رمضان... كيف نستقبله؟ وكيف نغتنمه؟
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى... وبعد:
فإن شهر رمضان من الأزمان التي لها عند المسلمين مكانةٌ عظيمةٌ, هذه
المكانة ليست مجرد شجون وتقدير لما يرتبطون به, لا بل هي مكانةٌ ترتبط
بها القلوب والأبدان لما تجده النفوس من بهجةٍ وفرحةٍ واطمئنان وحب
للخيرات وفعل للطاعات وتهيؤ عظيم في القلوب ولين في الأبدان لفعل
الخيرات وترك المنكرات, ولاشك أن هذا يَشعر به كل مسلم وإن قل إيمانه
لأن شهر رمضان هو زمنُ لين القلوب واطمئنانها ولو نسبياً, وزمنُ تعاون
الناس على كثير من البر والطاعات, وفعل الخيرات, فأنت ترى الناس تختلف
مسالكهم في رمضان عن غيره لوقوع الصيام منهم جماعة مما يجعل لهم صورة
جماعية طيبة في بعض الأمور كإجتماع الناس في البيوت للإفطار حتى تخلو
الطرقات في القرى والمدن من المارة إلا القليل, والتي لا تكون عادة
كذلك في مثل هذه الأوقات في غير رمضان, وغير ذلك من المظاهر الجماعية
والتي تحدث في رمضان ولا يمكن أن تحدث في غيره باستقراء الواقع إلا أن
يشاء الله شيئا...
وذلك مثل اجتماع الناس على قيام رمضان, ومثل امتلاء المساجد في صلاة
الفجر على غير عادة الناس في غير رمضان في أزماننا, هذا وغيره كثير
يدل دلالة واضحة على تلك المكانة التي هي لهذا الشهر في قلوب العامة
والخاصة من المسلمين, وتلك المكانة التي تكون في القلوب تتفاوت في
قلوب المسلمين بما يترتب عليه تفاوتا بينا في مسالكهم وعاداتهم في هذا
الشهر أفرادا وجماعات, وهذا التفاوت ليس هو فقط في المقدار والأثر
والقوة لا بل هو أيضا في نوعه بمعنى أنه ليس فقط تفاوتا في كمه وقوته
بل في كيفيته ونوعيته...
وصدق ربنا إذ يقول: {إِنَّ سَعْيَكُمْ
لَشَتَّى} [الليل: 4]... نعم فإن سعي الناس عموما في أمر دينهم
ودنياهم لشتى خاصة في مثل تلك الأزمان الفضيلة, فبين مقدر لقدره
ومضيع, وكاسب وخاسر, وموفق ومغبون, وضال ومهتد, وتقي وفاجر... عافانا
الله من التضييع والخسران والغبن والضلال والفسوق والكفران وجعلنا
بفضله ومنه وجوده من المؤمنين الفائزين في الدنيا والأخرة، في رمضان
وغيره من شهور العام... آمين... آمين.
أيها الإخوة الكرام كيف نستقبل رمضان... وكيف نغتنمه؟
وقبل الإجابة أسأل نفسى وإياك أخي الكريم سؤالاً يقرب المسألة, وهو لو
أن لك صاحب أو قريب أو رحم عزيز عليك, غاب عنك أحد عشر شهرا ثم علمت
بمجيئه إليك زائراً عما قريب, ماذا أنت صانع لملاقاة واستضافة هذا
الضيف والجائى الكريم العزيز
عليك, ماذا أنت صانع؟...
سأترك الإجابة لك ولكن بشرط أن تجيب بإنصاف وموضوعية...
وإذا وفقك الله لإجابةٍ صحيحة منصفة بما يليق وشأن ضيفك وزائرك الذي
افترضنا أنه عزيز بل عزيز جدا عليك... جدا... فاسأل نفسك ماذا هو
الحال إذا كان هذا الزائر هو شهر رمضان المبارك؟، ونحن سوف نستقبل في
غضون أيام هذا الضيف... هل تعرفه... وماذا أعددت له وكيف ستستقبله
وتتعامل معه؟
وحتى نهتدي لما ينبغي علينا فعله في استقبال رمضان فضلا على اغتنامه
فلابد أن نعرف أمور منها:
أولا: ما هو شهر رمضان؟
هــــــــو: الشهر التاسع في ترتيب الشهور التي هي عند الله أثنى عشر
شهرا من يوم أن خلق الله السموات والأرض, وعلى الترتيب الذي أنشأه عمر
رضي الله عنه...
قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ
عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ
الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}
[سورة التوبة: 36].
وهــــــو: الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن.
قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي
أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى
وَالْفُرْقَانِ} [سورة البقرة: 185].
وهــــــو: الشهر الذي أبتعث الله فيه نبيه وخليله وخاتم رسله محمد
صلى الله عليه وسلم.
وهــــــو: الشهر الذي جعل الله منه إلى رمضان الذي بعده كفارة لما
بينهم.
بَوَبَ مسلم في كتاب الطهارة: باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة
ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر *، وفيه: عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى
رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر».
وهــو: الشهر الذى اذا دخلت أول ليلة من لياليه كان ما كان من الخير
اسمع :
عند البخاري في كتاب الصوم: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء رمضان
فتحت أبواب الجنة».
وفى رواية عنه أيضا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت
أبواب جهنم وسلسلت الشياطين».
وهــو: الشهر الذي جعل الله فيه لأصحاب الذنوب والخطايا المخرج وكذلك
لطالبي الجنة والعلو في الدين:
فعند البخاري في كتاب التوحيد: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: «من آمن بالله ورسوله وأقام
الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة هاجر في سبيل الله
أو جلس في أرضه التي ولد فيها قالوا يا رسول الله أفلا ننبئ الناس
بذلك قال إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله كل
درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فسلوه
الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر
أنهار الجنة».
وعند مسلم فى كتاب صلاة المسافرين: عن أبي هريرة حدثهم أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان
إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا
واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».
وهــو: الشهر الذي جعل الله فيه العمرة كحجة ليس هذا فحسب بل كحجة معه
صلى الله عليه وسلم،عند البخاري في كتاب الحج: عن عطاء قال سمعت ابن
عباس رضي الله عنهما يخبرنا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها: «ما منعك أن تحجين معنا؟»، قالت: "كان
لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنة لزوجها وابنها وترك ناضحا ننضح عليه"،
قال: «فإذا كان رمضان اعتمري فيه فإن
عمرة في رمضان حجة».
وفي رواية: «عمرة في رمضان تعدل
حجة» متفق عليه.
وفي رواية: قال: «فإن عمرة في رمضان
تقضي حجة أو حجة معي».
قوله: «عمرة في رمضان تعدل حجة»
في الثواب، لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أن
الاعتمار لا يجزيء عن حج الفرض.
وقال ابن العربي: "حديث العمرة
هذا صحيح وهو فضل من الله ونعمة فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام
رمضان إليها".
وقال ابن الجوزي: "فيه أن ثواب
العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وخلوص
المقصد".
وهــو: الشهر الذى جعل الله فيه ليلة هى خير من ألف شهر فى دين وعمل
العبد المؤمن،
فعند البخارى فى كتاب صلاة التراويح:عن عائشة قالت كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان ويقول: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من
رمضان».
وعند مسلم في كتاب صلاة المسافرين: عن زر قال سمعت أبي بن كعب يقول
وقيل له إن عبد الله بن مسعود يقول من قام السنة أصاب ليلة القدر فقال
أبي: «والله الذي لا إله إلا هو إنها
لفي رمضان يحلف ما يستثني و والله إني لأعلم أي ليلة هي هي الليلة
التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة صبيحة
سبع وعشرين وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع
لها».
وأنت تعلم قوله تعالى: {لَيْلَةُ
الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [سورة القدر:
3]....
وهـــو: خير الشهور على المؤمنين وشر الشهور على المنافقين:
ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أظلكم شهركم هذا بمحلوف رسول الله ما مر على
المسلمين شهر هو خير لهم منه ولا يأتي على المنافقين شهر شر لهم منه
إن الله يكتب أجره وثوابه من قبل أن يدخل ويكتب وزره وشفاءه من قبل أن
يدخل ذلك أن المؤمن يعد فيه النفقة للقوة في العبادة ويعد فيه المنافق
إغتياب المؤمنين واتباع عوراتهم فهو غنمٌ للمؤمن ونقمةٌ على
الفاجر» [الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: ضعيف - المحدث:
الألباني - المصدر: ضعيف الجامع]... والحديث وإن كان فيه ضعف إلا أان
معناه عظيم وواقع بين الناس جلي...
وإذا نظرت ترى أن ذلك وكأنه واقع يراه القاصى والداني... المؤمنون
يعدون عدة البر يجهز زكاة ماله لينفقها في رمضان... ويرتبون المال
للتوسيع على الأهل والأولاد... ويعدون أسباب إعانة المساكين
والفقراء... وكذا إطعام الصائمين.... وفي المقابل المنافقون ممن يعدون
العدة بالأفلام والتمثليات والفوازير....ألخ.... فهذا الشهر هو بحق
غنمٌ للمؤمن ونقمةٌ على الفاجر والمنافق...
** ولو ظللت أعرف بمن يكون هو هذا الضيف العزيز ما وفيت الكلام على
مكانته ولكن المقصود هو كيف نستقبل هذا الضيف المكرم؟...
كـــيف؟؟
ومن ثم لابد أن أذَكِر أولاُ بأمور هامة أولها: نحن المسلمين لكم
أسأنا استقبال هذا الضيف في أعوام سابقة لأنه لطالما يزورنا ويأتينا
كل عام في نفس الموعد وهو ضيف كريم يأتي بالهدايا الكثيرة العظيمة
النفع التي يحتجها كل أحد من الخلق وخاصة المسلمين ونحن نقابل ذلك بأن
نأخذ من هداياه ما يعجبنا ونرمي في وجهه ما لا يعجبنا ونحن في ذلك من
المغبونين...
وصدق ربنا اذ يقول: {إِنَّ سَعْيَكُمْ
لَشَتَّى} [سورة الليل: 4]... نعم إن سعي العباد في الدين
لشتى, وخاصة في رمضان, فمضيع ومستهتر ومغبون ومفتون وغير ذلك من مسالك
الباطل والتضييع, ولكن هناك أهل الحكمة وشكر النعمة... -جعلنا الله
منهم-.. أهل تقدير العطايا والمنح الربانية- الذين يرجون ثواب ربهم
ويخافون عذابه ويتقون سخطه بطلب مرضاته - نعم هم من يطلبون النجاة
ويسلكون مسالكها فيعرفون لرمضان قدره ويستقبلونه بالتوبة وفعل الخيرات
وترك المنكرات.
يحكى عن السلف أنهم كانو يظلون ستة أشهر يدعون ربهم أن يبلغَهم رمضان,
فإذا جاء أحسنوا استقباله, فإذا رحل عنهم ظلوا ستة أشهر بعده يسألون
الله قبول ما قدموا فيه من الصيام والقيام والصدقة وغير ذلك مما قدموا
من البر... أرأيت كيف كان حالهم... وكيف صار حالنا, نسأل الله أن
يصلحنا ويصلح بنا ويُحسن مآلنا ويجعلنا فى شهر رمضان من الفائزين, كان
السلف إذا انقضى رمضان يقولون رمضان سوق قام ثم انفض، ربح فيه من ربح
وخسر فيه من خسر, اللهم اجعلنا فيه وفي سائر أيامنا وأعمارنا من
الرابحين المفلحين....آمين.... آمين...
نحن ياسادة : كم من مرات ومرات جاءنا رمضان وجعلناه يرحل عنا وهو حزين
لا يرى منا إلا الوكسة والجري وراء الدنيا الحقيرة والرضى بالدنية فى
الدين, والميل مع الذين يتبعون الشهوات ميلا عظيما, والتولي عن العمل
لله, ويرى كذلك زهدنا فى آخرتنا وعدم نصرتنا لربنا... ففعل المنكرات,
وسهرٌ أمام التلفاز في الليالي الرمضانية -هكذا يسمونها من يقيمونها-
وهي في الحقيقة ليالي شيطانية لا رمضانية, فالليالي الرمضانية هي
ليالى القيام واجتماع الناس في المساجد والتسحر استعدادا لصيام يرضاه
الله جل وعلا وغير ذلك من الذكر والتلاوة هذه هي الليالي الرمضانية,
وكذلك لكم رحل عنا رمضان وهو يرى حال المسلمين المتردي الذين هم في
أشد الحاجة لما جاءهم به من الخير الكثير الذي جعله الله لعباده
التائبين المقبلين الذين يبحثون عن مخرج من ورطة الذنوب وتخفيفا
لثقلها عن عاتقهم ...
نحن أيها الاخوة: يأتينا هذا الشهر هذه المرة وهناك متغيرات كثيرة
العراق والشيشان وما أدراك ما الشيشان وتدنيس بيت المقدس والتعدي عليه
من أبناء القردة والخنازير, والهوان والاستضعاف الذي تعيش فيه الأمة
دولا وجماعات وأفراد حكاما ومحكومين, فقتل وتشريد وهدم للبيوت وتحريق
للممتلكات, قتل للأطفال والكبار والنساء والرجال في غزة وغيرها, إبادة
هنا وهناك, ومسح للدول الإسلامية من على خريطة العالم كما يحدث في
فلسطين والشيشان, وغطرسة كافرة تعربد بحقد أسود وجبروت طاغي في كل حدب
وصوب, وإذلال للقادة والملوك والممكنين قبل المستضعفين, ووصف للإسلام
والمسلمين بالإرهاب وغير ذلك, فإنا لله وإنا إليه راجعون...
إن رمضان ذلك الضيف الكريم يأتي هذه الزيارة ونحن نعاني من انهزامية
يزرعها فينا دعاة السلام...عفوا بل دعاة الاستسلام والذلة لغير الله
مع الأعراض عن الله... إنهزامية يزرعها فينا دعاة العلمانية, ويدعمها
حبنا للدنيا الذي هو من أعظم أسباب تلك الانهزامية، ففي الحديث الصحيح
من حديث ثوبان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما
تداعى الأكلة إلى قصعتها»، قيل يا رسول الله: "فمن قلة
يومئذ؟"، قال: «لا، ولكنكم غثاء كغثاء
السيل يجعل الوهن في قلوبكم وينزع الرعب من قلوب عدوكم لحبكم الدنيا
وكراهيتكم الموت» [أخرجه أحمد وأبو داود... انظر حديث رقم:
8183 في صحيح الجامع].
يأتي علينا هذا الضيف ياسادة ونحن نلعق مرار تسلط اليهود على بيت
المقدس وتكبرهم علينا حكاما ومحكومين, دولا وجماعات وأفراد, نلعق
مرارة إبادة الروس الملاحدة الملاعين للمسلمين في الشيشان انتهكوا
حرماتهم وهدموا وخربوا أرضهم وانتهكوا أعراضهم ومسحوا دولة معترف بها
في المجتمع الدولي مسحوها أو هكذا يحاولون ولن يمكن الله لهم... فإنا
لله وإنا اليه راجعون...
خلاصة القول أن هذا الضيف العزيز الكريم بما كرمه به الله تعالى يأتي
علينا ونحن أزلة مستضعفين انهكتنا ذنوبنا وشهواتنا وحرمنا طلب
المقامات العليه, مقامات الجهاد والمجاهدة مقامات البذل لله تعالى
مقامات عز الطاعة والإنابة إلى الله تعالى, خلاصة القول أن هذا الضيف
سوف يجيئ ليجد فينا ومنا حالاً لا يسر حبيب ولكن يسرعدو, يسر الشيطان
الذي يقعد للمسلم بكل صرط, يسر اليهود الذين برون منا الانهزامبة أمام
تصلفهم وكبرهم... إنا لله وإنا اليه راجعون... فحالنا يا سادة يسر كل
عدو قل أو كثر... بعد أو قرب... وإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة
إلا بالله العلي العظيم...
* هذا بعض ما ينبغي أن نعرفه ابتداء... وذلك قبل أن نتكلم عن كيفية
استقبال هذا الضيف العزيز...
ولابد هنا أيها الاخوة الكرام من معرفة أن هذا الضيف: يأتي ومعه كثير
من أسباب الإعانة والتغيير التي يمن الله بها على عباده المؤمنين
الذين يؤمنون أنهم لا ينبغي لهم أن يهنوا ولاينبغي أن يحزنوا, ولا
ينبغي بحال أن ينهزموا أو يضعفوا أو يصيبهم الخور أمام عدوهم, ولا
ينبغي كذلك أن يذلوا لغير الله تعالى المعز المذل الكبير المتعال الذي
إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، بيده الخير وهو على كل شيء قدير, وذلك
لأنه سبحانه قد وعدهم بأنهم الأعلون ان كانوا مؤمنين قال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ
الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران:
39]... وكذلك هم يستبشرون بوعد الله تعالى حيث قال: {وَعَـدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنـُوا مِنْكُمْ
وَعَمِلـُوا الصَّالِحـَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا
اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ
دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِنْ بَعْدِ
خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا
وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}
[سورة النور: 55].
ولذلك لابد... ثم لابد... إن أردنا الخلاص مما نحن فيه من الغبن وقلة
الإيمان وكثرة الشرور.... أن نكون من أولئك الذين يقدرون هذا الضيف
قدره ويحفظون عليه مكانته التي أنزلها الله إياه ويتنعمون بكثير
الفضائل والكرائم والهبات والهدايا والنعم الربانية التي يبعث بها
الله تعالى مع هذا الضيف العزيز.... أليس كذلك؟!
لابد أن نجعل استقبالنا لهذا الضيف الكريم نقطة تحول كبيرة في حياتنا
الايمانية وفي أنفسنا, نقطة تحول نتحول بها:
أولا: من كثرة الذنوب والمعاصي التي لا تنتهي سواء الدائم منها... مثل
شرب الدخان وسماع الأغاني والمعازف، والتبرج وعري البنات، والاختلاط
وحلق اللحى، والكسب الحرام من الوظائف المحرمة مثل العمل في البنوك
والضرائب والأعمال التي فيها ظلم العباد والنظر إلى المحرمات وظلم
الزوجات وإسأة التربية للأولاد وغير ذلك كثير من الذنوب التى يقع فيها
الكثير.. دائما... ليل نهار... أو ما نأتيه حينا مثل الزنا
والغيبة.... التعاون فى بعض المنتديات على الأثم والعدوان كما هو فى
منكرات الأفراح والأعراس وما شابه, والليالى القبيحة المسماة بالليالي
الرمضانية حيث يجتمع البنات والشبات مع الرجال والأولاد في فعل
المنكرات ومشاهدة المحرمات أو قضاء الليل في اللعب والصراخ والمجون
والسهرات الملونة... كل ذلك ومن أشده وأخطره نرك الصلاة الذي صار غالب
حال المسلمين - إلا من رحم الله - ترك الصلاة وما أدراك ما هو جُرم
ترك الصلاة فقد اختلف العلماء في كفر من ترك الصلاة وهو مؤمن
بحكمها...
فقد أصبح البر والطاعات وفعل الخيرات وترك المنكرات والتعاون على البر
والتقوى, صار ذلك فى حياتنا وأحوالنا... أحيانا... أحيانا...
أحيانا... فلابد إذاً من التحول من هذا الحال إلى العكس ولن يكون ذلك
بالأمانى والتمني, لا لن يكون ذلك إلا بتغيير النفس, والمجاهدة في
الخروج من هذا الأسر أسر الدنيا والإخلاد لها, أسر الشهوات وحب المال
والرضى بالحياة الدنيا والاطمئنان لها, فلابد إذاً من تغيير النفس
لابد....ثم لابد.. قال تعالى: {إِنَّ
اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا
بِأَنفُسِهِمْ....} [سورة الرعد: 11]... ولن يكون ذلك الا أن
تبدأ بالتوبة, التوبة من الحال الذي يعرفه كل منا من نفسه.... ولا
ينبغي أن نتقلل عيوبنا وذنوبنا وكأنها شيء هين، لا، ثم لا فهذا شأن
المنافقين والعياذ بالله تنبه...
فعند البخاري في كتاب الدعوات: عن الحارث بن سويد حدثنا عبدالله بن
مسعود حديثين أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم والآخر عن نفسه قال:
«إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر
يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا قال أبو شهاب بيده فوق
أنفه».
أرأيت إياك... إياك أن تفعل ذلك... فذنوبنا أهلكتنا أو كادت فلابد من
التغيير والهجرة إلى الله تعالى دون مكابرة فإننا عباد الله إن جادلنا
عن أنفسنا في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنا في الأخرة من... من...
قال تعالى: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ
جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ
اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ
وَكِيلًا} [ النساء: 109].
فلنجعل من رمضان بما فيه من صنوف البر الكثيرة معسكر توبة نتحول فيه
من أصحاب معاصي وسيئات إلى أصحاب طاعات وفعل خيرات وليس هناك من
الطاعات طاعة جمعت ما في التوبة من خير وفضل من الله تعالى ولذلك أمر
الله بها:
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ
أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ
النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا
نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
[سورة التحريم: 8 ]…
قال تعالى: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى
اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة
المائدة: 74].
وقال تعالى: {وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا
إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ
كَبِيرٍ} [سورة هود: 3].
وقال تعالى: {وَيَا قَوْمِ
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ
عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا
تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود: 52].
وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ
ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود:
90].
وقد شدد الله تعالى على من لم يتب فقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ
الظَّالِمُونَ} [سورة الحجرات: 11].
فيا أخي: إن أردت أن يتوب الله عليك وتنجو من حالك السيء قبل الموت
فتب، قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ
تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ
وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [سورة البقرة: 160].
يا أخي الكريم: إن أردت أن يحبك الله فتب قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ
وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [سورة البقرة: 222].
يا أخي الحبيب: إن أردت أن يغفر الله لك ويرحمك.... وأنت صاحب الذنوب
التي كالجبال والتي لعلها تكون سبب الهلاك والعياذ بالله... إن أردت
ذلك فتب قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ
تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ} [سورة آل عمران: 89].
يا أخي في الله: إن أردت أن يأتيك الله الأجر الذي يمكن أن يكون سببا
للخلاص من ورطة الذنوب فتب قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا
وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ
مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا
عَظِيمًا} [سورة النساء: 146].
يا أخي الحبيب: إن أردت الخير كل الخير فتب قال العلى الكبير: {فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْرًا لَهُمْ
وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ
وَلَا نَصِيرٍ} [سورة التوبة: 74].
وأعلم أخي أن الله تعالى الغني الحميد القائل في محكم التنزيل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ
إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [سورة
فاطر: 15].
وقال تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ
اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ} [سورة آل عمران:
97].
وقال تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو
الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ
مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ
آخَرِينَ} [سورة الأنعام: 133].
وقال تعالى: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا
يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ
الْعَالَمِينَ} [سورة العنكبوت: 6].
ومع هذا كله فإنه جل وعلا يطلب منك الرجوع إليه تعالى, ويفتح لك بابا
من أوسع الأبواب لترجع منه, وحتى لا تجد الطريق ضيقا فقد وسع الله في
باب التوبة وجعله مفتوحا على مصرعيه للعبد طيلة حياته مالم يغرغر, أو
تطلع الشمس من مغربها [يعنى وقت الساعة]... وليس هذا فحسب بل أن الغني
عنك وعن العالمين سبحانه, من يفتقر له كل من فى السموات والأرض, يفرح
بتوبة عبده التائب ففى الحديث الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم
قال: «لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من
رجل نزل في أرض فلاة دوية مهلكة، معه راحلته، عليها طعامه وشرابه،
فوضع رأسه فنام فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، فطلبها حتى إذا اشتد عليه
الحر والعطش أو ما شاء الله قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام
حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها
زاده وشرابه، فالله تعالى أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا
براحلته» [متفق عليه] من حديث ابن مسعود وأنس... زاد مسلم في
حديث أنس: «ثم قال من شدة الفرح: اللهم
أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح» ورواه مسلم بهذه
الزيادة من حديث النعمان بن بشير... أرأيت أخي كيف يفرح الله بتوبة
العبد من أن العبد هو المحتاج والله هو الغني, يا للعجب الفقير العاجز
دائم الحاجة لا يفرح بالتوبة وهو في أشد الحاجة إليها, كن أخي من
الفرحين بالتوبة التي لعل وراءها رحمة رب العالمين سبحانه..
قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ
وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا
يَجْمَعُونَ} [سورة يونس: 58].
فهذا من أول ما ينبغى أن نجعله من أعمالنا في استقبال شهر رمضان لنكون
ممن يستقبله استقبالا حسنا... أن نجعله توبة نصوحا خالصة لله
تعالى...
وثانيا: أن تجعل من رمضان سببا لنيل الشرف وأن تكون من أهل الشرف
خروجا من قهر الذل، ذل المعاصي والانهزامية، وهذا الشرف ليس في عضوية
مجلس الشركاء فهذا مزيد من الذلة ليس الشرف والعز في مثل ذلك, وليس
الشرف كذلك في جمع الأموال والاستكثار من التجارات لأنه موسم... نعم
هو موسم... ولكن للبر والحسنات لا للجنيهات والريالات... نعم هو موسم
... للبر والطاعات لا للمكاسب والتجارات.... الشرف الذى أقصده هنا هو
قيام الليل ففي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت
فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به،
واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس»
[أخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان عن سهل بن سعد
البيهقي في شعب الإيمان عن جابر" وقال الألبانى رحمه الله فى صحيح
الجامع .حسن برقم : 73].
وفي الحديث: «من قام رمضان إيمانا
واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»... القيام وما أدراك ما
القيام، ذلك البر الذي لما تركه المسلمون تركوا معه سببا عظيما من
أسباب عزهم، فالعز طريقه في أمرين:
الأول: الأنس بالله ليلا والترهب له, وجمع القلب عليه والانكسار ليلا
فيورث ذلك الإخبات والإخلاص.
والثاني: البذل والجهاد في الله نهارا في طلب العلا علما وعملا وأمرا
بالمعروف ونهيا عن المنكر وهذا يورث الفداء والإباء, قيام الليل لا
تضيعه واغتنم ما وعد الله به على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم حيث
قال: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر
له ما تقدم من ذنبه» [متفق عليه]... فهذا الامر الثانى.
*وثالثا: ادخال السرور على أخيك:
أن دخول شهر رمضان على المسلمين هو بمثابة دخول الغوث عليهم في دينهم
ودنياهم, فأبواب الفرج تتفتح وفي الحديث: «إذا كان رمضان فتحت أبواب الخير» ولم
يقيد أو يستثن, وهذا معناه أن كل أبواب الخير الدنيوية والأخروية
تفتح, وكلنا يشهد بذلك ويحسه, حتى أن الناس تقول: "رمضان الرزق فيه
واسع", ومن هذا المنطلق لابد أن تجعل من رمضان باب خير عليك وعلى أهل
بيتك, فلا مانع من التوسيع على أهل بيتك بلا تكلف وإسراف, والتوسيع
على إخوانك من أرحامك ومن جيرانك ومن أصحابك هو من أفضل
الأعمال.
ففى الحديث الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا،
أو تقضي عنه دينا، أو تطعمه خبزا» [أخرجه ابن أبي الدنيا في
قضاء الحوائج والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة وابن عدي في
الكامل عن ابن عمر, وقال الألباني في صحيح الجامع حسن, برقم :
1096].
وقال أيضا : «من أفضل العمل إدخال
السرور على المؤمن: تقضي عنه دينا، تقضي له حاجة، تنفس له
كربة» [أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن المنكدر مرسلا,
وفى صحيح الجامع برقم . : 5897 ,صحيح].
أرأيت أخي كيف أن إدخال السرور على أخيك من أفضل الأعمال وهذا الفضل
يزداد إذا كان جارا ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: «ليس المؤمن الذي لا يأمن جاره
بوائقه» [أخرجه الطبراني في الكبير عن طلق بن علي, وهوفى صحيح
الجامع برقم: 5380, صحيح].
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: «ليس
المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه» [أخرجه البخاري في
الأدب والطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن عن
ابن عباس.,وفى صحيح الجامع برقم : 5382 ,صحيح].
فيا ليتنا نخرج من سوء وشح نفوسنا ونستقبل هذا الضيف العزيز بادخال
السرور على الأهل والجيران والأصحاب ونجعل من رمضان ملتقى الأحبة في
الله نطعمهم ونخفف عنهم ونشاركهم فى قضاء حوائجهم ولو بالدعاء ممن لم
يجد, ولنتذكر فى هذا المقام قول الهادى البشير عليه الصلاة والسلام
وهو يقول: «ترى المؤمنين في تراحمهم،
وتوادهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى عضواً، تداعى له سائر جسده
بالسهر والحمى» [البخاري ومسلم].
وبناءً على هذا فلنستقبل رمضان من منطلق تحولنا عن الإساءة لإخواننا
إلى التواد والتعاطف والتراحم, لنستقبل هذه الأيام الفضيلة ونحن جسد
واحد, جسد الإسلام والمسلمين... هذا ثالثا.
ورابــــعا: حسن الخلق ولين الجانب والألفة:
فلنجعل من رمضان نقطة تحول من سوء الخلق والفظاظة الأحقاد والغل وسوء
الطوية وسوء معاشرة الأزواج والإساءة لهن, ونشوز الزوجات على الأزواج
وعدم طاعتهم, والخروج من كبر النفوس, وتعالي بعضنا على بعض, وتقطيع
الأرحام والسعي في الأرض فسادا, وفحش اللسان والكذب والخيانة والغيبة
والنميمة... وغير ذلك من سوء الأخلاق والأحوال... فلنتحول من ذلك كله
إلى أحسن الأخلاق والأحوال.
فلنجعل من أيام هذا الشهر معسكرا تربويا, نقيم أنفسنا فيه على الأخلاق
الحسنة وهي فرصة عظيمة لتحصيل ذلك الخير الكثير... ففي الحديث الصحيح
عنه صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن
ليدرك بحسن الخلق درجة القائم الصائم» [أبو داود وابن حبان في
صحيحه عن عائشة، وقال الألباني رحمه الله في صحيح الجامع برقم: 1932
صحيح].
وعنه أيضا صلى الله عليه وسلم: «أثقل
شيء في ميزان المؤمن خلق حسن إن الله يبغض الفاحش المتفحش
البذيء» [البيهقي عن أبي الدرداء, وقال في صحيح الجامع برقم:
135, صحيح].
ويكفي أن تعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى ووصف البر بأنه حسن
الخلق كما في الحديث: «البر حسن الخلق،
والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس» [أخرجه
البخاري في الأدب] وفي صحيح مسلم والترمذي عن النواس بن سمعان: «أن
يأمنك الناس وتهجر المعاصى فذلك ثمرة حسن الخلق».
وفي الحديث: «المؤمن من أمنه الناس على
أموالهم وأنفسهـم، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب» [ابن ماجة
عن فضالة بن عبيد, وقال الألباني في صحيح الجامع برقم: 6658,
صحيح].
* واعلم أن الألفة من شيم المؤمنين:
ففى الحديث: «المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير
الناس أنفعهم للناس» [أخرجه الدارقطني في الأفراد والضياء عن جابر,وفي
صحيح الجامع برقم: 6662, وقال حسن].
وفي الحديث أيضا: «المؤمن يألف، ولا خير
فيمن لا يألف ولا يؤلف» [أخرجه أحمد في مسنده عن سهل بن سعد,
وفى صحيح الجامع برقم : 6661, وقال صحيح].
وفى الحديث: «المؤمن غر كريم، والفاجر
خب لئيم» [أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم في المستدرك عن أبي
هريرة.وفى صحيح الجامع برقم : 6653 ,وقال حسن]، قال في (لسان العرب): وفي الحديث: المؤمِنُ
غِرٌّ كريم: أَي ليس بذي نُكْر، فهو ينْخَدِع لانقياده ولِينِه، وهو
ضد الخَبّ، يقال: فتى غِرٌّ، وفتاة غِرٌّ، يريد أَن المؤمن المحمودَ
منْ طَبْعُه الغَرارةُ وقلةُ الفطنة للشرّ وتركُ البحث عنه، وليس ذلك
منه جهلاً، ولكنه كَرَمٌ وحسن خُلُق؛ وقال ابن الأثير في (النهاية): "والخًبُّ بالفتح:
الخدَّاعُ، وهو الجُزْبُرُ الذي يسعى بين الناس بالفَسَاد".
* واعلم أن الصبر على أذى الناس من الإيمان لأنه من عظيم حسن
الخلق:
ففى الحديث: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أفضل من
المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم» [أخرجه أحمد في
مسنده والبخاري في الأدب والترمذي وابن ماجة عن ابن عمر,وفى صحيح
الجامع برقم : 6651, وقال صحيح].
أرأيت أخي هذا بعض ما في حسن الخلق من فضائل وخيرات وبركات, فلما لا
نجبر النقص ونسد الخلل ونحصل ذلك الخير الكثير ونذوق الحُسنَ بعد
السوء والحلو بعد المر والإحسان في المعاشرة بدلا من الإساءة والتعدي,
ما أحلى حسن الخلق وما أحلى مذاقه , فلنجعل من رمضان بداية عهد جديد,
فلنستقبل رمضان بحسن الخلق ولين الجانب وحسن الطوية ومحاولة الائتلاف
فيما بيننا عسى ربنا أن يرحمنا.
فهذا يا أخى رابعا مما نحاول أن نجعله من مقتضيات استقبال شهر رمضان
ذلك الضيف الكريم.
*وخامسا: المؤمن عف اللسان:
إن سوء اللسان من سوء الخلق ولكنه أخطره ولذلك ينبغي أن نعرف هذه
الخطورة ونحذرها ولعل كثير الشقاق بيننا وعدم الألفة والتفرق بين
أصحاب النهج الواحد بل إن من أعظم ما يخلق العداوة بين الأولياء
والأرحام والأصهار حتى بين الرجل وامرأته كثير منها -إن لم تكن كلها-
بسبب سوءات اللسان... نعم إن للسان خطورة شديدة ومن أعظمها خطورة بعد
التكلم بالكفر والعياذ بالله... سب المؤمن... ففى الحديث الصحيح أن
النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ساب
المؤمن كالمشرف على الهلكة» [الطبراني في الكبير عن ابن عمرو,
وفي صحيح الجامع برقم : 3586 ، وقال حسن].
وقال أيضا صلى الله علبه وسلم: «ليس على
رجل نذر فيما لا يملك، ولعن المؤمن كقتله، ومن قتل نفسه بشيء عُذب به
يوم القيامة، ومن حلف بملة سوى الإسلام كاذبا فهو كما قال، ومن قذف
مؤمنا بكفر فهو كقتله» [متفق عليه].
وفي الحديث: «ليس المؤمن بالطعان، ولا
اللعان، ولا الفاحش، ولا البذي » [أحمد في مسنده والبخاري في
الأدب وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك عن ابن مسعود, وفي صحيح
الجامع برقم: 5381، وقال صحيح].
وفي الحديث: «المسلم من سلم المسلمون من
لسانه ويده».
ولهذا ينبغي أن نعلم أن فرقة الصف, وتفرق الجمع, وفك حزمة المسلمين,
يرجع سبب ذلك الى أمور, لعل من أعظمها التلاعن بين المسلمين, فكل
جماعة تلعن أختها ولو من طرف خفي, وكل فرد يلعن من ليس في حزبه أو
جماعته فتزداد بذلك الفرقة, وتتعمق به الغربة بين المسلمين, وهذا لا
يرضي إلا أعداء الإسلام الذين يسعون في المسلمين منذ أمد بعيد بمبدأ
فرق تسد, وقد نجحوا فى ذلك مع الأسف, وما ذلك إلا بسبب بعد المسلمين
عن هدي نبيهم وشريعة ربهم, وباتوا يلهثون وراء الغرب الكافر الذي هو
موطن أعدائهم, ومحل مبغضيهم وحاسديهم, باتوا يتخذونهم أولياء
ويتبعونهم فى كل صغيرة وكبيرة حتى فرقوهم وجعلوهم شراذم متباغضين
متناحرين, حتى قامت بين المسلمين الحروب, فبدلا من أن يتوجه المسلم
بسلاحه وقوته وضربته إلى أعدائه الحقيقيين من الكفار والملحدين ومن
اليهود والنصارى وأشياعهم من دول الغرب الكافرة, بدلا من هذا يجعل
قوته ورميته في صدر أخيه المسلم, فإنا لله وإنا اليه راجعون... ولاحول
ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
فلهذا أخي الكريم ينبغي أن نتفطن لما أوقعنا فيه عدونا, وقد ذقنا
مرارة التفرق والتلاعن والسب والمقاتلة حتى كدنا نُستنزف لصالح
أعدائنا, لنتنبه إلى مثل هذه الأمور العظام ونخرج أنفسنا من ورطة
الغفلة التى وضعنا فيها بُعدُنا عن ديننا هذا واحد, والثاني تربص ومكر
أعدائنا, قد تكون هناك أسباب أخرى لكن الكل يكاد يتفق على هذين
السببين, وينبغي أن يكون أخوك هو أخوك يشد عضدك يحوطك من ورائك.
* أرأيت أخي كيف ينبغى أن نجعل من رمضان منطلق لربط الأوصال لجمع
الجماعة الحق التي لا يحب الله غيرهم ويده سبحانه فوق أيديهم, فلنجعل
من استقبالنا للشهر الفضيل مقاطعة للسب والتلاعن والتهاجر, ونجعل من
دخول رمضان علينا نقطة تحول الى الوحدة والتماسك والترابط كالبنيان,
ونذر كل سبب للفرقة والشرذمة ولنتخذ من عفة اللسان وحسن الكلام سبيلا
إلى ذلك والله المستعان وعليه التكلان ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم... فهذا يا أخي الحبيب خامسا.
*سادسا:......الصدقة:
وما أدراك ما الصدقة وما أثرها في القلوب وعلى الأبدان والأموال وعظم
الأجر, وخاصة فى شهر الصدقات والجود والكرم...
والصدقة فى القرآن جاء ذكرها بما يدل على عظيم قدرها:
قال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ
فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ
خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ
بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [سورة البقرة: 271].
وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ
يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ
أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ
وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ
عَلِيمٌ} [سورة البقرة: 261].
وقال تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ
وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ
لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [سورة الحديد: 18].
وقال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ
فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ
كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة: 280].
وقال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا
وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ
أَثِيمٍ} [ سورة البقرة: 276].
فهذا بعض شأن الصدقة فى القرآن والسنة بينت أن الصدقة باب عظيم لكثير
من الخير فى الدنيا والأخرة، فالصدقة من أعظم أسباب فكاك النفس من قيد
الشيطان وإخراجها من سلطانه وهي من أعظم ما يصد عنه الشيطان والعياذ
بالله تعالى:
ففي الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ما يخرج رجل شيئا من الصدقة حتى يفك عنها لحي
سبعين شيطانا» [أخرجه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك عن
بريدة, وفي صحيح الجامع برقم : 5814 ، وقال صحيح].
وذلك لأن الصدقة على وجهها إنما يقصد بها ابتغاء مرضاة اللّه
والشياطين بصدد منع الإنسان من نيل هذه الدرجة العظمى فلا يزالون
يأبون في صده عن ذلك والنفس لهم على الإنسان ظهير لأن المال شقيق
الروح فإذا بذله في سبيل اللّه فإنما يكون برغمهم جميعاً، ولهذا كان
ذلك أقوى دليلاً على استقامته وصدق نيته ونصوح طويته والظاهر أن ذكر
السبعين للتكثير لا للتحديد كنظائره.
والصدقة من أعظم أسباب التداوى ففى الحديث الصحيح أن النبى صلى الله
عليه وسلم قال: «داووا مرضاكم
بالصدقة» [أخرجه أبو الشيخ في الثواب عن أبي امامة, وفي صحيح
الجامع برقم: 3358، وقال حسن]، والمراد: من نحو إطعام الجائع, واصطناع
المعروف لذي القلب الملهوف, وجبر القلوب المنكسرة كالمرضى من الغرباء
والفقراء والأرامل والمساكين الذين لا يؤبه بهم, وكان ذوو الفهم عن
اللّه إذا كان لهم حاجة يريدون سرعة حصولها كشفاء مريض يأمرون باصطناع
طعام حسن بلحم كبش كامل ثم يدعون له ذوي القلوب المنكسرة, قاصدين فداء
رأس برأس, وكان بعضهم يرى أن يخرج من أعز ما يملكه فإذا مرض له من يعز
عليه تصدق بأعز ما يملكه من نحو جارية أو عبد أو فرس يتصدق بثمنه على
الفقراء من أهل العفاف.
قال الحليمي: "فإن قيل: أليس
اللّه قدر الأعمال والآجال والصحة والسقم فما فائدة التداوي بالصدقة
أو غيرها، قلنا: يجوز أن يكون عند اللّه في بعض المرضى أنه إن تداوى
بدواء سلم, وإن أهمل أمره أفسد أمره المرض فهلك".
