الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد
فهذا بحث حول رواية حك عبد الله بن مسعود للمصحف أرجو الافادة والاستفادة منه.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى
21226 حدثنا عبد الله حدثني محمد بن الحسين بن أشكاب ثنا محمد بن أبي عبيدة بن
معن ثنا أبي عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد قال كان عبد الله
يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول انهما ليستا من كتاب الله» (رواه أحمد في
المسند5/129 والطبراني في المعجم) من طريق أبي إسحاق السبيعي والأعمش وهو
سليمان بن مهران وكلاهما ثقة مدلس من رجال الصحيحين وقد اختلط السبيعي بأخرة.
فإذا أتيا بالرواية معنعنة تصير معلولة (العلل للدارقطني). وهذه الرواية معلولة
بالعنعنة. وحكي عن كليهما الميل إلى التشيع.
وقد أنكر ابن حزم والنووي والباقلاني ثبوت شيء عن ابن مسعود في ذلك. وذهب ابن
حزم إلى ضعف بأنه قد صحت قراءة عاصم عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود وفيها
أم القرآن والمعوذتان (المحلى1/13).
وقال النووي « أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة وسائر السور المكتوبة
في المصحف قرآن. وأن من جحد شيئا منه كفر. وما نقل عن ابن مسعود في الفاتحة
والمعوذتين باطل ليس بصحيح عنه» (المجموع شرح المهذب3/396).
وهذا وعلى افتراض صحة الرواية عن ابن مسعود فإنها أقل من حيث درجة الصحة من
قراءة عاصم المتواترة. فقد تواترت عن ابن مسعود قراءته بطريق أصحابه من أهل
الكوفة، وتلقاها عاصم عن زر بن حبيش عنه رضِى الله عنه. وهِى التِى يرويها أبو
بكر بن عياش عن عاصم, وتواترها البالغ مما لا يتناطح فيه, (أنظر كتاب الأصول
المقارنة لقراءات أبي عمرو البصري وابن عامر الشامي وعاصم بن أبي النجود
للدكتور غسان بن عبد السلام حمدون). http://www.ust.edu/SSM/D_J_ha/1.html
وقد جاء في البخاري « 4693 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا عبدة بن
أبي لبابة عن زر بن حبيش وحدثنا عاصم عن زر قال سألت أبي بن كعب قلت يا أبا
المنذر إن أخاك بن مسعود يقول كذا وكذا فقال أبي سألت رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال لي قيل لي فقلت قال فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم»
.
وهذا كلام مجمل أعني قوله كذا وكذا.
موقف للحافظ ابن حجر
قال الحافظ في الفتح « وقد تأول القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب الانتصار
وتبعه عياض وغيره ما حكى عن بن مسعود فقال لم ينكر بن مسعود فقال لم ينكر بن
مسعود كونهما من القرآن وإنما أنكر اثباتهما في المصحف فإنه كان يرى أن لا يكتب
في المصحف شيئا الا إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كتابه فيه وكأنه لم
يبلغه الإذن في ذلك قال فهذا تأويل منه وليس جحدا لكونهما قرآنا وهو تأويل حسن
إلا أن الرواية الصحيحة الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها ويقول أنهما
ليستا من كتاب الله نعم يمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف فيتمشى التأويل
المذكور» (فتح الباري8/472).
قلت: قد سبق أن الرواية من طريق أبي إسحاق السبيعي والأعمش وكلاهما مدلسان وقد
جاءت روايتهما معنعنة. وهي علة في الحديث يصعب المسارعة إلى تصحيح سندها فضلا
عن أن تغلب القراءة المتواترة عن عبد الله بن مسعود والمتضمنة للمعوذتين.
فإنه على افتراض ثبوت السند إلى عبد الله بن مسعود في إنكاره للمعوذتين فإن
لذلك توجيهات مهمة:
1- أن هذا الصحيح المفترض لا يبلغ في درجة صحته قراءة عاصم عن ابن مسعود
المتواترة والتي تضمنت المعوذتين والفاتحة.
2- من المعلوم أن القراءات الثلاث ترجع إلى عدد من الصحابة، فقراءة أبي عمرو
رحمه الله تعالى ترجع بالسند إلى الصحابي الجليل أبي بن كعب، وترجع قراءة عاصم
بالسند إلى الصحابيين الجليلين علي رضي الله عنه وابن مسعود رضي الله عنه،
وترجع قراءة ابن عامر الشامي بالسند إلى الصحابيين الجليلين عثمان بن عفان وأبي
الدرداء رضي الله عنهما.
3- أن هذا كان منه في فترة وجيزة بين موت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
إلى أن تم جمع الصحابة على القرآن بالإجماع. فأما بعد هذا فلم يحك عنه شيء من
الإصرار على ذلك. وكان يدرس القرآن ويفسره على الناس طيلة حياته بعد رسول الله
صلى الله عليه واله وسلم إلى أن توفاه الله. ولم يحك عنه بعد الجمع أي إصرار أو
استنكار. ولو أنه بقي على موقفه لبلغنا ذلك كما بلغنا إصرار بعض الصحابة كابن
عباس الذي بقي حتى خلافة عمر وهو يظن أنه لم يرد من النبي كلام حول تحريم متعة
النساء.
4- أن هذا القول قد صدر منه ولم يكن الإجماع قد استقر بعد. فأما لو ثبت عن أحد
المنازعة فيه بعد إجماع الصحابة عليه فهو منهم كفر. ولهذا حكمنا بالكفر في حق
كل من شكك في القرآن من الرافضة بعد استقرار الإجماع علىهذا القرآن الذي بين
أيدينا.
5- أن عبد الله بن مسعود لم يقل ما قاله المجلسي والعاملي والمفيد من أن القرآن
قد وقع فيه التحريف مادة وكلاما وإعرابا.
6- أن هذا يؤكد ما نذهب إليه دائما من أن الصحابة ليسوا معصومين في آحادهم،
وإنما هم معصومون بإجماعهم. وهم لن يجمعوا على ضلالة.
7- أين هذا من طعن الشيعة بعلي حيث وصفوه بباب مدينة العلم وأنه بقي ستة أشهر
يجمع القرآن ثم زعموا أنه غضب من الصحابة فأقسم أن لا يروا هذا القرآن الذي
جمعه هو. وبقي القرآن إلى يومنا هذا غائبا مع الإمام الغائب.
8- أين هذا من ادعاء الشيعة بعد انقراض جيل الصحابة على أن هذا القرآن الذي
بأيدينا اليوم وقع فيه التحريف وحذف منه اسم علي وأسماء أهل البيت.
9- أن من استنكر من ابن مسعود هذا الموقف من سورتين قصيرتين فيكون عليه
من باب أولى أن يستنكر ما هو أعظم منه وهو قول الرافضة بأن الظاهر من ثقة
الإسلام الكليني أنه كان يعتقد بالتحريف والنقصان في كتاب الله (مقدمة تفسير
الصافي ص 14 و 47 طبع سنة 1399هـ)!