علامات الساعة الكبرىبسم اللـه الرحمن الرحيم
إن
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا , من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله
إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله ..." يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ "
. آل عمران - 102 , "يَاأَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً
وَاتَّقُوا اللـه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللـه
كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " النساء -1, "يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه وَقُولُوا قَوْلا
سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِـرْ لَكُـمْ
ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللـه وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا
عَظِيمًا " الأحزاب -70 ، 71 , أما بعـــد :فإن أصدق الحديث كتاب اللـه وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر
الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار ,
أحبتى فى اللـه :هذا هو لقاءنا الرابع مع دروس سلسلة الدار الآخرة ، وكنا
قد أنهينا آنفا الحديث عن العلامات الصغرى التى ستقع بين يدى الساعة ،
والآن حديثنا عن العلامات الكبرى التى ستقع قبل قيام الساعة مباشرة ، وقد
ذكر النبى هذه العلامات فى حديثه الصحيح الذى رواه مسلم فى كتاب الفتن
وأشراط الساعة من حديث حذيفة بن أسيد الغفارى رضى اللـه عنه قال : اطلع
علينا النبى صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر فقال : " ما تذاكرون ؟ " قلنا : نذكر الساعة قال : "
إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات ، فذكر الدخان ، والدجال ، والدابة ،
وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف
، خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من
اليمن تطرد الناس إلى محشرهم " , ولقد ذكر
المصطفى صلى الله عليه وسلم هذه العلامات بغير هذا الترتيب فى روايات أخرى
صحيحة والذى يترجح من الأخبار كما قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى : أن
خروج الدجال هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة فى معظم
الأرض وينتهى ذلك بموت عيسى بن مريم وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول
الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال وينتهى ذلك بقيام الساعة ولعل خروج
الدابة يقع فى نفس اليوم الذى تطلع فيه الشمس من المغرب ، واللـه أعلم , ولكن
على أى حال فإن العلامات الكبرى ستقع متتابعة فهى كحبات العقد إذا انفرطت
منه حبه تتابعت بقية الحبات , ففى الحديث الذى رواه أحمد والحاكم فى
مستدركه وصححه على شرط مسلم وأقره الحاكم والذهبى والألبانى من حديث أنس
.أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "الأمارات ( أى العلامات الكبرى ) خرازات منظومات فى سلك ، فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضاً "واسمحوا
لى أن أستهل الحديث اليوم مع حضراتكم فى العلامات الكبرى عن الآية العظيمة
الأولى التى تؤذن بتغير الأحوال على الأرض ، ألا وهى المسيح الدجال ...
وكعادتنا حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعا فسوف أركز الحديث فى
العناصر التالية :
أولاً : الدجال أعظم فتنة على وجه الأرض .
ثانياً : وصف دقيق للدجال وفتنته .
ثالثاً : ما السبيل إلى النجاة .
فأعرنى قلبك جيدا ... وأعرنى سمعك تماما ... فإن الموضوع من الخطورة بمكان .
أولاً : الدجال أعظم فتنة على وجه الأرض
فتدبر
جيدا أيها الحبيب وقِفْ على خطر هذه الفتنة ! ، فالدجال أعظم فتنة على وجه
الأرض من يوم أن خلق اللـه آدم إلى قيام الساعة , لماذا سمى الدجال
بالمسيح الدجال ؟!! سمى الدجال بالمسيح لأن عينه ممسوحة قال المصطفى صلى
الله عليه وسلم : " الدجال ممسوح العين "
وسمى بالدجال لأنه يغطى الحق بالكذب والباطل فهذا دجل فسمى بالدجال وفتنة
الدجال فتنة عظيمة !! وفى صحيح مسلم من حديث عمران بن حصين رضى اللـه عنهما
قال: سمعت رسول اللـه صلى الله عليه وسلم يقول : "ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال " ,وأمرُ الدجالِ أمرُُ غيبى والأمر الغيبى لا يجوز أن نتكلم فيه بشىء من عند أنفسنا إنما ننقل عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الذى
لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى ، وأنوه أيضاً أننا لا نلتفت إلا لما
صح من حديث رسول اللـه صلى الله عليه وسلم كعادتنا ولله الحمد والمنة ,
روى ابن ماجة فى سننه وابن خزيمة فى صحيحه والحاكم فى المستدرك وصحح الحديث
الشيخ الألبانى من حديث أبى أمامة الباهلى أن الحبيب صلى الله عليه وسلم
قال :"إنها لم تكن فتنة على وجه
الأرض منذ ذرأ اللـه ذرية آدم أعظم من فتنة المسيح الدجال ولم يبعث اللـه
نبيا إلا وقد أنذر قومه الدجال ، وأنا آخر الأنبياء ، وأنتم آخر الأمم ،
وهو خارج فيكم لا محالة ،فإن يخرج الدجال وأنا بين أظهركم فأنا حجيج لكل
مسلم ، وإن يخرج الدجال من بعدى فكل امرىء حجيج نفسه ، واللـه خليفتى على
كل مسلم ".
يا
لها من كرامة لأمة الحبيب محمد صلى اللـه عليه وسلم , ففتنة الدجال عظيمة !
..أعظم فتنة على وجه الأرض بشهادة الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الذى
لا ينطق عن الهوى , أحبتى فى اللـه : لقد وصف النبى صلى الله عليه وسلم
الدجال وصفاً دقيقاً محكماً وبين لنا فتنته بياناً شافيا حتى لا يغتر
بالدجال أحد من الموحدين باللـه رب العالمين ... وهذا هو عنصرنا الثانى ...
ثانياً : وصفُُ دقيقُُ للدجال وفتنته
وصف النبى صلى الله عليه وسلم الدجال فقال والحديث رواه البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى من حديث ابن عمر رضى اللـه عنهما قال :"قام رسول اللـه صلى الله عليه وسلم فى
الناس خطيبا فحمد اللـه وأثنى على اللـه بما هو أهله .... فذكر الدجال
فقال : (( إنى لأنذركموه ، وما من نبى إلا وقد أنذر قومه الدجال ، ولقد
أنذر نوح قومه ، ولكن سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبى لقومه ألا فاعلموا
أنه أعور وأن اللـه ليس بأعور " , وفى رواية أعور العين اليمنى ، وفى رواية أخرى صحيحة أعور العين اليسرى
، اعلموا أنه أعور وأن اللـه ليس بأعور جل جلاله ، جل ربنا عن الشبيه ..
وعن النظير .. وعن المثيل .. لا كفء له ، ولا ضد له ، ولا ند له ولا شبيه
له ، ولا زوج له ولا ولد له "قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ "، " لَيسَ كَمثْلِهِ شَىءُُ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ " , ثم قال المصطفى عليه الصلاة والسلام : " الدجال ممسوح العين ، مكتوب بين عينيه كافر ، يقرؤه كل مسلم " ماذا تريد بعد ذلك من الرحمة المهداه والنعمة المسداة من الذى قال ربه فى حقه " بالمُؤمِنِينَ رَؤوفُُ رَحِيمُُ " , يبين
لك لتتعرف على الدجال إن خرج بين أظهرنا ، يقول لك ممسوح العين ... مكتوب
بين عينيه كافر... يقرؤه كل مسلم , وفى رواية حذيفة فى صحيح مسلم قال صلى
الله عليه وسلم : " الدجال ، مكتوب بين عينيه كافر يقرأه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب " , لا ينبغى أن نصرف لفظ النبى صلى الله عليه وسلم على غير ظاهره ، الكتابة على جبين الدجال كتابة حقيقية لدرجة أنه وردت فى رواية فى صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم : " الدجال ممسوح العين ، مكتوب بين عينيه (ك ف ر) أى كافر " ,وصف
عجيب للدجال من رسول اللـه عليه الصلاة والسلام !أستحلفك باللـه أن تتدبر
معى هذا المطلع العجيب الذى رواه مسلم فى كتاب الفتن وأشراط الساعة من حديث
حذيفة بن اليمان رضى اللـه عنه قال الذى لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه
وسلم : "لأنا
أعلم بما مع الدجال من الدجال ، معه نهران يجريان أحدهما رأى العين ماء
أبيض ، والأخر رأى العين نار تأجج ، فإما أدركن أحد فليأت النهـر الذى يراه
ناراً ، وليغمض ، ثم ليطأطىء رأسه فليشرب منه فإنه ماء بارد ", يقول لنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم "لا تخشى نار الدجال فهو دجال يغطى الحق بالكذب والباطل ، إن رأيت ناره فاعلم بأنها ماء عذب بارد طيب " ,وفى رواية أخرى فى صحيح مسلم لحذيفة رضى اللـه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :" يخرج الدجال وإن معه ماء ونار ، فما يراه الناس ماء فهى نار تحرق وما يراه الناس نارا فهو ماء بارد عذب " , فى حديث النواس بن سمعان رضى اللـه عنه أنه قال : سأل الصحابة رسول اللـه صلى الله عليه وسلم عن المدة التى سيمكثها الدجال فى الأرض ، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم : " أربعون يوما ، يوم كسنة ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كسائر أيامكم " ، قلنا : يا رسول اللـه اليوم الذى كسنة تكفينا فيه صلاة يوم وليلة ؟ قال : " لا ، اقدروا له قدره "
يعنى صلوا الفجر وعدوا الساعات التى كانت قبل ذلك بين الفجر والظهر ،
وصلوا الظهر ، وعدوا الساعات التى كانت بين الظهر والعصر وهكذا , فسأل
الصحابة رسول اللـه صلى الله عليه وسلم وما زلنا فى حديث النواس ابن سمعان ، وما سرعته فى الأرض ؟! " يمكث فى الأرض أربعين ليلة فيمر على الأرض كلها ؟ سرعته كالغيث " أى المطر " استدبرته الريح " , يعنى يمر فى كل أرجاء وأنحاء الأرض , ثم قال الحبيب صلى الله عليه وسلم :
"يأتى الدجال على قوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون ، فيأمر السماء فتمطر ،
والأرض فتنبت ، فتروح عليهم سارحتهم أطول ماكانت ذراً وأسبغه ضروعاً وأمده
خواصر " , فتنة رهيبة !!فلو عقل هؤلاء لعلموا أن صفات النقص من أعظم الأدلة على كفره وبطلان إدعاءاته ,
رب يبـول الثعلبـــان برأسه لقد ذل من بالـت عليه الثعالب
لو كان ربــا كـان يمنع نفسه فلا خير فى ربٍ نأته المطالـب
برئت من الأصنام فىالأرض كلها و آمنـت باللـه الذى هو غالب
إن الذى يستحق أن يعبد هو المتصف بكل صفات الكمال والإجلال .
ثم ينطلق الدجال إلى قوم آخرين فيقول لهم ..أنا ربكم فيقولون :لا ويكذبونه , يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : " ويمر بالخربة فيقول لها : أخرجى كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل " أى جماعات النحل " " , فتنة رهيبة !!ثم تزداد الفتنة !!! يقول النبى صلى الله عليه وسلم"ثم
يدعوا رجلا ممتلئا شبابا ، فيضربه بالسيف ، فيقطعه جزلتين ، فيمشى الدجال
بين القطعتين أمام الناس ويقول للشاب قم فيستوى الشاب حيا بين يديه !!."فتنه رهيبه !!! وفى رواية أبى سعيد الخدرى فى صحيح مسلم ( ) يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : "فيخرج
إليه شاب فتلقاه المسالح ، مسالح الدجال "أى أتباعه من اليهود الذين
يحملون السلاح " فيقولون له : أين تعمد ؟ فيقول : إلى هذا الذى خرج " أى
إلى الدجال "فيقولون له أولا تؤمن بربنا ؟ … فيقول : ما بربنا خفاء ، أى لو
نظرت إلى الدجال سأعرفه ! فيقولون : اقتلوه ، فيقولوا بعضهم لبعض : أو ليس
قد نهانا ربنا أن نقتل أحداً دونه ، فينطلقون بهذا الرجل المؤمن إلى
الدجال ، فإذا نظر المؤمن إليه قال : أيها الناس ! هذا المسيح الدجال الذى
ذكره لنا رسول اللـه صلى الله عليه وسلم يقول المصطفى: " فيأمر الدجال به
فيشبح ، فيقول : خذوه وشجوه ، فيوسع ظهره وبطنه ضربا ، قال : فيقول : أما
تؤمن بى ؟ فيقول : أنت المسيح الكذاب ؟ قال : فيؤمر به فينشر بالمنشار من
مفرقه حتى يفرق بين رجليه ، قال : ثم يمشى الدجال بين القطعتين ،: ثم يقول
له: قم ، فيستوى قائما ، قال : ثم يقول له : أتؤمن بى ؟ فيقول : ما ازددت
فيك إلا بصيرة ؟ قال : ثم يقول : يا أيها الناس : إنه لا يفعل بعدى بأحد من
الناس ، قال : فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا ،
فلا يستطيع إليه سبيلا ، قال : فيأخذ بيديـه ورجليه فيقذف به ، فيحسب
الناس أنما قذفه فى النـار وإنما ألقى فى الجنة " فقال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم : "هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين" وسأختم
حديثى عن فتنة الدجال بحديث عجيب رواه مسلم وأبو داود والترمذى وغيرهم من
حديث تميم الدارى رضى اللـه عنه من حديث فاطمة بنت قيس عن تميم الدارى , من
حديث فاطمة بنت قيس رضى اللـه عنها قالت : "سمعت منادى رسول اللـه صلى الله عليه وسلم ينادى :" الصلاة جامعة فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول اللـه صلى الله عليه وسلم ،
وكنت فى النساء التى تلى ظهور القوم فلما قضى الرسول صلى الله عليه وسلم
صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال:" أيها الناس ليلزم كل إنسان مصلاه "
ثم قال " أتدرون لم جمعتكم ؟ " قالوا : اللـه ورسوله أعلم , فقال رسول
اللـه صلى الله عليه وسلم :"أما
إنى واللـه ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميما الدارى كان
رجلا نصرانياً فجاء فبايع وأسلم وحدثنى حديثا وافق الذى كنت أحدثكم عن
المسيح الدجال ، حدثنى أنه ركب فى سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجزام
" قبيلتان عربيتان مشهورتان " فلعب بهم الموج شهرا فى البحر ثم أرفؤوا ( )
إلى جزيرة فى البحر حتى مغرب الشمس ، فجلسوا فى أقرب السفينة فدخلوا جزيرة
فلقيتهم دابة أهلب ( ) كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره ، فقالوا :
ويلك ، من أنت ؟ قالت : أنا الجساسة ، قالوا : وما الجساسة ، قالت : أيها
القوم انطلقوا إلى هذا الرجل فى الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق ، فلما سمت
لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانه ، قال : فانطلقنا سراعا حتى دخلنا
الدير ، فإذا أعظم إنسان رأيناه قط خلقا ، وأشده وثاقا ، مجموعة يداه إلى
عنقه ، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد ، قلنا : ويلك ما أنت ؟ قال : قد
قدرتم على خبرى ، فأخبرونى : ما أنتم ؟ قالوا : نحن أناس من العرب ، ركبنا
فى سفينة بحرية ، فصادفنا البحر حين اغتلم ، فلعب بنا الموج شهرا ، ثم
أرفأنا إلى جزيرتك هذه ، فجلسنا فى أقربها فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة
أهلب كثير الشعر لا ندرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر فقلنا : ويلك ما
أنت ؟ فقالت : أنا الجساسة ، قلنا : وما الجساسة ؟ قالت : اعمدوا إلى هذا
الرجل الذى فى الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق فأقبلنا إليك سراعا ،
وفــزعنا منها ، ولم نأمن أن تكون شيطانة ، فقال : أخبرونى عن بيسان قلنا :
وعن أى شأنها تستخبر ؟ قال : أسألكم عن نخلها هل يثمر ؟ قلنا له: نعم ،
قال : أما إنه يوشك أن لا يثمر ، قال : أخبرونى عن بحيرة طبرية، قلنا : عن
أى شأنها تستخبر ؟ قال : هل فيها ماء ؟ قالوا هى كثيرة الماء ، قال : أما
إن ماءها يوشك أن يذهب ، قال : أخبرونى عن عين زغر، قالوا : عن أى شأنها
تستخبر ؟ قال : هل فى العين ماء ؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له :
نعم ، هى كثيرة الماء ، وأهلها يزرعون من ماءها ، قال : أخبرونى عن نبى
الأميين ، ما فعل ؟ قالوا : قد خرج من مكة ونزل يثرب ، قال : أقاتله العرب ؟
قلنا : نعم ، قال : كيف صنع بهم ؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يلية من
العرب وأطاعوه ، قال لهم : قد كان ذلك ؟ قلنا : نعم ، قال أما إن ذاك خيرا
لهم أن يطيعوه ، وإنى مخبركم عنى ، أنا المسيح ، وإنى أوشك أن يؤذن لى فى
الخروج ، فسأخرج فأسير فى الأرض ، فلا أدع قرية إلا هبطتها فى أربعين ليلة ،
غير مكة وطيبة فهما محرمتان على كلتاهما ، كلما أردت أن أدخل واحـدة ، أو
واحدا منهما ، استقبلنى ملك بيده السيف صلتا يصدنى عنها ، وإن على كل نقب
منها ملائكة يحرسونها " قالت : قال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم : وطعن بمخصرته فى المنبر " هذه طيبة .. هذه طيبة " يعنى : المدينـة "ألا هل كنت حدثتكم عن ذلك ؟ "
فقـال النـاس : نعم ، قال : " فإنه أعجبنى حديث تميم لأنه وافق الذى كنت
حدثتكم عنه وعن المدينة ومكة ، ألا إنه فى بحر الشام أو بحر اليمن ، لا بل
من قبل المشرق ، ما هو ؟ من قبل المشرق ما هو ؟ ، وأومأ بيده إلى المشرق "
قالت : فحفظت هذا من رسول اللـه صلى الله عليه وسلم " , أيها
الأحبة الكرام :هذا قليل من كثير ، فلا زال هناك الكثير عن فتنة الدجال ،
فقد أجملت لكم ما يسر اللـه عز وجل ، لنقف على خطورة هذه الفتنة .وهناك
سؤال لابد أن يطرح فى هذا المجال ألا وهو :هل سيقتل الدجال ؟! ومن الذى سيقتله ؟ !!!نعم
... أبشروا سيقتل الدجال وسيقتله عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا أفضل
الصلاة والسلام , روى ابن ماجة فى سننه والحاكم فى المستدرك وصحح الحديث
الألبانى من حديث أبى أمامة الباهلى أنه صلى الله عليه وسلم قال :
" بينما إمام المسلمين يصلى بهم الصبح فى بيت المقدس إذا نزل عيسى بن مريم
، فإذا نظر إليه إمام المسلمين عرفه ، فيتقهقر إمام المسلمين لنبى اللـه
عيسى ليصلى بالمؤمنين من أتباع سيد النبين محمد ، فيأتى عيسى عليه السلام
ويضع يده فى كتف إمام المسلمين ويقول : لا بل تقدم أنت فصلى فالصلاة لك
أقيمت ، وفى لفظ ...فإمامكم منكم يا أمة محمد ويصلى نبى اللـه عيسى خلف
إمام المسلمين لله رب العالمين ، فإذا ما أنهى إمام المسلمين ، قام عيسى
وقام خلفه المسلمون ، فإذا فتح عيسى باب بيت المقدس ، رأى المسيح الدجال
معه سبعون ألف يهودى معهم السلاح ، فإذا نظر الدجال إلى نبى اللـه عيسى ذاب
كما يذوب الملح فى الماء ، ثم يهرب فينطلق عيسى وراءه فيمسك به عند باب لد
فى فلسطين ، فيقتله نبى اللـه عيسى ويستريح الخلق من شر الدجال " , ويبقى هنا سؤال ألا وهو :ما السبيل إلى النجاة ؟والإجابة على هذا السؤال تكون بعد جلسة الاستراحة , وأقول قولى هذا واستغفر اللـه لى ولكم
[center]الخطبة الثانية :
إن
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له , وأشهد أن لا إله
إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , أما بعد أحبتى فى
اللـه : فما السبيل إلى النجاة ؟ أحبتى الكرام : أجيب لكم عن هذا السؤال من
كلام سيد الرجال محمد ابن عبد اللـه صلى الله عليه وسلم حتى تطمئن قلوبكم
وتستريح ، ثبتكم اللـه , ففى الحديث الذى رواه ابن ماجة فى سننه والحاكم فى
مستدركه وصححه الألبانى , قال صلى اللـه عليه وسلم : " من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال " , وفى لفظ "من حفظ عشر آيات من أوائل سورة الكهف عصم من فتنة الدجال " , وفى لفظ " من حفظ عشر آيات من أواخر سورة الكهف عصم من فتنة الدجال " ,لقد
تبينتم الآن أمر الدجال ، فالأمر جد خطير ، هل نقف على مثل هذه الخطورة
ونحفظ عشر آيات فقط من سورة الكهف ، أراكم تقولون لا بل حفظ السورة بالكامل
أمر يسير أمام هذه الخطورة الشديدة ، أرى منكم أناساً يقولون نذهب إلى مكة
أو المدينة ، سأقول لكم لا بأس ، من يستطيع الفرار منكم إلى مَكة المباركة
أو طيبة طيبها اللـه ، فله ذلك ، فهما محرمتان على الدجال أن يدخل واحدة
منهما وذلك من سبل النجاة , لكننى لا أجد لك سبيلا للنجاة أكبر وأشرف وأجل
وأعظم من أن ُتوحد اللـه جل وعلا وتعرف معنى كلمة.. " لا إله إلا اللـه "
.. فهذا هو أصل الأصول وبر الأمان لكل مؤمن يريد الأمان حقا فى الدنيا
والآخرة , ألم يقل لك المصطفى بأنه لا يقرأ كلمة كافر بين عينى الدجال إلا
مؤمن " موحد " للكبير المتعال ، واعلم يقينا بأن الإيمان ليس كلمة يرددها
لسانك فحسب .. بل الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان " يعنى القلب "...
وعمل بالجوارح والأركان ... ولابد أن تعلم أن أركان الإيمان ... أن تؤمن
باللـه وملائكته ، وكتبه ، ورسوله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره فلا
بد لك من الآن أن تصحح إيمانك باللـه جل وعلا وتحقق الإيمان يقينا , وقد
قال الحسن : ليس الإيمان بالتمنى ولا بالتحلى ، ولكن الإيمان ما وقر فى
القلب وصدقه العمل ، فمن قال خيراً وعمل خيراً قبل منه ومن قال خيراً وعمل
شراً لم يقبل منه , قال اللـه تعالى : " إِنَّ
الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللـه ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ
عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا
بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي
أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ(31)نُزُلا مِنْ غَفُورٍ
رَحِيمٍ " فصلت : 30 ، 33 , قال اللـه تعالى : " إِنَّ
الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ
الْفِرْدَوْسِ نُزُلا(107)خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا
حِوَلا(108)قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي
لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا
بِمِثْلِهِ مَدَدًا(109)قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى
إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ
رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ
أَحَدًا " الكهف : 107 ،110
.......... الدعــاء
[/center]