الرد على قصة الغرانيق وبيان عصمة الأنبياء
قوله: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4] فالسنة وحي، والقرآن وحي، لنرد بعد ذلك على قصة الغرانيق التي ستأتي عند قول الله عز وجل: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى [النجم:19-20]، حتى لا يتبجح الزنديق سلمان رشدي في آياته الشيطانية ويقول: إن هناك سهوات محمدية مثل ما يقول المشركون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسهو ويمدح الآلهة والأصنام يريدون بذلك أن يبطلوا الرسالة. إذا مدح النبي صلى الله عليه وسلم يوماً الأصنام وهو ما أتى إلا لهدمها فقد بطلت رسالته من الأصل، ويستدلون على ذلك بحديث موضوع قال عنه إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة: هذا من وضع الزنادقة، وهو حديث الغرانيق العلى، وذهب إلى أنه موضوع أيضاً الإمام البيهقي، والقاضي أبو بكر بن العربي ، والقاضي عياض في كتابه الشفا، والإمام العيني ، والإمام الكرماني أحد شراح البخاري ، والإمام الشوكاني ، والإمام الألوسي ، و صديق حسن خان ، و الشيخ سيد قطب ، والإمام محمد عبده ، وشيخ أهل الشام محدث الديار الشامية الشيخ الألباني عليه رحمة الله في كتابه الطيب: نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق. اعلم يا أخي! أن مذهب السلف هو عصمة النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يختص بالوحي، العصمة عند التلقي والتحمل، والعصمة عند الأداء كما يقولون، يعني: حين ينزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشك في أنه جبريل أو غيره، وإنما يعطيه الله عز وجل ويجعل له العلم اليقين في قلبه أن هذا هو جبريل، وأن النازل به وحي من عند الله، فلو شك النبي صلى الله عليه وسلم هل هذا جبريل أو لا لبطلت الرسالة من الأصل. فعندما يسمع النبي صلى الله عليه وسلم جبريل لا يشك فيه، ولا يزيد فيه ولا ينقص منه: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ [الأعلى:6-7]، وحينما يبلغ الوحي إلى البشر فإنه لا يجوز له أن يشك أو أن يسهو أو أن يزيد في الوحي أو أن ينقص منه شيئاً، حتى يستقر العلم بالوحي في الأرض، وإذا استقر العلم بعد ذلك فيجوز له أن ينسى أو أن يسهو، مثلما حدث في الصلاة ونبهه الصحابة.
أما عصمة الأنبياء من الذنوب فهم معصومون من الكفر ومن قول الباطل والكبائر، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الكفر قبل الرسالة، أما قوله: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى [الضحى:7] فمعناه: ووجدك غافلاً عن أحكام الشريعة. فما كان النبي صلى الله عليه وسلم على دين قومه قط، قال الإمام أحمد : من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان على دين قومه هذا قول سوء، يعزر صاحبه.
والأنبياء معصومون من الكبائر بعد الرسالة، أما قول موسى: فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ [الشعراء:20]، فإن هذا قبل الرسالة. أما صغار الذنوب فتجوز على الأنبياء، وهذا مذهب السلف، ولا يعرف لهم مذهب غيره كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، ولكنهم إذا فعلوا صغار الذنوب تابوا منها في الحال، وأقلعوا عنها، وكان حالهم بعد التوبة أكمل من حالهم قبل التوبة، ولذا قال تعالى: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:2-4].
معنى قوله تعالى: (علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى)
عداوة اليهود لجبريل وللمسلمين
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ثم أما بعد: قال تعالى: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى [النجم:5-6]. هذا معلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا كما يقول اليهود الكذابون الدجالون: إن الذي كان يعلم محمداً هو عبد الله بن سلام حبر اليهود الذي أسلم بعد ذلك عدو جبريل من الملائكة كما قالت يهود، واليهود يبغضون كل شيء طيب وجميل، وكبرى جرائمهم قتلهم للنبي صلى الله عليه وسلم. فصارت الحرب بيننا وبينهم دينية بحتة، روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (لأن أحلف بالله تسعاً أحب إلي من أن أحلف مرة واحدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل قتلاً، وجعله الله نبياً، واتخذه شهيداً). يقول أبو الأحوص فسألت إبراهيم النخعي فقال: كانوا يقولون -أي: الصحابة-: إن يهود سممت النبي و أبا بكر .
قال الشيخ أحمد شاكر : إسناده صحيح على شرط مسلم ، ورواه الحاكم في المستدرك. وزينب بنت الحارث هي التي سمته بعد غزوة خيبر، ومات النبي صلى الله عليه وسلم من أثر السم، حيث كان يعاوده أثر السم فيحتجم، حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم متأثراً بالسم. وكذلك سموا من بعده الصديق أبا بكر ، و عبد الله بن سبأ اليهودي كان وراء قتل عثمان ، وصاحب الفتنة الكبرى، حيث أله علياً وأسس المذهب الشيعي في ديار المسلمين وأتت كل البدع عن طريق الدولة الفاطمية التي أنشأها عبيد الله بن ميمون القداح اليهودي المنتسب إلى بيت النبوة زوراً. وأسقطوا دولة الخلافة في تركيا على يد اليهودي مصطفى كمال أتاتورك من يهود الدونمة، ثم بعد ذلك أخذوا فلسطين. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:5] هو جبريل عليه السلام، و(القوى) هنا لازمة لصيانة الوحي عن أن يتخطفه الشياطين عند نزول جبريل به، قال الله عز وجل: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ [الشعراء:210-211]، لقوة جبريل إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ [الشعراء:212]. يقول النبي صلى الله عليه وسلم في وصف جبريل بهيئته التي خلقه الله بها وقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك مرتين: (رأيت جبريل له ستمائة جناح، ينتثر من ريشه تهاويل الدر، كل جناح سد علي الأفق). قال الله تبارك وتعالى مبيناً قوة جبريل: فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ [القمر:37] يعني: طمس جبريل أعينهم بطرف جناحه فقط بعد أن رفع القرى اللوطية الخمس حتى أسمع الملائكة صوت نباح الكلاب وصوت الديكة، وهو الذي صاح صيحة واحدة على ثمود، إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً [يس:29]، صيحة واحدة فقط!
قوله تعالى: (ذو مرة فاستوى)
قال تعالى: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ [النجم:5-6]، أي: ذو قوة. والقول الثاني: أي: ذو منظر حسن وجميل، ينتثر من ريشه تهاويل الدر، يحمل الجمال والنور وينزل به في الصحف المكرمة. فلابد أن يكون في منظر جميل، وانظر إلى جمال نزوله، حيث يقول: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى [النجم:1]، يعني: والقرآن إذا نزل، فجبريل عليه السلام في تلألئه وفي النور الذي يحمله مثل النجم إذا لمع ورق، أجواء شفافة مضيئة يحملك إليها القرآن بعيداً عن الأرض: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى [النجم:5-6] أما من يحمل الصحف السوداء والكذب والدجل فتجده يحمل وبيصاً منها وشيئاً منها وكفلاً منها. وإذا رأى الشيطان طلعة وجهه حيا وقال فديت من لا يفلح لست كذاباً فما كان أبي حزباً ولا أمي إذاعة أما الصحف النقية الكريمة، فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ [عبس:14-15]، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ [النجم:5-6] يعني: ذو منظر جميل، والله تبارك وتعالى يصف سيدنا جبريل في سورة التكوير فيقول: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير:20-21]، هو المقرب من الملائكة إلى ربه، له مكانة وأي مكانة عند الله عز وجل، فهو: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ [التكوير:20]. لا تبغين جاهاً وجاهك ساقط عند الإله وكن للموت حذارا قال تعالى: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ [التكوير:20-21] له الطاعة العظمى في ملكوت السموات، يصدر الأمر إلى الملائكة فيستجيبون له ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير:21]. وعندما تسمع صفة جبريل انظر إلى ملكوت السموات وكم فيها من ملك؟ قال صلى الله عليه وسلم: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك ساجد واضع جبهته لله تبارك وتعالى). وأعداد الملائكة على التضعيف، يعني: كل سماء ضعف التي قبلها، فعدد الملائكة الذين يدخلون البيت العتيق سبعون ألف ملك يدخلونه ثم لا يعودون أبداً، وهذا منذ أن خلق الله تبارك وتعالى السموات، وكل هؤلاء يؤدون لجبريل الطاعة المطلقة فهو: مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير:21]، أي أمين يحمل أنفس شيء، وأعظم شيء، وأجمل شيء، ولا يبخل به، مع أنه نزيه لا يكتم شيئاً منه، فليس بمتهم على الوحي، كما قال الله تبارك وتعالى عن الرسول البشري سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ [التكوير:24] والغيب هنا هو القرآن بإجماع علماء التفسير.
فقوله تعالى: وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ [التكوير:24] يعني: لا يبخل بشيء من الوحي مع نفاسته ولا يكتم شيئاً منه، وهذا كمال الكرم. القول الثاني على القراءة السبعية الثانية: وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بظَنِينٍ [التكوير:24] بالظاء يعني: ليس بمتهم، فهو أمين. فهو سبحانه يثبت الأمانة لسيدنا جبريل ويثبتها للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ [التكوير:24]، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى [النجم:5-6] كلمة (استوى) معناها: علا وارتفع، ولكن استوى قد تضيف لها حرف جر فتحمل نفس المعنى، أي فتكون بمعنى العلو والارتفاع، وتحمل معه معنى آخر، وهذا من جمال اللغة العربية: وسعت كتاب الله لفظاً وغاية وما ضقت عن آي به وعظات فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة وتنسيق أسماء لمخترعات أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي وكلمة (شرب) نعلم من معناها جميعاً أنه إنسان يشرب، ولكنه قد يشرب ولا يرتوي، فإذا وضعنا حرف الجر بعدها أفادت معنى آخر للشرب: عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ [الإنسان:6] لم يقل: يشربها عباد الله وإنما قال: عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ [الإنسان:6] يعني: يرتوي منها عباد الله. قال تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [البقرة:29] قال ابن كثير : ثم صعد، وقال ابن جرير : ثم قصد، فصار معناها العلو والارتفاع، ومعناها القصد، أي القصد تجاه الشيء. فيكون معنى استوى: العلو والارتفاع أي: ارتفع جبريل في الأفق الأعلى: وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى [النجم:7].
قوله تعالى: (ثم دنا فتدلى.... ما أوحى)
قال تعالى: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى [النجم:8]. من الذي دنا فتدلى؟ ليس معناه: أنه زاد فيه ونقص، وقدم وأخر، ووقع في الوهم، كما قال الحافظ ابن حجر ، وحمل عليه العلماء الحديث الوارد في البخاري و مسلم. وإنما الذي دنا فتدلى هو جبريل، دنا فتدلى من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرب.
قال تعالى: فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى [النجم:9]. قاب: قدر قوسين: القوس معروفة. أو أدنى: (أو) هنا لا تحتمل الشك، وإنما لتقدير المسافة، مثلما قال الله عز وجل: وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصافات:147]، يعني: ما كانوا مائة ألف، بل يزيدون على ذلك فـ(أو) لا تحمل معنى الشك، ومثلها: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [البقرة:74] إن لم تكن فيها قسوة الحجارة فهي أشد منها.
قال تعالى: فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى [النجم:10]. أي: أوحى الله لعبده جبريل ما أوحى، أو أوحى جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما أوحاه الله إليه. قال تعالى: مَا كَذَّبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى [النجم:11]، وفي القراءة السبعية الثانية: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى [النجم:11] يعني: ما كذب الفؤاد ما رآه البصر، بل صار مشهد البصر والبصيرة واحداً. اللهم يا معلم إبراهيم علمنا، يا معلم إبراهيم علمنا، يا مفهم سليمان فهمنا، اللهم ارزقنا من علمك ربي، اجعلنا لك ذكارين، لك شكارين، إليك أواهين مخبتين منيبين، تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، واسلل سخائم صدورنا.
الكلام على رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا
هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ هذا أمر فيه خلاف بين أهل السنة والجماعة. قال العلماء: إن رؤية الله تبارك تعالى يقظة لا تجوز في دار الدنيا لا تجوز للمؤمنين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت). وبعض الناس يجوزون رؤية الله عياناً في دار الدنيا، وهؤلاء هم الصوفية، بل يجوزون رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم يرى يقظة في دار الدنيا، وهذا قال به طائفة من علماء الصوفية، ويقول به الشيوخ المنتسبين إلى الحركة الإسلامية في باكستان فهم يقولون بجواز رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصنع كشف الحسابات الخاصة بدار العلوم عندهم وهذا كلام لا يقول به سليم العقل! أما بالنسبة لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه فالعلماء فيها على ثلاثة أقوال: منهم من توقف فلم يثبت الرؤيا ولم ينفها كالإمام القرطبي. ومنهم من أثبت الرؤيا، وهم: سيدنا عبد الله بن عباس ، و الحسن البصري ، و عكرمة، وعروة بن الزبير، وابن شهاب الزهري، وإمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة ، وأكثر الأشاعرة، وانتصر لذلك الإمام ابن حجر العسقلاني في كتابه (الغنية في مسألة الرؤية). وكان ابن عباس يقول: إن الله اختص محمداً بالرؤية مثلما اختص موسى بالكلام، واختص إبراهيم بالخلة.
والخلة ثابتة والتكليم ثابت للنبي صلى الله عليه وسلم. وكان الحسن البصري يحلف بالله أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه.
أما من نفاها فهم أكثر أهل السنة وجمهور الصحابة كـعائشة رضي الله عنها و أنس ، و أبي ذر رضي الله عنه، وجمهور علماء السنة من بعدهم. وابن عباس له روايتان: رواية مطلقة بأن النبي رأى ربه، ورواية مقيدة أنه رأى ربه بفؤاده، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بقلبه يعني: الرؤيا المنامية. أما الذين نفوا الرؤية وهو القول الأصح فمنهم السيدة عائشة فلما قال لها مسروق بن عبد الله الأجدع: إن كعب الأحبار يقول إن محمداً رأى ربه، قالت: لقد قف شعري مما تقول، من قال لكم أن محمداً قد رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله عز وجل. وإن أبا ذر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنى أراه؟) و(نور) هنا فسرها العلماء أنه حجاب النور الذي حال بينه وبين رؤيته. وأصح الأقوال ما قال الإمام ابن كثير ، والإمام البيهقي : أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ثابتة مناماً بالقلب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا) وكل ما يأتيه في المنام يكون وحياً. ولذلك كان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم -كما يقول ابن عباس -: أنه ربما نام حتى يسمع غطيطه ثم قام فصلى ولم يتوضأ، فلا يأتي أحد يقول لك: نحن نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم فنقوم من النوم ونصلي مباشرة، لأن ذلك من خواص النبي صلى الله عليه وسلم. وربما كان يأتيه الوحي مناماً. أما حديث اختصام الملأ الأعلى، الذي قال عنه الإمام الترمذي : سألت عنه محمد بن إسماعيل البخاري فقال حديث حسن صحيح، وصححه الشيخ الألباني ، وشرحه الإمام ابن رجب الحنبلي في كتاب (اختيار الألى شرح حديث اختصام الملأ الأعلى) فهو قوله صلى الله عليه وسلم: (رأيت ربي فيما يرى النائم في أحسن حلة).