شنكوتى عضو نشيط
عدد المساهمات : 570 تاريخ التسجيل : 27/02/2011
| موضوع: التسويف بالتوبة الثلاثاء 26 يونيو - 9:37 | |
| التسويف بالتوبة
كثرة الذنوب تضعف القلب عن إرادته، فتقوي إرادة المعصية وتضعف إرادة التوبة شيئا فشيئا، إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية، فلو مات نصفه تاب إلى الله، فيأتي بالاستغفار وتوبة الكذابين باللسان بشيء كثير وقلبه معقود بالمعصية، مصر عليها، عازم على مواقعتها متى أمكنه، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك .(1) التوبة (2) التوبة: هي رجوع العبد إلى الله ومفارقته لصراط المغضوب عليهم والضالين، وذلك لا يحصل إلا بهداية الله إلى الصراط المستقيم ولا يحصل هدايته إلا بإعانته وتوحيده ... فإن الهداية التامة إلى الصراط المستقيم لا تكون مع الجهل بالذنوب ولا مع الإصرار عليها فإن الأول جهل ينافي معرفة الهدى والثاني غي ينافي قصده وإرادته، فلذلك لا تصح التوبة إلا بعد معرفة الذنب والاعتراف به وطلب التخلص من سوء عواقبه أولا وآخرا . الاعتصام بالله ... فإن العبد لو اعتصم بالله لما خرج عن هداية الطاعة، قال تعالى: {وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101] فلو كملت عصمته بالله لم يخذله أبدًا، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الحج:78] أي من اعتصم به تولاكم ونصركم على أنفسكم وعلى الشيطان، وهما العدوان اللذان لا يفارقان العبد،، وعداوتهما أصر من عداوة العدو الخارج فالنصر على هذا العدو أهم، والعبد إليه أحوج، وكمال النصرة على العدو بحسب كما الاعتصام بالله ونقص هذا الاعتصام يؤدي إلى الانخلاع من عصمة الله وهو حقيقة الخذلان ، فما خلى الله بينك وبين الذنب إلا بعد أن خذلك وخلى بينك وبين نفسك ولو عصمك ووفقك لما وجد الذنب إليك سبيلاً
حقيقة التوبة: هي الندم على ما سلف منه في الماضي، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على أن لا يعاوده في المستقبل . ومن اتهام التوبة: طمأنينته ووثوقه من نفسه بأنه قد تاب، حتى كأنه قد أعطي منشورا بالأمان، هذا من علامات التهمة . ومن علاماتها: جمود العينين واستمرار الغفلة وأن لا يستحدث بعد التوبة أعمالا صالحة لم تكن قبل الخطيئة
التوبة المقبولة الصحيحة لها علامات:
منها: أن يكون بعد التوبة خيرًا مما كان عليه قبلها . ومنها: أنه لا يزال الخوف مصاحبا له لا يأمن مكر الله طرفة عين، فخوفه مستمر إلى أن يسمع قول الرسل {أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت:3] فهناك يزول لخوف. ومنها: انخلاع قلبه وتقطعه ندما وخوفا، وهذا على قدر عظم الجناية وصغرها، وهذا تأويل ابن عيينه لقوله تعالى {لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } [التوبة :110] قال:... تقطعها التوبة ولا ريب أن الخوف الشديد من العقوبة العظيمة يوجب انصداع القلب وانخلاعه وهذا هو تقطعه وهذا حقيقة التوبة لأن يتقطع قلبه حسرة على ما فرط منه وخوفا من سوء عاقبته ومن لم يتقطع قلبه في الدنيا على ما فرط حسرة وخوفا تقطع في الآخرة
العبد إما تائب وإما ظالم :
قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور:31] وهذه الآية سورة مدنية،، خاطب الله بها أهل الإيمان وخيار خلقه أن يتوبوا إليه بعد إيمانهم وصبرهم وهجرتهم وجهادهم ثم علق الفلاح بالتوبة تعليق المسبب بسببه، وأتى بأداة " لعل " المشعرة بالترجي ، إيذانا بأنكم إن تبتم كنتم على رجاء الفلاح فلا يرجو الفلاح إلا التائبون ، جعلنا الله منهم . وقال تعالى {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }[الحجرات:11] قسم العباد إلى تائب وظالم، ومن ثم قسم الثالث ألبته، وأوقع اسم " الظالم" على من لم يتب ولا أظلم منه لجهله بربه وبحقه وبعيب نفسه وآفات أعماله .
