- والرد على هذا:
أنه
من الكذب البين على ابن مسعود، فإن علماء النقل يعلمون أن ابن مسعود ما
كان يكفر عثمان بل لما بويع عثمان بالخلافة قال ابن مسعود: "أمرنا خير من
بقي ولم نأله".ويروى أنه قال: "ولينا أعلاناً ذا فوق ولم نأل"، وكان عثمان
في السنة الأولى من ولايته لا ينقمون منه شيئاً، ولما كانت السنة الآخرة
نقموا منه أشياء كان معذوراً فيها، ومن جملة ذلك أمر ابن مسعود فإن ابن
مسعود بقي في نفسه من أمر المصحف لما فوض عثمان كتابته إلى زيد دونه وأمر
أصحابه أن يغسلوا مصاحفهم وجمهور الصحابة كانوا على ابن مسعود مع عثمان
وكان زيد بن ثابت قد انتدبه قبل ذلك الصديق والفاروق لجمع المصحف في الصحف،
فندب عثمان من ندبه الشيخان وكان زيد بن ثابت قد حفظ العرضة الأخيرة فكان
اختيار تلك أحب إلى الصحابة فإن جبريل ـ عليه السلام ـ عارض النبي عليه
الصلاة والسلام بالقرآن في العام الذي قبض فيه مرتين.....فكان ذو النورين
في هذا على حق كما يعلم وكما يعلم سائر الصحابة مكانة ابن مسعود وعلمه وصدق
إيمانه، وكان أيضاً:على حق في أمره بغسل المصاحف الأخرى كلها ومنها مصحف
عبد الله بن مسعود لأن توحيد كتابة المصحف على أكمل ما كان هو من أجل أعمال
عثمان بإجماع الصحابة الكرام، ولذلك كانوا معه دون ابن مسعود رضي الله
عنهم جميعاً.
-
وأما زعمهم: أنه لما حكم ضرب ابن مسعود حتى مات، "فهذا كذب باتفاق أهل
العلم، فإنه لما ولي أقر ابن مسعود على ما كان عليه من الكوفة إلى أن جرى
من ابن مسعود ما جرى وما مات ابن مسعود من ضرب عثمان أصلاً".
- قال أبو بكر بن العربي: "وأما ضربه لابن مسعود ومنعه عطاءه فزور".
**فلا
وجهة للرافضة بالطعن على عثمان بقصة ابن مسعود هذه فإنه لم يضربه عثمان
ولم يمنعه عطاءه، وإنما كان يعرف له قدره ومكانته، كما كان ابن مسعود شديد
الالتزام بطاعة إمامه الذي بايع له وهو يعتقد أنه خير المسلمين وقت البيعة،
لكن المبتدعة من أهل الرفض "غرضهم التكفير أو التفسيق للخلفاء الثلاثة
بأشياء لا يفسق بها واحد من الولاة، فكيف يفسق بها أولئك رضي الله عنهم
أجمعين"".
---------------
10
- ومن مطاعنهم على ذي النورين ـ رضي الله عنه ـ : أنهم يقولون: إنه ضرب
عمار بن ياسر حتى صار به فتقاً، وقد قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام
"عمار جلدة ما بين عيني".... وكان عمار يطعن عليه..
والرد على هذه القصة:
أنها إفك واضح ولو حصل له ما ذكر ما عاش إلى أن قتل شهيداً في موقعة صفين.
-
وقد ذكر ابن جرير الطبري: عن سعيد بن المسيب أنه كان بين عمار وعباس بن
عتبة بن أبي لهب خلاف حمل عثمان على أن يؤدبهما عليه بالضرب،وهذا مما يفعله
ولي الأمر في مثل هذه الأحوال قبل عثمان وبعده، وكم فعل الفاروق مثل ذلك
بأمثال عمار ومن هم خير من عمار بما له من حق الولاية على المسلمين....ولما
بث السبئيون الإشاعات حول عمال عثمان وصاروا يرسلون الكتب من كل مصر إلى
الأمصار الأخرى بالأخبار الكاذبة أشار الصحابة على عثمان بأن يبعث رجالاً
ممن يثق بهم إلى الأمصار حتى يرجعوا إليه بحقيقة الحال تناسى عثمان ما كان
من عمار وأرسله إلى مصر ليكون موضع ثقته في كشف حالها فأبطأ عمار في مصر،
والتف حوله السبئيون ليستميلوه إليهم فتدارك عثمان وعامله على مصر هذا
الأمر، وجيء بعمار إلى المدينة مكرماً وعاتبه ذو النورين لما قدم عليه،
فقال له: على ما رواه الحافظ ابن عساكر: "يا أبا اليقظان قذفت أبي أبي لهب
أن قذفك....وغضبت علي أن أخذت لك بحقك وله بحقه، اللهم قد وهبت ما بيني
وبين أمتي من مظلمة اللهم إني متقرب إليك بإقامة حدودك في كل أحد ولا أبالي
أخرج عني يا عمار، فخرج، فكان إذا لقي العوام نضح عن نفسه وانتفى من ذلك،
وإذا لقي من يأمنه أقر بذلك وأظهر الندم، فلامه الناس وهجروه وكرهوه".
- وأما دعواهم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال فيه: "عمار جلدة ما بين عيني" لا يعرف له إسناد.
-
وزعمهم أنه كان يطعن على عثمان فعلى تقدير أنه حصل منه فليس جعل ذلك قدحاً
في عثمان بأولى من جعله قدحاً في عمار، وإذا كان كل واحد منهما مجتهداً
فيما صدر منه يثبته الله على حسناته ويغفر له خطأه، وإن كان صدر من أحدهما
ذنب فقد علمنا أن كلاً منهما ولي الله وأنه من أهل الجنة وأنه لا يدخل
النار فذنب كل منهما لا يعذبه الله عليه في الدار الآخرة.
-
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية بياناً شافعاً ما يجب على المسلم التزامه
فيما جرى من كلام بين الصحابة لبعضهم بعضاً، حيث قال رحمه الله: "وعثمان
أفضل من كل من تكلم فيه، هو أفضل من ابن مسعود وعمار وأبي ذر ومن غيرهم من
وجوه كثيرة، كما ثبت ذلك بالدلائل الكثيرة، فليس جعل كلام المفضول قادحاً
في الفاضل بأولى من العكس، بل إن أمكن الكلام بينهما بعلم وعدل وإلا تكلم
بما يعلم من فضلهما ودينهما، وكان ما شجر بينهما وتنازعا فيه أمره إلى
الله، لهذا أوصوا بالإمساك عما شجر بينهم لأنا لا نسأل عن ذلك....لكن إذا
ظهر مبتدع يقدح فيهم بالباطل فلا بد من الذب عنهم وذكر ما يبطل حجته بعلم
وعدل، وكذلك ما نقل من تكلم عمار في عثمان وقول الحسن فيه ـ أي في عمار ـ
نقل أن عماراً قال: "لقد كفر عثمان كفرة صلعاء" فأنكر الحسن بن علي على ذلك
عليه، وكذلك علي، وقال له يا عمار: أتكفر برب آمن به عثمان؟.
قال
شيخ الإسلام: وقد تبين من ذلك أن الرجل المؤمن الذي هو ولي لله قد يعتقد
كفر الرجل المؤمن الذي هو ولي الله ويكون مخطئاً في هذا الاعتقاد ولا يقدح
هذا في إيمان واحد منهما وولايته كما ثبت في الصحيح أن أسيد بن حضير قال
لسعد بن عبادة بحضرة النبي عليه الصلاة والسلام : "إنك منافق تجادل عن
المنافقين"، وكما قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لحاطب بن أبي بلتعة:
"دعني يا رسول أضرب عنق هذا المنافق" فقال النبي عليه الصلاة والسلام :
"إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال اعملوا ما
شئتم فقد غفرت لكم" ،فعمر أفضل من عمار، وعثمان أفضل من حاطب بن أبي بلتعة
بدرجات كثيرة وحجة عمر فيما قال لحاطب أظهر من حجة عمار ومع هذا فكلاهما من
أهل الجنة، فكيف لا يكون عثمان وعمار من أهل الجنة وإن قال أحدهما للآخر
ما قال، مع أن طائفة من العلماء أنكروا أن يكون عمر قال ذلك، ثم قال شيخ
الإسلام:""وفي الجملة فإذا قيل إن عثمان ضرب ابن مسعود أو عماراً فهذا لا
يقدح في أحد منهم فإنا نشهد أن الثلاثة في الجنة، وأنهم من أكابر أولياء
الله المتقين، وإن ولي الله قد يصدر منه ما يستحق عليه العقوبة الشرعية
فكيف بالتعزير، وقد ضرب عمر بن الخطاب أبي بن كعب بالدرة لما رأى الناس
يمشون خلفه، فقال: ما هذا يا أمير المؤمنين، قال: هذه ذلة للتابع وفتنة
للمتبوع"
- فإن
عثمان أدب هؤلاء فإما أن يكون عثمان مصيباً في تعزيرهم لاستحقاقهم ذلك
ويكون ذلك الذي عزروا عليه تابوا منه أو كفر عنهم بالتعزير وغيره من
المصائب أو بحسناتهم العظيمة أو بغير ذلك، وإما أن يقال كانوا مظلومين
مطلقاً، فالقول في عثمان كالقول فيهم وزيادة فإنه أفضل منهم، وأحق بالمغفرة
والرحمة، وقد يكون الإمام مجتهداً في العقوبة مثاباً عليها وأولئك مجتهدون
فيما فعلوه لا يأثمون به، بل يثابون عليه لاجتهادهم مثل شهادة أبي بكرة
على المغيرة فإن أبا بكرة رجل صالح من خيار المسلمين، وقد كان محتسباً في
شهادته معتقداً أنه يثاب على ذلك، وعمر أيضاً: محتسب في إقامة الحد عليه
مثاب على ذلك، فلا يمتنع أن يكون ما جرى من عثمان في تأديب ابن مسعود وعمار
من هذا الباب، فلا طريق للشيعة للطعن على عثمان بزعمهم أنه ضرب عماراً إذ
أنهم يذكرون قصصاً غير ثابتة وحتى لو ثبت ذلك فللأئمة أن يؤدبوا رعيتهم إذا
رأوا ذلك واجباً لهم، فقد اقتص النبي عليه الصلاة والسلام على نفسه
وأقاد،وكذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أدبا رعيتهما باللطم والدرة
وأقادا من نفسيهما، وأما عثمان رضي الله عنه فنقم عليه ما لم ينقم على أحد
منهم".
----------------
11-
ومن مطاعنهم في حق ذي النورين ـ رضي الله عنه ـ : أنهم يقولون إن النبي
عليه الصلاة والسلام طرد الحكم بن أبي العاص عم عثمان عن المدينة ومعه ابنه
مروان، فلم يزل هو وابنه طريدين في زمن النبي عليه الصلاة والسلام وأبي
بكر وعمر، فلما ولي عثمان آواه ورده إلى المدينة، وجعل مروان كاتبه وصاحب
تدبيره مع أن الله قال: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية.
- والرد على طعنهم بهذه القصة:
يقال
لهم: إن الحكم بن أبي العاص كان من الذين أسلموا يوم الفتح وكانوا ألفي
رجل ومروان ابنه كان صغيراً إذ ذاك فإنه من أقران ابن الزبير والمسور بن
مخرمة عمره حين الفتح سن التمييز، إما سبع سنين أو أكثر بقليل أو أقل
بقليل، فلم يكن لمروان ذنب يطرد عليه على عهد النبي عليه الصلاة والسلام
ولم تكن الطلقاء تسكن بالمدينة في حياة النبي عليه الصلاة والسلام ، فإن
كان قد طرده فإنما طرده من مكة لا من المدينة، ولو طرده من المدينة لكان
يرسله إلى مكة، وقد طعن كثير من أهل العلم في نفيه وقالوا ذهب باختياره
وقصة نفي الحكم ليست في الصحاح، ولا لها إسناد يعرف به أمرها....وإذا كان
النبي عليه الصلاة والسلام قد عزر رجلاً بالنفي لم يلزم أن يبقى منفياً طول
الزمان، فإن هذا لا يعرف في شيء من الذنوب ولم تأت الشريعة بذنب يبقى
صاحبه منفياً دائماً....وقد كان عثمان شفع في عبد الله بن سعد بن أبي سرح
فقبل
شفاعته فيه وبايعه فكيف لا يقبل شفاعته في الحكم وقد رووا أن عثمان سأله
أن يرده فأذن له في ذلك. ونحن نعلم أن ذنبه دون دنب عبد لله بن سعد بن أبي
سرح وقصة عبد الله ثابتة معروفة بالإسناد..
-
وأما قصة الحكم فإنما ذكرت مرسلة، وقد ذكرها المؤرخون الذين يكثرون الكذب
فيما يروونه، فلم يكن هناك نقل ثابت يوجب القدح فيمن هو دون عثمان،
والمعلوم من فضائل عثمان ومحبة النبي عليه الصلاة والسلام له وثنائه عليه
وتخصيصه بابنتيه وشهادته له بالجنة وإرساله إلى مكة ومبايعته له عنه وتقديم
الصحابة له في الخلافة وشهادة عمر وغيره له بأن رسول الله
مات وهو عنه راض وأمثال ذلك مما يوجب العلم القطعي بأنه من كبار أولياء
الله المتقين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، فلا يدفع هذا بنقل لا يثبت
إسناده ولا يعرف كيف وقع ويجعل لعثمان ذنب بأمر لا تعرف حقيقته..
