تم
اكتُشف الذهب لأول مرة، ولكن من الواضح أن البشرية منذ القدم قد قدرت ما
للذهب من قيمة. ولقد اقترن الذهب بالآلهة عند بعض الشعوب، ولذا فقد حظي
بمكانة خاصة. وقد عثر علماء الآثار على كؤوس ومجوهرات ذهبية، يرجع تاريخ
صنعها إلى سنة 3500 ق.م، صنعها أهل الحضارات القديمة في أور في بلاد ما بين
النهرين (العراق الآن). كذلك عُثر على مجوهرات في مقابر الفراعنة المصريين
يرجع تاريخها إلى الفترة الزمنية نفسها. وقد آمن قدماء المصريين بأن الذهب
هو معدن الآلهة وكل الذهب كان للفرعون.
ومنذ
تلك الأزمان القديمة لبس الملوك تيجانًا ذهبية. وكان الذهب موجودًا بوفرة
في الأراضي التي حول البحر الأبيض المتوسط. وقد صنع أهالي مسيني باليونان
كاسات ذهبية بمقابض مزخرفة. وقد عثر علماء الآثار على مثل هذه الكاسات في
مقابر الملوك المدفونين في 1500 ق.م. تقريبًا. وقد استخدم سكان الصين،
وكريت، والهند، وبلاد فارس، (إيران اليوم) الذهب لصنع أشياء جميلة مثل
الصحون والسلطانيات والكاسات. وفي بعض الأحيان تُغطى مقابض السيوف بالذهب.
وقليل
من أعمال الرومان الذهبية قد بقي. وقد دفن الأغنياء في بعض الأوقات كنوزًا
من الذهب والفضة في أزمان الحرب. وفي الزمن الحاضر استخرج الناس بعضًا من
هذه الكنوز. وقد ضرب الرومان العملات ولبس الأغنياء منهم المجوهرات
الذهبية..
كيفية تكوُّن الذهب
يؤمن العلماء بأن الذهب قد ترسب من الغازات والسوائل المتصاعدة من أسفل سطح الأرض. هذه الغازات والسوائل تتصاعد في اتجاه السطح خلال تشققات
في القشرة الأرضية. ويوجد الذهب بكثرة في الصخور المكونة لهذه القشرة.
وغالبًا ما يوجد مع فلزي النحاس والرصاص. وكثيرًا ما خلط الباحثون الأوائل
عن الذهب بين المعدن الخام الذي وجدوه وهو البيرايت، وهو مركب مكون من الحديد والكبريت.لأنه يشبه الذهب ولكنه بلا قيمة، حيث عرف بالذهب الغبي.
من
النادر أن نجد قطعًا ذهبية بحجم كاف لرؤيتها، بالرغم من أن صخورًا كبيرة
من الذهب قد عثر عليها في أستراليا في أواخر القرن التاسع عشر. ويوجد الذهب
في عروق معدنية، وفي ترسبات غرينية أو كعنصر في النحاس السماقي وكذلك في
ماء البحر.
ترسبات العروق المعدنية. هي عروق في القشرة الأرضية.
الترسبات
الغرينية أو الرملية. وهي جسيمات كبيرة تسمى شذرات أو حبيبات الذهب، وتوجد
في قيعان الأنهار. وهذه الجسيمات جرفتها مياه السطح أو مياه الفيضان
وحملتها بعيدًا عن العرق المعدني. وبعض الشذرات كبيرة جدًا.
وأكبر الشذرات التي اكتشفت حتى الآن هي مرحبًا أيها الغريب،
التي وجدت في موليجول بفكتوريا بأستراليا في عام 1869م، والتي استخلص منها
6992كجم من الذهب النقي. وقبل ذلك بإحدى عشرة سنة، اكتشفت كتلة ذهبية أخرى
في بالارات بفكتوريا بأستراليا، واستخلص منها 68,72كجم من الذهب النقي.
أما أكبر كتلة سجلت عالميًا تحتوي على الذهب، فقد وجدت في هل إند في
نيوساوث ويلز بأستراليا عام 1872م، وهي قطعة من الإردواز والذهب بلغ
ارتفاعها 145 سم وعرضها 38 سم ووزنت أكثر من 235 كجم من الذهب النقي. ولكن
لم تسجل ككتلة ذهبية حقيقية، لأنها كانت خليطًا من الإردواز والذهب.
أما الترسبات الغرينية فهي من نوعين متفتتة وطميية، ويوجد النوع الأول قريبًا من عروق الذهب، أما الثاني فيوجد بعيدًا عنها، غالبًا في قيعان الأنهار.
بعض الذهب يوجد في الترسبات الضخمة للنحاس المسماة بترسبات النحاس السماقي.
الذهب
في مياه البحر. كل مياه البحر تحتوي على الذهب المحلول. وينتج من ماء
البحر 72 ملجم من الذهب لكل طن متري. ويبحث العلماء عن طرق مربحة لتعدينه.
