا
تختص بالتكلم فقط وإنما بالامكان انسحابها على غير موارد في السلوكيات
والأفكار والمعتقدات قال: "لا يزال الرجل المسلم يكتب محسناً ما دام ساكتاً
فإذا تكلم كتب إمّا محسناً أو مسيئاً".
فاتنا أن نشير إلى أمر في غاية الأهمية ويترتب عليه آثار كثيرة وكبيرة في
اطاري التكاليف الشرعية والعرفية وهو عدم كفاية مراقبة الذات وإعدادها
لتستوعب وظيفتها الذاتية الخاصة على مستوى اقامة التوازن الداخلي، من جهة
سلامة التفكير والاعتقاد والسلوك وبناء العلاقة مع الآخرين، وانما تتعدى
مسؤولية الفرد في علاقته مع نفسه إطار التأديب الذاتي إلى الموضوعي، بمعنى
اشعار النفس بموقعها الخاص في ضمن الجماعة الإنسانية، وجزءٍ لا يتجرأ من
النظام الكوني الشامل، فينبغي أن تساهم في الحفاظ على سلامة مسار الجماعة
على مستويات السلوك والاعتقاد والعبادة، والتفكير، وتحول بكل ما أمكنها دون
انحراف الجماعة عن سبيل تطورها وارتقائها وإن استلزم ذلك تقديم التضحيات
الجسام، لأنّ مسؤولية انسجام الجماعة ووحدتها على قاعدة الاطاعة التامة لله
تعالى تقع على عاتق كل فرد. وهذا ما عبَّر عنه الشرع بالجهاد وبوظيفة
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد حثّ على ممارسة التكليفين ووعد
الشارع المقدس المكلفين بالرضوان في حال الامتثال وبأشد العقاب في صورة
المخالفة، وقد روي في هذا الإطار؛ "انّ الله فرض الجهاد وعظمه وجعله نصره
وناصره، والله ما صلحت دنيا ولا دين إلّا به"، وفي رواية أخرى: "إنّ الجهاد
أشرف الأعمال بعد الإسلام وهو قوام الدين والأجر فيه عظيم مع العزة
والمنعة، وهو الكرّة، فيه الحسنات والبشرى بالجنة بعد الشهادة"، ولعلّ في
مدلول الآية القرآنية الكريمة التالية ما يوضح الكثير من الأبعاد، قال
تعالى: (وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ
الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل
لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) (النساء/ 75).
أمّا فيما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي الوظيفة الموضوعية
الثانية في عرض وظيفة الجهاد فقد كثرت فيها الآيات والأحاديث والروايات؛
قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ...)
(التوبة/ 71)، وفي الحديث: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق
الله عزّ وجلّ فمن نصرهما أعزّه الله ومن خذلهما خذله الله".
وشكلا مواجهة الواقع الاجتماعي المنحرف أو المشرك، هما من تجليات التحول
الداخلي الذاتي، على مستوى جهاد النفس الذي هو الأصعب والأشد لأنّه صراع مع
المحتوى الجواني للفرد، مع الداخل، حيث يشتبك مع مختلف النوازع والأهواء
والميول المحببة للنفس محاولاً إعادتها إلى الوسطية التامة، وصعوبة هذا
الشكل من الصراع يكمن في السعي نحو الضبط الذاتي الذي يولد الكثير من
المعاناة والألم الداخليين، بخلاف الجهاد الخارجي حيث لا يشعر بالمرارة
عندما ينزل بالآخر الخارج عنه الأذى والألم. ولهذا سمي الأوّل جهاداً أكبر
والآخر الجهاد الأصغر، وقد ورد الكثير من النصوص في الجهاد الأكبر تكشف
أهميته وعمق تأثيره منها: "صابروا أنفسكم على فعل الطاعات، وصونوها عن دنس
السيئات، تجدوا حلاوة الإيمان"، ومنها: "يا معشر المسلمين! شمّروا فإنّ
الأمر جدٌّ، وتأهبوا، فإنّ الرحيل قريب، وتزودوا، فإنّ السفر بعيد، وخففوا
أثقالكم، فإنّ وراءكم عقبة كؤوداً ولا يقطعها إلّا المخفون...".
وإذا تم بيان كل ما تستلزمه مسؤولية التأديب الذاتي، أو أدب العلاقة مع
الذات، أمكن فهم مضمون وأبعاد الحديث الذي يقول "يا مؤمن! إنّ هذا العلم
والأدب ثمن نفسك فاجتهد في تعلمها، فما يزيد من علمك وأدبك يزيد من ثمنك
وقدرك". ومضامين الروايات الأخرى التي موضوعها التأديب الذاتي أو التأديب،
فقد ورد في المأثور: "تولوا من أنفسكم تأديبها، واعدلوا بها من ضرورات
عادتها".
وفي رواية أخرى: "زكِّ قلبك بالأدب، كما يزكى النار بالحطب، ولا تكن كحاطب الليل وغثاء السيل" وأيضاً: "أفضل الأدب ما بدأت به نفسك".
وأخيراً ترجح بعض الروايات التأديب الذاتي وتقدمه على تأديب الآخر، لأنّ
ثمرة العمل في التغيير الداخلي أكبر من ثمرة التغيير عند الآخر، يقول النص:
"ومعلم نفسه ومؤدبها أحقّ بالاجلال من معلم الناس ومؤدبهم".
وهكذا تظهر الأبعاد الثلاثة في عملية التأديب التي هي في الواقع أحد أبرز
مظاهر التكامل في الإسلام حيث يعمل المكلف على خطين واحد جواني ذاتي وآخر
خارجي يتفرع عنه العمل على وضع حدٍّ للانحراف بين المؤمنين بقاعدة فكرية
واحدة لجعلهم أكثر اتصالاً وتواصلاً مع ما يعتقدون، والعمل أيضاً على
محاصرة مظاهر الشرك والكفر في معاقلها في أفرادها ورموزها لاسقاطها
وتحويلها إلى مظاهر إيمانية متناغمة مع مختلف مظاهر الكون الأخرى.
والحمد لله رب العالمين
(فلنبدأ من الآن عزيزي القارئ أنت ونحن على تأديب ذاتنا.
..)



‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗










http://up.aldwly.com/uploads/13584219651.gif

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بوسى
نائبة المدير العام
نائبة المدير العام
بوسى


انثى عدد المساهمات : 3044
تاريخ التسجيل : 02/03/2011
الموقع :
المزاج المزاج : تمام

أدب المؤمن مع نفسه Empty
مُساهمةموضوع: رد: أدب المؤمن مع نفسه   أدب المؤمن مع نفسه Icon_minitime1الثلاثاء 22 يناير - 15:29

بارك الله فيك لهذا الطرح الرائع والقيم
سلمت يداك
جزاك الله خير الجزاء
وعمر الله قلبك بالايمان وطاعة الرحمن
ورزقك المولى الفردوس الأعلى
ونفع الله بك وزادك من علمه وفضله
غفر الله لك ولوالديك ماتقدم من ذنبهم وما تأخر
وقِهم عذاب القبر وعذاب النار



‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗








أدب المؤمن مع نفسه 18839210
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أدب المؤمن مع نفسه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سجن المؤمن
» المؤمن ليس له إجازة
» قصة المؤمن والكافر
»  السعادة والسكينه عند المؤمن.
» كرامة المؤمن عند الله تعالى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي المركز الدولى :: ๑۩۞۩๑ (المنتديات الأسلامية๑۩۞۩๑(Islamic forums :: ๑۩۞۩๑نفحات اسلامية ๑۩۞۩๑Islamic Nfhat-
انتقل الى: