الإصرار على المعاصي - للشيخ : ( سعيد بن مسفر )
تحدث الشيخ عن طلب العلم مبيناً أنه نوعان: علم شرعي وهو علم الكتاب والسنة، وعلم دنيوي تندرج تحته بقية العلوم، وقد أوضح خلال هذا فرضية العلم الشرعي، ثم ضرب أمثلة تتناول سعي من سبقونا في طلب العلم وحرصهم على ذلك، مسهباً في الحديث عن سوء الخاتمة، وموضحاً علاقة الإصرار على المعاصي بها.
أهمية طلب العلم وتحصيله
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد:طلب العلم الشرعي -علم الكتاب والسنة- فريضة من فرائض الدين، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) وليس في الحديث مسلمة، ولكنها تدخل ضمن المعنى؛ لأن كل تكاليف الشرع موجهة إلى الرجل والمرأة ما لم يختص الرجل بحكم وتختص المرأة بحكم، وإلا فإن الأصل أن كل تكاليف الشرع موجهة إلى الإنسان بجنسيه: الذكر والأنثى. فالعلم المفروض هو قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن العلم ينقسم إلى قسمين من حيث هو فريضة: فرض عيني، وفرض كفائي.فالفرض العيني هو علم القرآن والسنة مما يتعلق بعبادة الإنسان وعقيدته وسلوكه، فهذا لا يعذر بجهله أحد وإنما يجب عليه شرعاً أن يتعلم ذلك.أما الفرض الكفائي فهو بقية العلوم -أي: علوم الإنسان التجريبية- كالطب والهندسة والكيمياء والفيزياء.. وجميع هذه العلوم. فليس مفروضاً على كل مسلم أن يكون طبيباً أو مهندساً، ولكنه فرض كفائي يجب على الأمة في العلوم، فإذا قامت به بعض الأمة سقطت العهدة عن البقية، إذ ينبغي ويجب أن يكون في المجتمع المسلم أطباء ومهندسون وعلماء في كل مجالات الحياة، حتى يعمروا هذه الحياة عمارة حقيقية، ويكونوا خلفاء لله في أرضه؛ لأن الدين يشمل وينتظم كل مصالح الدنيا والآخرة، وسعي الناس في طلب العلم -والحمد لله- خاصة الشباب منهم في هذا الزمن، الذين نسأل الله عز وجل أن يوفقهم ويثبتنا وإياهم، ويبصرهم في دينه، فإن حرصهم على حضور حلقات العلم هو قيام بالواجب، وليس في ذلك شك؛ لأنهم يؤدون فريضة الله، وهي ظاهرة تدل على الصحوة الإيمانية التي يشعرون بها، نسأل الله أن يزيدهم توفيقاً وهداية وثباتاً.ولا نريد أن نبالغ إذا قلنا: إن الشباب في خير؛ حتى لا يحصل لهم شيء من الغرور، ويظنون أنهم قد قاموا بالواجب على أكمله؛ لأن الدارس لسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة السلف رضي الله عنهم، ورؤيته للجهد الجهيد والمعاناة التي كان يشاهدها ويلاقيها السلف في سبيل تحصيل العلم، يرى في ذلك أنه لا نسبة ولا تناسب بيننا وبينهم؛ لأنهم كانوا يقطعون الفيافي والقفار والمدن والشهور في سبيل تحصيل العلم.
موسى عليه السلام وحرصه على طلب العلم
موسى عليه السلام لما وقف خطيباً في بني إسرائيل وقال: إنه لا يعلم في الأرض أعلم منه، ولم يستثن ويقول: إلا الله، فأراد الله أن يخبره أن في الأرض من هو أعلم منه، فأوحى إليه أن هناك عبداً صالحاً آتاه الله علماً، وأنه يسكن في مجمع البحرين؛ ومجمع البحرين في نهاية قارة إفريقيا في الشمال الغربي منها، عند التقاء البحر الأبيض المتوسط مع المحيط الأطلسي في مضيق جبل طارق ، في أرض المغرب في مدينة اسمها طنجة ، أي عند التقاء المحيط الأطلسي مع البحر الأبيض المتوسط ، في المضيق الذي يسمونه الآن: مضيق طارق ، ليس طارق عبد الحكيم ؛ لأن بعض الناس لا يتصور إلا هذا الاسم، وإذا قلت له: محمد عبد الوهاب ، لم يخطر في ذهنهم إلا الموسيقار، لا يعرفون أنه يوجد شخص اسمه محمد بن عبد الوهاب ؛ الإمام المجدد الذي دعا إلى دعوة التوحيد، والذي قامت على دعوته هذه الدولة، والذي نظف وطهر الله بدعوته هذه الجزيرة العربية من أدران الشرك، بعد أن كان الشرك مهيمناً ومخيماً عليها، لدرجة أنهم في نجد كانت المرأة التي لا تحمل تأتي إلى عذق النخل وتقول له: يا فحل الفحول! أعطني بعلاً قبل الحول. وكان يطاف بقبر زيد بن الخطاب في اليمامة كما يطاف بالكعبة، ولكن بأثر دعوة هذا الشيخ المبارك، ثم بتعاون أسرة آل سعود مع الشيخ في أول الدعوة، وكان لهذا الأثر قيام التوحيد، ومن ثمرة التوحيد هذه الدولة الموحدة إن شاء الله.أكثر الناس يجهل محمد بن عبد الوهاب وغيره من الأعلام، ولا يعرف إلا الأسماء التي يسمعها في الليل والنهار عن المغنين.المضيق هذا اسمه مضيق طارق بن زياد ، وهو فاتحٌ وقائدٌ إسلامي عظيم، فتح الأرض حتى وصل إلى أسبانيا عبر المضيق وأحرق السفن، وقال للجيش: البحر من ورائكم والعدو من أمامكم، فاقتحموا وفتحوا بلاد أسبانيا وجزءاً من بلاد فرنسا ، يوم أن كانت راية الإسلام مرفوعة وعلم الجهاد عالياً.أخبر الله موسى أن هناك عبداً صالحاً أعلم منه، فقطع المسافة من بلاد فلسطين حتى مغرب الشمس.انظروا! يقطع الطور ويأتي إلى مصر ويعبرها إلى ليبيا وتونس والجزائر ثم المغرب ، كل هذا على قدمه، وليس معه شيء إلا غلامه وهو يوشع بن نون ، وهم يعبرون الطريق في سبيل تحصيل العلم؛ من أجل أن يقف على عالم يأخذ منه علماً، فلما وجده قال: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً [الكهف:66] الغرض من الرحلة الطويلة أنه يتعلم منه، فقال له الخضر عليه السلام: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً [الكهف:67] فالعلم يحتاج إلى صبر، ومن لم يصبر لا يتعلم.والصبر أنواع عدة: صبر في الطلب، والأدب، والأداء، والحفظ، والمجالسة؛ لأن مجالس الذكر تطول وتكثر عليك، فلا بد من الصبر والتحصيل والحفظ.قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً [الكهف:67] ..قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً [الكهف:69] قال: من أول الآداب أن تمشي ولا تسأل، أي: لاحظ وارصد، لكن لا تسأل قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً * فَانْطَلَقَا [الكهف:70-71].وعبر الرحلة كانت هناك ثلاثة مشاهد، تستوجب من موسى عليه السلام أن يسأل عنها؛ لأنها أشياء في ظاهرها الإفساد وعدم التعقل:المشهد الأول: عندما ركب السفينة خرقها، والخرق تدمير وتخريب، وموسى نبيٌ مرسل للإصلاح ومحاربة الإفساد، فلم يصبر على الذي يراه.. السفينة تُخرق، والماء قد يدخل وتغرق السفينة، فقال للخضر: أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً [الكهف:71] فكان الجواب مباشرة أن قال له الشرط: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ [الكهف:72-74].المشهد الثاني: دخلا مدينة، فوجدا غلاماً يلعب مع الأطفال فلحقه الخضر وأمسكه بإحدى يديه ورأسه بيده الأخرى ثم قطع رأسه، فاستنكر موسى هذا الأمر؛ لأنه قتل للنفس بغير حق، وقال: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً [الكهف:74] في الآية السابقة قال: شَيْئاً إِمْراً [الكهف:71] أي: يدعو إلى العجب؛ الناس يركبونك في السفينة وأنت تخرقها، ولكن هنا لم يقل له: (شَيْئاً إِمْراً) ولكن قال له: (شَيْئاً نُكْراً)، أي: أمر منكر لا يمكن أن أسكت عليه، فقال: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ [الكهف:75] ففي الآية السابقة قال: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ [الكهف:72] لكن في المرة الثانية: (أَلَمْ أَقُلْ لَكَ ) وهذه فيها زيادةٌ توبيخ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي [الكهف:76] أي: أعطني فرصة أخيرة ومحاولة ثالثة وأخيرة: قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً [الكهف:76]. المشهد الثالث: فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا [الكهف:77] عندما وصلوا إلى القرية لم يضيفوهما، وطلبوا من أهلها الطعام فلم يطعموهما، ثم وجد الخضر جداراً يريد أن ينقض فقال لموسى: دعنا نبني هذا الجدار، قال موسى: سبحان الله! كيف يطردونا ولا يطعمونا وأنت تبني لهم جداراً دون مقابل، على الأقل خذ عليه أجراً قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ [الكهف:77-78] أنت لا تصلح لطلب العلم، فالعلم يريد صبراً سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً [الكهف:78] ثم ذكر له القصة.يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله أخي موسى، لو صبر لأرانا من عجائب علم الله عند الخضر عليه السلام) لأن الله قال: عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [الكهف:65] علم لدني أي: من الله تبارك وتعالى أطلعه الله عليه، ففاصله بعد أن أخبره الخبر، ويوم أن أراد أن يعود ليودعه كان في المحيط الأطلسي طائر ينقر في المحيط، ويأخذ بمنقاره نقطة من الماء، قال الخضر: أترى هذا يا موسى؟ قال: نعم. قال: هل ينقص هذا المنقار من هذا المحيط شيئاً؟ قال: لا. قال: والله ما علمي وعلمك في علم الله إلا كما ينقص هذا العصفور من هذا المحيط لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً [طه:98].. لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ [سبأ:3] ويعلم كل ورقة، وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ [الرعد:8] سبحانه لا إله إلا هو! يسمع دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء.وقطع الرحلة موسى عليه السلام وعاد، وهذا كله في سبيل تحصيل العلم.
السلف وطلب العلم
كان سلف هذه الأمة يقطعون المسافات الطويلة في سبيل تحصيل العلم، وما هذه الآثار العظيمة التي بين أيدينا من كتب وتفاسير ومصنفات وشروحات إ لا نتيجة تحصيل السلف للعلم، حتى إننا نعجز عن عَدِّ أسمائها ومعرفتها فضلاً عن قراءة ما فيها، ومن الناس من عنده كتباً لم يقرأها أبداً، بل من الناس من لا يعرف بعض أسماء الكتب لبعض المؤلفين الكبار.إذاً: هذه العلوم والثروة العظيمة كانت ببركة الصبر والسعي والجهد والتحصيل العلمي لإرضاء الله عز وجل، لم يدرسوا العلم من أجل الشهادات كما هو الآن في غالب أحوال الناس من طلب العلم للحصول على المؤهل، فإذا حصل على الشهادة نسي العلم كله.ولهذا لو سألت الطالب الذي يختبر اليوم في مادة التوحيد وعنده بعد يومين مادة التفسير، تعال واسأله بعد أن يخرج من التفسير عن التوحيد الذي دخله قبل يومين، يقول: والله قد نسيت، أين علمك عن التوحيد؟ قال: وضعته في الورقة. فالهدف من تحصيله للعلم أنه يقدم للامتحان، بينما السلف هدفهم العلم لوجه الله عز وجل.يروى عن الإمام أحمد إمام أهل السنة رضي الله عنه وأرضاه أنه كان يحفظ ألف ألف حديث، أي مليون حديث بأسانيدها، وأنه أشكل عليه رجل في سند حديث، فسأل عنه فقيل له: إنه عند عبد الرزاق الصنعاني ، صاحب المصنف ، وكان يسكن في صنعاء بـاليمن، وكان الإمام أحمد يسكن في بغداد بـالعراق ، فرحل من بغداد إلى اليمن ، يريد أن يأخذ السند.وكان معه في الرحلة يحيى بن معين ، ومرا في طريقهما إلى اليمن بـمكة فحجا، ولما كانا يطوفان بالبيت رأيا عبد الرزاق الصنعاني ، قد جاء من اليمن للحج ، وكان يحيى بن معين يعرف عبد الرزاق ، فسلم عليه بعد أن طاف، وقال للإمام أحمد : يا أبا عبد الله ! قد كفيت مسيرة شهر ومؤنتها، يقول: وفر الله عز وجل عليك مسيرة شهر إلى اليمن وأيضاً النفقة فيها؛ لأنها على حسابهم بدون انتداب، وبدون مؤنة، وكانت وسائل النقل في ذلك الوقت الحمير، لا يوجد عندهم سيارات ولا طائرات؛ يمشون على أقدامهم في الحر والقر والبرد والجوع والخوف! وفي سبيل العلم يقطعون كل هذه المسافات، فقال يحيى بن معين للإمام أبي عبد الله : لم لا نسأله الآن؟ قال الإمام أحمد : والله لا نرجع عن النية التي قد أردناها لوجه الله، والله لا آخذ هذا الحديث إلا في صنعاء، لأنني خرجت من هناك لوجه الله، فلا أريد أن أعطل نيتي بطلب العلم، ولا أبد أن أرحل.ولكن من الناس اليوم من تكون الندوة بجوار بيته، والعالم يأتي إلى قريته، ثم لا يأتي للصلاة؛ لأن المحدث سوف يؤخره نصف ساعة أو ساعة، وبعضهم يأتي يصلي فإذا قام المحدث أو العالم أو طالب العلم يذكر خرج وتركه والعياذ بالله، ربما كانت الحلقة العلمية موجودة في أبها في مسجد الشيخ عائض أو أحمد بن حسن ولكنه لا يحرص على الحضور إليها، وكيف يريد هذا الإنسان أن يرزق العلم، ويؤتى الإيمان، وتحل البركة وهو معرض مدبر عن الله عز وجل!إن أقصى درجاتك أن تحرص على طلب العلم على الأقل بدون شد رحال، فكيف إذا كنت في مدينة تقام فيها ندوات ولا تحضرها؟! أجل. كيف تريد أن تهتدي؟!
عظم أجر طالب العلم
روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث طويل وسوف أذكره بطوله لأخذ الشاهد منه، قال: قال عليه الصلاة والسلام: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة) انظروا إلى جزالة الأحاديث، وعظمة البلاغة النبوية صلوات الله وسلامه عليه.يقول: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة -هذا الشاهد- وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة).انظر الفرق بين النزول والغشيان، النزول يقول العلماء: يكون على موضع، أما الغشيان فيكون على العموم، فتنزل السكينة على موضع، أين تنزل السكينة؟ في القلوب (إلا نزلت عليهم) أي: على قلوبهم، (السكينة) وهي ضد القلق، والتبرم والتضجر والحرج، و(غشيتهم) أي: تغشى الموجودين، حتى الذي ما نزلت عليه السكينة في قلبه تنزل عليه الرحمة، ولو كان قلبه ليس خاشعاً كأن يكون ليس من أهل الذكر أو المجلس، أو مر لغرض وسمع الصلاة قامت وجاء يصلي، لكنه يدخل معهم في الرحمة؛ لأنهم (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم).. (وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده).ثم قال عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) أي: وسائل النقل التي يعبر عليها الناس يوم القيامة هي العمل، أما النسب فلا يسرع ولو كنت ابن الملك أو ابن الأمير أو ابن الوزير أو ابن أي شخصية في الدنيا وما عندك عمل والله لا تمشي على الصراط خطوة واحدة، ولا ينفعك في القبر لا ملك ولا مال ولا جاه ولا سلطان ولا نسب ولا أي شيء من مقومات الدنيا، لكن تأتي وعندك إيمان قوي، ولو كنت ابن أوضع إنسان فإن الله تبارك وتعالى يقول: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].الوسائل التي يقطع بها الناس الأهوال يوم القيامة هي وسائل الإيمان، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لـفاطمة : (يا فاطمة ! لا أغني عنك من الله شيئاً لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم) لا ينفع النسب يوم القيامة، فالله تعالى يقول: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ [المؤمنون:102] أي: بالإيمان والعمل الصالح فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:102-108] لا يوجد مراجعة، ولا فرصة، ولا يوجد دور آخر إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً [المؤمنون:109-110] أي: هزءاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي [المؤمنون:110] اشتغلتم بهم وسخرتم منهم حتى نسيتم ذكر الله عز وجل، وجعلتم هؤلاء هم شغلكم الشاغل وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ * قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ [المؤمنون:110-112] يسأل أهل النار الذين ضيعوا وفرطوا فيقول لهم: كم لبثتم في الأرض عدد سنين حتى صعب عليكم العمل الصالح؟ قالوا: لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [الكهف:19] ليسوا متأكدين هل هو يوم كامل أم لا؟ لأنهم قارنوا مدة بقائهم في الدنيا مع مدة بقائهم في عرصات القيامة؛ فوجدوا أن عمرهم الطويل الذي هو ستين أو سبعين أو ثمانين لا يساوي جزءاً من يوم القيامة قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً [المؤمنون:113-114] والله ما عشتم إلا قليلاً في هذه الدنيا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ * وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ [المؤمنون:114-118].
أسباب سوء الخاتمة
إن أسباب سوء الخاتمة كثيرة:
استحواذ الشيطان على الإنسان
من أسباب سوء الخاتمة: هيمنة الشيطان وسيطرته وغلبته، واستحواذه على الإنسان، فإنه عند الموت يكون ضعيفاً والشيطان يضله والعياذ بالله ولا يثبته الله، ولهذا إذا أردت أن تكون قوياً عند الموت فكن قوياً على الشيطان الآن، أما إذا ضعفت أمام شهواتك، ومغريات الشيطان وخدعه، فاعلم أنك ستكون أضعف عند الموت.
فساد العقيدة
من أسباب سوء الخاتمة: فساد العقيدة، وخراب التوحيد، حيث إن التوحيد يهتز عند الأحداث، وأعظم حدث يمر على الإنسان هو الموت، فإذا كانت عقيدته فاسدة، فإنه يهتز ولا يثبت، ومن صور الشرك : دعوة غير الله، والذهاب إلى الكهنة والمشعوذين، وتصديق العرافين، ودعاء الجن.ما شاع الآن وانتشر بين صفوف المثقفين الذين يقرءون المجلات والصحف التي فيها شركيات على هيئة أعمدة توضع في هذه المجلات، اسمها: حظك هذا الشهر، وهذه كهانة وعرافة لكن من شكل جديد، أي: متحضرة ومتطورة.وصورتها: أن يأتي بالأبراج، ويقول لك: يأتيك في هذا الشهر كذا.. ويحصل لك كذا.. وتهدى لك هدية.. تعاني من مرض كذا.. حتى إني قرأت مجلة فيها: إذا كان عمرك ستين عاماً فإنك سوف تعاني من آلام (الروماتيزم) هذا الشهر، طبيعي فالذي عمره ستين يأتيه (الروماتيزم) كل يوم في هذا الشهر وفي غيره.ومن يستدل على الأحداث بما يقع بالنجوم من القوس وزحل والعقرب والسرطان والأسد والسنبلة هذه كهانة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد) وفي بعض ألفاظ الحديث: (من أتى كاهناً فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين نهاراً).فينبغي للمسلم أن يتجنب هذه الخرافات والخزعبلات، وألا يقرأها وألا يدخل هذه المجلات بيته؛ لأنه لو أدخلها، وقرأها الأطفال والنساء فسدت عقائدهم.وبعض البنات لا تقرأ في الجريدة إلا هذه الأشياء؛ لأنها خاوية من العقيدة، والولد عندما يرى حظه يعيش على الخرافات والخزعبلات، بينما النجوم هذه ليس لها علم ولا تأثير على ما يدور في أرض الله بقضاء الله وقدره؛ فالنجوم زينة، والله تعالى يقول: وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [النحل:16] وذكر أنها زينة للسماء، ويقول الشاعر القحطاني :أما النجوم فقد خلقن زينة للسما كالدر فوق ترائب النسوان فهي زينة للسماء، وليس لها أي تأثير على قضاء الله وقدره، بل كل ما يقضي الله عز وجل ويقدر على عباده بمشيئته تبارك وتعالى وعلمه، ولا علاقة للنجوم بذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كذب المنجمون ولو صدقوا) يأتي الشخص إلى الكاهن، فيقول: نجمك أنت القوس، قال: ماذا؟ قال: تقيس ولا تنقاس. يعني: تقيس الناس ولا أحد يقيسك.وهذا القوس واحد من اثني عشر برجاً، وكثير من الناس على القوس هذا، يعني: هؤلاء كلهم يقيسون ولا أحد يقيسهم! هذا كذب. وشخص آخر يقال له: أنت نجمك الجدي، قال: ماذا؟ قال: في كل شيء هدي. انظر كيف التلفيق والسجع، من أجل أن يضلل الناس والعياذ بالله.وآخر: وأنت نجمك الثور، حراث وراث تحب البلاد، الآن لا يوجد حراث وراث ولا عندنا شيء من هذا الكلام كله. وهذا يأتي على ألسنة الكهنة والمشعوذين، ولا ينبغي للمسلم أن يصدق هذا، ومن صدق فقد كفر والعياذ بالله!
الإصرار على المعاصي
من أسباب سوء الخاتمة: الإصرار على المعاصي.هذا سبب من أسباب سوء الخاتمة، الذي يعرف أن هذه معصية، ويعرف حكم الشرع فيها، ثم يتجاهل أمر الله فيها، وهو مصر على المعاصي، كمن يعلم أن الغناء حرام، وقد سمع في الخطب والمواعظ والأشرطة أنه حرام، لكن لا يرتاح إلا عندما يغني، كأنه يعاند خالقه! كأنه يعاند رسول الله صلى الله عليه وسلم! أنت عبد مأمور، والله عز وجل أخبرك على لسان الرسول في القرآن والأدلة النبوية الثابتة: إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل، وأنه لا يجتمع حب القرآن وحب الغناء في قلب مؤمن، وفي الحديث في البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: (ليكونن أقوام في من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) الحر: الزنا، والحرير: الملابس الحريرية، والخمر معروفة، والمعازف الآلات من اللهو والطرب. وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام، والحديث حسن ولكنه غريب عند الترمذي وفي غرابته ضعف، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة حلَّ بها البلاء، وأصابتها ريح حمراء، وزلزلة وخسف ومسخ: إذا كان المغنم دولا، والزكاة مغرماً، والأمانة مغنماً، وأطاع الرجل زوجته، وعق أمه، وأدنى صديقه، وأقصى أباه، وتعلم العلم لغير الدين، وظهرت المعازف والقينات، ولعن آخر هذه الأمة أولها، وأكرم الرجل مخافة شره، وكان زعيم القوم أرذلهم -إلى آخره- قال: فلينتظروا عند ذلك ريحاً حمراء، وزلزلة وخسفاً ومسخاً) الشاهد من الحديث: ظهور القينات والمعازف، واشتغال غالب الناس بهذا المرض، حتى غزا كل بيت، ودخل كل صدر، ولم يسلم منه حتى البدوي في شعث الجبال ووهاج الصحراء، فالرجل والمرأة والكبير والصغير يغنون؛ ينامون على الغناء ويستيقظون على الغناء، ويخرجون بالسيارات يغنون، وفي الرحلات يغنون، وفي كل أمرهم يغنون، حتى لو عرضت على الناس اليوم مقطعاً من أغنية، وجئت بعازف وقلت له: اعزف طرفاً من هذه الأغنية، واسأل الناس: ما هي هذه الأغنية، والذي يعرف نعطيه مائة ريال؟ لامتدت إليك الأيادي كلها، هذه أغنية فلان، تسألهم من ملحن الأغنية؟ قالوا: فلان، ومن واضع كلماتها؟ قالوا: فلان، الله أكبر!! ثقافة موسيقية متناهية.لكن لو جئت بآية من كلام الله عند أمة القرآن، وقلت: هذه الآية في أي سورة، والذي يعرفها نعطيه جائزة مائة ريال؟ لجلس الناس يتلفتون.. ، أما فيكم (مطوع) يجيب؟ هل هناك شخص يحفظ القرآن؟ طيب.. وأنت؟ ألست مطوعاً؟ لكن مطوع لإبليس! المطوع من أطاع الله، أحد الإخوة يقول: الناس كلهم مطاوعة، لكن هناك مطاوعة لله وهناك مطاوعة للشيطان؛ أناس أطاعوا الله فهم مطاوعة الرحمن، وأناس أطاعوا الشيطان فهم مطاوعة الشيطان.كيف تعرف الأغاني ولا تعرف القرآن؟! لماذا تخصصت في سماع الغناء ولم تفرغ نفسك لكلام ربك الذي أنزله الله هداية لك ونوراً وصلاحاً وفلاحاً، والذي يقول الله فيه: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]؟!فالمعاصي -أيها الإخوة- والإصرار عليها واستباحتها والمداومة عليها سبب عظيم من أسباب سوء الخاتمة؛ لأنها تحدث في الإنسان الألفة للمعاصي، والإنسان إذا استمر على شيء ألفه، وهذه الألفة تلازم الإنسان في حالة اليقظة وعند المنام وعند الموت، وكما ترون الإنسان إذا نام؛ إذا كان -مثلاً- عالماً ونام فإنه يرى في منامه دائماً الكتب، والندوات، وطلبة العلم، والمحاضرات والمناقشات، وإذا كان رياضياً ولاعب كرة من الدرجة الأولى أو الممتازة فإنه يرى في منامه المباريات، والكرة وقد دخلت المرمى.وبعضهم يصيح، يقول أحدهم: إن امرأته قامت في الليل فزعة؛ لأن زوجها رأى دخول الكرة في الفريق الثاني، فصاح وما زال يصيح؛ لأنه رأى رؤية عاش عليها فنام عليها، وكذلك عند الموت يحصل له أنه يألف المعاصي ولا يستطيع أن يتكلم عند الموت إلا بالمعاصي التي كان يعيش عليها، يقول مجاهد بن جبر : [ قد بلغنا أنه ما من ميت يموت إلا مثل له جلساؤه في الدنيا يحضرون عنده في الموت ].وأن رجلاً حضرته الوفاة فقيل له: قل: لا إله إلا الله، وكان لاعب شطرنج، فقال للناس الذين يقولون: قل: لا إله إلا الله: تشك، تشك، تشك هذه عبارة من عبارات لاعبي الشطرنج.وأن شخصاً آخر كان مدمناً للخمر ولما حضرته الوفاة قيل له: قل: لا إله إلا الله، قال: اشرب واسقني، قال: قل: لا إله إلا الله، قال: اشرب واسقني، حتى مات عليها.وأن شخصاً آخر كان مدخناً فلما حضرته الوفاة، قيل له: قل: إلا إله إلا الله، قال: هذا دخان حار، هذا دخان حار، هذا دخان حار، قالوا: قل: لا إله إلا الله، قال: والله لا أقولها، أنا بريء منها.لا حول ولا قوة إلا بالله!!وقد ذكرت لكم أن حصلت في منطقة خميس مشيط، حادثة وفاة لشخص كان يحرج على السيارات ويبيعها في معارض السيارات، وكان لا يصلي ولا يعرف الصلاة أبداً، فلما حضرته الوفاة، قالوا له: قل: لا إله إلا الله، فجاء بالألفاظ التي يقولها بالميكرفون، عندما كان يبيع السيارة، قال: (أربحه، أربحه خربان تربان، كومة حديد) قالوا: قل: لا إله إلا الله، قال: (خربان تربان) قل: لا إله إلا الله، قال: (كومة حديد) ومات عليها والعياذ بالله. أيها الإخوة! خطر عظيم على المسلم أن يصر على المعاصي، حتى ولو كانت من الصغائر؛ لأن الصغائر تكون من الكبائر يوم القيامة: لا تحقـرن من الذنوب صغيراً إن الصغير غداً يصير كبيراً إن الصغير وإن تقادم عـهده عند الإله مسطر تسطيراً والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إياكم ومحقرات الذنوب فإنها تجتمع على المرء حتى تهلكه) فعليك يا عبد الله ألا تستبيح شيئاً من الذنوب والمعاصي؛ لأنك قد تراه صغيراً، ولكنه عند الله عظيم، يقول الله عز وجل: وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النور:15.
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗


9988776655