إدمان الإنترنت وطرق علاجه ..
ـــــــــــــــــ
بعنوان /مرض العصر..إدمان الإنترنت
عدد
مستخدمي الإنترنت يتزايد عاماً بعد عام، وبعد دخول الإنترنت الكثير من
الدول العربية وانتشاره في البيوت والمقاهي في الكثير من تلك الدول مثل:
مصر والإمارات العربية وتونس والجزائر والمغرب وفلسطين ـ فقد لزم علينا أن
ننظر إلى الأمر نظرة موضوعية؛ لبحث جوانبه الإيجابية والسلبية، ونتعرض هنا
لمشكلة تطرح نفسها على الساحة
العالمية يسميها البعض "إدمان الإنترنت"، وحسب ما جاء في دراسة لـ"كيمبرلي
يونج" أستاذة علم النفس بجامعة بيتسبرج في برادفورد بالولايات المتحدة
الأمريكية، فإن 6% من مستخدمي الإنترنت في العالم في عداد المدمنين، ولكن
ما إدمان الإنترنت؟ وفيم يستخدم هؤلاء المدمنون الإنترنت؟ ومن الأكثر
تعرضاً لتلك الظاهرة؟ وما الأعراض؟ سنرد على تلك الأسئلة وغيرها في محاولة للوصول إلى معرفة أعمق بنوعية المشكلة. تعريف مصطلح إدمان الإنترنت:
يختلف العلماء في تعريف كلمة "إدمان" فيصر البعض على أن الكلمة لا تنطبق إلا على مواد قد يتناولها الإنسان، ثم لا يقدر على الاستغناء
عنها، وإذا استغنى عنها تسبب ذلك في حدوث أعراض الانسحاب لتلك المادة التي
تعرضه لمشاكل بالغة، وبالتالي لا يستطيع أن يستغني عنها مرة واحدة، بل
يحتاج إلى برنامج للإقلاع عن تلك المادة باستخدام مواد بديلة وسحب المادة
الأصلية بشكل تدريجي كما هو الحال في أغلب حالات المخدرات.
في حين يعترض بعض العلماء على هذا المفهوم الضيق للتعريف حيث يرون أن الإدمان هو عدم قدرة الإنسان على الاستغناء
عن شيء ما.. بصرف النظر عن هذا الشيء طالما استوفى بقية شروط الإدمان من
حاجة إلى المزيد من هذا الشيء بشكل مستمر حتى يشبع حاجته حين يحرم منه.
وبالتالي
اقتنع بعض العلماء أن هناك من يسمون بمدمني الإنترنت في حين اعترض آخرون
وتعرضوا لاستخدام بعض الناس الإنترنت استخدامًا زائدًا عن الحد على أنه نوع من أنواع الرغبات التي لا تقاوم (COMPULSION) وبصرف النظر عن التعريف واختلاف العلماء في التسمية؛ فإنه لا خلاف على أن هناك عدداً كبيراً من مستخدمي الإنترنت يسرفون في استخدام الإنترنت حتى يؤثر ذلك على حياتهم الشخصية.
فيم يستخدم هؤلاء الإنترنت؟ حسب نتائج الدراسات التي تمت في هذا المجال فإن أكثر مجالات استخدام المدمنين للإنترنت هي كالتالي:
* حجرات الحوارات الحية (chat rooms) حيث يقوم الناس بالتعرف على أصدقاء جدد، ويقضون أوقاتاً طويلة في الثرثرة مع هؤلاء الأصدقاء عن مشاكلهم الشخصية أو عن الأمور العامة، أو في كثير من الأحيان يكون الحوار عن الجنس، وقد يقوم الشخص بعمل
علاقة غرامية عبر الأثير، وقد تستغرق تلك العلاقة شهوراً، وفي بعض الأحيان
يتقابل الطرفان في الحقيقة ويحدث الزواج؛ ولا يلزم هنا ذكر مدى شرعية تلك
النوعية من العلاقات التي يتحدث الطرفان فيها بما يعف اللسان عن ذكره من
محرم الكلام.
* مجال آخر يسرف فيه المدمنون ألا وهو مواقع الجنس على الإنترنت
التي تعرض الصور الفاضحة.. وللأسف فإن العرب لم يسلموا من استخدام تلك
المواقع بل إن الكثير من شبابنا يقع في هاوية الدخول إلى تلك المواقع سواء
مواقع الجنس أم حجرات الحوارات الحية التي يتحدث فيها المشتركون عن الجنس.
* ألعاب الإنترنت التي تماثل ألعاب الفيديو.
*
نوادي النقاش حيث يقوم كل نادٍ أو مجموعة بتبني قضية معينة أو هواية
معينة، ويتم عمل مقالات وحوارات بين المشتركين حول تلك القضية أو الهواية.
* عمليات البحث على الإنترنت حيث يحتوي الإنترنت على كم هائل من المعلومات، وقد يستهوي ذلك نوعية معينة من العقول التي لا تشبع من الرغبة في الحصول على كل ما تقدر عليه من معلومات في مختلف مجالات الحياة.
ما الذي يجعل الإنترنت مسببًا للإدمان لبعض الناس؟ لدى
مدمني الإنترنت بصفة عامة قابلية لتكوين ارتباط عاطفي مع أصدقاء الإنترنت
والأنشطة التي يقومون بها داخل شاشات الكمبيوتر، يتمتع هؤلاء بخدمات
الإنترنت التي تتيح لهم مقابلة الناس وتكوين علاقات اجتماعية وتبادل الآراء
مع أناس جدد، توفر تلك المجتمعات المعتبرة (Virtual communities) وسيلة
للهروب من الواقع، وللبحث عن طريقة لتحقيق احتياجات نفسية وعاطفية غير
محققة في الواقع.
كما
أن مستخدم تلك الخدمات يقدر أن يُخبئ اسمه وسنه ومهنته وشكله وردود فعله
أثناء استخدامه لتلك الخدمات، وبالتالي يستغل بعض مستخدمي الإنترنت -خاصة
الذين يحسون منهم بالوحدة وعدم الأمان في حياتهم الواقعية- تلك الميزة في
التعبير عن أدق أسرارهم الشخصية ورغباتهم المدفونة ومشاعرهم المكبوتة مما يؤدي إلى توهم الحميمية والألفة.. ولكن حين يصطدم الشخص بمدى محدودية الاعتماد على مجتمع
لا يملك وجهًا لتحقيق الحب والاهتمام اللذين لا يتحققان إلا في الحياة
الحقيقية، يتعرض مدمن الإنترنت إلى خيبة أمل وألم حقيقيين.
لاحظ
د.جون جروهول أستاذ علم النفس الأمريكي أن إدمان الإنترنت عملية مرحلية،
حيث أن المستخدمين الجدد عادة هم الأكثر استخدامًا وإسرافًا لاستخدام
الإنترنت؛ بسبب انبهارهم بتلك الوسيلة.. ثم بعد فترة يحدث للمستخدم عملية
خيبة أمل من الإنترنت فيحد إلى حد كبير من استخدامه له، ويلي ذلك عملية
توازن الشخص لاستعماله الإنترنت.
بيد أن بعض الناس تطول معهم المرحلة الأولى حيث لا يتخطاها إلا بعد وقت أطول مما يحتاج إليه أغلب الناس.
من هم أكثر الناس قابلية لإدمان الإنترنت؟ حسب بعض الدراسات التي تمت في هذا المجال فإن أكثر الناس قابلية للإدمان هم أصحاب حالات الاكتئاب وحالات الـ "bipolar disorder" والشخصيات
القلقة… وهؤلاء الذين يتماثلون للشفاء من حالات إدمان سابقة. إذ يعترف
الكثير من مدمني الإنترنت أنهم كانوا مدمنين سابقين للسجائر أو الخمور أو
الأكل، كما أن الناس الذين يعانون من الملل (كربات البيوت مثلاً) أو الوحدة
أو التخوف من تكوين علاقات اجتماعية أو الإحساس الزائد بالنفس لديهم
قابلية أكبر لإدمان الإنترنت حيث يوفر الإنترنت فرصة لمثل هؤلاء لتكوين
علاقات اجتماعية بالرغم من وحدتهم في الواقع.
يقول العلماء: إن الناس الذين تكون لديهم قدرة خاصة على التفكير المجرد هم أيضًا عرضة للإدمان بسبب انجذابهم الشديد للإثارة العقلية التي يوفرها لهم الكم الهائل من المعلومات الموجودة على الإنترنت.
