فلذا أتى الشرع الحكيم بتحريم الغناء، لما له من أثر في
صدور القلب وضلاله وضياعه وشروره، ولما له من أثر قوة الانقياد لدعوات الشيطان
وضلالاته، قال تعالى: }وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ
وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى
عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي
أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{(
[2])
ولهو الحديث: قال فيه ابن مسعود رضي الله عنه: (الغناء
والله الذي لا إله إلا هو) (
[3]).
وقال فيه ابن عباس رضي الله عنهما: هو الغناء وأشباهه(
[4])،
وقد روي تفسيره بالغناء عن جابر رضي الله عنه، وهو قول جمهور المفسرين، ومن
المعلوم أن تفسير الصحابي حجة فكيف وهو يحلف عليه؟!!، وقد قال سبحانه }وَاسْتَفْزِزْ
مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ
وَرَجِلِكَ{ الآية (
[5]).
قال مجاهد رحمه الله: أي باللهو والغناء(
[6])،
والآيات في هذا المعنى كثيرة، ومن المعلوم أن كلام الرحمن ورقية الشيطان في قلب
عبد لا يجتمعان، فكيف يجتمع اللهو، والعشق، والرذيلة بالطاعة، والتعفف والفضيلة!!،
لذا ترى عاشق الغناء يكره كثرة سماع كلام الله تعالى، فتجد الغناء متحصل في جميع
أوقاته.
والقرآن كائن سماعه في صلاته لأنهما لا يجتمعان، وهذا البعض
وهم من سيطر الشيطان على قلوبهم، أما الغالب فيسمعون القرآن، ولكن قليل من كثير،
وهو سماع بدون تلذذ ولا خوف، أو محبة وشوق، بخلاف كلام الشيطان ومزماره فتجده عند
سماع القرآن نائماً، وعند سماع الغناء إما ساكناً وإما راقصاً على حسب ما تدعوا له
الأغنية، ومن المعلوم أن الغناء مدعاة الزنا والفواحش لذا سماه بعض السلف بهذا،
ومنهم الفضيل بن عياض رحمه الله وهو كما قال رحمه الله، فأين للمرء معرفة العشق
والهوى ومعاكسة النساء إلا بالغناء عياذاً بالله، لذا جاء عن ابن مسعود رضي الله
عنه أنه قال: (الغناء ينبت النفاق كما ينبت الماء الزرع)(
[7])،
وقد صدق رضي الله عنه فإن من علامات النفاق، قلة الذكر والكسل عند القيام للصلاة،
وقل أن تجد مفتوناً بالغناء إلا وهذا وصفه مع كثرة كذبه ومعاصيه إلى آخر ذلك.
كما أشار إلى هذا ابن القيم رحمه الله(
[8])،
ولهذه الأسباب ونحوها حرم هذا المسمى بالسحر الأصغر، ولا شك أن العقل والفطرة
النقية يوافقان على تحريمه.
ولتنظر أنت إلى حال نفسك عند سماع الغناء ولتحكم على نفسك.
وقد جاء أن استحلاله علامة من علامات الساعة، كما قال r: «ليكونن
من أمتي أقوام يستحلون الحِر والحرير والخمر والمعازف»(
[9])،
وقال r: «يكون في
أمتي خسف، وقدف، ومسح، قيل متى يا رسول الله؟ قال: إذا ظهرت المعازف والقينات»(
[10])،
وقد روي في بعض الآثار أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه آلة غناء.
وجاء في الحديث «إن الله تبارك وتعالى حرم عليكم الخمر
والميسر، والكوبه»(
[11])،
وقد فسرت الكوبه في بعض الروايات بالطبل، وقد نقل ابن الصلاح الإجماع على تحريمه
إذا صحبته آلة طرب ومعزف(
[12])،
وقد شدد الأئمة الأربعة في السماع من الأمرد و المرأة، وعدوا من سمعها فاسقاً لا
تقبل شهادته كأبي حنيفة والشافعي(
[13])،
والله المستعان.
وقد عده بعض العلماء من الكبائر وقال آخرون هي من الصغائر.
ولكن من المعلوم كما هو مذهب جمهور أهل السنة أن الصغيرة
تكون كبيرة بالإصرار عليها كما هو مقرر في كتب العقيدة.
لذا يقول السفاريني في منظومته:
والفسق لا يكون إلا بارتكاب الكبائر، والذين يسمعونها لا
يسمعونها إلا وهم مصرين على سماعها، وشذّ قوم فأحلوا الغناء، بل واستحبوه في هذا
الزمن وغيره اتباعاً للباطل وسعياً وراء المنكرات، وللعلماء ردود حول هذا الموضوع
كثيرة تزخر بها المكتبات ولله الحمد والمنة من أرادها وحدها(
[15]).
ونوصيك أخي الحبيب بسماع كلام الله تعالى، وتدبر معانيه،
ففيه اللذة والخير والسعادة في الدنيا والآخرة، ونوصيك أخي بسماع الشعر الطيب الذي
يدعوا للفضيلة وينهى عن الرذيلة، وعليك أخي بمجاهدة نفسك في ذلك فإن فيه الأجر
العظيم .