ومن النادر وجود الذهب في صورة نقية، ولكن غالبًا ما يكون مصحوبًا بالفضة في سبيكة طبيعية تسمى الإلكتروم،
وعادة ما يكون مقرونًا بالكوارتز أو الكلسيت، أو الرصاص، أو التليريوم أو
الزنك أو النحاس، وغالبًا ما يُستخرج كناتج ثانوي لهذه المعادن. فمثلاً 40%
فقط من الذهب المستخرج بالولايات المتحدة، يُستخرج من مواقع قد يصح إطلاق
اسم منجم ذهب عليها..
كيفية التنقيب عن الذهب..
تختلف طرق تعدين الذهب باختلاف نوع المواد المترسبة. ويتم الحصول على الذهب بخطوتين ضروريتين هما:
1- الحصول على الخام
2- فصل الذهب عن الخام.
وفي
أغلب عمليات التنقيب في الترسبات الغرينية تتم العمليتان في مواقع
الرواسب. وفي حالة التنقيب تحت الأرض يتم التنقيب عن الخام، ثم ينقل
للطواحين فيفْصل ويركَّز هناك.
ويتم
التنقيب عن المواد المترسبة أو العروق المعدنية تحت الأرض بالطريقة نفسها
التي يتم بها التنقيب عن الفحم الحجري، ويصل المنقبون للذهب بحفر ممرات
رأسية في الأرض متتبعين اتجاه العرق، وهناك بعض خامات الذهب يتم التنقيب
عنها على سطح الأرض. تُكسر الصخور بوضع متفجرات داخلها وتحفر، ثم تؤخذ
الصخور المحتوية على الذهب إلى الطواحين.
وكل عمليات التنقيب في الترسبات الغرينية في الأساس ما هي إلا عملية تنخُّل أو غربلة
(فصل بالجاذبية). وفي الأيام الغابرة، كان المنقبون يستخدمون للترسبات
الغرينية الأوعية المعدنية كالمقلاة لفصل الذهب يدويًا بعد غسله. فكانوا
يفصلون الماء والحصى من الوعاء بحركة دائرية تاركين الذهب في الوعاء.
ولكن
في العادة يستخدم المنقبون مغرفة لجمع الحصى في هزَّازة تسع ما يقرب من
0,2م§ من المادة ويغسلونه، ثم يهزونه ويزيحون المواد الخفيفة إلى أن يكون
المتبقي هو الذهب وحده.
العملاق
الهيدروليكي. وهو يساعد على ضخ المياه واندفاعها بشدة نحو ركام الحصى
المحتوي على الذهب فيجرفه إلى أوعية لها أخاديد تحجز الذهب.
الرافعة
(الدِّرِدْج). هي آلة تنقيب عن الذهب تعمل بالطاقة وتتكون من عدد من
الدلاء مثبتة على مركب، وكل دلو بسعة 0,2م§. وتنزل الدلاء في الماء على
ذراع الرافعة وتدور بحركة دائرية (كالساقية) لترفع الطمي من قاع النهر.
وتحمل الرافعة أجهزة لفصل الذهب عن المواد الأخرى. يمنع كثير من
الأقطار كلاً من التنقيب بالرافعة أو التنقيب الهيدروليكي* لأنهما يتلفان
الأراضي والأنهار. وقد استُخدمت الرافعة في الماضي في نيوزيلندا
وكاليفورنيا بالولايات المتحدة وتُستخدم على نطاق واسع في الاتحاد
السوفييتي (سابقًا).
رافعات السحب الخطية، وفي الغالب تسمى الساحبات الخطية، وتتكون من دلاء مربوطة في شكل خطوط ثقيلة تُجر وتُسحب على طول قاع الأنهار لجمع الذهب الغريني.
المجرفة
الآلية. وهي آلة ضخمة تجمع كميات كبيرة من التربة والطمي والحصى المحتوية
على الذهب من قيعان الأنهار. وتعمل هذه المجرفة مع أجهزة أخرى لفصل الذهب
من المواد الأخرى، ويتم ذلك في موقع المواد المترسبة.
عملية الطحن
هناك ثلاث طرق مستخدمة لفصل الذهب عن الخامات أو عن ماء البحر، وهي: الطفو، والسيانيد، واللباب الكربوني.
الطفو.
تُفرَزُ في عملية الطفو (عملية التعويم) جسيمات الخام المطحون الناعم
بعضها عن بعض، بناء على مقدرة المعادن المختلفة الموجودة في الخام بربط
نفسها مع رغوة زيتية. تُخلط الزيوت والكيميائيات التي تسمى عوامل الطفو
بالماء قبل أن يُخلط الخام المسحوق، وتستخدم ثلاثة أنواع من الكيميائيات
وهي: عامل رغوي وعامل جامع وكيميائيات غير عضوية متنوعة. يتسبب العامل الرغوي في تزبُّد الماء، ويكوِّن العامل الجامع طبقة على الذهب تجعله يلتصق بفقاقيع الهواء التي تطفو على السطح، أما الكيميائيات غير العضوية
فتمنع المعادن الأخرى من تكوين تلك الطبقة التي اكتسى بها الذهب. فبعد وضع
الخام في الماء، يدخل الهواء في المحلول، وتسمى هذه العملية التهوية، وبذلك تُحمل جسيمات الذهب إلى أعلى وتُقشط من الطبقة الرغوية.
طريقة
السيانيد. وهي عملية تحتوي على وضع الخام المسحوق في خزان يحتويًً على
محلول مخفف من السيانيد، ثم يفصل الذهب في المحلول أو يُرسَّب بمعدن الزنك.
واستخدمت
هذه الطريقة لأول مرة في جنوب إفريقيا في تسعينيات القرن التاسع عشر، وهي
طريقة فعالة جدًا تستخلص 90% من الذهب الموجود بالخام، وباستخدام هذه
الطريقة يمكن استخلاص الذهب من أكوام نفايات المواد المستخرجة من مناجم
الذهب.
اللُّب
الكربوني. وهي طريقة أخرى تحتاج لاستخدام السيانيد. وفيها يتم أولا خلط
الخام المسحوق بالماء للحصول على لبابة، ثم يذاب محتواها من الذهب في محلول
السيانيد. وتضاف جسيمات الكربون للبابة لتجميع أيونات الذهب (ذرات
مشحونة كهربائيًا) على سطحها. وبعد ذلك تزال جسيمات الكربون من اللبابة، ثم
توضع الجسيمات في محلول السيانيد القلوي (مادة كاوية) الساخن الذي بدوره
يفصل الذهب عن الكربون.
خواص الذهب..
ظل
الذهب ذا قيمة عالية عبر السنين، ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى ندرته.
ولكن الذهب يدين بالكثير لخواصه الفيزيائية والجمالية، ولليونته، ومقاومته
للكيميائيات وكذلك لكثافته. فهو ذو لون أصفر جميل، وبريق معدني أخّاذ،
ويسهل شغله بسبب ليونته هذه.
ويصفه العلماء بأنه ليّن قابل للسحب*
وذلك لإمكانية سحبه في شكل أسلاك رقيقة لسهولة طرقه، وتحوله لألواح رقيقة.
كما يمكن تشكيله على أية هيئة مطلوبة. وبعد تشكيله، فإنه يحتفظ ببريقه،
لمقدرته على مقاومة الصدأ والتغيرات الكيميائية الأخرى المتسببة بفعل
الهواء.
ولابد من خلط الذهب بفلز آخر إذا أردنا صنع جسم صلب منه كقطعة مجوهرات مثلاً. ويسمى هذا الخليط سبيكة. وسبائك الذهب تقاس بالقيراط،
والقيراط يساوي واحدًا من أربعة وعشرين جزءًا. وهكذا، فإن الذهب عيار 24
قيراطًا هو الذهب النقي. وذهب عيار 18 قيراطًا يتكون من 18 جزءًا من الذهب
و6 أجزاء من فلز آخر.
وينصهر الذهب
النقي عند درجة حرارة 1,064,43°م. ويغلي عند درجة 2,807°م، وينتمي للمجموعة
(1) بالجدول الدوري للعناصر. أما وزنه الذري فهو 196,967، وعدده الذري هو
79 . وكثافته تعادل 19,32 جم/سم§ عند درجة حرارة 20°م. ويمكن إذابته في
خليط من حمض الكلور، والنتريك والمسمى الماء الملكي. . ويمكن إذابته
أيضًا في محاليل السيانيد القلوية أو في المحلول الساخن لكلوريد الحديد
الثلاثي، أو محلول الثيوسلفيت أو الزئبق أو الكلور الوليد..
الذَّهب
عنصر فلزي رمزه الكيميائي (Au) وهو واحد من العناصر التي عرفت منذ
القِدَم. وقد كان امتلاك الذهب بلونه الأصفر البراق والجذاب علامة تدل على
الثراء لآلاف من السنين. وقد عرف قدماء المصريين كيف يُطرق الذهب لصفائح
رقيقة، لدرجة نحتاج معها لما يقرب من 367,000 صفيحة للحصول على مجموعة
صفائح رقيقة يبلغ سُمكها 2,5 سم. وخلال القرون الوسطى، نشأ علم كامل قائم
بذاته يسمى الخيمياء نتيجة المحاولات التي بذلت لصنع الذهب بطرق اصطناعية.
ولقد
نجح العلماء المحدثون في تحقيق بعض أحلام الكيميائيين القدامى. ففي
إمكانهم اليوم استخلاص الذهب من ماء البحر، كما بإمكان مسرِّعات الجسيمات
تركيب الذهب من عنصري الرصاص والزئبق. كما يمكن لهذه المسرِّعات أن تصنع
نوعًا غير مستقر من الذهب مصنوعًا من البلاتين والأيريديوم وكلاهما يفوق
الذهب قيمة. إلا أن أغلب الذهب المنتج تجاريًا مازال مصدره الأرض. واستخراج
الذهب اليوم صناعة مهمة تشرف عليها بعناية حكومات البلدان المنتجة..
المصدر :كتاب المعادن النفيسة
ارجو ان ينال الموضوع على اعجابكم