- قال أبو محمد بن حزم مبيناً بطلان ما احتج به الرافضة على عثمان بقصة الحكم: "ونفي رسول الله
لم يكن حداً واجباً ولا شريعة على التأييد وإنما كان عقوبة على ذنب استحق
به النفي والتوبة مبسوطة، فإذا تاب سقطت عنه تلك العقوبة بلا خلاف من أحد
من أهل الإسلام وصارت الأرض كلها مباحة"أهـ.
-
وقال أبو بكر بن العربي مبيناً جواب أهل العلم على من طعن على عثمان برده
الحكم: "وقال علماؤنا في جوابه قد كان أذن له فيه رسول الله
،
وقال ـ أي عثمان ـ لأبي بكر وعمر، فقالا له: إن كان معك شهيد رددناه، فلما
ولي قضى بعلمه في رده وما كان عثمان ليصل مهجور رسول الله
ولو كان أباه ولا لينتقض حكمه،وبرد أهل العلم تبين فساد وبطلان زعم
الرافضة على عثمان بأنه خالف ما يقتضيه الشرع برده الحكم بعد نفيه.
= = = = = = = = = = = = =
ومن المعلوم ان النفي كان مقتصر على حياة الرسول عليه الصلاة والسلام فقط
الدليل
المعجم الكبير للطبراني - (ج 10 / ص 294)
حدثنا
محمد بن عثمان بن أبي شيبة , حدثنا عبادة بن زياد الأسدي , حدثنا مدرك بن
سليمان الطائي , عن الأجلح , عن أبي صالح، عن ابن عباس , قال: إنما كان نفي
النبي عليه الصلاة والسلام الحكم بن أبي العاص من المدينة إلى الطائف ,
بينما النبي عليه الصلاة والسلام في حجرته فإذا هو إنسان يطلع عليه , فقال
النبي عليه الصلاة والسلام :الوزغ , الوزغ, فنظر فإذا هو الحكم , فقال
النبي عليه الصلاة والسلام :اخرج لا تساكني بالمدينة ما بقيت , فنفاه إلى
الطائف.
= = = = = = = = = =
12
- ومن مطاعنهم في حق ذي النورين رضي الله عنه أنهم يقولون: إنه ضيع الحدود
فلم يقتل عبيد الله بن عمر (بالهرمزن) مولى علي وكان قد أسلم على يد علي
رضي الله عنه، ويزعمون أن علياً طلب من عثمان لما ولي الخلافة تسليمه عبيد
الله بن عمر ليقيم عليه الحد فامتنع من ذلك..
- والرد على طعنهم بهذه القضية:
يقال
لهم: "دعواكم أنه كان مولى لعلي: هذا كذب لم يكن مولى لعلي وإنما أسره
المسلمون فمن عليه عمر فأعتقه وأسلم ولا سعي لعلي في رقه ولا في عتقه، ولما
قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان الذي قتله أبو لؤلؤة المجوسي مولى
المغيرة بن شعبة وكان بينه وبين الهرمزان مجانسة، وذكر لعبيد الله بن عمر
أنه رؤي عند الهرمزان حين قتل وكان ممن اتهم بالمعاونة على قتل عمر، وقد
قال الفاروق لما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي مخاطباً ابن عباس كنت أنت وأبوك
تحبان أن تكثرا العلوج بالمدينة، فقال: إن شئت أن نقتلهم، فقال: كذبت، أبعد
أن تكلموا بلسانكم وصلوا إلى قبلتكم فهذا ابن عباس وهو أفقه من عبيد الله
بن عمر وأدين وأفضل بكثير يستأذن عمر في قتل علوج الفرس مطلقاً الذين كانوا
بالمدينة لما اتهموهم بالفساد اعتقد جواز مثل هذا فكيف لا يعتقد عبيد الله
بن عمر جواز قتل الهرمزان، فلما قتله وبويع عثمان استشار الناس في قتله
فأشار عليه طائفة من الصحابة بعدم قتله وقالوا له: قتل أبوه بالأمس، ويقتل
هو اليوم فيكون في هذا فساد في الإسلام، وكأنهم وقعت لهم شبهة في عصمة
الهرمزان، ولو قدر أنه معصوم الدم يحرم قتله لكن كان القاتل متأولاً ويعتقد
حل قتله لشبهة ظاهرة صار ذلك شبهة تدرأ القتل عن القاتل، كما أن أسامة بن
زيد لما قتل الرجل بعد ما قال لا إله إلا الله اعتقد أن هذا القول لا يعصمه
عزره النبي
بالكلام ولم يقتله لأنه كان متأولاً لكن الذي قتله أسامة كان مباحاً قبل
القتل فشك في العاصم، وإذا كان عبيد الله بن عمر متأولاً يعتقد أن الهرمزان
أعان على قتل أبيه وأنه يجوز له قتله صارت هذه شبهة يجوز أن يجعلها
المجتهد مانعة من وجوب القصاص، وأيضاً فالهرمزان لم يكن له أولياء يطلبون
بدمه وإنما وليه ولي الأمر وله القتل أو العفو أو الدية، فعفا عثمان وترك
الدية لآل عمر، وإذا حقن عثمان دمه فلا يباح بحال.
-
وأما دعواهم أن عثمان امتنع عن قتل عبيد الله بن عمر، فهذا كذب وزور على
عثمان رضي الله عنه، وقول بالباطل وأن أحداً لم يطلب من عثمان ذلك لا علي
ولا غيره""
- قال
أبو بكر بن العربي: "وأما امتناعه عن قتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب
بالهرمزان، فإن ذلك باطل، فإن كان لم يفعل فالصحابة متوافرون والأمر في
أوله وقد قيل: إن الهرمزان سعى في قتل عمر وحمل الخنجر وظهر تحت ثيابه،
وكان قتل عبيد الله له، وعثمان لم يل بعد، ولعل عثمان كان لا يرى على عبيد
الله حقاً لما ثبت عنده من حال الهرمزان وفعله، وأيضاً: فإن أحداً لم يقم
بطلبه وكيف يصح مع هذه الاحتمالات كلها أن ينظر في أمر لم يصح".
-
"ومن العجب أن دم الهرمزان المتهم بالنفاق والمحاربة لله ورسوله والسعي في
الأرض بالفساد تقام فيه القيامة ودم عثمان لا حرمة له وهو إمام المسلمين
المشهود له بالجنة الذي هو وإخوانه أفضل الخلق بعد النبيين".
