أصول التوحيد في المُعتقد السلفي كما يلي:-
أولا : الإيمان بما وصف الله به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ٬علي
الوجه الذي يليق به : فيؤمن المسلم بصفات الله وأسمائه الثابتة في
القرآن والسنة ٬ كما جائت علي ظاهرها في القرآن والسنة -- سواء كانت السنة
متواترة أو أخبار آحاد صحيحة ٬ فخبر الآحاد الصحيح يوجب العلم والعمل ٬
لأنهما سواء فلا علم دون عمل ٬ ولا عمل دون علم -- إلا إذا ثبت دليل يصرف
النص عن ظاهره لقرينة تتعلق به ٬
مثال : الحديث القدسي : "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ(قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
يَقُولُ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي
قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ
أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا
عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ يَا ابْنَ آدَمَ
اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ
وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ
عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ
أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ
فَلَمْ تَسْقِنِي قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ
الْعَالَمِينَ قَالَ اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا
إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي)"رواه مسلم
فالأصل
٬إمرار الصفات علي ظاهرها ٬ إلا أن الصفات الثابتة في هذا
الحديث(مَرِضْتُ- اسْتَطْعَمْتُكَ- اسْتَسْقَيْتُكَ):مصروفة عن ظاهرها
لأدلة ثابتة صارفة في نفس الحديث ٬ وهي المقصودة (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ
عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ - أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ
اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا - اسْتَسْقَاكَ
عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ) ٬٬ قال الإمام النووي شارح مسلم :" قَالَ
الْعُلَمَاء : إِنَّمَا أَضَافَ الْمَرَض إِلَيْهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى ،
وَالْمُرَاد الْعَبْد٬ تَشْرِيفًا لِلْعَبْدِ وَتَقْرِيبًا لَهُ . قَالُوا
: وَمَعْنَى ( وَجَدْتنِي عِنْده ) أَيْ وَجَدْت ثَوَابِي وَكَرَامَتِي ،
وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى فِي تَمَام الْحَدِيث : " لَوْ
أَطْعَمْته لَوَجَدْت ذَلِكَ عِنْدِي ، لَوْ أَسْقَيْته لَوَجَدْت ذَلِكَ
عِنْدِي " أَيْ ثَوَابه . وَاَللَّه أَعْلَم ."
--
ونذكر هنا أن تفويض السلف في الأسماء والصفات هو تفويض الكيف لا تفويض
المعني ٬ فالمعني معلوم ٬ والكيف مجهول ٬ والإيمان به واجب ٬ والسؤال عنه
بدعة .
وفي هذا ردا علي من أوّل الأسماء والصفات ٬ وعلي من نفاها جملة ٬ وعلي من
نفي بعضها وأثبت البعض الآخر٬ وعلي من وصف الله بما لا يليق به .
وفيه رد علي من ادعي أن السلف يفوضون في المعني .
ثانيا : إفراد الله سبحانه وحده بالعبادة ٬
وعندما نقول إفراده بالعبادة فلا نعني الصلاة والزكاة والصوم والحج فقط :
بل نعني كل ما يندرج تحت هذه اللفظة من معاني ٬ فما معني العبادة شرعا ؟ --
العبادة هي : كل ما يحبه الله ويرضاه ٬ من الأقوال والأفعال ٬ الظاهرة
والباطنة .
وعلي رأس أنواع العبادات :الدعاء ٬والسجود ٬والذبح والنذر والرغبة والرهبة
والخشية والتعظيم والتوكل والحلف والتبرك...الخ العبادات القلبية والبدنية
والمالية ٬ فلا يُصرف شيء من ذلك لغير الله أبدا ٬ كائنا من كان ٬ رسولا أو
نبيا أو وليا صالحا أو صاحب قبر مشهور .
فالدعوة السلفية تجعل نصب عينيها تطهير مُعتقدات الناس. أ ) من الشرك الخفي
٬ وهو أمراض القلوب المُهلكة ٬ من خوف غير الله ورجاء غير الله و إنابة
لغير الله ... ب ) من الشرك الظاهر الجلي ٬ الذي لا يماري فيه إلا مشرك أو
مكابر أو مطموس القلب ٬ بعيد عن نور التوحيد والإيمان .
-- وفي هذا رد علي عُباد القبور ٬ وعلي الذين يسألون غير الله كائنا من كان ٬ فيما لا يقدر عليه إلا الله ...
ثالثا : الإيمان بأن الله وحده ليس لأحد سواه حق التشريع للبشر في شؤون دينهم ودنياهم :
والتشريع يدخل في أبواب التوحيد كلها ٬ ففي باب الألوهية < وتوحيد
الألوهية معناه:توحيد الله بأفعال العباد > : : يجب الرجوع إلي كتاب
الله وإلي سنة رسول الله ٬ في الأمور كلها ٬ الدينية والدنوية ٬ والتعبد
لله بما فيهما ٬ وعلي مقتضاهما.
وفي
باب الربوبية <وتوحيد الربوبية معناه : توحيد الله بأفعاله > :
فإن التشريع حق الرب ٬ فالحلال ما أحله ٬ والحرام ما حرمه ٬ فكما أن لله
وحده حق الخلق والرزق والتبير٬ فإن له وحده المِلك والمُلك التام ٬ يتصرف
فيهما كيف يشاء ٬ وله وحده أيضا حق الأمر والنهي والسيادة والحكم والتشريع
والتحليل والتحريم >> ففي هذا الأصل قضيتان أ) قضية اعتقاد أن لغير
الله أن يغير الشرع ٬ وله أن يحكم ويحلل ويحرم ٬ فمن اعتقد ذلك في أحد ;
فقد اتخذه ربا من دون الله ٬ وأشرك في الربوبية . ب) قضية الاتباع علي ذلك
التبديل والرضا به ٬٬ معتقدا فيه ٬ دون ما قاله الله ورسوله ٬ فهذا أشرك في
الألوهية .
وفي
باب الأسماء والصفات < ومعني توحيد الأسماء والصفات: الإيمان بما وصف
الله به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا
تمثيل ٬علي الوجه الذي يليق به > :فإن الله من أسمائه الحَكَم العَدْل
السَيِّد المُشَرِّع ٬ومن صفاته أنه الآمر الناهي ٬ بحكمته يحلل ما يشاء
ويحرم ما يشاء ٬ "لا يُسْأَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ
يُسْأَلُون"الأنبياء(23)٬ فمن اعتقد في نفسه أنه الآمر الناهي الحاكم
بالإطلاق ٬ ولم يقيد حكمه بما أنزل الله ٬ ولم يقيد أمره ونهيه بما أمر
الله به ونهي عنه ٬ فقد أشرك في توحيده لله بأسمائه وصفاته ٬ ومن اعتقد أن
غير الله له الأمر والنهي والحكم والسيادة المطلقة ٬ فقد أشرك هو الآخر في
الأسماء والصفات.
فالحاكم
بغير ما أنزل الله طاغوت ٬ لأنه تجاوز حد العبودية ٬ وادعي لنفسه ما هو
خالص لله ٬ سواء اخترع الحكم وأنشأه ٬ أم أعطي لنفسه حق التبديل والتغيير
علي شرع الله من قِبَل ِ نفسه .
رابعا
: الإيمان أن قضايا التوحيد الثلاثة السالفة الذكر قضايا لا تتجزأ- إنما
جزئناها للشرح والتوضيح ٬ وهذا التقسيم تقسيم اصطلاحي ٬ ولا مشاحة في
الصطلاح . - ٬ ولا تقبل المساومة ٬ لأنها أركان في فهم العقيدة وفي معني لا
إله إلا الله.