بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
( منقول عن موقع طريق الإسلام جزاهم الله خيرا )
قال الله تعالى:{وَقَالَ
رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ
عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}color=gray]]
الحمدلله رب العالمين وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء المرسلين نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأفضل التسليم.. يبدو
أن الكلام فيما يتعلق بفضائل شهر رمضان وفضائل الصيام وآداب القيام وما
أعده الله تعالى للصائمين والقائمين والمتقربين إلى الله تعالى في هذا
الشهر الكريم.. يبدو أن الكلام حول هذه المواضيع قد تكرر كثيـرا من خلال
خطب الجمعة ومن خلال ما يُلقَى في وسائل الإعلام المختلفة.. لذا
أحببت أن أتكلم في تسع أو عشر دقائق حول عبادة تكثر في هذا الشهر الكريم
سواء في صلاة التراويح، في القنوط والدعاء أو تكثر أحياناً ما بين الأذان
والإقامة وربما يقوم الناس متسحرين في آخر الليل فيكون لديهم دقائق أو
لحظات قبيل الفجر فيشتغلون بهذه العبادة التي هي الدعاء فـ لي أيها الإخوة
والأخوات أربعة مسائل لعلي أسوقها باختصار خلال هذه الدقائق.
المسألة الأولى:
أن
الدعاء عبادة عظيمة كبقية العبادات، كما أن الإنسان يحرص على صلاة الضحى،
يحرص على صلاة الليل، يحرص على قراءة القرآن الكريم كذلك الدعاء هو عبادة
يتعبد المرء بها لله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى يحب عباده الملحين
بالدعاء وكلما صار العبد أكثر تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى بهذه العبادة
صار يشعر نفسه أنه عبد مملوك للحي القيوم جل جلاله وصار يشعر فعلاً أنه
كما قال فامدد يديك بحبل الله متصلاً فإنه الركن إرخى (...) أركاني، أنت
كلما رفعت يديك إلى الله داعياً صار الله تعالى إليك أقرب وصرت أنت أيضاً
إليه أقرب.
ذكروا
أن سليمان-عليه السلام- خرج مرة مع جموع من الإنس والجن والوحوش لأجل
الإستسقاء وكانوا قد توقف عنهم المطر، في أثناء الطريق رأى سليمان-عليه
السلام- في وسط الطريق نملةً رافعة قوائمها إلى السماء وتقول: اللهم لا
تعذبنا بذنوب خلقك، رآها تدعوا الله تعالى فالتفت إلى قومه وقال: ارجعوا
لقد سقيتم بدعوة غيركم، ثم رجعوا وفعلاً نزل عليهم المطر، كان الصحابة-رضي
الله تعالى عنهم- أول ما يفكرون إذا نزلت بهم الشدائد في الدعاء.[/b]
ألم
ترى إلى ذاك الصحابي الذي أقبل والنبي-صلَ الله عليه وسلم- يخطب على
المنبر أقبل الرجل ووقف عند الباب فإذا المسجد مليء بالناس لم ينظر إلى
الناس ولم يلتفت إليهم لأمرٍ أهمه وأشغله، أخذ هذا الرجل ينظر إلى
النبي-صلَ الله عليه وسلم- فإذا هو يهز أعواد منبره ويخطب الناس بدأ يصرخ
الرجل، قال: يا رسول الله يا رسول الله، التفت النبي-صلَ الله عليه وسلم-
إليه والتفت الناس، ماذا به يصرخ بالمسجد!! ما هذا الأمر المهم جداً الذي
يجعل هذا الرجل يقطع الخطبة لأجله ولا يزال يصرخ حتى أجابه النبي-صلَ الله
عليه وسلم- وترك بقية الخطبة، قال ما بالك؟ قال: يا رسول الله هلكت الأموال
وانقطعت السبل وجاع العيال، ماذا نفعل؟ قال:فادعوا الله يغيثنا، إذا كانت
القلوب أصلاً معلقة بالدعاء كانت القلوب متصلة بهذا الدعاء ويرون أنه مفتاح
المغاليق، كلما أُغلق عليهم شيء أول ما يفكرون بفتحه في الدعاء مع بدر
الأسباب الدنيوية، قال أنس: فرفع النبي-صلَ الله عليه وسلم- يديه قال:
فنظرت إلى السماء فإذا السماء والله كمثل الزجاجة ووالله ما في السماء من
سحاب ولا من قزعة، السحاب: هو الغيم الكثير المجتمع والقزع: هو الغيم
الأسود المتفرق يقول أنس: يعني ما في أمل يطب علينا مطر، السماء كمثل
الزجاجة، الشمس ونحن في القايلة، يقول: فما هو والله إلا أن رفع النبي-صلَ
الله عليه وسلم- يديه حتى اجتمع السحاب ولم يكن تم وحتى صار السحاب كأمثال
الجبال، يقول: والله كأنها جبال تنتشر فوقنا حتى ثار السحاب كأمثال
الجبال، قال: فما خفض النبي-صلَ الله عليه وسلم- يديه إلا والمطر يتساقط من
يديه أو قال من لحيته، فاستمر عليهم المطر أسبوعاً كاملاً، يقول: حتى كان
الناس يخوضون في الماء.
قال: فلما كانت الجمعة التي بعدها أقبل الرجل وقف عند الباب، قطع الخطبة كما فعل المرة الأولى : يا
رسول الله هلكت الأموال انقطعت السبل، المرة الأولى هلكت الأموال جوعاً
وظمأً وانقطعت السبل لأن مافي مياه في وسط الطريق يستقون منها أثناء سفرهم،
فتوقفوا عن الأسفار، هذه المرة هلكت الأموال غرقاً وانقطعت السبل من كثرة
الوديان التي سالت، قال يا رسول الله: هلكت الأموال وانقطعت السبل فادعوا
الله يمسكها عنا، نحن مالنا قوة ولا لنا تحكم إلا بما يشاء الله{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:.29]
قال أنس: فرفع النبي-صلَ الله عليه وسلم- يديه ، قال:"اللهم حولينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية"([1])،
قال: وجعل النبي-صلَ الله عليه وسلم- يشير إلى السحاب فـ والله ما يشير
إلى ناحية إلا تقشعت، قال: حتى صارت المدينة في مثل الجوبة، صارت المدينة
في مثل الجزيرة التي حولها المياه.
إذاً
يا أيها الإخوة والأخوات، هذا الدعاء هو أصلاً عبادة يتعبد المرء بها لله
سبحانه وتعالى سواء كنت تحتاج إلى الدعاء أو لا تحتاج إلى الدعاء، اشتغل
بالدعاء. نحن مشكلتنا أننا أحياناً لا نفكر بالدعاء إلا إذا وقعنا في كربة،
متى يرفع الإنسان يديه؟ ومتى يدعو في سجوده؟ ومتى إذا دعى الإمام قال آمين
من قلبه؟ إذا كان واقعاً في كربة، إذا كان مثلاً لديه ولد وتعرض لحادث
سيارة وأُخذ للمستشفى وكان في غيبوبة
تجد
أنه يدعو الله وهو فعلاً مقبل بقلبه عليه، أو مثلاً لو أن عليه دين، واتصل
به صاحب الدين وهو داخل ٌإلى المسجد، قال له: إذا لم تسدد لي الدين غداً
سيكون لقاءنا في الحقوق المدنية أو سيكون لقاءنا الأسبوع القادم في
المحكمة.. تجده يرفع يديه ويدعو وهو مقبل فعلاً.
أو
إذا كان وهو خارج من بيته وقالت له زوجته أن الـ 10 آلاف التي أعطيتني
إياها لا أعلم من أخذها وسأبحث عنها إلى أن تأتي، فتجده يرفع يديه وهو صادق
يالله يا ربي يا من لا تخفى عليه خافية، اللهم يسر لها أن تجدها، أو مثلاً
لو أصيب بمرض وإن ذهب إلى المستشفى وأجريتا له التحاليل ووعدوه أن نتيجة
التحاليل ستظهر بعد أربعة أو خمسة أيام، تجده يدعو الله.. لكننا إذا كانت
الأمور طيبة علينا؛ شخص جسمه قوي والحمد لله ليس عليه دين، سيارته تمشي كما
يشاء، أولاده طائعين، وزوجته معه على الحال الذي يكون عليه ليس لديه أية
مشكلة فنحن إذا كانت أمورنا جيدة، تجد أننا في أحيان كثيرة إما نغفل عن
الدعاء أو ندعوا على سبيل التجربة أو النطق المجرد، مثلاً شخص يقول بين
الأذان والإقامة اللهم اغفر لي وارحمني، فقطع الدعاء ما أن أقاموا الصلاة
وقام يصلي دون أن يكون هناك إقبال حقيقي في قلبه ورغبة حقيقية في استجابة
هذا الدعاء.
