أخي الحبيب : ارتد ثياب الصالحين تُحسب منهم ،وزاحم بمنكبيك مجالسهم،تُرحم بسببهم .
4-
اعلم أن الله تعالى يستجيب للمضطر إذا دعاه ،وللمظلوم ولو كان فاجراً أو
كافراً،ولمن يدعو لأخيه بظهر الغيب وللوالدين على ولدهما وللإمام العادل
وللمسافر حتى يرجع وللمريض حتى يبرأ ،وللصائم حتى يفطر.
أثناء الدعاء
1-
أخلص لله في دعائك ولا تدعُ إلا الله سبحانه، فإن الدعاء عبادة من
العبادات، بل هو من أشرف الطاعات وأفضلِ القربات، ولا يقبل الله من ذلك إلا
ما كان خالصاً لوجهه الكريم، قال الله تعالى:
(وَأَنَّ ٱلْمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً) الجن:18 ، وقال تعالى:
(فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ) غافر: 14 ، و عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي
قال له:
((إذا
سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)) رواه أحمد (1/293، 307)،
والترمذي (2511)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7957) .
2- أحسن الظن بالله تعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله
: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب دعاء من قلب
غافل لاه)) أخرجه الترمذي (3479 )وحسنه الألباني في صحيح الجامع (245) ،
وعنه أنه
قال: ((يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني)) رواه
البخاري (7405)، ومسلم (2675) ، فلا يمنعنَّك أخي من الدعاء ما تعلم من
نفسك .
3- احضر قلبك مع الدعاء ، وتدبَّر معاني ما تقول، لقوله
فيما تقدم: ((واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلبٍ غافل لاه)).
4-
لا تعتدي في الدعاء، والاعتداء هو كل سؤال يناقض حكمة الله، أو يتضمن
مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به، قال الله تعالى: (( ٱدْعُواْ
رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ
))الأعراف:55، فمن ذلك:
أن
تسأل الله تعالى ما لا يليق بك من منازل الأنبياء،أو تتنطَّع في السؤال
بذكر تفاصيل يغني عنها العموم،أو تسأل ما لا يجوز لك سؤاله من الإعانة على
المُحرمات،أو تسأل ما لن يفعله الله، مثل أن تسأله تخليدك إلى يوم القيامة،
أو ترفع صوتك بالدعاء إلى غير ذلك.
5- الحمد والثناء والصلاة على النبي
: إذا دعوت الله تعالى فلتبدأ أولا : بحمده والثناء عليه تبارك وتعالى ثم بعدها : بالصلاة والسلام على النبي
.. ثم ابدأ بعد ذلك في دعائك ومسألتك .
6-
استقبل القبلة، واختر أحسن الألفاظ وأنبلها وأجمعها للمعاني وأبينها، ولا
أحسن مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة، لأنها أكثر بركة، ولأنها جامعة
للخير كله.
7- ارفع يديك وابسط كفيك، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: ((دعا النبي
ثم رفع يديه، ورأيت بياض إبطيه)) أخرجه البخاري في المغازي (4323)، ومسلم
في فضائل الصحابة (2498)، وعن سلمان رضي الله عنه عن النبي
: ((إن الله حيي كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين)) صححه الألباني في صحيح الجامع (1757).
8- اخفض صوتك في دعائك …. فان الداعي مناجٍ لربه تبارك وتعالى ، والله تعالى يعلم السر وأخفى.
9-
أدع الله بأسمائه الحسنى لأنها حسنة في الأسماع والقلوب ، وهي تدل على
توحيده وكرمه وجوده ورحمته وأفضاله ، (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى
فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف : 180.
10-
توسَّل إلى الله بأعمالك الصالحة التي وفقك الله إليها .. فالعمل الصالح
نعم الشفيع لصاحبه في الدنيا والآخرة إذا كان صاحبه مخلصاً فيه ، ولا تنسَ
قصة أصحاب الصخرة الذين نجَّاهم الله بأعمالهم الصالحة الخالصة لوجهه
الكريم .
11-
كن عبداً ملحاحاً علي ربك سبحانه بتكرير ذكر ربوبيته، وهو أعظم ما يطلب به
إجابة الدعاء، فإن الإلحاح يدل على صدق الرغبة، والله تعالى يُحب
المُلحِّين في الدعاء، وأعلم أن من يُكثر قرع الباب يوشك أن يُفتح له .
يا من أجاب دعاء نوحٍ فانتصر --- وحَملْته في فُلككَ المشحونِ
يا من أحال النَّار حول خليله --- رَوحاً وريحاناً بقولك كوني
يا من أمرت الحوت يلفظ يونس --- وحميته بشجيرة اليقطينِ
يا ربُ إنَّا مثله في كُربةٍ --- فارحم عباداً كلهم ذو النون
12- اجزم في دعائك وأعزم في المسألة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله
: ((إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت،
ولكن ليعزم المسألة، وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه)) رواه
البخاري في الدعوات: (6339)، ومسلم في الذكر والدعاء: باب العزم بالدعاء
(2679) واللفظ له.
13- ابدأ بنفسك، ثم ادعُ لإخوانك المسلمين، و خُص الوالدين، وأهل الفضل من العلماء والصالحين، ومن في صلاحه صلاح المسلمين.
بعد الدعاء
1-
اصبر ولا تتعجَّل الإجابة :فإن نفذ صبرك فأنت الخاسر، حيث أسأت الأدب مع
الله ، فصرت احد اثنين : إما منََّان وإما بخيل ، فعن أبي هريرة رضي الله
عنه قال: قال رسول الله
:
((يُستجاب
لأحدكم ما لم يعجَل، يقول: دعوت فلم يُستجب لي)) رواه البخاري في الدعوات
(6340)، ومسلم في الذكر والدعاء (2735). وعنه أنه
قال: ((لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يَدعُ بإثمٍ أو قطيعة رحم، ما لم
يستعجل)). قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: ((يقول: قد دعوت، وقد
دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك، ويدَعَ الدعاء)) رواه مسلم في
الذكر والدعاء (2735).
وقال
ابن القيم: "ومن الآفات التي تمنع أثر الدعاء أن يتعجل العبد ويستبطئ
الإجابة فيستحسر ويدَعَ الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذراً أو غرس غرساً فجعل
يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله" الجواب الكافي (ص
10).
2-
تُبْ إلى الله من كل المعاصي وأعلن الرجوع إلى الله تعالى ، فإن أكثر
أولئك الذي يشكون من عدم إجابة الدعاء آفتهم المعاصي فهي وراء حدوث كل
مصيبة ، قال تعالى:
(( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ))الشورى30
قال
عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) : "بالورع عمَّا حرم الله يقبل الله
الدعاء والتسبيح "،قال بعض السلف : لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقها
بالمعاصي.
نحن ندعو الإله في كل كربٍ ثم ننساه عند كشف الكروب
كيف نرجو إجابةً لدعاءٍ قد سددنا طريقها بالذنوب
واعلم أخي الكريم
: إن مثل العاصي في دعائه كمثل رجلٍ حاربَ ملِكاً من ملوك الدنيا ونابذه
العداوة زمنا طويلا ، وجاءه مرة يطلب إحسانه ومعروفة . فما ظنك أخي بهذا
الرجل ؟ اتُراه يُدرك مطلوبه ؟ كلا فانه لن يُدرك مطلوبة إلا إذا صفا الود
بينه وبين ذلك الملك .
3-
احرص على اللقمة الحلال : فلا تدخل بطنك حراما …. فإنه إذا كان طعام العبد
طيباً حلالا لمس اثر الإجابة في دعائه ووجد آثاراً طيبة لذلك … قال رسول
الله
:
((أيها
الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وان الله أمر المؤمنين بما أمر به
المرسلين ، فقال : ((يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ
وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ))المؤمنون51 وقال :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا
رَزَقْنَاكُمْ)) البقرة : 172 .
ثم
ذكر الرجل يُطيل السفر ، أشعث اغبر يمُد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه
حرام ! ومشربه حرام ! وملبسُه حرام ! وغُذي بالحرام ! فأنى يُستجاب لذلك ؟
! )) رواه مسلم والترمذي .
فهذا
سعد بن أبي وقاص ( رضي الله عنه ) اشتهر بإجابة الدعاء … فكان إذا دعا
ارتفع دعاؤه واخترق الحجب فلا يرجع إلا بتحقيق المطلوب ! .
يقول: ما رفعت إلى فمي لقمة إلا وأنا عالم من أين مجيئها ؟ ! ومن أين خرجت . ذاك هو سر استجابة الدعاء ..اللقمة الحلال.
ولله در من قال :
قالوا شروط الدعاء المستجاب لنا --- عشرٌ بها بشِّر الداعي بإفلاحِ
طهارةٌ وصلاةٌ معهما ندمٌ --- وقتٌ خشوعٌ وحُسن الظنِ يا صاحِ
وحِلُ قوتٍ ولا يُدعى بمعصيةٍ --- واسمٌ يناسبُ مقرونٌ بإلحاحِ
4- مُر بالمعروف وانه عن المنكر، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال
: ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله
أن يبعث عليكم عقاباً منه، فتدعونه فلا يستجاب لكم)) رواه الترمذي في الفتن
(2169) وحسنه، وأحمد (5/288)
5-
قدَّم بين يدي دعائك عملاً صالحاً كصلاةٍ أو صيام أو صدقة … ألا ترى أخي
أن الدعاء بعد الصلوات أرجى للإجابة . لأنه وقع بعد عمل صالح ، فالدعاء
يرفعه العمل الصالح ، قال تعالى :
(إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) فاطر10
فجرِّب
أخي أن تدعو عقب دمعة ذرفتها عينك من خشية الله ، أو حاجة مسلم قضيتها ،
أو صدقة في ظلام الليل بذلتها ، أو جرعة غيظ تحمّلتها ما انفذتها وسترى
سرعة الإجابة إن شاء الله .
أخيراً :
أخي لا تظُن أن دعواتك تخيب فإنه قال
: ((ما من رجل يدعو بدعاء إلا استجيب له، فإما أن يُعجِّل له في الدنيا،
وإما أن يدّخر له في الآخرة، وإما أن يُكّفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعاه ما
لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، أو يستعجل يقول: دعوت ربي فما استجاب لي)) صحيح
الجامع (5714)...
فربما لم يُجبك،لأنه قد دفع عنك من البلاء مالا تعرف .
وربُما لم يُجبك لعلمه أن كفة حسناتك لن ترجح يوم القيامة إلا بتأخير هذه الدعوات إلى ذلك اليوم .
وربما
لم يُجبك لعلمه أن ما طلبت شرٌ لك ،فالمال الذي طلبت ربما أطغاك وأفسدك ،
وإن كان ولداً ربما كبر فعقك وأجهدك ،وإن كان عملاً ربما فتح لك بابا من
الحرام فكم من محبوب فيه مكروه ((وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ
شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)) البقرة216.
وربما لم يُجبك لأنك أدخلت حراماً في رزقك.
وربما لم يُجبك ليُعلمك عبادة الرضا .
وربما ما أجابك لأنه يريد أن يسمع إلحاحك وأنينك في الأسحار وفي جوف الليل ،والله تعالى أعلم .
يامن عليه مدى الأيام معتمدي --- إليك وجَهت وجهي لا إلى أحدِ
يا مالك الملكِ يا مُعطي الجزيل --- لمن يرجو نداه بلا مَنٍ ولا نكدِ
مالي سِواك وما لي غير بابك --- يا مولاي فامح بعفوٍ ما جنته يدي
وانعم وأمطر علينا رحمة فلنا --- عوائدٌ منك بالإحسان والمددِ
وانظر إلينا فكَم أَوليتنا نِعماً --- ما أَن تمُرُّ على بالٍ ولا خلدِ
يا من يجيب دُعائي عند مسألتي --- ومن عليه وإن أخطأتُ معتمَدي
ثم الصلاةُ على المختار من مُضرٍ --- ما ناحت الورقُ في غصنٍ مدى الأبدِ