هذه
الآية الكريمة تمثل القسم الثالث بأقرب النجوم إلينا ألا وهي الشمس التي
أنزل الله(تعالى) سورة باسمها في محكم كتابه, واستهلها بالقسم أربع
مرات بهذا النجم الذي جعله( تعالى) مصدرا للدفء والنور علي الأرض ولغير
ذلك من مصادر الطاقة العديدة, التي بدونها لم يكن ممكنا لأي شكل من
أشكال الحياة الأرضية أن يوجد.
من هنا يتضح لنا جانب من جوانب الهدف من هذا القسم المغلظ بالشمس, والذي يقول فيه ربنا( تبارك وتعالى):
والشمس وضحاها* والقمر إذا تلاها* والنهار إذا جلاها* والليل إذا يغشاها*
(الشمس:1 ــ4)
ويتلخص هذا الهدف في تنبيه
الغافلين من بني البشر إلي أهمية أقرب النجوم إلينا, وإلي روعة الإبداع
الإلهي في خلقه, ودلالة ذلك علي شيء من صفات هذا الخالق العظيم, وعلي
أنه(تعالى) هو رب هذا الكون ومليكه, وإلهه الأوحد وموجده, والمتفرد
بالسلطان فيه, بغير شريك ولاشبيه ولامنازع, وعلي أن الخضوع لجلاله
بالعبادة, والنزول علي أوامره بالاستسلام والطاعة هما من أوجب واجبات
الوجود في هذه الحياة, لأنهما يمثلان طوق النجاة للعباد في الدنيا
والآخرة, وإلا فإن الله( تعالى) غني عن القسم لعباده.
وصفات الشمس التي أقسم بها
ربنا( تبارك وتعالى) ضمن سلسلة طويلة من القسم بتسع من آياته في الأنفس
والآفاق يأتي جواب القسم بها كلها في قول الحق(سبحانه):
(قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دساها) ( الشمس:10,9).
بمعني أن فلاح الإنسان قائم
علي تزكية نفسه بتقوى الله تعالى, والعمل بكتابه الخاتم وبسنة رسوله
الخاتم( صلي الله عليه وسلم), وبالاستعداد ليوم الرحيل من هذه
الدنيا, وما يستتبعه من حساب وجزاء, وخلود في حياة قادمة, إما في
الجنة أبدا أو في النار أبدا كما علمنا كل أنبياء الله ورسله وعلي رأسهم
خاتمهم أجمعين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم وعلي من تبعه وتبعهم
بإحسان إلي يوم الدين).
وعلي النقيض من ذلك تكون
خيبة الإنسان في الدنيا وخسارته في الآخرة إذا لم يحرص علي الإيمان
الصادق, والعمل الصالح, وداوم علي تزكية النفس ومحاسبتها, وذلك لأن
الإنسان ـ إنطلاقا من غروره وكبره, أو من غبائه وجهله ـ عرضة لغواية
الشيطان له علي الكفر بالله, أو الإشراك في عبادته, أو الخوض في معاصي
الله, ثم يدركه الأجل قبل توبة نصوح يبرأ بها إلي الله فيكون في ذلك
خيبته الكبري, وخسرانه المبين.
وهذا هو المحور الرئيسي
لسورة الشمس الذي يدور حول طبيعة النفس الإنسانية, واستعداداتها الفطرية
لقبول أي من الخير والشر, لأن الإنسان مخلوق ذو إرادة حرة تمكنه من
الاختيار بين هذين السبيلين, وعلي أساس من اختياره بإرادته الحرة يكون
جزاؤه في الدنيا والآخرة.
وتختتم سورة الشمس بنموذج
من نماذج الأمم التي عصت أوامر ربها, وكذبت رسله فكان عقابها ما أنزل
الله( تعالى) بها من عذاب ونكال تستحقه, وأمر الله نافذ لامحالة,
وهو( سبحانه) لايخشي أحدا فيما يتخذ من قرار لأنه رب هذا الكون ومليكه
الذي لايسأل عما يفعل.وفي ذلك يقول ربنا( تبارك وتعالى):كذبت
ثمود بطغواها* إذ انبعث أشقاها* فقال لهم رسول الله ناقة الله
وسقياها* فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها* ولايخاف
عقباها*( الشمس:11 ــ15)
وفي مقالين سابقين قمنا
باستعراض القسم بالآيتين الأولي والثانية من سورة الشمس, وفي هذا المقال
نستعرض دلالة القسم بالآية الثالثة التي يقول فيها ربنا(عز من قائل):
والنهار إذا جلاها*( الشمس:3)
وقبل الدخول إلي ذلك لابد
من استعراض لدلالة اللفظين( النهار) و(جلاها) من الناحية
اللغوية, ومن تلخيص لآراء عدد من المفسرين السابقين في شرح دلالة هذه
الآية الكريمة.
الدلالة اللغوية لألفاظ الآية الكريمة
من أجل فهم الدلالة اللفظية للآية الكريمة التي نحن بصددها.
لابد من شرح المعني اللغوي, للاسم( النهار) وللفعل( جلاها).
و(النهار) لغة هو ضد
الليل, وهو نصف اليوم الذي تشرق فيه الشمس, وينتشر النور, ويعرف
بالفترة الزمنية بين طلوع الشمس وغروبها, وإن كان في الشريعة الإسلامية
هو الفترة الزمنية من طلوع الفجر الصادق إلي غروب الشمس.
ولفظة( النهار) لا تجمع
كما لا يجمع كثير من الكلمات العربية من مثل السراب والعذاب, وإن كان
البعض يحاول جمعه علي( أنهر) للقليل, وعلي( نهر) للكثير, وهو
نادر الاستعمال.
ويقال( أنهر) أي: دخل
في النهار, و(أنهر) الماء جري وسال, و(النهر) ــ بسكون الهاء
وفتحها ــ واحد( الأنهار) وهو مجري الماء الفائض المتدفق,
و(النهر) أيضا هو السعة تشبيها بنهر الماء.
وقوله( تعالى): (إن المتقين في جنات ونهر)(القمر:54)
فسر أهل العلم( نهر)
هنا بالأنهار أو بالضياء( والصواب هو: بالنور) والسعة, والمعني
الأول أولي لمواءمته لسياق الآية الكريمة.
ويقال( نهر) الماء
أي: جري في الأرض حافرا مجراه جاعلا منه نهرا, ويقال
نهر نهر) أي
كثير الماء, وكل كثير جري فقد( نهر) و(استنهر), ويقال( أنهر)
الدم أي أساله وأرسله, ويستخدم الفعل(نهر)( نهرا), و(انتهر)(
انتهارا) بمعني زجر زجرا بغلظة وشدة.
ويقال في العربية
جلا)( يجلو)( جلاء) بمعني أوضح وكشف, لأن أصل( الجلو) هو الكشف
الظاهر, و(الجلي) هو كل ماهو ضد الخفي.
يقال
جلا) لي الخبر(
يجلوه)( جلاء) أي وضحه, و(الجلية) هي الأخبار اليقينية,
و(تجلي) بمعني تكشف,. و(انجلي) عنه الهم بمعني انكشف,
و(جلاه) عنه أي أذهبه, ولذلك يقال,( جلي) السيف( جلاه)(
تجلية) أي كشفه ويقال( جلا) السيف( يجلوه)( جلاء( أي صقله,,
ويقال
جلا) بصره بالكحل(جلاء), ولذلك يقال للكحل( الجلاء).
و(التجلي) قد يكون بالذات كما في قوله( تعالى): والنهار إذا تجلي*
( الليل:2)
وقد يكون بالأمر والفعل من مثل قوله تعالى: (فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا وخر موسي صعقا)( الأعراف:143).
ويقال( جلا) العروس(
يجلوها)( جلاء) و(جلوة), و(اجتلاها) بمعني نظر إليها(
مجلوة), ويقال: فلان ابن( جلا) أي مشهور.
و(الجلاء) هو
الأمر(الجلي) أي الواضح البين, و(الجلاء) أيضا هو الخروج من
البلد والإخراج منه, يقال: لقد( جلوا) عن أوطانهم ولقد( جلاهم)
أو( أجلاهم) غيرهم( فأجلوا) عنها, ويقال كذلك
أجلوا) عن
الشيء إذا انفرجوا عنه.
من أقوال المفسرين
في تفسير قوله( تعالى):والنهار إذا جلاها*
ذكر ابن كثير( يرحمه
الله) مانصه:... قال مجاهد
والصواب هو أنارها), وقال قتادة:
إذا غشيها النهار, وتأول بعضهم ذلك بمعني: والنهار إذا جلا الظلمة
لدلالة الكلام عليها.( قلت): ولو أن القائل تأول ذلك بمعني( والنهار
إذا جلاها) أي البسيطة لكان أولي, ولصح تأويله في قوله( تعالى)
والليل إذا يغشاها) فكان أجود وأقوي, والله أعلم. ولهذا قال
مجاهد
والنهار إذا جلاها) إنه كقوله تعالى
والنهار إذا تجلي),
وأما ابن جرير فاختار عود الضمير في ذلك كله علي الشمس لجريان ذكرها,...
* وجاء في الجلالين( رحم الله كاتبيه) ما نصه
والنهار إذا جلاها) بارتفاعه( أي: ظهرت فيه).
* وذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمة واسعة) مانصه:
ويقسم بالنهار إذا
جلاها.. مما يوحي بأن المقصود بالضحى هو الفترة الخاصة لا كل النهار..
والضمير في( جلاها).. الظاهر أنه يعود إلي الشمس المذكورة في
السياق.. ولكن الإيحاء القرآني يشي بأنه ضمير هذه البسيطة. وللأسلوب
القرآني إيحاءات جانبية كهذه مضمرة في السياق لأنها معهودة في الحس البشري
يستدعيها التعبير استدعاء خفيا. فالنهار يجلي البسيطة ويكشفها. وللنهار
في حياة الإنسان آثاره التي يعلمها. وقد ينسي الإنسان بطول التكرار جمال
النهار وأثره. فهذه اللمسة السريعة في مثل هذا السياق توقظه وتبعثه
للتأمل في هذه الظاهرة الكبرى.
* وجاء في صفوة البيان
لمعاني القرآن( رحم الله كاتبه برحمته الواسعة) ما نصه
والنهار إذا
جلاها) أي جلي الشمس وأظهرها, فإنها تتجلي إذا انبسط النهار ومضت منه
مدة, وهو وقت الضحى والضحاء. وقيل: جلي الدنيا, أي وجه الأرض وما
عليه.
* وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم( جزاهم الله خيرا) ما نصه:وبالنهار إذا أظهر الشمس واضحة غير محجوبة.
* وجاء في صفوة التفاسير( جزي الله كاتبه خيرا) ما نصه:
(والنهار إذا جلاها) أي
وأقسم بالنهار إذا جلا ظلمة الأرض بضيائه وكشفها بنوره, وقال ابن
كثير: إذا جلا البسيطة وأضاء الكون بنوره.
النهار في القرآن الكريم
ورد ذكر النهار في مقابلة
الليل في القرآن الكريم سبعا وخمسين(57) مرة, منها أربع وخمسون(54)
مرة بلفظ النهار, وثلاث(3) مرات بلفظ نهارا, كذلك وردت ألفاظ الصبح
والإصباح, وبكرة, والفلق والضحى ومشتقاتها بمدلول النهار أو بمدلول
أجزاء منه في آيات أخري كثيرة, كما وردت كلمة اليوم أحيانا بمعني
النهار.
وذلك من مثل قوله( تعالى):
ــ قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحي*( طه:59)
ــ يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلي ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون*
( الجمعة:9)
ــ أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو علي سفر فعدة من أيام أخر..*
( البقرة:184)
ــ فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم....*
( البقرة:196).
ــ فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام...*
( المائدة:89).
ــ سخرها عليهم سبع ليالي وثمانية أيام حسوما...*
( الحاقة:7).
ــ... وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين*
( سبأ:18)
والنهار في القرآن الكريم يمتد من الفجر الصادق إلي الغروب وذلك لقول الحق( تبارك وتعالى):
وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل...*( هود:114)
الدلالة العلمية للآية الكريمة
في الآيات الأربع الأولي من سورة الشمس يقول ربنا( تبارك وتعالى):
والشمس وضحاها* والقمر إذا تلاها* والنهار إذا جلاها* والليل إذا يغشاها*
وضمير الغائب في هذه الآيات
يعود علي الشمس كما هو واضح من سياق السورة الكريمة, ومن قواعد اللغة
العربية, ومن شروح المفسرين الذين لم تختلف شروحهم إلا في تفسير قول
الله( تعالى): والنهار إذا جلاها فأعادوا ضمير الغائب هنا مرة إلي
الشمس, ومرة إلي الظلمة, وثالثة إلي البسيطة أي الأرض, وذلك لأن
الناس قد درجوا عبر التاريخ علي فهم أن طلوع الشمس هو الذي يجلي ظلمة الليل
وينير وضح النهار.
فكيف يمكن أن يكون النهار هو الذي يجلي الشمس؟
ولكن في مطلع الستينيات من
القرن العشرين بدأ نشاط ريادة الفضاء, وفوجيء هؤلاء الرواد بحقيقة مذهلة
مؤداها أن الكون يغشاه الظلام الدامس في غالبية أجزائه, وأن طبقة النهار
المنيرة عبارة عن حزام رقيق جدا لايتعدي سمكه مائتي كيلو متر فوق مستوي سطح
البحر, يغلف نصف الأرض المواجه للشمس ويتحرك علي سطحها بمعدل دورانها
حول محورها أمام الشمس, وأنه بمجرد تجاوز تلك الطبقة الرقيقة من نور
النهار تبدو الشمس قرصا أزرق باهتا في صفحة سوداء حالكة السواد, وكذلك
تتضح مواقع النجوم بنقاط زرقاء باهتة لا تكاد تري.
وبدراسة هذه الظاهرة المبهرة والتي سبق للقرآن الكريم أن أشار إليها من قبل ألف وأربعمائة سنة بقول الحق( تبارك وتعالى): ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون* لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون( الحجر:15,14).
ــ وبقوله( سبحانه): وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون*
( يس:37).
ــ وبقوله( عز من قائل):
أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها* رفع سمكها فسواها* وأغطش ليلها وأخرج ضحاها*( النازعات:27 ــ29)
وفي محاولة لتفسير السبب في
ظلمة الكون ونور طبقة النهار المحدودة بحدود نصف الأرض المواجه للشمس
وبسمك لايتعدي المائتي كيلو متر أتضح أن الغالبية العظمي من أشعة الشمس هي
أشعة غير مرئية, وأن الجزء المرئي منها لا يري إلا بعد انعكاسه وتشتته
لمرات عديدة علي عدد من الأجسام من مثل جزيئات العناصر والمركبات المكونة
للطبقة الدنيا من الغلاف الغازي للأرض, وما بها من هباءات الغبار,
وقطيرات الماء, وبخاره.
ولما كان الغلاف الغازي
للأرض تتضاءل كثافته بالارتفاع حتى لا تكاد أن تدرك, كما يتضاءل محتواه
من هباءات الغبار والرطوبة بصفة عامة, توقفت عمليات تشتيت ضوء الشمس
وعكسه علي المائتي كيلو متر السفلي من هذا الغلاف الغازي فقط والتي يري
فيها نور النهار, وبقي الكون في ظلام دامس, وبقي موقع الشمس علي هيئة
قرص أزرق وسط هذا الظلام, كما بقيت مواقع النجوم نقاطاً زرقاء باهتة في
بحر غامر من ظلمة الكون الشاملةويؤكد
ذلك تناقص ضغط الغلاف الغازي للأرض من نحو الكيلو جرام على السنتيمتر
المربع عند مستوى سطح البحر إلى أقل من واحد من المليون من هذا الضغط في
الأجزاء العليا من غلاف الأرض الغازي,وتحت مثل هذه الضغوط التي لا تكاد
أن تدرك تبدأ مكونات الجزئيات في هذا الغلاف الغازي في التفكك إلى ذراتها
وأيوناتها بفعل الأشعة الكونية القادمة من الشمس ومن غيرها من نجوم
السماء, ويساعد على قلة الضغط سيادة الغازات الخفيفة من مثل الإيدروجين
والهيليوم على حساب الغازات الأثقل نسبياً من مثل الأوكسجين والنيتروجين,
ويعين علي تخلخل الهواء الارتفاع الشديد في درجات الحرارة التي تصل إلي
أكثر من ألفي درجة مئوية في الجزء المسمي بالنطاق الحراري, وفي النطاق
الخارجي من الغلاف الغازي للأرض, وعلي ذلك فإن الجزء المرئي من موجات