كان
النبي-صلَ الله عليه وسلم- أيها الإخوة الكرام يدعو الله تعالى بأدعية حتى
لو أنه لم يكن بحاجة لها صحيح أنه كان يدعو على قريش يقول:"اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف" ([2])وكان
يدعو الله تعالى أن يشفي أصحابه المرضى، ويدعوا الله تعالى على الأحزاب
لما تجمعوا، ودعا الله تعالى في معركة بدر، وصحيح أنه كان يدعو في كربات
لكن حتى في غير الكربة كان يدعوا أيضاً، بماذا يدعوا؟ يقول: اشفي مرضي؟
أنا الحمدلله بخير. أقضي ديني؟ الحمدلله ليست علي ديون. أصلح لي زوجتي؟
الحمدلله زوجته صالحة. انصر أصحابي؟ هم منتصرون، إذاً ماهو الدعاء الذي يدعوا به؟ لا يدعوا بكشف كربة، بل يدعو بحفظ نعمة، يا رب لا تأخذ منا هذه النعمة..
بدلاً من أن أدعو الله وأقول اكشف مرضي، أدعو الله وأقول يا رب احفظ صحتي بما أنها موجودة.
كان الرسول-صلَ الله عليه وسلم- يدعو : "اللهم إن أعوذ بك من زوال نعمتك، وفجاءة نقمتك." ([3])
شخص تأتيه نقمةً فجأة، تكون غضب من الله أو مصيبة أو بلاء، مثلاً خرج
ابنه ليحضر خبزاً وهو بعافية وصدمته سيارة وبقي مشلولاً شللاً رباعياً طوال
حياته، هذه نقمة أو أي مصيبة جاءت عليه-بصرف النظر هل هذه مصيبة عقوبة أم
لا- لكن بمجرد أن تأتيه تكون مصيبة.
اللهم
أني أعوذ بك من زوال نعمتك وفجاءة نقمتك وتحول عافيتك، العافية التي
أعطيتني إياها في بدني، في رزقي، في سمعتي؛ الحمد لله أنني بعافية لم
تفضحني ولا أوقعت علي مصيبة تفضحني أنا وبناتي ولا أبنائي، ولا وحدة من
بناتي قبض عليها في هيئة، ولا واحد من أبنائي اِبتُلي بمخدرات أو بلاء،
أعوذ بك ربي، هذه العافية التي أعيش بها لا أريدك يا ربي أن تنزعها مني
وتعطيها غيري، اتركها يا ربي عندي، أعوذ بك من زوال نعمتك وفجاءة نقمتك
وتحول عافيتك وجميع سخطك.
أرأيت
كيف أن هذا الدعاء جميل؟، وجميع سخطك، أهم شيء هو أن يبقى هذا القلب
متصلاً بالله سبحانه وتعالى وأهم شيء أيضاً أن الله تعالى كلما نظر إلى
عباده الضعفاء المساكين يجدك من بينهم رافعاً يديك، لا تكون مثل الشخص الذي
يكون عند ملك من الملوك يتقرب إليه ويتبادل الحديث معه، ويخدمه فإذا أعجب
به الملك وكان راتبه مثلا 3 آلاف ريال وهو دائماً عند هذا الملك، يتلطف معه
بالعبارة وينظر إلى ما يريده ويقدمه له وإذا في يوم من الأيام أعجب به هذا
الملك وأعطاه شيك بـ 10 ملايين وأعطاه قصر بقيمة 5 ملايين، ثم بعد ذلك لا
يراه، يندم هذا الملك يقول والله لو علمنا لما أعطيناه النعم هذه كلها، كنا
سنتركه ذليل عندنا، انتبه أنت تتعامل مع الله بمثل هذا التعامل، أريدك
مهما وسع الله عليك في النعمة يراك ذليلاً بين يديه ، وكل ما زاد عليك
النعمة تنطرح أشد إنطراح بين يديه، ويراك الله تعالى تبكي مع الباكين،
تدعوا مع الداعين، يراك ضعيفاً مع الضعفاء، مسكينٌ مع المساكين إذا رآك
الله تعالى بهذا الحال أصبحت قريباً من الله سبحانه وتعالى متعبداً إليه،
هذه هي النقطة الأولى وهي مهمة يا إخواني.. أن الإنسان يعلم أن الدعاء
عبادة يتعبد لله تعالى بها سواء كنت تحتاج إلى رفع نقمة أو لا تحتاج إلى
ذلك.
المسألة الثانية:
لا ينبغي أن نستعجل بإجابة الدعاء، يقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: "يستجاب لأحدكم مالم يستعجل أو قال مالم يعجل قالوا يا رسول الله كيف يعجل؟ بمعنى أن يقول اغفر لي اغفر لي اغفرلي؟ هل هذه هي العجلة؟ كيف يعجل؟ قال: يقول العبد دعوت و دعوت ودعوت فلم أرى يُستجاب لي قال: فيترك الدعاء." ([4])
وبعض الناس على مثل هذا الحال يكون لديه فرضاً ولد مريض أو عليه دين فتجده
أول ما يمرض ولده ويُنوم في المستشفى فَرَضَاً ، أو يصاب بغيبوبة تجده
يرفع يديه، يالله يارب تشفيه، دعى الأسبوع الأول كاملاً، فلم يشفى الولد،
دعا الأسبوع الثاني كاملاً فلم يشفى الولد، يبدأ معدل الدعاء عنده بالنزول ،
لماذا؟ لأنه لم يرى أنه يستجاب له فيترك الدعاء، فيكون قد استعجل. قد يسأل
بعضكم لماذا رب العالمين يؤخر الإجابة عن العبد، بما أن رب العالمين قال:{وَقَالَ
رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ
عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر: 60] قال استجب لكم مباشرةً لم يقل سوف، بل قال أستجب ، أبناء يعقوب عليه السلام، لما قالوا يا أبانا {قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} [يوسف: 11] لم يستغفر لهم على مباشر ، لا بل قال:{قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يوسف: 98]
انظر إلى البشر مع أنه مباشرة قال لما أقوم بالليل سأدعي لكم، سوف أستغفر
لكم، هل تضمن يا نبي الله أن تعيش إلى الليل، قال سوف أستغفر لكم ربي، أما
الله فـلا.
لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يُسأل يغضب
الله
كلما دعوته يزداد لك حباً، ونحن كلما جاء الإنسان وطلب شيئاً، ازدننا له
بغضاً، عندما تطرق الباب على ناس وتطلب منهم شيئاً ربما يعطوك اياها أول
يوم ثاني يوم، ثالث يوم لا يفتحون لك الباب أو يقولون ليس موجود. بني آدم
حين يسأل يغضب، أما الله فيختلف جل جلاله لأنه الخالق سبحانه وتعالى، لماذا
يؤخر الله تعالى الإجابة مع قوله:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [البقرة: ،، {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} [الأعراف 180][الأعراف 180]180][: ]
نوح عليه السلام دعا الله بثلاث كلمات: ربي إني مغلوب فانتصر، فقط ما
نتيجتها؟ اهتزت السماء واهتزت الأرض وتغير نظام الكون بثلاث كلمات: إني
مغلوب فانتصر.{فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ}: ،[الكهف33]وبدأ الناس يغرقون وأناس يموتون وأناس يركبون مع نوح وتدمرت الدنيا كلها بثلاث كلمات إني مغلوب فانتصر، فقط!.
لوط
عليه السلام دعا على قومه، شعيب عليه السلام دعا على قومه، انظر إلى هذا
الدعاء كيف أن العبد يهز به أبوب السماء،ويبقى السؤال يطرح نفسه لماذا يؤخر
الله أحياناً إجابة الدعاء؟ يقول النبي-صلى الله عليه وسلم-:"إن الله ليؤخر الإجابة عن العبد لما يسمع من حسن تضرعه".([5])مثلاً
شخص عليه دين تجده يقول يا رب يا غني يا غني سبحانك يا من لا تحتاج إلى
معين، يثني يا غني يا كريم أنا عبدك أنا المسكين وأنا الفقير وأنت الغني،
يا رب يسر لي قضاء ديّني، لو أن الله يسر له قضاء دينه مباشرة لأوقف
الدعاء، والله تعالى يريد أن يسمع المناجاة الجميلة فيؤخر الإجابة قليلاً،
يأتي في اليوم التالي يدعو بنفس الدعاء واليوم الذي بعده يدعوا بنفس
الدعاء، هذا العبد أحياناً يغضب يقول لم يُستجب لي الله، لم يستجب لك الله
لأنه لمصلحتك.
لكن
انتبه لفترة هذا الدعاء، تعجلاً بذلك يا إخواني موسى-عليه السلام- لما دعا
على فرعون، لاحظ أن الذي يدعو نبي والذي يؤمن أيضاً نبي موسى يدعو
وهارون-عليه السلام- يؤمن وكلهم أنبياء، والدعاء ليس على شارب خمر ولا على
مغتصب ولا على واحد قاتل ولا على مبتدع ولا على مشرك عبد أصناماً لا بل
على واحد لم يترك كفر أعظم إلا وفعله،، قال:{فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [الأنبياء: .
حتى
إبليس لم يقلها! إبليس الشركي، هذا يعني أن فرعون أكبر من إبليس، الشرك
الذي فعله إبليس-خلقتني من نار وخلقته من طين- شرك الطاعة، لن أطيعك صار
مشركاً لعنه الله، لكن فرعون تعدى هذه المرحلة أتى بشيء أعظم وأعظم، قال:{فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [الأنبياء: 92].
عبارة حتى إبليس لم يقلها، ومع ذلك موسى-عليه السلام- يدعوا على هذا الفاجر الزنديق تخيل موسىوهو هاربٌ من فرعون وفرعون يقتل السحرة ويدور الموتى وموسى مختبئ يقول:{وَقَالَ
مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً
وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن
سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى
قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ}[يونس: 88]
لك أن تتخيل موسى وهو ينتفض قهراً من فرعون الذي يقتل الأطفال ويرمل
النساء ويستحي النساء ويستعبد الناس وواقف ويقول أنا ربكم الأعلى{فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} [القصص: 38]
كفر
أعوذ بالله، وهو يدعوا عليه، ربنا اطمس على أموالهم وهارون يقول: آمين،
قال: واشدُد على قلوبهم، قال هارون: آمين ، قال: فلا يؤمنوا حتى يروا
العذاب الأليم قال: هارون آمـين، عندما نظر الله إلى هاتين اليدين تنتفضان
وإلى هارون يؤمن وموسى يدعوا، نبي مع نبي ويدعون على فاجر وما ترك كفراً
إلا وفعله فرعون ، قال الله مباشرة: {قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا} [يونس: 89].
موسى
دعى على فرعون، أتعلم متى نزل العذاب فعلاً؟ الله قال: قد أجيبت دعوتكما،
انتهينا.. يا موسى اطمئن، الدعاء الذي دعوته لقد استجبته انتهى الموضوع لا
تنشغل استجاب الله، تتوقع يا هارون استجاب الله أم لم يستجب، قال لك الله
استجبت انتهينا. أتعلم متى نزلت استجابة الدعاء؟ يقول ابن كثير ولم ينزل
العذاب على فرعون إلا بعد أربعين سنة!!. أرأيتم؟ لماذا نحن نقول يا رب
أنزله الآن لا بل أنزله غداً يا رب أعطنا فرصة أسبوع. لا لا لست أنت الذي
تتحكم، أنت عليك أن تدعو الله و الله-عز وجل سبحانه وتعالى- أعلم متى ينزل
العذاب ومقدار هذا العذاب وكيف يكون هذا العذاب، هذا إلى الله سبحانه
وتعالى.