-
فطعن الرافضة على عثمان بقصة عبيد الله بن عمر مع الهرمزان غير مستقيم ولا
يقبل ولا له وجه يقويه إذ "من أعان على قتل عمر ولو بكلام وجب قتله وكان
الهرمزان ممن ذكر عنه أنه أعان على قتل عمر بن الخطاب وإذا كان الأمر كذلك
كان قتله واجباً ولكن قتله إلى الأئمة فافتات عبيد الله بقتله وللإمام أن
يعفو عمن افتات عليه"
---------------
13- ومن مطاعنهم في حق ذي النورين رضي الله عنه : "أنهم يكذبون عليه بأنه نفى أبا ذر من المدينة، وأخرجه منها إلى (الربذة)".
- والرد على طعنهم عليه بهذه القصة:
أنه
رضي الله عنه لم يفعل ما اختلقوه في هذه القصة، وإنما أبو ذر هو الذي
اختار أن يعتزل في (الربذة)، فوافقه عثمان رضي الله عنه على ذلك وأكرمه
وجهزه بما فيه راحته.
-
قال أبو بكر بن العربي: "وأما نفيه أبا ذر إلى (الربذة) فلم يفعل، كان أبو
ذر زاهداً وكان يقرع عمال عثمان ويتلو عليهم {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ
الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ويراهم يتسعون في المراكب والملابس حين
وجدوا فينكر ذلك عليهم ويريد تفريق جميع ذلك من بين أيديهم وهو غير لازم.
- قال ابن عمر وغيره من الصحابة: إن ما أديت زكاته فليس بكنز فوقع
بين
أبي ذر ومعاوية كلام بالشام، فخرج إلى المدينة فاجتمع الناس فجعل يسلك تلك
الطرق، فقال له عثمان: "لو اعتزلت" معناه: إنك على مذهب لا يصلح لمخالطة
الناس، فإن للخلطة شروطاً وللعزلة مثلها ومن كان على طريقة أبي ذر فحاله
يقتضي أن ينفرد بنفسه، أو يخالط ويسلم لكل أحد حاله مما ليس بحرام في
الشريعة، فخرج إلى (الربذة) زاهداً فاضلاً وترك جلة فضلاء وكل على خير
وبركة وفضل وحال أبي ذر أفضل ولا تمكن لجميع الخلق، فلو كانوا عليها لهلكوا
فسبحان مرتب المنازل".
-
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في صدد رده على طعن الرافضة
على عثمان بقصة أبي ذر، قال: "فالجواب أن أبا ذر سكن (الربذة) ومات بها
لسبب ما كان يقع بينه وبين الناس، فإن أبا ذر كان رجلاً صالحاً زاهداً،
وكان مذهبه أن الزهد واجب وأن ما أمسكه الإنسان فاضلاً عن حاجته فهو كنز
يكوى به في النار، واحتج على ذلك بما لا حجة فيه من الكتاب والسنة واحتج
بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا
يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، وجعل الكنز ما يفضل عن الحاجة واحتج
بما سمعه من النبي عليه الصلاة والسلام وهو أنه قال: يا أبا ذر ما أحب أن
لي مثل أحد ذهباً يمضي عليه ثالثة وعندي منه دينار إلا ديناراً أرصده لدين
وأنه قال الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا".
ولما
توفي عبد الرحمن بن عوف وخلف مالاً جعل أبو ذر ذلك من الكنز الذي يعاقب
عليه وعثمان يناظره في ذلك حتى دخل كعب ووافق عثمان فضربه أبو ذر وكان قد
وقع بينه وبين معاوية بالشام بهذا السبب وقد وافق أبا ذر على هذا طائفة من
النساك.
- وأما الخلفاء الراشدون وجماهير الصحابة والتابعين فعلى خلاف هذا القول، فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي
أنه قال: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وليس فيما دون خمس ذود صدقة وليس
فيما دون خمس أواق صدقة" فنفى الوجوب فيما دون المائتين ولم يشترط كون
صاحبها محتاجاً إليها أم لا.
-
وقال جمهور الصحابة: الكنز هو المال الذي لم تؤد حقوقه، وقد قسم الله
تعالى المواريث في القرآن، ولا يكون الميزان إلا لمن خلف مالاً وقد كان غير
واحد من الصحابة له مال على عهد النبي
من الأنصار، بل ومن المهاجرين وكان غير واحد من الأنبياء له مال وكان أبو
ذر يريد أن يوجب على الناس ما لم يوجب الله عليهم ويذهمهم على ما لم يذمهم
الله عليه، مع أنه مجتهد في ذلك مثاب على طاعته رضي الله عنه كسائر
المجتهدين من أمثاله، وقول النبي عليه الصلاة والسلام ليس فيه إيجاب، إنما
قال: "ما أحب أن يمضي علي ثالثة وعندي منه شيء" فهذا يدل على استحباب
إخراج ذلك قبل الثالثة لا على وجوبه، وكذا قوله "المكثرون هم المقلون" دليل
على أن من كثر ماله، قلت حسناته يوم القيامة، إذا لم يكثر الإخراج منه،
وذلك لا يوجب أن يكون الرجل القليل الحسنات من أهل النار إذا لم يأت كبيرة
ولم يترك فريضة من فرائض الله، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقوم رعيته
تقويماً تاماً فلا يعتدي لا الأغنياء ولا الفقراء، فلما كان في خلافة
عثمان توسع الأغنياء في الدنيا حتى زاد كثير منهم على قدر المباح في
المقدار والنوع، وتوسع أبو ذر في الإنكار حتى نهاهم عن المباحات وهذا من
أسباب الفتن بين الطائفتين فكان اعتزال أبي ذر لهذا السبب، ولم يكن لعثمان
مع أبي ذر غرض من الأغراض".
**فلو
تفهم الشيعة الرافضة قصة أبي ذر من أساسها وبدايتها لعلموا أن أبا ذر هو
الذي اختار سكنى (الربذة)، وأن عثمان لم يأمره بالخروج من المدينة، ولا
نفاه إلى (الربذة) كما يزعمون، ومما يؤيد هذا ما رواه الإمام البخاري في
صحيحه بإسناده إلى زيد بن وهب قال: مررت ب(الربذة) فإذا أنا بأبي ذر رضي
الله عنه، فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا، قال: كنت بالشام فاختلفت أنا
ومعاوية في الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، قال
معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في
ذاك وكتب إلى عثمان رضي الله عنه يشكوني فكتب إلي عثمان أن أقدم المدينة،
فقدمتها فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذاك لعثمان،
فقال لي: إن شئت تنحيت فكنت قريباً فذاك الذي أنزلني هذا المنزل.
-
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في شرح هذا الحديث: "وإنما سأله زيد
بن وهب عن ذلك لأن مبغضي عثمان كانوا يشنعون عليه أنه نفى أبا ذر وقد بين
أبو ذر أن نزوله في ذلك المكان كان باختياره".
-
وروى ابن جرير من حديث طويل عن يزيد الفقعسي وفيه أن أبا ذر قال لعثمان:
فتأذن لي في الخروج، فإن المدينة ليست لي بدار؟ فقال: أو تستبدل بها إلا
شراً منها، قال: أمرني رسول الله
أن أخرج منها إذا بلغ البناء سلعاً، قال: فانفذ لما أمرك به، قال: فخرج
حتى نزل (الربذة) فخط بها مسجداً وأقطعه عثمان صرمة من الإبل وأعطاه
مملوكين وأرسل إليه أن تعاهد المدينة حتى لا ترتد أعرابياً ففعل".
-
وقال الإمام الذهبي: "وأما أبو ذر فثبت عن عبد الله بن الصامت قال: قالت
أم ذر: "والله ما سير عثمان أبا ذر إلى (الربذة)، ولكن رسول الله
قال له: "إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها".
- وقال الحسن البصري: "معاذ الله أن يكون أخرجه عثمان".
- وقال محمد بن سيرين رحمه الله تعالى: "خرج أبو ذر إلى (الربذة) من قبل نفسه".
-
ففي ما تقدم كفاية في البرهان على كذب الرافضة على عثمان رضي الله عنه من
أنه نفى أبا ذر إلى (الربذة)، وأن أبا ذر خرج من المدينة إلى (الربذة)
باختياره وأنه استأذن عثمان في ذلك، فأذن له وأكرمه عثمان وجهزه بما يحتاج
إليه حيث أقطعه صرمة من الإبل وأعطاه مملوكين وأجرى عليه وأمره بتعاهد
المدينة ففعل رضي الله عنه وعن عثمان وعن سائر الصحابة الكرام.
و يجب ان يعرف القارىء أن الصحابي الجليل الزاهد ابو ذر رضي الله عنه
كان
حاد الطباع حتى عند اسلامه اره الرسول ان لا يشهر ذلك فابا وذهب الى
المشركين ويصيح باعلى صوته اشهد ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله
فتولى عليه كفار قريش وضربوه ولم ينجيه منهم الا العباس واخبرهم العباس ان
قوافلهم تمر من غفار الخ فخلو عنه
وابو
ذر رضي الله عنه كان يريد من الناس ان تزهد لما فهمه من الروايات وان
المال ان زاد عن الحاجه يجب صرفه والتصدق به ولا فهو داخل فى قول الله
تعالى عنده
{وَالَّذِينَ
يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ}، وجعل الكنز ما يفضل عن الحاجة ولو أدوا زكاة أموالهم واحتج بما
سمعه من النبي عليه الصلاة والسلام وهو أنه قال: يا أبا ذر ما أحب أن لي
مثل أحد ذهباً يمضي عليه ثالثة وعندي منه دينار إلا ديناراً أرصده لدين
وأنه قال الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا".
ولما
توفي عبد الرحمن بن عوف وخلف مالاً جعل أبو ذر ذلك من الكنز الذي يعاقب
عليه وعثمان يناظره في ذلك حتى دخل كعب ووافق عثمان فضربه أبو ذر
وهذا ما حصل بينه وبين اهل الشام الذين شكوه لمعاويه
فشكا
معاوية بدوره إلى الخليفة عثمان رضي الله عنهما؛ فاستقدمه عثمان إلى
المدينة ودار بينهم حوار، قال عثمان: يا أبا ذر، ما لأهل الشام يشكون ذربك؟
-أي كثرة كلامك-
فأخبره أبو ذر: بأن الأغنياء تزيد أموالهم عن حاجتهم والفقراء في حاجة.
فقال عثمان: يا أبا ذر، عليّ أن أقضي ما عليّ، وآخذ ما على الرعية، ولا أجبرهم على الزهد وأن أدعوهم للاجتهاد والاقتصاد،
وقد كان ابو ذر رضي الله عنه يحدثهم حتى فى بنيانهم لبيوتهم يريدهم ان لا يبنون
وقال
ثابت البناني: بنى ابو الدرداء مسكناً، فمر عليه ابو ذر، فقال: ما هذا
تعمر داراً أذن الله بخرابها. لأن تكون رأيتك تتمرغ في عذرة احب الي من ان
أكون رأيتك فيما رأيتك فيه.
فكان ابو ذر يرى ان ما زاد من المال عن الحاجه يكون صاحبها مستحق للعقاب ولو دفع زكاة ماله فشق على الناس فى ذلك
تاريخ الإسلام للذهبي - (ج 1 / ص 437)
حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، قالت أم ذر: والله ما سير عثمان أبا ذر - تعني إلى الربذة - ولكن رسول الله
قال له: " إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها " .
فهنا
ابو ذر رضي الله عنه كان يريد ان يتصدق الناس بما زاد من مالهم ولو زطو
اموالهم لانه يهتبره من الاموال التى يعاقب عليها وان زكا وكان حاد الطباع
يكثر الكلام على الناس والح عليهم
وقول
الرسول يخرجونك جاءت بالجمع مما يعنى ان اخراجه جاء بشكل جماعى بما كانوا
يشتكون عليه بسبب زجرهم ونهرهم من قبله رضي الله عنه ولذلك لمة عثمان رضي
الله عنه هنا له
فقال عثمان: يا أبا ذر، عليّ أن أقضي ما عليّ، وآخذ ما على الرعية، ولا أجبرهم على الزهد وأن أدعوهم للاجتهاد والاقتصاد،
وقال
ثابت البناني: بنى ابو الدرداء مسكناً، فمر عليه ابو ذر، فقال: ما هذا
تعمر داراً أذن الله بخرابها. لأن تكون رأيتك تتمرغ في عذرة احب الي من ان
أكون رأيتك فيما رأيتك فيه.
فهو ان كان فى الامر ما فيه
فيكون انه خير بين ان يترك الناس وشانهم او يهجرهم ان لم يستطع الكف عنهم فختار ان يهجرهم رضي الله عنه
رضي الله عنه صحابي زاااااااهد
فقال عثمان: يا أبا ذر، عليّ أن أقضي ما عليّ، وآخذ ما على الرعية، ولا أجبرهم على الزهد وأن أدعوهم للاجتهاد والاقتصاد،
كيف
يجبرهم عثمان رضي الله عنه على ان يهبو اموالهم ان كانو مزكين لها تحت
عبارة اجبارهم على الزهد الذى كان يريده ابو ذر رضي الله عنه وعن الصحابه
14 - ومما نقموا به على عثمان رضي الله عنه: " أنه أخرج أبا الدرداء من بلاد الشام".
