المراحل التي مر بها فرض الصيام
مر الصيام بعدة مراحل حتى كان على الصورة التي هو عليها اليوم :
الأولى : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ويصوم عاشوراء .
الثانية : فرض الله الصيام ولكن من شاء صام ومن شاء أفطر ويفتدي بطعام مسكين عن كل يوم.
ثم فرض الصيام وجعل الفدية في حق من لا يستطيع الصوم فقط .
الثالثة : إذا صام الواحد منهم فنام قبل أن يفطر فلا يحل له الطعام ولا الجماع ليلته ولا يومه حتى يأتي عليه إفطار اليوم التالي .
ثم أنزل الله تعالى ((أُحِلَّ
لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ
لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ
تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآَنَ
بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ
الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ))[1]
فكان
الصيام على الصورة التي يعرفها الناس اليوم ، وذلك تخفيف من الله ورحمة
بالأمة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم وأزكاه .
ونذكر الأحاديث التي تبين هذه المراحل :
عن
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : (( كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ
تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ
صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ
عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ))[2]
عَنْ
سَلَمَةَ قَالَ : (( لَمَّا نَزَلَتْ : "وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ
فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ" كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ
وَيَفْتَدِيَ حَتَّى نَزَلَتْ الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا ))
وعنه قال : (( كُنَّا فِي رَمَضَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ
فَافْتَدَى بِطَعَامِ مِسْكِينٍ حَتَّى أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ :
"فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ" ))[3]
عَنْ
الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : (( كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا
فَحَضَرَ الإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ
لَيْلَتَهُ وَلا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ
الأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا فَلَمَّا حَضَرَ الإِفْطَارُ أَتَى
امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَهَا : أَعِنْدَكِ طَعَامٌ ؟ قَالَتْ : لا وَلَكِنْ
أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ ، وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ
عَيْنَاهُ ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ : خَيْبَةً
لَكَ فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ ، فَذُكِرَ ذَلِكَ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ :
"أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ" ،
فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا وَنَزَلَتْ : "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ
الأَسْوَدِ" ))[4]
عن
الْبَرَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : (( لَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ
كَانُوا لا يَقْرَبُونَ النِّسَاءَ رَمَضَانَ كُلَّهُ وَكَانَ رِجَالٌ
يَخُونُونَ أَنْفُسَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ : "عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ
كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ"
))[5]
عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ
الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ )) فَكَانَ
النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
صَلَّوْا الْعَتَمَةَ حَرُمَ عَلَيْهِمْ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ
وَالنِّسَاءُ وَصَامُوا إِلَى الْقَابِلَةِ ، فَاخْتَانَ رَجُلٌ نَفْسَهُ ،
فَجَامَعَ امْرَأَتَهُ وَقَدْ صَلَّى الْعِشَاءَ ، وَلَمْ يُفْطِرْ
فَأَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ يُسْرًا لِمَنْ
بَقِيَ وَرُخْصَةً وَمَنْفَعَةً ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ : (( عَلِمَ اللَّهُ
أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ .. الآيَةَ )) وَكَانَ
هَذَا مِمَّا نَفَعَ اللَّهُ بِهِ النَّاسَ وَرَخَّصَ لَهُمْ وَيَسَّرَ .[6]
عَنْ
مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : (( .. وَأَمَّا أَحْوَالُ الصِّيَامِ فَإِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ
فَجَعَلَ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ، فَصَامَ سَبْعَةَ
عَشَرَ شَهْرًا مِنْ رَبِيعِ الأَوَّلِ إِلَى رَمَضَانَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ
ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ، وَصَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ عَلَيْهِ الصِّيَامَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ
كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ )) إِلَى هَذِهِ الآيَةِ ..
(( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ )) قَالَ :
فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَطْعَمَ مِسْكِينًا فَأَجْزَأَ
ذَلِكَ عَنْهُ ، قَالَ : ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ
الآيَةَ الأُخْرَى : (( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ
الْقُرْآنُ إِلَى قَوْلِهِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ
)) قَالَ : فَأَثْبَتَ اللَّهُ صِيَامَهُ عَلَى الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ
وَرَخَّصَ فِيهِ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَثَبَّتَ الإِطْعَامَ
لِلْكَبِيرِ الَّذِي لا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ فَهَذَانِ حَوْلانِ ، قَالَ
: وَكَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَأْتُونَ النِّسَاءَ مَا لَمْ
يَنَامُوا فَإِذَا نَامُوا امْتَنَعُوا قَالَ ثُمَّ إِنَّ رَجُلاً مِنْ
الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ صِرْمَةُ ظَلَّ يَعْمَلُ صَائِمًا حَتَّى أَمْسَى
فَجَاءَ إِلَى أَهْلِهِ فَصَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ نَامَ فَلَمْ يَأْكُلْ
وَلَمْ يَشْرَبْ حَتَّى أَصْبَحَ ، فَأَصْبَحَ صَائِمًا قَالَ فَرَآهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ جَهَدَ جَهْدًا
شَدِيدًا ، قَالَ : مَا لِي أَرَاكَ قَدْ جَهَدْتَ جَهْدًا شَدِيدًا ؟
قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَمِلْتُ أَمْسِ فَجِئْتُ حِينَ جِئْتُ
فَأَلْقَيْتُ نَفْسِي فَنِمْتُ وَأَصْبَحْتُ حِينَ أَصْبَحْتُ صَائِمًا .
قَالَ
: وَكَانَ عُمَرُ قَدْ أَصَابَ مِنْ النِّسَاءِ مِنْ جَارِيَةٍ أَوْ مِنْ
حُرَّةٍ بَعْدَ مَا نَامَ وَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ((
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ إِلَى
قَوْلِهِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ )) .[7]