لذلك
الغلام في قصص أصحاب الأخدود لما دعى الله قال: اللهم اسقنيهم بما شئت. لم
يقل اللهم غرق ثلاثة منهم وأربعة يقعون على رؤوسهم وستة يتطاعنون وسبعة...
لا! لا يتحكم، الله عز وجل أعلم. وعندما جاءوا ليلقوه في البحر رفع الغلام
يديه:[ اللهم اكفينهم بما شئت] قال فغرقوا، ولما صعدوا به الجبل ليطرحوه
من فوق الجبل رفع يديه وقال:[اللهم اكفينهم بما شئت]، الله تعالى أعلم كيف
يعذبهم.
[size=29]لذلك ذكر أهل العلم أن من الاعتداء بالدعاء كما قال الله:{ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: .
قالوا
من الاعتداء بالدعاء أنك تتحكم، مثل ما مر أحد السلف بولده، وسمع ولده
يدعوا فإذا الولد يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الداخل إلى
الجنة، أنت (...) من رب العالمين القصر الذي يعطيك إياه ، اللهم إني أسألك
القصر الأبيض عن يمين .. لا أريد الذي على اليسار لا بل الذي على يمين
الداخل إلى الجنة، فقام أبوه وقطع-أبوه رجل صالح من الصحابة- قال: يا بني
والله لقد دعوت مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فلم أسمعه يدعوا هذا
الدعاء إن الله لا يحب المعتدين في الدعاء، يا بني ادعوا الله أن يدخلك
الجنة فإذا دخلتها فلك ما تشاء فيها، لا أن تتحكم وتقول اللهم افعل كذا
وكذا، لذلك ينبغي علينا نحن أيضاً أن نتأدب حتى في العبارة وأن لا نستعجل،
اُدعُ الله تعالى و الله تعالى لا يضيع دعاء.
المسألة الثالثة:
ولعلي
أختم بها.. أن النبي-صلى الله عليه وسلم- ذكر أنه ما من داعٍ يدعو إلا
آتاه الله بها إحدى ثلاث، هذه قاعدة، حديث رواه الترمذي وهو حديث صحيح.
ما من داعٍ يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله تعالى بها إحدى ثلاث، يعطيك إحدى ثلاثة أشياء، قال: إما أن يستجيب له في الدنيا، اشفي ولدي، وبعدها بساعات أو بيوم يومين قام الولد وليس به إلا العافية.
إما أن يستجيب له في الدنيا وإما أن يدفع عنه من الشر بها،
كيف؟ تكون أنت قد رفعت يديك اللهم اشفي ولدي اللهم اشفي ولدي مثلاً ويكون
الله تعالى قد قدر أن يزيد المرض فيموت الولد فتدعوا الله فيرتفع دعاءك
وينزل القدر ، جاء في الحديث قال: فيعتركان أو فيعتلجان، فيبدون يتخاصمون لا هذا يرتفع ولا هذا ينزل
فأنت الآن دعوت ولا رأيت ولدك قد شفي فتقول لم استفدت من الدعاء، بل
استفدت لكنك لا تعلم، لو لم تدعو لنزل الموت على الولد ولو لم تدعوا أن
يقضي الله دينك صحيح دينك لم يقضى لكن لو لم تدعو لا زاد الدين وذهب صاحب
الدين واشتكاك في المحكمة وسجنت أو لكان فضحك عند أهلك وعند أبيك وإخوانك و
يقاضيك ، أنت حقيقة استفدت من الدعاء لكن ينبغي أن لا تظن أن الدعاء لم
ينفعك. قال إما أن يستجيب له مباشرة ، أو أن يدفع عنه من الشر بها.