الفطرة تأبى القبائح:
ذكر أن ذلك من لطائف التوبة، قال: أن يرى التائب قبح ما نهي الله عنه، وحسن ما أمر به وأنه كان مفسدا حين ركب ما نهاه الله تعالى عنه مفوتا لمصلحة حين قصر في تنفيذ ما أراده الله منه وأن الله تعالى ما نهى إلا عن أمر قبيح بالذات وما أمر إلا بأمر حسن الذات فإن الله سبحانه فطر عباده على استحسان الصدق والعدل والعفة والإحسان ومقابلة النعم بالشكر وفطرهم على استقباح أضدادها .... ولهذا قيل لبعض الأعراب وقد أسلم ، لما عرف دعوته صلى الله عليه وسلم عن أي شيء أسلمت ؟ وما رأيت منه ما دلك على أنه رسول الله ؟ قال " ما أمرني بشئ فقال العقل : ليته نهى عنه ولا نهى عن شيء فقال العقل: ليته لأمر به، ولا أحل شيء فقال العقل: ليته حرمه ولا حرم شيء فقال العقل: ليته أباحه". فانظر إلى هذا الأعرابي وصحة عقله وفطرته وقوة إيمانه واستدلاله على صحة دعوته بمطابقة أمره لكل ما هو حسن في العقل قال تعالى:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون:115] وأي لغير شيء, لا تؤمرون ولا تنهون ولا تثابون ولا تعاقبون والعبث قبيح, فدل على أن قبح هذا مستقر في الفطر والعقول ولذلك أنكره عليهم انكارا منبه لهم على الرجوع إلى عقولهم وفطرهم... قال تعالى : {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ }[الجاثية:21] فأنكر سبحانه هذا الحسبان إنكارا منبه للعقل على قبحه وأنه سيء والحاكم به مسيء ظالم وكذلك قوله:{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ }[ص:28] وهذا استفهام انكاره، يدل على أن هذا قبيح في نفسه، منكر تنكره العقول والفطر. ولذلك اعترفوا في النار بأنهم لم يكونوا من أهل السمع والعقل وأنهم لو رجعوا إلأى أسماعهم وعقولهم لعلموا حسن ما جاءت به الرسل وقبح مخالفتهم . قال تعالى حاكيًا عنهم:{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:11] وكم يقول لهم في كتابه :" أفلا تعقلون" " لعلكم تعقلون " فينبههم على ما في عقولهم وفطرهم من الحسن والقبح ويحتج عليهم بها ويخبر أنه أعطاهموها لينتفعوا بها ويميزوا بها بين الحسن والقبيح والحق والباطل . [/center]
[center]
من أحكام التوبة :
أن المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور ولا يجوز تأخيرها، فمتى أخرها عصى بالـخير , فإن تاب من الذنب بقى عليه توبة أخرى, وهي توبته من تأخير التوبة , قبل أن تخطر هذه ببال التائب ، بل عنده أنه إذا تاب من الذنب لم يبق عليه شيء آخر وقدبقى عليه التوبة من تأخير التوبة ، ولا ينجي من هذه إلا توبة عامة مما لا يعلن من ذنوبه ومما لا يعلم ....انتهي . أعلم أيها المسرف أن سر هذا المرض هو الغفلة عن تدبر قوله تعالى:{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}[ (1) الداء والدواء للعلامة ابن القيم (ص: 74 )
[center]لقمان : 34] فمتى أيقن العبد أنه لا يعلم كيف وأين ومتى ينقضي الأجل , بادر بالتوبة وحمد الله على أنه مازال بعمره بقية للرجوع والإقلاع عن الذنوب والمعاصي ظاهرا وباطنا، والله المستعان .
(2) ملتقطا من تهذيب المدارج لإبن القيم (ص : 121) وما بعدها بإختصار وتصرف.
| |
|