- والرد على هذا:
أنه
وقع بين أبي الدرداء ومعاوية كلام وكان أبو الدرداء زاهداً فاضلاً قاضيا ـ
في دمشق ـ فلما اشتد في الحق، وأخرج طريقة عمر في قوم لم يحتملوها عزل عن
القضاء، فتوجه إلى المدينة، وهذه كلها مصالح لا تقدح في الدين ولا تؤثر في
منزلة أحد من المسلمين بحال، وأبو الدرداء وأبو ذر بريئان من كل نقص وعيب،
وعثمان بريء أعظم براءة وأكثر نزاهة، فمن روى أنه نفى وروى سبباً فهو كله
باطل".
**فلا حجة للرافضة في طعنهم على عثمان
رضي الله عنه بقصة أبي الدرداء، فإنه رضي الله عنه أراد أن يحمل الناس على
التزام سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولكنهم لا طاقة لهم عليها وهذا
اجتهاد منه وهو مأجور عليه، ولقد حاول معاوية أن يسير على طريقة عمر رضي
الله عنه فسار على ذلك عامين، ثم لم يستطع بعد.
-
""فقد نقل الحافظ ابن كثير عن محمد بن سعد أنه قال: حدثنا عارم حدثنا حماد
بن يزيد عن معمر عن الزهري: أن معاوية عمل سنتين عمل عمر ما يخرم فيه ثم
أنه بعد عن ذلك". فأبو الدرداء رضي الله عنه أراد أن يحمل قوماً على السير
على طريقة عمر وهم غير مطيقين لذلك فعزل من ولاية القضاء لمصلحة أدركها
عثمان رضي الله عنه وعزله لا يقدح في الدين ولا يؤثر في مكانته ولا مكانة
أحد من المسلمين""
-------------
15 - ومن الأمور التي نقمتها الرافضة على عثمان ـ رضي الله عنه ـ: أنهم يقولون: "إنه منع المراعي من الجبال والأودية وحماها".
- والرد على هذا الهراء:
أن
الحمى لم يكن ذو النورين ابتدأه، فقد كان معروفاً عند العرب قبل الإسلام،
فقد كان الرئيس منهم إذا نزل منزلاً مخصباً استعوى كلباً على مكان عال فإلى
حيث انتهى صوته حماه من كل جانب، فلا يرعى فيه غيره، ويرعى هو مع غيره
فيما سواه"، فلما جاء الإسلام نهى النبي
عن ذلك، واختص الحمى ببهائم الصدقة المرصدة للجهاد والمصالح العامة، فقال
: "لا حمى إلا لله ولرسوله"، وورد أنه
حمى مكاناً يسمى "النقيع"، ومما هو معلوم أن الحال استمر في خلافة الصديق على ما كان عليه في زمن المصطفى
، لأن الصديق لم يخرج عن شيء كان عليه الحال في عهده
على الرغم أن حاجة الجهاد إلى الخيل والإبل زادت عن قبل، وفي زمن الفاروق
اتسع الحمى فشمل (الشرف)و (الربذة) وكان لعمر عامل على الحمى هو مولى له
يدعى هنياً، فقد جاء في صحيح البخاري من حديث زيد بن أسلم عن أبيه نص وصية
عمر لعامله هذا على الحمى، بأن يمنع نعم الأثرياء كعبد الرحمن بن عوف
وعثمان بن عفان، وأن يتسامح مع رب الغنيمة ورب الصريمة لئلا تهلك
ماشيتهما"، وكما اتسع عمر رضي الله عنه في الحمى عما كان عليه زمن النبي
وأبي بكر لزيادة سوائم بيت المال في زمنه اتسع عثمان بعد ذلك لاتساع دولة الإسلام، وازدياد الفتوح.
-
قال العلامة ابن العربي في صدد رده على الطاعنين عليه بمسألة الحمى، قال:
"وأما الحمى فكان قديماً فيقال إن عثمان زاد فيه لما زادت الراعية، وإذا
جاز أصله للحاجة إليه جازت لزيادة الحاجة"أ.هـ.
- فالذي أجازه النبي
لسوائم بيت المال، ومضى عليه الشيخان يجوز مثله لبيت المال في زمن ذي
النورين، ويكون الاعتراض عليه اعتراضاً على أمر داخل في التشريع
الإسلامي،ولما أجاب عثمان على مسألة الحمى عندما دافع عن نفسه على ملأ من
الصحابة أعلن أن الذين يلون له الحمى اقتصروا فيه على صدقات المسلمين
يحمونها لئلا يكون بين يليها وبين أحد تنازع، وأنهم ما منعوا ولا نحوا منها
أحداً، وذكر عن نفسه أنه قبل أن يلي الخلافة كان أكثر العرب بعيراً وشاء،
ثم أمسى وليس له غير بعيرين لحجه، وسأل من يعرف ذلك من الصحابة أكذلك؟،
قالوا: اللهم نعم"
---------------
16
- ومما نقمته الشيعة الرافضة على عثمان رضي الله عنه: أنهم يقولون "إنه
أبطل سنة القصر في الصلوات أثناء السفر، وقالوا إنه "مخالف للسنة ولسيرة من
تقدمه".
- والرد على طعنهم عليه بهذه المسألة:
يقال
لهم: إن تركه القصر كان اجتهاداً منه رضي الله عنه، إذ بلغه أن بعض الناس
افتتنوا بالقصر في الصلاة، حتى كانوا يفعلون ذلك في منازلهم فرأى رضي الله
عنه أن السنة قد تؤدي إلى إسقاط الفريضة، فترك القصر خشية أن يتذرع الناس
بذلك، وكان هذا في منى في موسم الحج سنة تسع وعشرين، وقد عاتب عبد الرحمن
بن عوف عثمان في إتمامه الصلاة وهم في منى، فاعتذر له عثمان بأن بعض من حج
من أهل اليمن وجفاة الناس قالوا: في العام الماضي: إن الصلاة للمقيم ركعتان
وهذا إمامكم عثمان يصلي ركعتين، ثم قال عثمان لعبد الرحمن بن عوف: وقد
اتخذ بمكة أهلاً ـ أي: أنه صار في حكم المقيم لا المسافر ـ فرأيت أن أصلي
أربعاً لخوف ما أخاف على الناس، ثم خرج عبد الرحمن بن عوف من عنده، فلقي
عبد الله بن مسعود وخاطبه في ذلك، فقال ابن مسعود: "الخلاف شر قد بلغني أنه
صلى أربعاً فصليت بأصحابي أربعاً"، فقال عبد الرحمن بن عوف: "قد بلغني أنه
صلى أربعاً فصليت بأصحابي ركعتين، وأما الآن فسوف يكون الذي تقول يعني:
نصلي معه أربعاً".
- ثم أيضاً يقال لهم: إن جماعة من العلماء قالوا: "إن المسافر مخير بين القصر والإتمام، واختلف في ذلك الصحابة".
-
فقد روي عن جماعة منهم إتمام الصلاة في السفر، منهم عائشة، فقد روى
البخاري بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها، قالت: "الصلاة أول ما فرضت
ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر".
قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم؟، قال: تأولت ما تأول عثمان".
-
وروى الإمام أحمد بسنده عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: لما قدم
معاوية حاجاً قدمنا معه مكة، قال: فصلى بنا الظهر ركعتين، ثم انصرف إلى دار
الندوة، قال: وكان عثمان حين أتم الصلاة إذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر
والعشاء الآخرة أربعاً أربعاً فإذا خرج إلى منى وعرفات قصر الصلاة، فإذا
فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة حتى يخرج من مكة فلما صلى بنا الظهر
ركعتين نهض إليه مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان فقالا له: ما عاب أحد ابن
عمك بأقبح ما عبته به، فقال لهما: وما ذاك، قال: فقالا له ألم تعلم أنه أتم
الصلاة بمكة، قال: فقال لهما ويحكما وهل كان غير ما صنعت قد صليتهما مع
رسول الله
ومع أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما قالا: فابن عمك قد كان أتمها، وإن
خلافك إياه له عيب، قال: فخرج معاوية إلى العصر، فصلاها بنا أربعاً".
وكما
هو ظاهر هذا الحديث أن معاوية رضي الله عنه كان يرى أن القصر رخصة وأن
المسافر مخير بين القصر والإتمام، ولذلك صلى العصر أربعاً.
فلا
وجه للرافضة يسوغ لهم الطعن على عثمان بإتمامه ما صلاه من الرباعية أثناء
سفره للحج سنة 29، إذ كان ذلك اجتهاداً منه حيث بلغه أن بعض الناس افتتنوا
بالقصر، وعمدوا إلى فعل ذلك في منازلهم فأداه اجتهاده رضي الله عنه إلى أن
سنة القصر ربما أدت إلى إسقاط الفريضة فتركها سداً للذريعة وهو مأجور على
هذا الاجتهاد أصاب أم أخطأ.
--------------
17 - ومما طعن به الرافضة على عثمان رضي الله عنه أنهم يقولون: "إنه انهزم يوم حنين وفر يوم أحد وتغيب عن بدر وبيعة الرضوان".
- والرد على طعنهم عليه بهذا:
يقال لهم: "أما طعنكم عليه بيوم حنين، فإنه لم يبق إلا نفر يسير مع رسول الله
ولكن لم يجر في الأمر تفسير من بقي ممن مضى في الصحيح، وإنما هي أقوال،
منها أنه ما بقي معه إلا العباس وابناه عبد الله وقثم، فناهيك بهذا
الاختلاف وهو أمر قد اشترك فيه الصحابة وقد عفا الله عنه ورسوله فلا يحل
ذكر ما أسقطه الله ورسوله والمؤمنون".
- وأما طعنهم عليه بقولهم إنه فرّ يوم أحد فيجاب عنه أيضاً:، بأن الله ـ جل وعلا ـ عفا عنه وغفر له.
- وأما تغيبه عن بدر، فإنه كان تحته بنت رسول الله
وكانت مريضة، فقال له رسول الله
: "إن لك أجر رجل ممن شهد بدراً وسهمه".
وأما تغيبه عن بيعة الرضوان، فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه، فبعث رسول الله
عثمان وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة، فقال رسول الله
بيده اليمنى "هذه يد عثمان" فضرب بها على يده، فقال: "هذه لعثمان".
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في صدد رده على الرافضي: "يوم بدر غاب بأمر النبي
ليخلفه على ابنته
، فضرب له النبي
بسهمه وأجره، ويوم الحديبية بايع النبي
عثمان بيده ويد رسول الله
خير له من يد نفسه، وكانت البيعة بسببه، فإنه لما أرسله النبي
رسولاً إلى أهل مكة بلغه أنهم قتلوه، فبايع أصحابه على أن لا يفروا وعلى الموت، فكان عثمان شريكاً في البيعة، مختصاً بإرسال النبي
له وطلبت منه قريش أن يطوف بالبيت دون رسول الله
، وأصحابه، فامتنع من ذلك، وقال: حتى يطوف به رسول الله
، وكان رسول الله
أراد أن يرسل عمر فأخبره أنه ليس له بمكة شوكة يحمونه، وأن عثمان له بمكة
بنو أمية وهم من أشراف مكة، فهم يحمونه، وأما التولي يوم أحد فقد عفا الله
عن جميع المتولين فيه فدخل في العفو من هو دون عثمان، فكيف لا يدخل هو فيه
مع فضله وكثرة حسناته"، فلا وجه لطعن الشيعة الرافضة على عثمان بما حصل يوم
حنين، إذ أنه لم يرد تفصيل لمن بقي مع النبي
ذلك اليوم، بل حصل في ذلك خلاف بين أهل العلم، وما حصل من أنه فر يوم أحد
فقد عفا الله عنه وغفر له، هو وغيره ممن حصل منه ذلك، وغيابه عن بدر إنما
كان بأمر النبي
حيث خلفه لتمريض رقية بنت رسول الله
التي كانت زوجة لعثمان حينذاك ولم يفته خير هذه الغزوة، فقد ضرب له النبي
بأجره وسهمه فيها فكان كمن حضرها، وبيعة الحديبية التي ينقم الرافضة على
عثمان تغيبه عنها إنما كانت بسبب عثمان وانتصاراً له، لما بلغ النبي
أن قريشاً قتلوه، وقد كان لعثمان الشرف العظيم في هذه البيعة ذلك أن يد الرسول
نابت عن يده في عقد البيعة عنه وجميع الصحابة بايعوا بأيدي أنفسهم إلا
عثمان، فإن أشرف يد في الوجود نابت عن يده في إعطاء بيعته، ولو لم يكن
لعثمان من الشرف في حياته كلها إلا مبايعة الرسول
عنه بيده يوم الحديبية لكفاه.
---------------
18 - ومن مطاعنهم في حق ذي النورين رضي الله عنه أنهم يقولون: "إنه أحدث أذاناً يوم الجمعة زائداً على أذان الرسول
وهو بدعة محرمة حتى صار سنة يعمل به بعده إلى اليوم".
- والرد على هذا الهراء:
أن
علياً رضي الله عنه كان أحد الموافقين على هذا الأذان في حياة عثمان وبعد
قتله، ولهذا لما صار خليفة للمسلمين لم يأمر بإزالته كما أمر بما أنكره من
ولاية طائفة من عمال عثمان بل أمر بعزل معاوية وغيره، ومعلوم أن إبطال هذه
البدعة كان أهون عليه من عزل أولئك ومقالتهم، ولو أزال ذلك لعلمه الناس
ونقلوه، فإن زعموا أن الناس كانوا لا يوافقونه على إزالتها يقال لهم: فهذا
دليل على أن الناس وافقوا عثمان على استحبابها واستحسانها حتى الذين قاتلوا
مع علي كعمار وسهل بن حنيف وغيرهما من السابقين الأولين وأكابر الصحابة لو
أنكروا ذلك لم يخالفهم غيرهم وإن قدر أن في الصحابة من كان ينكر ذلك،
ومنهم من لا ينكره كان ذلك من مسائل الاجتهاد ولم يكن هذا مما يعاب به
عثمان".
----------------
19
- ومما طعنوا به على عثمان رضي الله عنه أنهم يزعمون:"أن كل الصحابة
تبرؤوا من عثمان فكانوا بين قاتل له وراض بقتله، ويزعمون أيضاً: أن عليّاً
سكت عن قتل عثمان، ولم ينه عنه وسكوته دال على رضاه بقتله، ويزعمون أيضاً:
أنهم تركوه ملقى بعد قتله ثلاثة أيام بلا دفن".
والرد على هذا:
أنه
كذب صريح وبهتان فضيح لا يخفى على الصبيان، فضلاً عن ذوي العرفان، وما نشب
القتال في موقعتي الجمل وصفين بين الصحابة وسقط فيهما الآلاف منهم إلا من
أجل إقامة القصاص على قتلة عثمان.
والثابت في
كتب التواريخ أن الصحابة كلهم لم يألوا جهداً في دفع البلوى عنه حتى
استأذنوه في قتال المحاصرين له فلم يرض لهم بذلك وعزم عليهم أن لا يراق فيه
محجم من دم.
- فقد روى خليفة بن خياط بإسناده
إلى زيد بن ثابت أنه قال لعثمان: هؤلاء الأنصار بالباب يقولون: إن شئت كنا
أنصار الله مرتين، فقال: "لا حاجة لي في ذلك كفوا"
-وروى
أيضاً بإسناده إلى عبد الله بن الزبير قال: قلت لعثمان: "إنا معك في الدار
عصابة مستبصرة ينصر الله بأقل منهم، فأذن لنا، فقال: "أذكر الله رجلاً
أهراق في دمه، أو قال: دماً".
- وروى بإسناده
إلى عبد الله بن عامر بن ربيعة، قال: كنت مع عثمان في الدار، فقال: "أعزم
على كل من رأى أن عليه سمعاً وطاعة إلا كف يده وسلاحه، فإن أفضلكم عندي
غناء من كف يده وسلاحه".
- وروى بإسناده إلى
محمد بن سيرين، قال: انطلق الحسن والحسين وابن عمر وابن الزبير ومروان كلهم
شاكي السلاح حتى دخلوا الدار، فقال عثمان:"أعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم
أسلحتكم ولزمتم بيوتكم"..
- وبإسناده أيضاً: إلى محمد بن سيرين قال: قال سليط بن سليط: "نهانا عثمان عن قتالهم، ولو أذن لنا لضربناهم حتى نخرجهم من أقطارها".
- وروى بإسناده إلى أبي هريرة قال: "قلت لعثمان: اليوم طاب الضرب معك"، قال: "أعزم عليك لتخرجن".
-
وروى ابن سعد وغيره إلى زهدم الجرمي، قال: خطب ابن عباس رضي الله عنه،
فقال: "لو أن الناس لم يطلبوا بدم عثمان لرجموا بالحجارة من السماء".
**فهذه
الآثار فيها تكذيب للشيعة الرافضة، فيما يزعمون من أن الصحابة كلهم تبرؤوا
من عثمان، وكانوا راضين بقتله، ولذلك لم ينصروه ولم ينكروا على محاصريه
ولم يستعدوا لمدافعتهم ومقاتلتهم، وكما هو واضح من هذه الآثار أنهم أنكروا
وبذلوا أنفسهم للدفاع عن عثمان ومقاتلتهم، ولكن أولئك المحاصرين له لم
يظهروا قتله وإنما كانوا يظهرون المعيبة عليه ومع ذلك فلم يكن لهم أن
يستبدوا برأي في أمرهم إلا بأمر من خليفتهم وأميرهم عثمان رضي الله عنه،
وكان يمنعهم من ذلك ويعزم عليهم أن لا يسفك قليل من الدم بسببه.
-
قال العلامة ابن تيمية رحمه الله تعالى: "ومن المعلوم بالمتواتر أن عثمان
رضي الله عنه كان من أكف الناس عن الدماء، وأصبر الناس على من نال من عرضه،
وعلى من سعى في دمه، فحاصروه وسعوا في قتله، وقد عرف إرادتهم لقتله، وقد
جاءه المسلمون من كل ناحية ينصرونه ويشيرون عليه بقتالهم، وهو يأمر الناس
بالكف عن القتال ويأمر من يطيعه أن لا يقاتلهم وروي أنه قال لمماليكه: "من
كف يده فهو حر"، وقيل له: تذهب إلى مكة، فقال: لا أكون ممن ألحد في الحرم،
فقيل له: تذهب إلى الشام، فقال: لا أفارق دار هجرتي، فقيل له: فقاتلهم،
فقال: لا أكون أول من خلف محمداً في أمته بالسيف، فكان صبر عثمان حتى قتل
من أعظم فضائله عند المسلمين".
- وأما زعمهم: أن
الصحابة كانوا بين قاتل له وراض بقتله، فهذا كذب قبيح لم يقله أو يعتقده
إلا إنسان من الرافضة أو ابتلي بمعلم منهم فالذين قتلوا عثمان لم يكن بينهم
أحد من الصحابة ولله الحمد وإنما قتلته كانوا من أوباش القبائل ومن أهل
الإفساد والفتن تأثروا بضلالات ابن سبأ اليهودي فقد روى خليفة بن خياط
بسنده، فقال: حدثنا عبد الأعلى بن الهيثم قال: حدثني أبي، قال: قلت للحسن:
أكان فيمن قتل عثمان أحد من المهاجرين والأنصار؟، قال: لا، كانوا أعلاجاً
من أهل مصر".
- قال أبو بكر بن العربي: "إن
أحداً من الصحابة لم يسع عليه ولا قعد عنه ولو استنصر ما غلب ألف أو أربعة
آلاف غرباء عشرين ألفاً بلدين أو أكثر من ذلك ولكنه ألقى بيده إلى
المصيبة".
- قلت: لأنه رضي الله عنه اختار أخف
الشرين وآثر أن يقتل هو خشية أن تتسع دائرة الفتنة ويعظم سفك دماء
المسل