الثالثة: شخص دعا اشفي ولدي ومات الولد يعني لم يستفد من الدعاء لا استُجيب الدعاء ولا خفف،و مات الولد ما أعظم من الموت؟ قال: وإما أن يؤخرها له إلى يوم القيامة فيؤتيه بها حسنات"([6])
نحن نتعامل مع ملك سبحانه وتعالى لا تكبر عليه حاجة أن يقضيها ولا تكبر
عليه مصيبة أن يرفعها و لا تلتبس عليه اللغات ولا يتبرم بكثرة الحاجات ولا
يبخل بكثرة الأعطيات وليس سائلاً في أعطياتك هل تكلف على ملكه جل جلاله
شيئاً؟
يقول-صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: الذي رواه مسلم في حديث أبي ذر يقول: "قال الله تعالى: (يا عبادي لو أن أولكم-لاحظ أولكممن عهد آدم يعني آدم نفسه- وآخركم -إلى قيام الساعة-لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم،-الجن؟ نعم الجن، الجن خلقوا قبل الإنس يعني انظر الآن لما خلق آدم كان هناك جن أساساً، لذلك لما قال الله تعالى:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء} [البقرة: لماذا؟ لأن الجن سكنوا الأرض قبلنا فسفكوا الدماء فلاحظ
لو أن أولكم وآخركم وإنسكم كلهم وجنكم قاموا في صعيدٍ واحد
يعني انظر مثل أن يأتيك شخص مجنون مثلاً ويشرح موضوع لشخص أصم لا هذا
يستطيع أن يشرح ولا ذاك يمكن أنه يسمعه، فتخيل زكريا الآن هناك أربعة أشياء
تجعله يستبعد أن يستجاب الدعاء ذكر رحمة ربك عبده زكريا، ما هي الأشياء
الأربعة؟ إذ نادى ربه نداءً خفيا، يستحي أن يدعو أمام الناس ارزقني أولاد!
لا زوجتك تستطيع أن تلد ولا أنت ممكن أن يكون لديك أولاد، أنت عمرك فوق
المائة سنة!! مثل ما قالوا عنين ينكح عاقراً كيف يكون لديك أولاد ومع ذلك
عندما دعى نادى ربه نداءً خفيا هذا أول شيء يجعله يستبعد هو نفسه أن يستجاب
دعاءه، قال: ربي إني وهن، وليس لديه قوة في جسمه كيف يكون لديك أولاد،
قال: إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً، (...) خفيا، وهن، اشتعل، ولم
أكن بدعائك ربي شقيا وإني خفت{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي}: ].
يأتيني
خوف وأنا كبير ويضيق صدري وتتغير نفسيتي، خفت الموالي من ورائي وأتى
بالرابعة التي هي أعظم وأعظم وكانت امرأتي عاقراً، ماذا تريد؟ يا الله حسن
الخاتمة! لا! أريد أولاد، زكريا كيف يكون لديك أولاد وامرأتك عاقر ورأسك
اشتعل فيه الشيب والعظم وهن، وأنت تدعوا كيف نعطيك أولاد؟! لو قال اغفر لي
يا الله حسن الخاتمة ممكن{فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً}[مريم: فإذا بالله تعالى ينادي زكريا {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ}: رجل عجوز محدب واقفٌ في المحراب، العظم قد وهن والشعر اشتعل شيباً ولحيته بيضاء وشعره أبيض ويدعو الله وهو قائم{[آل عمران39][آل عمران40] 1014
([2]) لعل الحديث : "اللهم اجعلها سنين كسني يوسف" - الراوي: أبو هريرة - المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3386
([3])لعل الحديث : اللهم إني أعوذ بك منزوالنعمتك، وتحول عافيتك ، وفجاءة نقمتك - الراوي: عبدالله بن عمرالمحدث:هذا حاجته وأخرها ، فإني أحب أن لا أزال أسمع صوته ، وإن العبد ليدعو اللهفإني أكره أن أسمع صوتهالراوي:- الألباني - المصدر: السلسلة الضعيفة - الصفحة أو الرقم: 2296خلاصة حكم المحدث:مسألته . ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر- الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2577
([8])لعل
الحديث : قال الله عز وجل : أنفق أنفق عليك ، وقال : يد الله ملأى لا
تغيضها نفقة ، سحاء الليل والنهار . وقال : أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء
والأرض فإنه لم يغض ما في يده ، وكان عرشه على الماء ، وبيده الميزان يخفض
ويرفع - الراوي: أبو هريرة - المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4684
[size=22]([9]) الراوي: جابر بن عبدالله -المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 2502خلاصة حكم المحدث: