منزلة الصيام
إن من أعظم العبادات التي بين العبد وربه جل وعلا الصوم، لأنه
عبادة سرية لا يعلمها إلا الله، ولذلك فإن الأجر عليها ليس له حد معين
وإنما الجزاء عليه اختص الله به بنفسه كما قال تعالى في الحديث القدسي: { الصوم لي وأنا أجزي به } [رواه البخاري ومسلم] وبما أن الصوم من أحب الأعمال إلى الله جعله الله ركناً من أركان الإسلام التي يقوم عليها كما قال
: {
بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع
إلى ذلك سبيلاً } [رواه البخاري ومسلم].
الأصل في فرضية الصوم ووجوبه:
لا شك أن صوم رمضان فريضة من فرائض الله وحق من حقوقه جل وعلا على عباده ولذلك قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا
كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
[البقرة:183].
ومعنى
كُتِبَ عَلَيْكُمُ
: فرض عليكم، وقال تعالى:
فمن شهد منكم الشهر فليصمه
[البقرة:185]، فأمر بصيامه لمن تبين له دخول شهر رمضان.
على من يجب صوم شهر رمضان:
يجب على المسلم البالغ العاقل المقيم القادر الخالي من الموانع.
1- يجب على المسلم ولا يجب على الكافر حتى يدخل الإسلام.
2- يجب على البالغ ولا يجب على الصغير.
3- يجب على العاقل ولا يجب على المجنون.
4- يجب على المقيم ولا يجب على المسافر.
5- يجب على القادر ولا يجب على غير القادر لمرض أو كبر ونحو ذلك.
6- يجب على المرأة الخالية من الموانع ( الحيض والنفاس ).
الحكمة من مشروعية الصوم:
الحكمة هي تقوى الله جل وعلا وكما عرف التقوى ابن مسعود
الصحابي الجليل فقال: ( تقوى الله هي أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى
وأن يشكر فلا يكفر. والصائم إذ يمنع نفسه من الحلال من الأكل والشراب
والجماع من الفجر إلى المغرب طاعة لله سبحانه وتعالى، طلباً للأجر والثواب
).
فمن باب أولى ان يمنع نفسه من الحرام في جميع الشهور والأيام طاعة
لله وخوفاً من أليم عقابه، وعلى هذا يكون قد عوّد نفسه على ان يمنعها ليجعل
له وقاية من سخط الله، ولهذا قال تعالى في نهاية آية الصوم:
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
.
فضل الصيام:
عن أبي سعيد
قال: قال رسول الله
: { ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً } [رواه البخاري ومسلم].
فضل صيام شهر رمضان المبارك:
عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله
: { إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين } [رواه البخاري ومسلم].
وعنه أيضاً أن رسول الله
قال: { إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن } وقال ابن خزيمة: ( الشياطين: مردة الجن، بغير واو ) {
وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها
باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من
النار وذلك كل ليلة } [صحيح الترغيب والترهيب].
وعن أبي هريرة
عن النبي
قال: { من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } [رواه البخاري ومسلم].
معنى إيماناً واحتساباً:
قال الخطابي رحمه الله: ( قوله { إيماناً واحتساباً }
أي نية وعزيمة وهو أن يصومه على التصديق والرغبة في ثوابه، طيبة به نفسه،
غير كاره له، ولا مستثقل لصيامه، ولا مستطيل لأيامه، لكن يغتنم طول أيامه
لعظم الثواب ).
وقال البغوي رحمه الله: ( قوله: { احتساباً } أي طلباً لوجه الله تعالى وثوابه ).
عقوبة من أفطر في شيء من شهر رمضان من غير عذر:
عن أبي أمامة الباهلي
قال: سمعت رسول الله
يقول: {
بينما أنا نائم أتاني رجلان، فأخذا بضبعي (أي وسط عضدي) فأتيا بي جبلاً
وعراً فقالا: اصعد. فقلت: إني لا أطيقه. فقال: إنا سنسهله لك. فصعدت، حتى
إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة قلت ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا
عواء أهل النار ثم انطلق بي، فإذا أنا بقوم ملقين بعراقبهم، مشققة أشداقهم
تسيل أشداقهم دما. قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: الذي يفطرون قبل تحلة صومهم.. } [صحيح الترغيب والترهيب:991].
من خصائص شهر رمضان المبارك:
1- نزول القرآن فيه:
قال تعالى:
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ
[البقرة:185].
وذكر ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن القرآن نزل
جملة واحدة الى بيت العزة من السماء الدنيا وكان ذلك في شهر رمضان في ليلة
القدر ثم نزل بعده مفرقا حسب الوقائع على رسول الله
.
وفي هذا الشهر المبارك ينبغي للمسلم أن يهتم بقراءة القرآن وأن يستغل وقته
في فهمه، ويحاول أن يختمه بتدير وخشوع، وأن يعمل بما في آياته ملتزما
بالحلال مبتعدا عن الحرام، ولو أن المسلم وضع له برنامجا في شهر رمضان لحفظ
جزء أو جزئين من القرآن لكان ذلك خيرا عظيما وفضلا كبيرا يخرج به من هذا
الشهر المبارك.
ولا شك أن القرآن الكريم يشفع لصاحبه الذي يستقيم على تلاوته والعمل به كما قال الرسول
:"
الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي ربّ إني منعته
الطعام والشراب بالناهر فشفعني فيه، يقول القرآن: ربّ منعته النوم بالليل
فشفعني. فيشفعان" [صحيح الجامع 3882].
وفي حديث آخر قال
:" اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه" [ رواه مسلم].
وفي قراءة القرآن حسنات كثيرة على عدد الأحرف التي يقرؤها القارئ وفي هذا يقول الرسول
:"
من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول: الم
حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف" [ رواه الترمذي وقال حديث حسن
صحيح].
ولذلك كان السلف رضي الله عنهم من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان
ينشغلون بالقرآن إذا جاءهم شهر رمضان ويتركون ما سواه.
ب. ليلة القدر ليلة مباركة وهي من أعظم الليالي عند الله تبارك وتعالى،
ولذلك أنزل فيها القرآن جملة واحدة كما قال تعالى:
إنا أنزلناه في ليلة مباركة
[ الدخان:2].
وقال:
إنا أنزلناه في ليلة القدر
[ القدر: 1].
2. العمل فيها خير من عمل ألف شهر قال تعالى:{ ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزّل الملائكة والروح فيها} وهذا القول بانها: أفضل من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، هو اختيار ابن جرير وهو الصواب، كما قال ابن كثير في تفسيره.
3. يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها.
4. ثواب المغفرة والرحمة لمن احتسب قيامها كما قال
:" من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" [ رواه البخاري ومسلم].
5. هي في ليالي الوتر من العشر الأواخر قال رسول الله
:" تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" [ رواه البخاري].
6. أفضل الدعاء في ليلة القدر هو ما سألت عنه أم المؤمنين العابدة الزاهدة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما: عائشة زوجة النبي
حيث قالت: قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ما أقول فيها؟
قالأ: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" [ رواه الترمذي وقال حديث
حسن صحيح].
مفسدات الصوم:
أولا: الأكل والشرب عمدا: إذا أكل الصائم أو شرب متعمدا فإن صومه
قد فسد وعليه القضاء وهو آثم لأنه ترك واجبا وهو الصوم، ولا فرق في أن يصل
الطعام والشراب عن طريق الفم أو عن طريق الأنف وذلك لقول النبي
:" بالغ في الاستنشاق إلا ان تكون صائما" [ رواه أحمد وأصحاب السنن وسنده صحيح].
وهذا يدل على أن ما دخل الى الجوف من الأنف كالذي دخل من الفم.
ثانيا: الجماع في النهار: إذا جامع الرجل زوجته في نهار رمضان فقد
فسد صومه وهو آثم وعليه القضاء عن ذلك اليوم والكفارة المغلظة وهي عتق رقبة
فإن لم يجد فصيام شهريت متتابعبن فإن لم يستطع صيام شهرين متتابعين اطعم
ستين مسكينا.
ودليل أن الجماع يفسد الصوم قوله تعالى:{ أحل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم}
[ البقرة: 187].
والرفث في هذه الآية: هو الجماع كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره. ففي هذه
الآية ذكر الله تعالى إحلال الرفث يعني الجماع بالليل دليل على أنه بالنهار
حرام ولا يجوز فعله للصائم لأنه يفسد صومه. وقوله تعالى أيضا في نفس
الآية:{ فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب الله
لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم
أتموا الصيام الى الليل} فقوله تعالى:{ فالآن باشروهنّ} أي جامعوهنّ في الليل { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} بمعنى أن الجماع والآكل والشرب مباح الى حين يتبين طلوع الفجر أي الأذان الثاني.
ثالثا: إنزل المني باختياره بتقبيل أو لمس أو استمناء "العادة
السرية" أو غير ذلك فإنه مفسد الصوم لأن هذا من الشهوة التي لا يكون الصوم
إلا باجتنابها، وعليه القضاء. أما إن قبل أو لمس بدون إنزال فلا يفطر لكن
إن كان الصائم يخشى على نفسه من الإنزال بالتقبيل ونحوه أو من التدرج بذلك
الى الجماع لعدم استطاعته على كبح شهوته فإن التقبيل ونحوه يحرم حينئذ سدا
للذريعة وحفاظا على صومه.
أما بالإنزال باحتلام أو بتفكير مجرد من العمل فلا بفطر، لأن الاحتلام بغير
اختيار الصائم والتفكير معفو عنه إن شاء الله [ مجالس رمضان لابن عثيمين
حفظه الله].
رابعا: الإبر المغذية وحقن الدم في الصائم بحيث يستغني بها عن الأكل
والشرب فإنها تفطر. أما الإبر العلاجية غير المغذية فإنه لا تفطر لكن
تأخير ذلك الى الليل أولى وأحوط إذا تيسر ذلك لقول الرسول
:"
دع ما يريبك الى ما لا يريبك" [ رسالتان في الصيام والزكاة للعلامة ابن
باز رحمه الله].
يقول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله مفتي المملكة سابقا:
(.. والذي يظهر لنا أن إبرة الوريد تفسد الصوم لتحقيق دخول مادتها الى
مستعملها. وقد صرح الفقهاء رحمهم الله بفساد صيام من أدخل الى جوفه شيئا من
أي موضع كان..) [ من فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم ج 4 ص 189 نقلا
من كتاب الصيام للدكتور عبدالله محمد الطيار].
خامسا: الحجامة: إذا أخرج الصائم الدم بإختياره فإنه يفطر وذلك لما رواه شداد بن أوس قال: قال النبي
:"
أفطر الحاجم والمحجوم" [ رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم].
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية أن الترمذي قال سألت البخاري فقال: ليس في
هذا الباب أصح من حديث شداد بن أوس. وعلى هذا فإن إخراج الدم بالحجامة أو
الفصد أو السحب للتبرع به لمريض بحاجة ماسة إليه، فإن إخراجه يضعف البدن،
لذلك فإن الصائم يفطر ذلك اليوم ويقضيه ولو أخر الحجامة ونحو ذلك الى
الليل.. لكان أفضل وأولى إن كان في غير ضرر.
وقال بعض اهل العلمأن حديث " أفطر الحاجم والمحجوم" منسوخ بما روى
البخاري:" عن ابن عباس ان النبي
احتجم وهو صائم" ( الإرواء: ج4 ص 75]، وعلى هذا القول فالحجامة لا تفطر والله أعلم.
أما تحليل الدم أو الرعاف أو خلع الضرس أو جرح في البدن أو ما شابه ذلك فإنه لا يفطر.
سادسا: خروج دم الحيض والنفاس: إذا رأت المرأة الصائمة دم الحيض أو
النفاس ولو قبل المغرب بدقائق قليلة فقد فسد صومها في ذلك اليوم وعليها
القضاء." وذلك لما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت كنا
نحيض على عهد رسول الله
فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" [ رواه البخاري].
سابعا: التقيء عمدا: من تعمد القيء فسد صومه وعليه القضاء. وتعمد
القيء هو أن يستخرج ما في المعدة من طعام وشراب عن طريق الفم بأي طريقة. (
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كما أنه بأي وجه أخرج القيء أفطر
سواء جذب القيء بإدخال يده أو يشم ما يقيئه أو وضع يده تحت بطنه واستخراج
القيء فتلك طرق لاستخراج القيء).
أما من غلبه القيء وخرج بغير تعمد فإنه لا يفطر وذلك لقول الرسول
:"
من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض" [ رواه الترمذي وأبو داود
وابن ماجه وأحمد وسنده صحيح كما قال شيخ الإسلام في كتابه حقيقة الصوم].
أصحاب الأعذار الذين يباح لهم الفطر:
أولا المسافر:
1. دليل إباحة الفطر للمسافر هو قوله تعالى:{ فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام} [ البقرة: 184ٍ].
2. يشترط للمسافر ألا يقصد بسفره التحايل على الفطر فإن قصد ذلك
فالفطر عليه حرام، والصيام واجب عليه حينئذ.
ففي سفر الطاعة والسفر المباح يجوز له أن يفطر، اما سفر المعصية فاختلف فيه
العلماء على قولين أصحهما أنه لا يجوز الفطر فيه، كمثل الذي يسافر الى
بلاد الكفار من اجل الفساد والفواحش والمخدرات ونحو ذلك. 3. المسافة
المبيحة للفطر هي مسيرة يومين كاملين فأكثر بسير الإبل والاقدام وهي تعادل
ثمانين كليومترا تقريبا، وهذا قول جماعة الصحابة والتابعين وهو قول مالك
والشافعي وأحمد. رحمهم الله..
4. الأفضل للمسافر فعل الأسهل عليه من الصيام والفطر، فإن كان عليه مشقة فالفطر أفضل، وإن كان ليس عليه مشقة فالصوم أفضل.
ثانيا: المريض:
المريض الذي يرجى برؤ مرضه له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: ألا يشق عليه الصوم ولا يضره فيجب عليه الصوم لأنه ليس له عذر يبيح الفطر.
الحالة الثانية: أن يشق عليه الصوم ولا يضهر فيفطر ويكره له الصوم مع المشقة لأنه خروج عن رخصة الله وتعذيب لنفسه.
الحالة الثالثة: أن يضره الصوم فيجب عليه الفطر ولا يجوز له الصوم لقوله تعالى:{ ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} [ النساء: 29]، وقوله:{ ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة} [ البقرة: 195].
وإذا ثبت بالطب أن الصوم يجلب المرض أو يؤخر برءه جاز له الفطر محافظة على صحته واتقاء للمرض ثم يقضي ما عليه من الأيام التي أفطرها.
ثالثا: العاجز عن الصيام عجزا مستمرا لا يرجى زواله، كالكبير
والمريض مرضا لا يرجى زواله كمرض السرطان ونحوه، فلا يجب عليه الصيام لأنه
لا يستطيعه، وقد قال الله تعالى:{ فاتقوا الله ما استطعتم} [ التغابن: 16]، وقال:{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [ البقرة: 286]، لكن يجب عليه أن يطعم بدل الصيام عن كل يوم مسكينا.
رابعا: الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما فلهما أن يفطرا
وعليهما القضاء. وإن خافتا على ولديهما زادتا مع القضاء اطعام مسكين لكل
يوم، فإن فطرهما لم يكن لخوف مرض وإنما كان مع الصحة، فجبر بإطعام المسكين
كفطر الصحيح في أول الإسلام. [ قاله ابن القيم في زاد المعاد].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن كانت الحامل تخاف على جنينها فإنها تفطر
وتقضي عن كل يوم يوما وتطعم عن كل يوم مسكينا رطلا من خبز بأدمه. والله
اعلم. [ انتهى كلامه رحمه الله مجموع الفتاوى ج 25 ص 218].
والقول بلزوم القضاء على الحامل والمرضع حين يتيسر لها ذلك هو قول جمهور
العلماء وهو الراجح. [ انظر كتاب الصوم والإفطار لأصحاب الأعذار للدكتور
فيحان بن شالي المطيري).
خامسا: الحائض والنفساء لهما العذر في الإفطار بل لا يجوز لهما
الصيام. فعليهما الفطر والقضاء. لحديث عائشة رضي الله عنها. وفيه:" كنا
نحيض على عهد رسول الله
فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" والأمر للنبي
[ رواه البخاري].
وإذا نزل الدم من المرأة وهي صائمة ولو قبل غروب الشمس بلحظة فسد صوم يومها
ويلزمها القضاء، وإذا طهرت في الليل وجب عليها الصوم حتى ولو لم تغتسل إلا
بعد طلوع الفجر لى الصحيح من كلام أهل العلم. [ من كتاب الصيام أحكام
وآداب للدكتور عبدالله بن محمد الطيار].
سادسا: من احتاج للفطر لدفع ضرورة غيره كإنقاذ معصوم من غرق أو حريق أو هدم أو نحو ذلك، فإن كان إنقاذه يتطلب الفطر، جاز له ذلك.
حكم صوم الصغير والمجنون والهرم:
1- الصغير: الصغير لا يجب عليه الصيام حتى يبلغ لقول النبي
لقول النبي
:"
رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه
حتى يعقل" [ صحيح الجامع الصغير 3513].
لكن يأمره وليه بالصيام تدريبا له على الطاعة ليألفها بعد بلوغه اقتداء
بالسلف الصالح رضي الله عنهم يأمرون أولادهم بالصيام ويجعلون لهم اللعبة من
العن حتى ينشغلوا بها عن الأكل والشرب.
2- الهرم: الهرم الذي بلغ الهذيان وسقط تمييزه فلا يجب عليه الصيام
ولا الإطعام عنه لسقوط التكليف عنه بزوال تمييزه فأشبه بصبس قبل تمييزه.
فإن كان يميز أحيانا ويهذي احيانا وجب عليها لصوم في حال تمييزه.
3- المجنون: المجنون وهو فاقد العقل فلا يجب عليه الصوم لما سبق من
الحديث " رفع القلم عن ثلاثة.. الحديث" فإن كان يعقل ويفيق أحيانا لزمه
الصيام في حال إفاقته دون حال جنونه، وإن جنّ في أثناء النهار لم يبطل صومه
كما لو أغمي عليه بمرض أو غيره، وعلى هذا فلا يلزم قضاء اليوم الذي حصل في
الجنون. [ ملخصا من كتاب مجالس رمضان لابن عثيمين].
نصيحة وذكرى
لا شك أن شهر رمضان المبارك يعوّد الإنسان على الطاعة وحضور
المساجد لاقامة الصلوات الخمس مع الجماعة فيها، وقراءة القرآن والجلوس في
مجالس العلم والخير، ولكن للأسف الشديد إذا انتهى شهر رمضان ترك بعض الناس
الصلاة في بيوت الله ولم يحافظوا عليها، وهجروا القرآن فلا يتلونه ولا
يعملون به.
وإذا كانوا يصلون فإنهم يصلون بعد أن ينتهوا من اللعب واللهو أو بعد
أن يشبعوا من اليوم، وهذه ظاهرة خطيرة، فكأننا لا نعرف الله إلا في شعر
رمضان وإذا انتهى هذا الشهر لا نعرفه ولا نؤدي حقه جل وعلا ولا نشكر نعمه
بطاعته والتقرب إليه، فأصبحنا:
نعرف حقه علينا شهراً واحداً وننكره في بقية الشهور.
نطيعه شهراً واحداً ونعصيه في بقية الشهور.
نذكره شهراً واحداً ونهجره في بقية الشهور.
فأين الاستقامة على الطاعة والاستمرار على العبادة، فربنا سبحانه
وتعالى له الحق علينا بطاعته وعبادته حتى الموت وبذلك أمرنا سبحانه وتعالى
بقوله:
وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ
[الحجر:99].
أما نتذكر لحظة الرحيل من القصور إلى القبور.
أما نتذكر السؤال في القبر.
أما نتذكر القيام من القبور يوم القيامة
يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ
[المطففين:6].
أما نتذكر الوقوف الطويل على أرض المحشر
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ
[الصافات:24ٍ].
أما نتذكر المصير الأخير والحياة الدائمة إما جنة وإما نار ماذا قدمنا لحياتنا تلك:
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ
وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي
[الفجر:24،23].
فلنتذكر يا أخي المسلم كل هذه المواقف والمشاهد التي لا بد أن
نلاقيها، نسأل الله أن يجعل خير أعملنا خواتيمها وخير أيامنا يوم أن نلقاه.
كما نسأله سبحانه أن يتقبل صيامنا وصلاتنا وصالح أعمالنا وأن يعفو عنا ويغفر لنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.