الإشعاع الشمسي لا تكاد تجد ما تنعكس أو تتشتت عليه فلا تري إلا في المائتي
كيلو متر السفلي من الغلاف الغازي للأرض حيث تتوفر جسيمات الانعكاس
والتشتت فيتضح هذا النور الأبيض الجميل الذي يميز فترة النهار على الأرض
والذي يعطي بتقدير من الله الخالق لكل شيء لونه من مثل السماء, والشمس,
والسحاب, وماء البحر وغيره وذلك بسبب تحلل هذا النور الأبيض إلي أطيافه
السبعة وامتصاص بعضها, وعكس البعض الآخر, ومعني ذلك أن النهار وهو الذي
يجلي لنا الشمس, أي يجعلها واضحة جلية لأحاسيس المشاهدين من أهل
الأرض, وليس العكس كما ظل الناس يعتقدون عبر التاريخ, فلولا طبقة
النهار( وهي المائتي كيلو متر السفلي من الغلاف الغازي الملاصق لنصف
الأرض المواجه للشمس) ومابه من كثافة غازية, ورطوبة, وهباءات غبارية
ما تجلت لنا الشمس أبدا,. وهذه حقيقة علمية لم يدركها الإنسان إلا بعد
ريادة الفضاء.
ولذلك يصف القرآن الكريم النهار بأنه مبصر في أكثر من آية وذلك من مثل قوله( تعالى):
(ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون)(النمل:86).
ويصف الصبح بأنه هو الذي يسفر أي ينير وينكشف فيقول( سبحانه):
(والليل إذ أدبر* والصبح إذا أسفر)( المدثر:33).
ويصف النهار بأنه هو الذي يتجلي فيقول
( عز من قائل):والليل إذا يغشي* والنهار إذا تجلي*( الليل:2,1)
أشعة الشمس
تنتج الطاقة في الشمس من
عملية الاندماج النووي لنوي كل أربع ذرات من غاز الإيدروجين لتنتج نواة
واحدة من نوي ذرات الهيليوم, ولما كانت كتلة ذرة الإيدروجين
تساوي1,0078 وحدة ذرية فإن كتلة أربع ذرات منها تساوي
1,0078*4=4,0312 وحدة ذرية.
ولما كانت كتلة ذرة
الهيليوم=4,003 وحدة ذرية. فإن الفرق بين كتلة ذرات الإيدروجين الأربع
المندمجة مع بعضها البعض, وكتلة ذرة الهيليوم الناتجة عن هذا الاندماج
وهو عبارة عن00,0282 وحدة ذرية ينطلق علي هيئة طاقة مما يشير إلي تساوي
كل من المادة والطاقة.
وتبعث
هذه الطاقة في كميات متتابعة تسمي الفوتونات( جمع فوتون) في موجات
كهرومغناطيسية لا تختلف عن بعضها البعض إلا في طول موجة كل منها ومعدل
ترددها, تعرف باسم أطياف الموجات الكهرومغناطيسية.
فالطيف الكهرومغناطيسي
عبارة عن سلسلة متصلة من مجموعات تلك الأمواج المكونة من الفوتونات والتي
لا تختلف فيما بينها إلا في سرعة تردداتها, وأطوال موجاتها.
وتتفاوت موجات الطيف
الكهرومغناطيسي في أطوالها بين جزء من مليون مليون جزء من المتر بالنسبة
لأقصرها وهي أشعة جاما, وبين عدة كيلو مترات بالنسبة لأطولها وهي موجات
الراديو( أو الموجاات اللاسلكية), ويأتي بين هذين الحدين عدد من
الموجات التي تترتب حسب تزايد طول الموجة من القصير إلي الطويل علي النحو
التالي: الأشعة السينية, والأشعة فوق البنفسجية, والأشعة المرئية,
والأشعة تحت الحمراء.
أما الإشعاعات المرئية
فيتراوح طولها الموجي بين(0,4 و0,7) ميكرون( والميكرون= جزء من
مليون جزء من المتر) وتميز عين الإنسان من أطياف الضوء المرئي:
الأحمر, والبرتقالي, والأصفر, والأخضر, والأزرق, والنيلي,
والبنفسجي.
