القانون الأول في التحريك في القرآن الكريم
بقلم: حسن يوسف شهاب الدين.. أستاذ فيزياء
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: بسم الله الرحمن الرحيم (وَمِنْ
آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ
الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا
وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى: 32-34].
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: بسم الله الرحمن الرحيم (وَمِنْ
آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ
الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا
وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى: 32-34].
رأي المفسرين
جاء في الدر المنثور في التفسير بالمأثور: أخرج ابن المنذر من طريق عطاء،
عن ابن عباس رضي الله عنهما - في قوله: {فيظللن رواكد على ظهره} قال: لا
يتحركن ولا يجرين في البحر.
وجاء في الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي: "إن يشأ يسكن الريح" كذا
قرأه أهل المدينة "الرياح" بالجمع. "فيظللن رواكد على ظهره" أي فتبقى السفن
سواكن على ظهر البحر لا تجري. ركد الماء ركودا سكن. وكذلك الريح والسفينة،
وكل ثابت في مكان فهو راكد. وركد الميزان استوى. وركد القوم هدؤوا.
والمراكد: المواضع التي يركد فيها الإنسان وغيره.
وجاء في مختصر تفسير ابن كثير اختصار الصابوني : (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ
الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)
التفسير: يقول تعالى: ومن آياته الدالة على قدرته الباهرة وسلطانه، تسخيره
البحر لتجري فيه الفلك بأمره {كالأعلام} أي كالجبال، أي هذه في البحر
كالجبال في البر،(إن يشأ يسكن الريح) أي التي تسير في البحر بالسفن، لو شاء
لسكنها حتى لا تتحرك السفن بل تبقى راكدة لا تجيء ولا تذهب، بل واقفة {على
ظهره} أي على وجه الماء،
وقوله عزَّ وجلَّ (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ
كَثِيرٍ) . أي ولو شاء لأهلك السفن وغرقها، بذنوب أهلها الذين هم راكبون
فيها،( وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ) أي من ذنوبهم، ولو آخذهم بجميع ذنوبهم لأهلك
كل من ركب البحر، وقال بعض علماء التفسير (أو يوبقهن بما كسبوا) أي لو شاء
لأرسل الريح قوية عاتية، فأخذت السفن وأحالتها عن سيرها المستقيم، فصرفتها
ذات اليمين أو ذات الشمال،لا تسير على طريق ولا إلى جهة مقصد؛ وهذا القول
يتضمن هلاكها وهو مناسب للأول، وهو أنه تعالى لو شاء لسكن الريح فوقفت، أو
لقوّاه فشردت وأبقت وهلكت، ولكن من لطفه ورحمته أنه يرسله بحسب الحاجة كما
يرسل المطر بقدر الكفاية.
وفي صحيح البخاري.رقم الحديث 304- (فيظللن رواكد على ظهره) /33/:لا يتحركن ولا يجرين في البحر.
السبق العربي:
عناصر الحركة: يعرض الشيخ الرئيس ابن سينا في كتابه (الشفاء) إلى أمور ستة
تتعلق بالحركة هي: المتحرك والمحرك وما فيه وما منه وما إليه والزمان.
القانون الأول في التحريك : ذكر ابن سينا في كتابه (الإشارات والتنبيهات)
بلفظه(إنك تعلم أن الجسم إذا خلي وطباعه , ولم يتعرض له من خارج تأثير غريب
لم يكن له بد من موضع معين وشكل معين,إذن في طباعه مبدأ استيجاب ذالك ).
وذكر أيضا في نفس الكتاب بلفظه (إذا حققنا القول وجدنا أصح الذاهب مذهب من
يرى أن المتحرك يستفيد ميلا من المتحرك , والميل هو ما يحس بالحس إذا ما
حُوِّلَ أن يسكن الطبيعي بالقسر أو القسري بالقسر(أي أن الجسم في حالة
تحركه يكون له ميل للاستمرار في حركته , بحيث إذا حاولنا إيقافه أحسسنا
بمدافعة يبديها الجسم للبقاء على حالة من الحركة سواء كانت هذه الحركة
طبيعية أو قسرية.
تؤكد هذه النصوص سبق ابن سينا إلى القانون الأول في التحريك قبل إسحاق نيوتن بأكثر من ستة قرون .
ولكن يبقى الفضل للعالم الكبير(نيوتن) كونه صاغ قوانينه الثلاث رياضيا وأثبتهم بطريقة فيزيائية ورياضية .
الناحية العلمية:
علم الميكانيك الكلاسيكي وينقسم إلى قسمين :
علم الحركيات : يهتم بدراسة خواص حركة الأجسام دون النظر لمسببات الحركة.
وعلم التحريك : يدرس الحركة من حيث مسبباتها أي القوى المؤثرة على الجسم.
قانون العطالة (قانون نيوتن الأول): ونميز حالتين
1- الجسم الساكن يبقى ساكنا ما لم تؤثر عليه قوة خارجية تؤدي لتحريكه.
2- الجسم يتحرك بحركة مستقيمة منتظمة (سرعة ثابتة ) , يبقى الجسم محافظا على سرعته ما لم تؤثر عليه قوة خارجية تغيرها.
والقوة : هي كل ما يؤثر على الأجسام فتغير من شكلها أو سرعتها أو طبيعتها.
ولقوة الرياح ثلاث حالات:
1 – أن تكون معدومة (تساوي الصفر).
2 – أن تنتج عملا محركا(جهة القوة بنفس جهة تحرك الجسم) , فتعطي قوة إضافية تزيد من سرعة السفينة.
3 – أن تنتج عملا مقاوما (جهة القوة بعكس جهة تحرك الجسم).
العلاقة بين الرياح وحركة السفن
لدراسة هذه العلاقة يجب أن نميز بين نوعين من السفن وهما:
· السفن القديمة ومنها(الشراعية) التي تسير تحت تأثير قوة الرياح
· السفن الحديثة التي تسير تحت تأثير قوة (دفع المحرك)
الحالة الأولى:
الجسم(السفينة) يبقى ساكنا ما لم تؤثر عليه قوة تحركه وقوة الرياح هي
المسؤولة عن إعطاء الجسم قوة الدفع والتي تجعله يتحرك بسرعة متناسبة مع هذه
القوة.فإذا كانت هذه القوة معدومة سكن الجسم , ونستطيع أن نستنتج ذالك من
تعريف القوة أعلاه.
مثال: ضع زورقا من الورق المقوى ( الكرتون) في حوض من الماء الراكد بحيث
يكون الهواء في المخبر (الغرفة) ساكنا ولا يؤثر على الزورق واتركه دون أن
تعطيه قوة تحركه , نلاحظ أنه يبقى ساكنا . وإذا أردت تحريكه انفخ عليه تراه
يتحرك بجهة القوة المؤثرة عليه وبسرعة متناسبة معها وهذه القوة محركة.
وإذا نفخت بقوة كبيرة على الزورق الكرتوني يختل توازنه ويغرق ذالك لأن
القوة غير متناسبة مع شكله وحجمه وطبيعته. فهذا نموذج مصغر عن السفن
القديمة التي تجري في البحرتحت تأثير قوة الرياح المسخرة بأمر الله سبحانه
وتعالى .
الحالة الثانية :
أما عندما تكون السفن حديثة تجري بتأثير قوة المحرك , تصبح ساكنة (راكدة)
عندما نعطيها قوة معاكسة مباشرة لاتجاه حركتها وتساويها تماما بالشدة ,
وهذا من قوانين توازن القوى .
توازن جسم يخضع لتأثير قوتين (يبقى الجسم ساكنا إذا أثرنا عليه بقوتين
متعاكستين مباشرة ومتساويتين بالشدة), ولنفرض أن السفينة تجري بقوة f1 ,
نستطيع جعلها ساكنة بإعطائها قوة f2, بحيث أن f1=f2 , وبجهة معاكسة تماما
لها .(مع إهمال حركة أمواج البحر)،
أما إذا كانت قوة الرياح متناسبة مع حركة السفينة وبجهتها فتزيد سرعتها وتضمن سلامتها ونجاتها .
أما في حال كون قوة الرياح أكبر بكثير من القوة المحركة للسفينة وبجهة
معاكسة عندها يختل توازنها وتهيم في البحر ليكون مقرها ومثواها الأخير .
ومن حالات فقدان التوازن أيضا أن تكون قوة الرياح تؤثر على السفينة من إحدى
الجانبين, وعندما تكون قوة الرياح أكبر من قوة السفينة وبجهتها تتحرك مع
جهة القوة المؤثرة ويختل توازنها لعدة أسباب أهمها حركة الأمواج مما يؤدي
إلى تحطيمها ومن ثم غرقها.
أما لو أدخلنا قوى الموج البحري فيصبح لدينا قوى للريح (f1) وقوى للموج
البحري (f2) كما يبين الشكل (1) بإيجاز فستكون محصلة تلك القوى برسم متوازي
القوى لها كما في الشكل .
الشكل (1) فكرة مبسطة لحساب القوى المؤثرة على السفينة من قبل حبلين
يسحبانها، فلو استعضنا قوة الحبلين بالقوتين للريح (f1) وللموج (f2) لتمكنا
من فهم معادلة الحركة للسفينة في البحر. وفي الشكل تم التعبير عن القوة
الأولى بمقدار 60 نيوتن (N) وللثانية بمقدار 40 نيوتن (N) لتكون محصلتهما
90 نيوتن (N)
وتستطيع التأكد والبرهان على ذالك من المثال السابق بمساعدة أحد الأصدقاء.
أوجه الإعجاز:
1- الجوار في البحر كالجبال وهذه الآية تعبر عن صفات الجسم الطافي الذي
غمر جزء منه في الماء وكأنه جذر الجبال , وباقي الجسم موجود في الهواء
معبرا عن جسم الجبل المنظور من قبل المراقب, وتأثير قوة دافعة أرخميدس
لتمنعه من الغرق وهنا نلاحظ قانون توازن الجسم الطافي الذي يؤثر عليه قوتين
وهما قوة ثقله وقوة دافعة أرخميدس.
2 - وفي قول الله عز وجلّ (إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ
رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ
شَكُور) . نجد تعبير واضح وصريح أن للرياح قوة تؤثر على السفينة , وينص
عليه القانون الأول في التحريك , ولنفترض أن القارب شراعي يتحرك تحت تأثير
الرياح , فإذا سكنت ركد (ثبت) القارب ,وإذا كانت السفينة تتحرك بفعل الوقود
كما في عصرنا عندها تسكن السفينة عندما تكون قوة الرياح مساوية لقوة تحرك
السفينة وبعكس جهتها (توازن جسم تحت تأثير قوتين متعاكستين).
3 - في قوله سبحانه وتعالى (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن
كَثِيرٍ ) . نرى في الآية الكريمة أن الله سبحانه لو شاء جعل قوة الرياح
عاتية مما يجعل السفينة تفقد توازنها وتتحطم وتغرق.
وقفة لغوية
في قوله سبحانه وتعالى ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ
شَكُور) . إن في هذه الآية عبر للصابرين والشاكرين , ولنسأل أنفسنا لماذا
للصابرين والشاكرين؟
بما أن الصبر يدل على قوة التحمل لدى الإنسان عند المحن والشدائد وبما أننا
على السفن في البحر كان لزاما علينا الصبر على مخاطر ركوبه لأن الرياح
مسخرة بأمر الله لتسييرها , والصبر والتروي في دراسة الأجسام والمخلوقات
المسخرة لخدمتنا وتفادي المخاطر الناتجة عنها عند عدم الدراية والعلم فيها
لذا نجد هنا الحض على التفكر والتأمل والدراسة الجادة والمثمرة والصبر
للوصول إلى الغاية المطلوبة , وبعد الصبر على هذا كله يأتي الشكر بمعناه
الحقيقي الذي يعني شكر الله عز وجل على هذه النعمة والمحافظة عليها بالعلم
والمعرفة وزيادة الخبرات في التعامل معها.
فسبحان الذي سخر لنا الفلك التي تجري في البحر بتأثير الرياح المسخر بأمره .
والحمد لله الذي أنزل القرآن الكريم وضرب لنا فيه من كل مثل لنتفكر بآياته ونتدبر ونتأمل.
المراجع:
1. القرآن الكريم : سورة الشورى ص/487/.
2. الدر المنثور في التفسير بالمأثور للإمام جلال الدين السيوطي .ج7 في تفسير سورة الشورى الآية (33).
3. الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي/: ج16/. في تفسير الآية(32) الشورى.
4. مختصر تفسير ابن كثير اختصار الصابوني ./ج3 /سورة الشورى.
5. صحيح البخاري، للإمام البخاري./ج3/ رقم الحديث (304).
6. كتاب الفيزياء للثالث الإعدادي(مطبوعات وزارة التربية والتعليم) الدرس (1-2-3).
7. جامعة كتاب العرب university.arabsbook.com
8. موقع قصة الإسلام الحضارة العلمية:
9. الفـيزياء /إشراف د. راغب السرجانى .
10. فضل العرب والمسلمين علي العالم ...