ما هي أعراض إدمان الإنترنت؟ يحس
مدمن الإنترنت بأنه في حالة قلق وتوتر حين يفصل الكمبيوتر عن الإنترنت في
حين يحس بسعادة بالغة وراحة نفسية حين يرجع إلى استخدامه، كما أنه في حالة
ترقب دائم لفترة استخدامه القادمة للإنترنت، ولا يحس المدمن بالوقت حين
يكون على الإنترنت، ويتسبب إدمانه في مشاكل اجتماعية واقتصادية وعملية.
ويحتاج
مدمن الإنترنت إلى فترات أطول وأطول من الاستخدام؛ ليشبع رغبته كما أن
جميع محاولاته للإقلاع عن الإدمان تبوء بالفشل، وكثيرًا ما يستخدم مدمن
الإنترنت هذه الوسيلة؛ ليتهرب من مشاكله الخاصة.
ما هي آثار الإدمان السلبية؟ * مشاكل صحية:
يتسبب الإدمان في اضطراب نوم صاحبه بسبب حاجته المستمرة إلى تزايد وقت استخدامه للإنترنت حيث يقضي أغلب المدمنين ساعات الليل كاملة على الإنترنت، ولا ينامون إلا ساعة أو ساعتين حتى يأتي موعد عملهم أو دراستهم، ويتسبب ذلك في إرهاق بالغ للمدمن مما يؤثر على أدائه في عمله أو دراسته، كما يؤثر ذلك على مناعته؛
مما يجعله أكثر قابلية للإصابة بالأمراض، كما أن قضاء المدمن ساعات طويلة
دون حركة تذكر يؤدي إلى آلام الظهر وإرهاق العينين، ويجعله أكثر قابلية
لمرض النفق الرسغي (carpal tunnel syndrome).
* مشاكل أسرية:
يتسبب
انغماس المدمن في استخدام الإنترنت وقضائه أوقات أطول وأطول عليه في
اضطراب حياته الأسرية حيث يقضي المدمن أوقاتًا أقل مع أسرته، كما يهمل
المدمن واجباته الأسرية والمنزلية؛ مما يؤدي إلى إثارة أفراد الأسرة عليه.
وبسبب إقامة البعض علاقات غرامية غير شرعية من خلال الإنترنت تتأثر العلاقات الزوجية حيث يحس الطرف الآخر بالخيانة، وقد أطلق على الزوجات
اللاتي يعانين من مثل هؤلاء الأزواج بأنهن أرامل الإنترنت (ctberwudiws).
ويعترف 53% من مدمني الإنترنت أن لديهم مثل تلك المشاكل، وذلك طبقًا
للدراسة التي نشرتها كيمبرلي يونج في مؤتمر مؤسسات علماء النفس الأمريكيين
المنعقد عام 1997.
* مشاكل أكاديمية:
بيّن
الاستطلاع الذي نشره أ.بربر عام 1997 في مجلة USA Today تحت عنوان:
"تساؤلات حول القيمة التعليمية للإنترنت" أن 86% من المدرسين المشتركين في
الاستطلاع يرون أن استخدام الأطفال للإنترنت لا يحسن أداءهم؛ وذلك بسبب
انعدام النظام في المعلومات على الإنترنت، بالإضافة إلى عدم وجود علاقة مباشرة بين معلومات الإنترنت ومناهج المدارس.
وقد
كشفت دراسة كيمبرلي يونج -السابقة الذكر- أن 58% من طلاب المدارس
المستخدمين للإنترنت اعترفوا بانخفاض مستوى درجاتهم وغيابهم عن حصصهم
المقررة بالمدرسة، ومع أن الإنترنت يعتبر وسيلة بحث مثالية فإن الكثير من
طلاب المدارس يستخدمونه لأسباب أخرى كالبحث في مواقع لا تمت لدراستهم بصلة
أو كالثرثرة في حجرات الحوارات الحية أو كاستخدام ألعاب الإنترنت.
* مشاكل في العمل:
بسبب وجود الإنترنت في مكان عمل الكثير من الناس يحدث في بعض الأحيان أن يضيع العامل بعض وقت عمله في اللعب على الإنترنت،
أو استخدامه في غير موطن تخصصه، ويشكل ذلك مشكلة أكبر إذا كان العامل
مدمنًا للإنترنت، كما أن سهر مدمن الإنترنت طيلة ساعات الليل يؤدي إلى
انخفاض مستوى أدائه لعمله.
ولحل تلك المشكلة يقوم بعض رؤساء الأعمال بتركيب أجهزة مراقبة على شبكات الكمبيوتر في محل عملهم؛ للتأكد من استخدام الإنترنت فقط في مجال العمل.
ولكن هل هناك علاج لإدمان الإنترنت؟ حسب
رأي الدكتورة "يونج" فإن هناك عدة طرق لعلاج إدمان الإنترنت، أول ثلاث
منها تتمثل في إدارة الوقت، ولكنه –عادة- في حالة الإدمان الشديد لا تكفي
إدارة الوقت؛ بل يلزم من المريض استخدام وسائل أكثر هجومية:
أ - عمل العكس:
فإذا
اعتاد المريض استخدام الإنترنت طيلة أيام الأسبوع نطلب منه الانتظار حتى
يستخدمه في يوم الإجازة الأسبوعية، وإذا كان يفتح البريد الإلكتروني أول
شيء حين يستيقظ من النوم نطلب منه أن ينتظر حتى يفطر، ويشاهد أخبار الصباح،
وإذا كان المريض يستخدم الكمبيوتر في حجرة النوم نطلب منه أن يضعه في حجرة
المعيشة… وهكذا.
ب - إيجاد موانع خارجية:
نطلب من المريض ضبط منبه قبل بداية دخوله الإنترنت بحيث ينوي الدخول على الإنترنت ساعة واحدة قبل نزوله للعمل مثلاً ـ حتى لا يندمج في الإنترنت بحيث يتناسى موعد نزوله للعمل.
جـ- تحديد وقت الاستخدام:
يطلب من المريض تقليل وتنظيم ساعات استخدامه بحيث إذا كان –مثلاً- يدخل على الإنترنت لمدة 40 ساعة أسبوعيًّا نطلب منه التقليل إلى 20 ساعة أسبوعيًّا، وتنظيم تلك الساعات بتوزيعها على أيام الأسبوع في ساعات محددة من اليوم بحيث لا يتعدى الجدول المحدد.
د - الامتناع التام:
كما
ذكرنا فإن إدمان بعض المرضى يتعلق بمجال محدد من مجالات استخدام الإنترنت.
فإذا كان المريض مدمنًا لحجرات الحوارات الحية نطلب منه الامتناع عن تلك
الوسيلة امتناعًا تامًا في حين نترك له حرية استخدام الوسائل الأخرى
الموجودة على الإنترنت.
هـ- إعداد بطاقات من أجل التذكير:
نطلب
من المريض إعداد بطاقات يكتب عليها خمسًا من أهم المشاكل الناجمة عن
إسرافه في استخدام الإنترنت كإهماله لأسرته وتقصيره في أداء عمله مثلاً
ويكتب عليها أيضًا خمسًا من الفوائد التي ستنتج عن إقلاعه عن إدمانه مثل
إصلاحه لمشاكله الأسرية وزيادة اهتمامه بعمله، ويضع المريض تلك البطاقات في
جيبه أو حقيبته حيثما يذهب بحيث إذا وجد نفسه مندمجًا في استخدام الإنترنت
يخرج البطاقات ليذكّر نفسه بالمشاكل الناجمة عن ذلك الاندماج.
و - إعادة توزيع الوقت:
نطلب
من المريض أن يفكر في الأنشطة التي كان يقوم بها قبل إدمانه للإنترنت؛
ليعرف ماذا خسر بإدمانه مثل: قراءة القرآن، والرياضة، وقضاء الوقت بالنادي
مع الأسرة، والقيام بزيارات اجتماعية وهكذا.. نطلب من المريض أن يعاود
ممارسة تلك الأنشطة لعله يتذكر طعم الحياة الحقيقية وحلاوتها.
ز - الانضمام إلى مجموعات التأييد:
نطلب
من المريض زيادة رقعة حياته الاجتماعية الحقيقية بالانضمام إلى فريق الكرة
بالنادي مثلاً أو إلى درس لتعليم الخياطة أو الذهاب إلى دروس المسجد؛
ليكوّن حوله مجموعة من الأصدقاء الحقيقيين.
ح- المعالجة الأسرية:
في بعض الأحيان تحتاج الأسرة بأكملها إلى تلقي علاج أسري بسبب المشاكل الأسرية التي يحدثها إدمان الإنترنت بحيث يساعد الطبيب الأسرة على استعادة النقاش والحوار فيما بينها ولتقتنع الأسرة بمدى أهميتها في إعانة المريض؛ ليقلع عن إدمانه.