الأزهر والإخوان المسلمين
«لو
أراد الله والتقت قوة الأزهر العلمية بقوة الطرق الروحية بقوة الجماعات
الإسلامية العملية، لكانت أمة لا نظير لها، توجه ولا تتوجه، وتقود ولا
تنقاد، وتؤثر في غيرها ولا يؤثر شيء فيها، وترشد هذا المجتمع إلى سواء
السبيل».
هذه العبارة قالها
الإمام الشهيد حسن البنا في مذكرات الدعوة والداعية، وهو يلخص بها أملاً
ملأ قلبه في تخليص مصر من الاستعمار والاستبداد والفساد السياسي
والأخلاقي الذي شاع يومئذ، ولا يزال هذا أملا يملأ قلب كل غيور على هذا
الدين وعلى هذه الأمة وعلى هذا الوطن، لكن الإمام البنا تميز بأنه عمل
على تحقيق هذا الأمل بكل جهده، فتواصل مع كل الأفراد والهيئات التي تحمل
رسالة الإصلاح بمنهج الإسلام، وعلى رأسها الأزهر الشريف الذي وصفه الأستاذ
البنا رحمه الله بأنه «بطبعه معقل الدعوة الإسلامية وموئل الإسلام, فليس
غريبا عليه أن يعتبر دعوة الإخوان المسلمين دعوته وأن يعد غايتها غايته,
وأن تمتلئ الصفوف الإخوانية والأندية الإخوانية بشبابه الناهض وعلمائه
الفضلاء ومدرسيه ووعاظه, وأن يكون لهم جميعا أكبر الأثر في نشر الدعوة
وتأييدها والمناداة بها في كل مكان».
وكان
الأستاذ البنا دائما يتوجه بدعوة إصلاح الأوطان إلى رؤساء الحكومات ثم
إلى رجال الأزهر الشريف، ويدفع بكل طاقته في سبيل التعاون مع الأزهر
الشريف في كل ما يساعده في أداء رسالته، وهو يكتب في مذكرات الدعوة
والداعية: «وكان من مظاهر نشاط الدعوة الإسلامية أن فكَّر الأزهر الشريف
في مشيخة الأستاذ المراغي -رحمه الله- الأولى، وبمساعي بعض ذوي الغيرة على
نشر تعاليم الدين وثقافته في الأمة أن أنشأ قسم الوعظ والإرشاد وأُسندت
رياسته وإدارته إلى العالم الغيور فضيلة الشيخ عبد ربه مفتاح رحمه الله.
ولقد كانت تلك أمنية طالما تناولناها بالحديث مع أنفسنا نحن شباب الدعوة
حينذاك ومع المسئولين من علماء الأزهر وشيوخه. وكان من أوائل الذين وقع
عليهم الاختيار لتولي مهمة الوعظ والإرشاد الأخ العزيز فضيلة الشيخ حامد
عسكرية رحمه الله، وكان من توفيق الله وجميل صنعه أن عُيِّن بالإسماعيلية
فاجتمعنا فيها على الدعوة معا. وكان -رحمه الله- عليها خير معوان».
ولم
يخطر ببال الأستاذ البنا والإخوان يوما أن تكون جماعة الإخوان المسلمين
نِدًّا للأزهر أو بديلاً عنه، فقد كانت همة الرجل مجموعة على هدف واضح
تمام الوضوح، وهو إصلاح الحياة بمنهاج الإسلام العظيم الشامل، والتعاون
مع كل العاملين لهذه الغاية العظيمة، وكان ذلك واضحا لدى كل القريبين منه
والعارفين بشخصيته، ومن هؤلاء الإمام الأكبر الشيخ محمد مصطفي المراغي
شيخ الجامع الأزهر الذي كتب تصديراً للعدد الخامس من مجلة المنار بمناسبة
عودة المجلة للظهور على يد الأستاذ البنا في غرة جمادى الآخرة سنة 1358
هـ الموافق 18 يوليو سنة 1939م، جاء فيه: «والآن قد علمتُ أن الأستاذ حسن
البنا يريد أن يبعث المنار ويعيد سيرته الأولى فسرَّني هذا، فإن الأستاذ
البنا رجل مسلم غيور على دينه، يفهم الوسط الذي يعيش فيه، ويعرف مواضع
الداء في جسم الأمة الإسلامية ويفقه أسرار الإسلام، وقد اتصل بالناس
اتصالا وثيقا على اختلاف طبقاتهم وشغل نفسه بالإصلاح الديني والاجتماعي
على الطريقة التي كان يرضاها سلف هذه الأمة. وبعد فإني أرجو للأستاذ
البنا أن يسير على سيرة السيد رشيد رضا، وأن يلازمه التوفيق كما صاحب
السيد رشيد رضا، والله هو المعين، عليه نتوكل وبه نستعين».
وحين
يتتبع الباحث تاريخ دعوة الإخوان يلمس بوضوح هذا التقدير العظيم للأزهر
وعلمائه والانتفاع بجهود الأزهر الشريف: علمائه وطلابه، حتى إن هيئة مكتب
الإرشاد العام للإخوان المسلمين لأول مرة كانت مكونة من عشرة أعضاء مع
فضيلة المرشد العام منهم أربعة أزهريون هم:
1- فضيلة الأستاذ الشيخ مصطفي محمد الطير نائب القاهرة الإداري والمدرس بالمعهد الأزهري ومن علماء التخصص.
2 - فضيلة الأستاذ الشيخ عبد الحفيظ فرغلي المدرس بالمعهد الأزهري من علماء التخصص.
3 - فضيلة الأستاذ الشيخ حامد عسكرية نائب شبراخيت وواعظها ومن علماء الأزهر"عضوا منتدبا".
4 - فضيلة الأستاذ الشيخ عفيفي الشافعي عطوة نائب الأربعين بالسويس ومأذونها الشرعي ومن علماء الأزهر"منتدبا".
وكان
مكتب الإرشاد يقوم بإيفاد بعثات صيفية لنشر الدعوة في شعب الإخوان نفسها
وفيما جاورها، مكونة من طلبة الأزهر الشريف وعلمائه مع طلبة الجامعة
المصرية، وحكى فضيلة العلامة القرضاوي في مذكراته جانبا من هذا النشاط
الدعوي الذي كان يقوم به شباب الدعاة من الإخوان الأزهريين الذين كان
فضيلته من أكثرهم نشاطا، ولم يزل هذا دأب الإخوان المسلمين على الدوام،
ونرجو أن يزداد هذا النشاط في ظل إمامة الدكتور أحمد الطيب المبشرة بعهد
جديد من النهوض الأزهري.
ولم
يزل الأزهر الشريف يتبوأ مكانته الطبيعية في نفوس الإخوان المسلمين كأعظم
منارة فكرية، وأوثق مرجعية علمية إسلامية، وأرسخ قاعدة للإشعاع الثقافي
الإسلامي، وباعتباره يمثل القلعة الحصينة للعروبة والإسلام، والمصدر الأهم
لرجال الفكر وزعماء الإصلاح الذين يحملون أمانة الرسالة الإسلامية،
ويقومون بمهمة وراثة النبوة، ولم يزل الجامع الأزهر يقود حركة النضال
الوطنية في مصر ضد الاستعمار وضد الفساد والاستبداد منذ الغزو الفرنسي
بقيادة نابليون إلى أن تحرر الوطن من سلطان الاستعمار الأجنبي، ثم كانت
مشاركته الواضحة في ثورة الخامس والعشرين من يناير المباركة، وحتى في
الأوقات التي تعرضت فيها المؤسسة الأزهرية الرسمية لضغوط من السلطات
المستبدة بقي رجال الأزهر في قلب الأحداث مع سائر القوى الحية في المجتمع،
وكان أعضاء الإخوان المسلمين من رجال الأزهر حاملين لرسالة الأزهر
الشريف، لا في مصر وحدها، بل في كل بلاد عالمنا العربي والإسلامي، وما هو
عنا ببعيد دور الشيخ محمد الغزالي والدكتور القرضاوي والشيخ مناع القطان
والشيخ سيد سابق والشيخ مصطفى السباعي والشيخ أحمد العسال، ومئات غيرهم
من علماء الأزهر من الإخوان المسلمين الذين حملوا دعوة الإسلام وفكر
الأزهر الوسطي المعتدل إلى أنحاء الدنيا.
ومع
أن بعض الرسميين من علماء الأزهر رضخوا للضغوط الأمنية والحكومية
وأساؤوا للإخوان المسلمين في العقود الماضية فإن الإخوان المسلمين ظلوا
يحتفظون للأزهر بقدره ومكانته اللائقة به، وبقي آلاف الأئمة والدعاة من
الإخوان الأزهريين يمارسون رسالتهم ويقدمون صورة عملية نموذجية للأزهري
صاحب الفهم الوسطي المعتدل المعبر عن الفهم الواعي والدقيق للإسلام
العظيم، كما بقي مئات الإخوان الأساتذة في الكليات الشرعية بجامعة الأزهر
في مختلف التخصصات العلمية يؤدون رسالتهم ويقدمون نموذجا عمليا لطلابهم
في الجمع بين العلم والعمل.
لهذا
ليس غريبا أن يهتم علماء الأزهر من الإخوان المسلمين مع إخوانهم العلماء
في أزهرنا الكريم بتطوير الأزهر وتجديده وأن يشاركوا في تعديل القانون
103 بما يضمن للأزهر استقلالا كاملا ويحقق تطويرا مناسبا يساعده على
القيام بدوره المرتقب في قيادة الأمة نحو مستقبل مشرق، وإذ نحيي مبادرة
فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر بإنشاء لجنة
لمراجعة القانون فإننا ندعو إلى أن تتسع دائرة المشاورات لتشمل كل
المهتمين بالشأن الأزهري لإنضاج مشروع قانون متكامل يحقق الآمال المعقودة
عليه في النهوض بإذن الله، ونرجو أن يكون هذا القانون من أوائل القوانين
التي تعرض على البرلمان الجديد بإذن الله.
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