بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في الجوع عشر فوائد
موضوع غريب قد يعتقد البعض أننى أهذى أو أمزح عندما أقول
إن للجوع فوائد
والكثيرين يعتقدون أن فى الجوع الهلكة والموت
إذا لنستعرض سوياً فوائد الجوع لنقطع الشك باليقين
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الفائدة الأولى
صفاء القلب وإيقاد القريحة وإنقاذ البصيرة، فإن الشبع يورث البلادة
ويعمي القلب ويكثر البخار في الدماغ شبه السكر حتى يحتوي على معان
الفكر فيثقل القلب بسببه عن الجريان في الأفكار وعن سرعة الإدراك،
بل الصبي إذا أكثر الأكل بطل حفظه وفسد ذهنه وصار بطيء
الفهم والإدراك.
ويقال:مثل الجوع مثل الرعد، ومثل القناعة مثل السحاب، والحكمة كالمطر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الفائدة الثانية
رقة القلب وصفاؤه الذي به يتهيأ لإدراك لذة المثابرة والتأثر بالذكر،
فكم من ذكر يجري على اللسان مع حضور القلب ولكن القلب
لا يتلذذ به ولا يتأثر حتى كأن بينه وبينه حجاباً من قسوة القلب.
قال أبو سليمان الداراني:
أحلى ما تكون إليَّ العبادة إذا التصق ظهري ببطني.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الفائدة الثالثة
الانكسار والذل وزوال البطر والفرح والأشر الذي هو مبدأ الطغيان
والغفلة عن الله تعالى، فلا تنكسر النفس ولا تذل بشيء كما تذل بالجوع،
فعنده تسكن لربها وتخشع له وتقف على عجزها وذلها إذا ضعفت منتها
وضاقت حيلتها بلقيمة طعام فاتتها، وأظلمت عليها الدنيا لشربة ماء
تأخرت عنها.
وما لم يشاهد الإنسان ذل نفسه وعجزه لا يرى عزة مولاه ولا قهره،
وإنما سعادته في أن يكون دائماً مشاهداً نفسه بعين الذل والعجز
ومولاه بعين العز والقدرة والقهر.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الفائدة الرابعة
أن لا تنسى بلاء الله وعذابه، ولا تنسى أهل البلاء، فإن الشبعان ينسى
الجائع وينسى الجوع، والعبد الفطن لا يشاهد بلاء من غيره إلا
يتذكر بلاء الآخرة، فيذكر من عطشه عطش الخلق في عرصات القيامة،
ومن جوعه جوع أهل النار، حتى أنهم ليجوعون فيطعمون الضريع
والزقوم ويسقون الغساق والمهل، فلا ينبغي أن يغيب عن العبد
عذاب الآخرة وآلامها، فإنه هو الذي يهيج الخوف،
فمن لم يكن في ذلة ولا علة ولا قلة ولا بلاء نسي عذاب الآخرة
ولم يتمثَّل في نفسه ولم يغلب على قلبه،
فينبغي أن يكون العبد في مقاساة بلاء أو مشاهدة بلاء،
وأولى ما يقاسيه من الجوع فإن فيه فوائد جمة سوى تذكر عذاب الآخرة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الفائدة الخامسة
وهى من أكبر الفوائد:كسر شهوات المعاصي كلها والاستيلاء على
النفس الأمارة بالسوء، فإن منشأ المعاصي كلها الشهوات والقوى،
ومادة القوى والشهوات لا محالة الأطعمة، فتقليلها يضعف كل
شهوة وقوة،
وإنما السعادة كلها في أن يملك الرجل نفسه، والشقاوة في أن تملكه نفسه،
وكما أنك لا تملك الدابة الجموح إلا بضعف الجوع فإذا شبعت قويت
وشردت وجمحت، فكذلك النفس.
إن القوم لما شبعت بطونهم جمحت بهم نفوسهم إلى هذه الدنيا.
وهذه ليست فائدة واحدة بل هي خزائن الفوائد.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ولذلك قيل:الجوع خزانة من خزائن الله تعالى، وأقل ما يندفع بالجوع:
شهوة الفرج وشهوة الكلام،
فإن الجائع لا يتحرك عليه شهوة فضول الكلام فيتخلص به من آفات
اللسان كالغيبة والفحش والكذب والنميمة وغيرها،
فيمنعه الجوع من كل ذلك، وإذا شبع افتقر إلى فاكهة فيتفكه
لا محالة بأعراض الناس،
ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم.
وأما شهوة الفرج فلا تخفى غائلتها، والجوع يكفي شرها.
وإذا شبع الرجل لم يملك فرجه، وإن منعته التقوى فلا يملك عينه،
فالعين تزني، فإن ملك عينه بغض الطرف فلا يملك فكره،
فيخطر له من الأفكار الرديئة وحديث النفس بأسباب الشهوة
ما يتشوش به مناجاته، وربما عرض له ذلك في أثناء الصلاة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] فائدة السادسة
دفع النوم ودوام السهر، فإن من شبع شرب كثيراً ومن كثر شربه
كثر نومه،وفي كثرة النوم ضياع العمر وفوت التهجد وبلادة الطبع
وقساوة القلب،والعمر أنفس الجواهر،
وهو رأس مال العبد فيه يتجر،
والنوم موت فتكثيره ينقص العمر، ثم فضيلة التهجد لا تخفى
وفي النوم فواتها.ومهما غلب النوم فإن تهجد لم يجد حلاوة العبادة.
فالنوم منبع الآفات، والشبع مجلبة له، والجوع مقطعة له.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الفائدة السابعة
تيسير المواظبة على العبادة فإن الأكل يمنع من كثرة العبادات
لأنه يحتاج إلى زمان يشتغل فيه بالأكل، وربما يحتاج إلى زمان
في شراء الطعام وطبخه، ثم يحتاج إلى غسل اليد والخلال،
ثم يكثر ترداده إلى بيت الماء لكثرة شربه. والأوقات المصروفة
إلى هذا لو صرفها إلى الذكر والمناجاة وسائر العبادات لكثر ربحه.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] قال السري:رأيت مع علي الجرجاني سويقاً يستف منه فقلت:
ما حملك على هذا؟ قال:إني حسبت ما بين المضغ إلى الاستفاف
سبعين تسبيحة فما مضغت الخبز منذ أربعين سنة.
فانظر كيف أشفق على وقته ولم يضيعه في المضغ.
وكل نفس من العمر جوهرة نفيسة لا قيمة لها، فينبغي أن يستوفي منه
خزانة باقية في الآخرة لا أخر لها بصرفه إلى ذكر الله وطاعته.
ومن جملة ما يتعذر بكثرة الأكل الدوام على الطهارة وملازمة المسجد،
فإنه يحتاج إلى الخروج لكثرة شرب الماء وإراقته.
ومن جملته الصوم فإنه يتيسر لمن تعود الجوع، فالصوم ودوام الاعتكاف
ودوام الطهارة وصرف أوقات شغله بالأكل وأسبابه إلى العبادة أرباح كثيرة،
وإنما يستحقرها الغافلون الذين لم يعرفوا قدر الدين لكن رضوا بالحياة الدنيا
واطمأنوا بها:
{ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }
وقد أشار أبو سليمان الداراني إلى ست آفات من الشبع فقال:
من شبع دخل عليه ست آفات:
فقد حلاوة المناجاة،
وتعذر حفظ الحكمة،
وحرمان الشفقة على الخلق لأنه إذا شبع ظنّ أن الخلق كلهم شباع،
وثقل العبادة،
وزيادة الشهوات،
وأن أول سائرالمؤمنين يدورون حول المساجد،
والشباع يدورون حول المزابل.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الفائدة الثامنة
يستفيد من قلة الأكل صحة البدن ودفع الأمراض، فإن سببها كثرة الأكل
وحصول فضله الأخلاط في المعدة والعروق. ثم المرض يمنع من العبادات
ويشوش القلب ويمنع من الذكر والفكر، وينغص العيش،
ويحوج إلى الفصد والحجامة والدواء والطبيب، وكل ذلك يحتاج إلى مؤن
ونفقات لا يخلو الإنسان منها بعد التعب عن أنواع من المعاصي
واقتحام الشهوات، وفي الجوع ما يمنع ذلك كله.
حكي أن الرشيد جمع أربعة أطباء:هندي، ورومي، وعراقي، وسوادي،
وقال:ليصف كل واحد منكم الدواء الذي لا داء فيه،
فقال الهندي:الدواء الذي لا داء فيه عندي هو الإهليلج الأسود،
وقال العراقي:هو حب الرشاد الأبيض، وقال الرومي:هوعندي الماء الحار،
وقال السوادي وكان أعلمهم:الإهليلج يعفص المعدة وهذا داء، وحب الرشاد
يزلق المعدة وهذا داء، والماء الحار يرخي المعدة وهذا داء، قالوا:فما عندك؟
فقال: الدواء الذي لا داء معه عندي أن لا تأكل الطعام حتى تشتهيه،
وأن ترفع يدك عنه وأنت تشتهيه، فقالوا:صدقت.