والطيف الضوئي في الحقيقة
عبارة عن عدد لا نهائي من الألوان المتدرجة في التغير, وإن كانت عين
الإنسان لا تستطيع أن تميز منها إلا هذه الألوان السبعة فقط.
والطيف الأحمر هو أطول موجات الضوء المرئي وأقلها تردداً, بينما الطيف البنفسجي هو أقصرها وأعلاها تردداً.
والمسافة بين قمتين
متجاورتين للموجة يعرف باسم طول الموجة, وعدد مرات ارتفاع وانخفاض الموجة
في الثانية الواحدة يعرف باسم تردد الموجة, وحاصل ضرب الرقمين ثابت
ويساوي سرعة الضوء( حوالي300,000 كيلو متر في الثانية).
وكل موجات الطيف
الكهرومغناطيسي لها صفات الضوء المرئي إلا أنها لا ترى فهي قابلة
للانعكاس, وقادرة علي الانكسار وعلى التحرك في الفراغ, على عكس الموجات
الصوتية التي لا تتحرك في الفراغ.
والأشعة الصادرة من الشمس
تمثل كل موجات الطيف الكهرومغناطيسي من أقصرها وهي أشعة جاما إلي أطولها
وهي موجات الراديو, وأغلبها أشعة غير مرئية لعين الإنسان, وهي متداخلة
تداخلا شديدا مع بعضها البعض ولذلك لا يري الضوء الأبيض إلا بعد العديد من
عمليات الانعكاس والتشتت لأشعة الشمس علي ملايين الجسيمات الصلبة والسائلة
والغازية الموجودة في الطبقة الدنيا من الغلاف الغازي للأرض من مثل هباءات
الغبار, وبخار الماء وقطراته, وجزيئات الغازات المختلفة من مثل
النيتروجين والأوكسجين وثاني أوكسيد الكربون, فالضوء المنظور لابد من
انعكاسه وتشتته حتى يمكن لعين الإنسان أن تراه.
وهنا يتضح لنا جانب من الجوانب العلمية في هذا القسم القرآني: والنهار إذا جلاهالأن
الذي يجلي الشمس لعين الإنسان هو كثرة انعكاس الضوء الصادر منها إلي الأرض
وتشتته على الجسيمات الصلبة والسائلة والغازية الموجودة بتركيز معين في
نطاق الجزء الأسفل من الغلاف الغازي للأرض( إلي ارتفاع مائتي كيلو متر
تقريبا فوق مستوي سطح البحر) وباقي المسافة بيننا وبين الشمس( والمقدرة
بحوالي150 مليون كيلو متر في المتوسط) بل باقي الجزء المدرك لنا من
الكون يغرق في ظلام دامس بالنسبة لعين الإنسان التي تري الشمس خارج نطاق
طبقة نور النهار قرصا أزرقا في صفحة سوداء. وهذه الطبقة الرقيقة من نور
النهار تدور مع دوران الأرض حول محورها أمام الشمس وعندما يدخل ضوء الشمس
إلي الطبقة الدنيا من الغلاف الغازي للأرض فإنه يتعرض للعديد من عمليات
الانعكاس والتشتت, فيعطي لكل من السحاب والشمس والسماء والبحر لونه الخاص
به, وهذا معناه ان النهار هو الذي يجلي لنا الشمس أي يجعلها واضحة جلية
لأحاسيس المشاهدين لها من أهل الأرض, وليست الشمس هي التي تجلي لنا
النهار كما كان يعتقد كل الناس عبر التاريخ حتي بدء رحلات الفضاء في منتصف
الستينيات من القرن العشرين.
وعلي ذلك فإن هذه الآية
وحدها تكفي لإقامة الحجة علي أهل عصرنا ـ عصر التقدم العلمي والتقني الذي
نعيشه ـ بأن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية, بل هو كلام الله
الخالق الذي أنزله بعلمه, علي خاتم أنبيائه ورسله, وحفظه بحفظه
وإرادته وقدرته, بنفس لغة وحيه( اللغة العربية) علي مدي أربعة عشر
قرنا وإلي أن يرث الله الأرض ومن عليها, محتفظا بروعة أسلوبه وجمال
آياته, وضبط حروفه وكلماته وسمو دعوته ووضوح اشراقاته بجلال الربوبية
المتلألئة بين كلماته, وبصدق حديث الخالق عن خلقه, وبكمال ما جاء به من
دين, ودقة ما رواه من سير الأولين, وتحقق نبوءاته التي جاءت كعين
اليقين, وروعة وقعه علي أسماع وعقول وقلوب المستمعين, وجميل خطابه إلي
كل ذي عقل سليم..!!
وقد جاء كل ذلك في زمن لم
يكن للإنسان فيه نصيب من العلم الكوني, وفي بيئة لم يتوافر فيها شيء من
ذلك, وظل العالم لقرون لا يعرف حقيقة ان النهار هو الذي يجلي لنا الشمس
حتي بدأت رحلات الفضاء وفهم عدد محدود من العلماء طبيعة المادة ومساواتها
بالطاقة, وبناء المركبات من جزيئات المادة, وبناء الجزيئات من
الذرات, وبناء الذرة من نواة في الوسط تحمل أغلب كتلة الذرة وفيها
الجسيمات الموجبة( البروتونات) والمتعادلة( النيوترونات) ويدور
حولها عدد مكافيء من الجسيمات السالبة( الاليكترونات), ويتكون كل جسيم
من هذه الجسيمات من لبنات بناء أقل عرفت باسم اللبنات الأولية للمادة التي
بدأ اكتشافها يتوالى حتى تم اكتشاف جسيمات كسرية الشحنة يعرف أحدها باسم
الكوارك, وتم اكتشاف تلك الكواركات
(Quarks) في منتصف الستينيات من القرن العشرين, ثم في
سنة1984م تم اقتراح نظرية الأوتار الفائقة (The Superstrings Throry)والتي
تفترض أن اللبنات الأولية للمادة تتكون من أوتار متناهية الضآلة, فائقة
الدقة, سريعة الاهتزاز وذلك في محاولة لتوحيد القوي الثلاث في الذرة وهي
القوة الكهرومغناطيسية, والقوة النووية الشديدة والضعيفة, وهناك آمال
عريضة لدي علماء العصر في ضم قوي الجاذبية إلي هذه القوي الثلاث في قوة
واحدة تعبر عن وحدة الخالق الأعظم.
ونظرية الأوتار فائقة الدقة
التي تصور اللبنات الأولية للمادة علي أنها مكونة من أوتار متناهية الضآلة
في الحجم, فائقة الدقة في الحركة والاهتزاز, تصور تلك الجسيمات علي
هيئة حلقات من أوتار رنينية دقيقة جدا بدلا من أن تكون علي هيئة نقاط
مادية, وأن الاهتزازات الرنينية المختلفة لتلك الأوتار هي التي تحدد
ملامح الجسيم الأولي للمادة من حيث الكتلة والشحنة, وهي بذلك تؤكد
التساوي بين المادة والطاقة وتعتبرهما وجهان لعملة واحدة تؤكد وحدانية
الخالق العظيم. كما تدعم تحول المادة في قلب الشمس إلي طاقة, وانبثاق
تلك الطاقة علي هيئة أطياف من الموجات الكهرومغناطيسية المتداخلة والتي
تتحلل في النطاق السفلي من الغلاف الغازي للأرض فيعطينا هذا الضوء الأبيض
المرئي الذي ينير نهار الأرض ويجلي لنا الشمس.
فسبحان الذي أنزل هذه الآية القرآنية المعجزة والنهار إذا جلاها
التي تؤكد أن فترة النهار
التي تعتري نصف الأرض المواجه للشمس بسمك لا يتعدي المائتي كيلو متر فوق
مستوي سطح البحر بما فيها من هباءات الغبار, والرطوبة, وكثافة
الغازات, هي التي تعكس موجات الضوء المنظور من أشعة الشمس وتشتته فيظهر
لنا بهذا النور الأبيض المبهج ويجلي لنا الشمس.
وهي حقيقة استغرقت جهود
الآلاف من العلماء والعشرات من القرون حتي أمكن لعدد قليل من العلماء أن
يتعرفوا عليها, وورودها في كتاب الله الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة
بهذا الوضوح القطعي لمما يجزم بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق,
وأن النبي الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق
السماوات والأرض, فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين.