معرفة اللهما هو حكم معرفة الله؟
اعلم أن مذهب أهل الإسلام أن معرفة الله تعالى واجبة على جميع الأنام.
لكن اختلفوا في طريقها فمذهب الصوفية: أن طريقها الرياضة والتخلية والتحلية وتصفية الطوية لقبول التحلية , وليستفيد الواردات وشواهد تكثيرها التي عجز العقل عن تفسيرها.
وذهب جمهور المتكلمين: إلى أن طريقها إنما هو النظر والاستدلال بالأدلة النقلية من الكتاب والسنة المطابقة للأدلة العقلية.
وقال بعضهم: يعرف بالعقل المجرد الباقي على الفطرة الأصلية وقال بعضهم: يعرف الله بالله لا بغيره وهذا أشبه بمذهب الصوفية وعن هذا قالوا إن أحدا لا يعرف الله حق معرفته وإن كان نبيا مرسلا أو ملكا مقربا لقوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء:85] وكقوله سبحانه وتعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:110] وقوله: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:103] ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم: ((لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك)).
وذهب أهل السنة والجماعة: أن الله يعرف بالأدلة النقلية من الكتاب والسنة سواء أتوافق ذلك مع العقل أم لم يتوافق , فلا أحد أعلم بالله من الله ثم من رسل الله بما أوحاه الله إليهم , فإن الله هو أعظم الغيب , والغيب لا يستطيع أن يتكلم فيه أحد إلا بنص أوحاه الله إلى رسوله – صلى الله عليه وسلم - , إن كان في قرآن أو في سنة صحيحة.
ما هي منزلة المعرفة بالله بين العلوم والمعارف؟
إن التعرف على الله من أعلى المنازل وأرفعها ، ولن تصلح القلوب إلا بمعرفة الله تعالى .
جاء في جامع العلوم والحكم للإمام ابن رجب ما نصه: ( وقال الحسن لرجل داو قلبك فإن حاجة الله إلى العباد صلاح قلوبهم ) يعني أن مراده منهم ومطلوبه صلاح قلوبهم فلا صلاح للقلوب حتى يستقر فيها معرفة الله وعظمته ومحبته وخشيته ومهابته ورجاؤه والتوكل عليه ويمتلئ من ذلك , وهذا هو حقيقة التوحيد , وهو معنى قول لا إله إلا الله , فلا صلاح للقلوب حتى يكون إلهها الذي تألهه وتعرفه وتحبه وتخشاه هو إله واحد لا شريك له ولو كان في السموات والأرض إله يؤله سوى الله لفسدت بذلك السموات والأرض كما قال تعالى ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) أ.هـ .
إن معرفة الله بأسمائه وصفاته من أجل العلوم , فهذا العلم - وهو العلم المتعلق بالله
تعالى - أشرف العلوم وأجلها على الإطلاق فالاشتغال بفهمه والبحث التام عنه
اشتغال بأعلى المطالب , وحصوله للعبد من أشرف المواهب , فمعرفة الله تعالى تدعو إلى محبته وخشيته وخوفه ورجائه وإخلاص العمل له وهذا عين سعادة العبد , وإن أعظم الناس معرفة بالله هم رسل الله , ومن هنا فهم أكمل الناس عبادة وطاعة لله رب العالمين .
يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى
( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، مآ أريد منهم من رزق ومآ أريد أن يطعمون ، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين )) : هذه الغاية التي خلق الله
الجن والإنس لها , وبعث جميع الرسل يدعون إليها وهي: عبادته المتضمنة
لمعرفته ومحبته والإنابة إليه والإقبال عليه والإعراض عما سواه , وذلك
متوقف على معرفة الله تعالى , فإن تمام العبادة متوقف على المعرفة بالله بل كلما ازداد العبد معرفة بربه كانت عبادته أكمل. ) أ.هـ
وينبغي
لمن عرف شرف الوجود أن يحصل أفضل الموجود , وليعلم أن هذا العمر
موسم والتجارات تختلف , والعامة تقول: عليكم بما خف حمله وكثر ثمنه ,
فينبغي للمستيقظ ألا يطلب إلا الأنفس , وأنفس الأشياء في الدنيا معرفة الحق
عز وجل.
من هو الله؟
والجواب من القرآن , قال الله تعالى:"شَهِدَ اللَّهُ
أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ
قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)"(آل عمران)
وقال أيضا:" اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ
لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ
مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ
عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) لَا
إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ
يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ
بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
(256)"(البقرة)
وقال أيضا:"هُوَ
اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا
هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ
الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا
يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ
الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) "(الحشر)
وقال أيضا:"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)"(الإخلاص)
الله: هو الاسم المفرد العلم على ذاته القدسية وأسمائه الحسنى وصفته العلى.
ما هو اسم الله الأعظم؟
ويرى ابن القيم والإمام الطحاوي كما في مشكل الآثار وغيرهما أن الله
هو الاسم الأعظم الذي ما ذكر في قليل إلا كثره , وما ذكر في خوف إلا حوله
أمنا , وهو الاسم الذي ما ذكر عند هم إلا كشفه , وهو الاسم الذي ما ذكر عند
كرب إلا فرجه , وهو الاسم الذي ما ذكر في فقر إلا تحول الفقر إلى غنا ,
وهو الاسم الذي ما تعلق به ذليل إلا أعزه , وهو الاسم الذي ما تعلق به فقير
إلا غني , وهو اسم الذي ما تعلق به مكروب إلا رُفع كربه , وهو الاسم الذي
تستدفع به الكربات , وهو الاسم الذي تستنزل به البركات , وهو الاسم الذي
تقال به العثرات , وهو الاسم الذي تستفرغ به النقم , وهو الاسم الذي يستنزل
به المطر , وهو الاسم الذي يستنصر به من السماء , وهو الاسم الذي من أجله
قامت الأرض والسماء , وهو الاسم الذي تستزل به الرحمات , وهو الاسم الذي
ذكر في القرآن ما يقرب من ألف مرة .
العقيدة في الله رب الأرباب
1ــ إن الله واحد لا شريك له
2ــ ولا شيء مثله
3ــ ولا إله غيره
4ــ ولا شيء يعجزه
5ــ هو الأول بلا ابتداء
6ــ والدائم بلا انتهاء
7ــ لا يفنى ولا يبيد
8ــ ولا يكون إلا ما يريد
9ــ لا تبلغه الأوهام
10ــ ولا تدركه الأفهام
11ــ ولا يشبه الأنام
12ــ حي لا يموت
13ــ قيوم لا ينوم
14ــ خالق بلا حاجة
15ــ رازق بلا مؤنة
16ــ مميت بلا مخافة
17ــ باعث بلا مشقة
18ــ ما زال بصفاته قديما قبل خلقه
19ــ لم يزدد بكونهم شيئالم يكن قبلهم من صفته
20ــ وكما كان بصفاته أزليا
21ــ كذلك لا يزال عليها أبديا
21ــ ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم"الخالق"
22ــ ولا بإحداث البرية استفاد اسم "الباري"
23ــ له معنى الربوبية ولا مربوب
24ــ ومعنى الخالق ولا مخلوق
25ــ وكما أنه محيي الموتى بعدما أحيا
استحق هذا الاسم قبل إحيائهم
26ــ كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم
27ــ ذلك بأنه على كل شيء قدير
28ــ وكل شيء إليه فقير
29ــ ولا يحتاج إلى شيء
30ــ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
31ــ خلق الخلق بعلمه
32ــ وقدر لهم أقدارا
33ــ وضرب لهم آجالا
34ــ ولم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم
35ــ وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم
36ــ وأمرهم بطاعته
37ــ ونهاهم عن معصيته
38ــ وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته
ومشيئته تنفذ
39ــ لا مشيئة للعباد إلا ما شاءه الله لهم
40ــ فما شاء لهم كان وما لم يشأ لم يكن
41ــ يهدي من يشاء
42ــ ويعصم ويعافي فضلا
43ــ ويضل من يشاء
44ــ ويخذل ويبتلي عدلا
45ــ وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله
46ــ وهو متعال عن الأضداد والأنداد
47ــ لا راد لقضائه
48ــ ولا معقب لحكمه
49ــ ولا غالب لأمره
50ــ آمنا بذلك كله وأيقنا أنه من عنده.
ما هي أقسام معرفة الله تعالى؟
معرفة الله قسمان:
1 – معرفة وجود ومعاني:وهذا هو المطلوب منا
2 – ومعرفة كنه وحقيقة: وهذا غير مطلوب منا لأنه مستحيل لأنه غيب لم يقصه الله علينا في القرآن أو في السنة .
فالمطلوب منا إذن: معرفة الذات بالوجود ومعرفة الصفات بالمعاني، أما معرفة الكنه والحقيقة فهذا مما لا يعلمه إلا الله عز وجل.
ولقد جعل الشيخ محمد بن عبد الوهاب معرفة الله أول الواجبات , والمراد أول واجب لذاته، وأما أول واجب لغيره فهو النظر والتدبر الموصل إلى معرفة الله ، فالعلماء قالوا: أول ما يجب على الإنسان أن ينظر إلى مخلوقات الله , فإذا نظر وصل إلى غاية وهي المعرفة , فيكون النظر أول واجب لغيره، والمعرفة أول واجب لذاته .
قال ابن القيم رحمه الله:
معرفة الله سبحانه نوعان :
الأول: معرفة إقرار وهي التي اشترك فيها الناس: البرّ والفاجر والمطيع والعاصي .
والثاني:
معرفة تُوجب الحياء منه، والمحبة له، وتعلُّق القلب به، والشوق إلى لقائه،
وخشيته، والإنابة إليه، والأنس به، والفرار من الخلق إليه. وهذه هي
المعرفة الخاصة الجارية على لسان القوم، وتفاوتهم فيه لا يحصيه إلا الذي
عرّفهم بنفسه، وكشف لقلوبهم من معرفته ما أخفاه عن سواهم، وكلٌّ أشار إلى
هذه المعرفة بحسب مقامه وما كشف له منها.
وقد قال أعرف الخلق به: (لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك) رواه مسلم.
وأنه أخبر: أنه سبحانه يفتح عليه يوم القيامة من محامده بما لا يحسنه الآن.
ما هي الأبواب التي يتعرف بها على الله؟
قال ابن القيم:
ولهذه المعرفة بابان واسعان :
الباب الأول: التفكّر والتأمل في آيات القرآن كلها، والفهم الخاص عن الله ورسوله .
والباب الثاني: التفكّر في آياته المشهودة، وتأمّل حكمته فيها وقدرته ولطفه وإحسانه وعدله وقيامه بالقسط على خلقه .
وجماع ذلك: الفقه في معاني أسمائه الحسنى ،
جلالها وكمالها، وتفرّده بذلك ، وتعّلُّقها بالخلق والأمر،
فيكون:
فقيهًا في أوامره ونواهيه.
فقيهًا في قضائه وقدره.
فقيهًا في أسمائه وصفاته
فقيهًا في الحكم الديني الشرعي والحكم الكوني القدري.
و{ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21].
ما هي لوازم معرفة الله؟
ولوازم معرفة الله تعالى هي ما يلي:
1ــــ أن تحبه وتقدم حب غيره على حبه.
2ــــ أن تجيبه إذا ما أمرك ونهاك.
3ــــ ألا تقدم على العلاقة معه علاقة وأن تقدم الصلة معه على الصلة مع من سواه.
4ــــ أن تحرص على رضاه وتحذر من غضبه , وذلك بتقديم رضاه على رضى من سواه , ولو غضب العالم كله في سبيل ذلك.
5ـــــ
أن تطلب الأنس به سبحانه وذلك بطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر ,
والابتعاد عن آلام الوحشة عنه وذلك عندما تعصيه وتخالف أوامره.
6ــــــ تعليق القلب به سبحانه وقطعه عمن سواه.
7ــــــ إظهار الافتقار والحاجة إليه – سبحانه وتعالى – دون غيره.
قال ابن القيم -رحمه الله -:
*من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه…
*وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة …
*وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره …
* وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له …
*وأن تذوق الم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته …
*وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ولا تهرب إلى نعيم الإقبال عليه و الإنابة إليه …
*وأعجب من ذلك علمك أنك لابد لك منه و أنك أحوج شيء إليه و أنت عنه معرض و فيما يبعدك عنه راغب.
معرفة الله بين النظرية والتطبيق
• عجِبْتُ لمن:
يتوكل على الله حق التوكل، ثم يكون قلقاً للمستقبل..
• عجِبْتُ لمن:
يثق في رحمة الله تمام الثقة، ثم ييأس من الفرج..
• عجِبْتُ لمن:
يوقن بحكمة الله تمام اليقين، ثم يعتب على الله في قضائه وقدره..
• عجِبْتُ لمن:
يطمئن إلى عدالة الله تمام الاطمئنان، ثم يشكك في نهاية الظالمين..
• عجِبْتُ لمن:
يعلم بأنه خُلق لعبادة الله وأنَّ الله قد تكفَّل برزقه، ثم يترك العبادة ويطلب الرزق الحرام ويذل نفسه في السعي إليه..
• عجِبْتُ لمن:
أيقن بالموت، ثم هو يفرح ولم يستعد له..
• عجِبْتُ لمن:
أيقن بالنار، ثم هو يضحك..
• عجِبْتُ لمن:
أيقن بالقدر، ثم هو ينصب..
• عجِبْتُ لمن:
رأى الدنيا وتقلبها بأهلها، ثم اطمأن إليها..
• عجِبْتُ لمن:
أيقن بيوم الحساب، ثم لا يعمل له..
• عجِبْتُ لمن:
ادّعى حبّ الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ترك سنته..
• عجِبْتُ لمن:
قرأ القرآن، ثم لم يعمل به..
• عجِبْتُ لمن:
ادّعى دخول الجنة، ثم لم يعمل لها..
• عجِبْتُ لمن:
ادعى النجاة من عذاب جهنم، ثم رمى نفسه فيها باتباع الهوى..
• عجِبْتُ لمن:
ادعى عداوة الشيطان، ثم أطاعه..
• عجِبْتُ لمن:
دفن الأموات، ثم لم يعتبر..
• عجِبْتُ لمن:
أكل نعمة الله، ثم لم يشكره عليها..
• عجِبْتُ لمن:
اشتغل بعيوب الناس، ثم أغفل عيوبه..
• عجِبْتُ لمن:
عرف الله، ثم لم يؤدي حقه..
• عجِبْتُ لمن:
يرفع يداه للدعاء، ثم يستمر على المعصية
ما هو السبيل إلى المعرفة الشمولية المتكاملة بالله؟
قال ابن القيم:
من الناس من يعرف الله
بالجود والإفضال والإحسان, ومنهم من يعرفه بالعفو والحلم والتجاوز ومنهم من
يعرفه بالبطش والانتقام ومنهم من يعرفه بالعلم والحكمة ومنهم من يعرفه
بالعزة والكبرياء ومنهم من يعرفه بالرحمة والبر واللطف ومنهم من يعرفه
بالقهر والملك ومنهم من يعرفه بإجابة دعوته وإغاثة لهفته وقضاء حاجته.
وأعلم هؤلاء معرفة: من عرفه من كلامه
, فإنه يعرف ربا قد اجتمعت له صفات الكمال ونعوت الجلال , منزّه عن المثال
بريء من النقائص والعيوب , له كل اسم حسن وكل وصف كمال , فعّال لما يريد ,
فوق كل شيء ومع كل شيء وقادر على كل شيء ومقيم لكل شيء , آمر ناه متكلم
بكلماته الدينية والكونية , أكبر من كل شيء وأجمل من كل شيء أرحم الراحمين
وأقدر القادرين وأحكم الحاكمين.
فالقرآن أنزل لتعريف عباده به وبصراطه الموصل إليه وبحال السالكين بعد الوصول إليه.
-القرآن كلُّه يدور حول معرفة الله-
فإِن القرآنَ إِما خبٌر عن اللـه وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العلميُّ الخبري.
وإِما دعوة إِلى عبادته وحدَه لاشريك له، وخلع مايُعبد من دونه، فهو التوحيد الإِرادي الطلبي.
وإِما أمرٌ ونهيٌ وإِلزامٌ بطاعته، فذلك من حقوق التوحيد ومكملاته.
وإِما خبرٌ عن إِكرامه لأهل توحيده، وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده.
وإِما خبر عن أهل الشرك، وما فعل بهم في الدنيا من النكال، وما يحلّ بهم في العقبى من العذاب، فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد.
فالقرآن كله في التوحيد وحقوقِه وجزائِه، وفي شأن الشرك وأهلهِ وجزائهم.
ما هي أهمية معرفة الله تعالى؟
1ــ أن العلم بالله وأسمائه وصفاته أشرف العلوم وأجلها على الإطلاق ، لأن شرف العلم بشرف المعلوم ، والمعلوم في هذا العلم هو الله
سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله ، فالاشتغال بفهم هذا العلم ، والبحث
التام عنه ، اشتغال بأعلى المطالب ، وحصوله للعبد من أشرف المواهب ، ولذلك
بينه الرسول صلى الله عليه وسلم غاية البيان ، ولاهتمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - ببيانه لم يختلف فيه الصحابة رضي الله عليهم كما اختلفوا في الأحكام .
2ــ أن معرفة الله تدعو إلى محبته وخشيته ، وخوفه ورجائه ، وإخلاص العمل له ، وهذا هو عين سعادة العبد ، ولا سبيل إلى معرفة الله ، إلا بمعرفة أسمائه الحسنى ، والتفقه في فهم معانيها .
3ــ أن معرفة الله سبحانه وتعالى ، مما يزيد الإيمان ، كما قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله
إن الإيمان بأسماء الله
الحسنى ومعرفتها يتضمن أنواع التوحيد الثلاثة : توحيد الربوبية ، وتوحيد
الإلهية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، وهذه الأنواع هي روح الإيمان ورَوحه ،
وأصله وغايته ، فكلما زاد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته ازداد إيمانه وقوي يقينه ).
والرَوح : هو الفرح ، والاستراحة من غم القلب .
4ــ أن الله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه ، وهذا هو الغاية المطلوبة منهم ، لأنه كما يقول ابن القيم رحمه الله : ( مفتاح دعوة الرسل ، وزبدة رسالتهم ، معرفة المعبود
بأسمائه وصفاته وأفعاله ؛ إذ على هذه المعرفة تبنى مطالب الرسالة كلها من أولها إلى آخرها ) .
فالاشتغال بمعرفة الله ، اشتغال بما خلق له العبد ، وتركه وتضييعه إهمال لما خلق له ، وليس معنى الإيمان هو التلفظ به فقط دون معرفة الله ، لأن حقيقة الإيمان بالله أن يعرف العبد ربه الذي يؤمن به ، ويبذل جهده في معرفة الله بأسمائه وصفاته ، وبحسب معرفته بربه يزداد إيمانه .
5ــ أن العلم بالله تعالى ومعرفته أصل للعلم بكل معلوم ، كما يقول ابن القيم رحمه الله : ( إن العلم بأسماء الله
الحسنى أصل للعلم بكل معلوم ، فإن هذه المعلومات سواه إما أن تكون خلقاً له
تعالى أو أمراً ، إما علم بما كوَّنه ، أو علم بما شرعه ، ومصدر الخلق
والأمر عن أسمائه الحسنى ، وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى
بمقتضيه .. وإحصاء الأسماء الحسنى ، أصل لإحصاء كل معلوم ، لأن المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها … ).
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منقول