ثم الصدقة سهلة ميسورة والكل يمكنه التصدق مهما كان حالة فالتصدق
نوعان:
الأول: صدقة الاحتساب:
ويدل عليها الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة وما أطعمت ولدك
فهو لك صدقة وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة وما أطعمت نفسك فهو لك
صدقة» [أخرجه أحمد في المسند والطبراني عن المقدام بن معد
يكرب, وفي صحيح الجامع برقم: 5535، وقال صحيح] .
والثاني: صدقة البذل:
ويدل عليها ما جاء من مثل قول النبى صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا
خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول» [أخرجه مسلم] .
والمعنى: أي ما بقيت لك بعد إخراجها كفاية لك ولعيالك واستغناء كقوله
تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا
يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ
الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [سورة البقرة:
219].
ومن هنا نعرف أن التصدق سهل على كل واحد منا... ومن المهم أن نعرف بعض
ما يعظم أجر الصدقة فمن ذلك ما جاء في الحديث الصحيح: «أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل
الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا،
ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان» [متفق عليه].
وفي الحديث أيضا: «أفضل الصدقة جهد
المقل، وابدأ بمن تعول» [أخرجه أبو داود والحاكم في المستدرك
عن أبي هريرة, وفي صحيح الجامع برقم: 1112، وقال صحيح].
وانظر معي إلى ما جاء في هذا الحديث الصحيح: «أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم
الكاشح» [أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير عن أبي
أيوب، وفي صحيح الجامع برقم : 1110 ، وقال صحيح]. و"الكاشح":
العَدُوُّ الذي يُضْمِر عَداوَته ويَطْوي.
يعني: أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة في باطنه فالصدقة عليه
أفضل منها على ذي الرحم الغير كاشح لما فيه من قهر النفس للإذعان
لمعاديها وعلى ذي الرحم المصافي أفضل أجراً منها على الأجنبي لأنه
أولى الناس بالمعروف.
وأحرص أخي في أمر التصدق على ذوي الأرحام ففي الحديث الصحيح أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: «الصدقة على
المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم أثنتان: صدقة، وصلة الرحم»
[أخرجه أحمد في مسنده والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم في
المستدرك عن سلمان بن عامر, وفى صحيح الجامع برقم : 3858، وقال
صحيح].
** والكلام على الصدقة سيل لاينقطع... فهذا يا أخى الحبيب غيض من فيض
وقطرة من سيل ولعل فيه الكفاية لمن أراد الهداية.... فاحرص أيها
المريد للخير أن تجعل من استقبالك لرمضان نقطة انطلاق إلى رحابة البذل
خروجا من قيد الشح والبخل وتذكر قول الله تعالى: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ
لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ
يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ
وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا
غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [سورة محمد:
38].
فلعل ذلك يكون سببا في الانتصار على هوى النفس الأمارة بالسوء
وإخراجها من ظلماتها, وذلك مع ورود أنوار رمضان فيكون نور فوق نور,
فلنستقبل رمضان بفعل الخيرات التي منها الصدقة... هذا يا أخي
سادسا...أما السابع فهو...
*السابع: المجاهدة... مجاهدة النفس التي هي طريق الجهاد بالنفس:
إن الذين تتوق نفوسهم للجهاد في سبيل الله جل وعلا... ويتكلمون في ذلك
الأمر كثيرا, لعلهم لايعلمون أن في رمضان فرصة كبيرة لتربية النفس,
وإقامة معسكر لإعداد من يريد أن يكون من المجاهدين, لأن الجهاد بالنفس
يبدأ بجهاد النفس وتربيتها أولا... نعم بجهاد النفس أولا...
ولابد للمؤمن... الذي تتوق نفسه بصدق إلى الجهاد في سبيل الله... لابد
له من تربية النفس وتخليصها مما يهلكها, لابد أن يجعل من الدنيا سجن
عما حرم الله وعما يفسد الدين وينقص الإيمان, وهي كذلك للمؤمن ولابد
ففى الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدنيا سجن
المؤمن، وجنة الكافر» [أخرجه أحمد في مسنده ومسلم فى صحيحه والترمذي
وابن ماجة عن أبي هريرة]... أرأيت أخي كيف هي الدنيا للمؤمن...
ولذلك فالله لا يصطفى أهل المعاصي والتولي عن الحق وعن نصرته,
المنهزمون في أنفسهم والذين ذلوا لشهواتهم, الله لايتخذ ولا يأتي
بهؤلاء بل يأتي بمن يجاهدون أنفسهم بتربيتها على الحق والتخلص من أسر
وقيود الشهوات والأهواء, حتى تخلص لربها ثم يختارهم ويأتي بهم لشرف
الجهاد بالنفس...
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي
اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ
اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
[سورة المائدة: 54].
ثم إذا أفلح العبد في مجاهدة نفسه لعله يفلح بإذن الله في الجهاد سواء
بالسيف أو باللسان ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه» [أخرجه
أحمد في مسنده والطبراني في الكبير عن كعب بن مالك, وفى صحيح الجامع
برقم: 1934، وقال صحيح].
أيها الأخوة الشباب جاهدوا أنفسكم لأنفسكم أولا حتى تستمروا في
المسيرة بلا فتن أو انقطاع أو انقلاب... وهنيئا لمن شاب في الإسلام
هنيئا... ففى الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلمصلى الله عليه
وسلم قال: «الشيب نور المؤمن، لا يشيب
رجل شيبة في الإسلام إلا كانت له بكل شيبة حسنة، ورفع بها
درجة» [أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمرو, وفى صحيح
الجامع برقم: 3748، وقال حسن].
فلنجعل نحن معشر المسلمين, من رمضان وصيامه, وقيامه, والتصدق,
والتلاوة القرآنية التي لا تنقطع الا لنوم أو خلاء أو طعام, ولا مانع
أن تقرأ الحائض والجنب مما يحفظ حتى تطهر فيقرأ من المصحف, وهكذا
الذكر الدائم وبذل المعروف, وإفطار الصائمين من المال الحلال ولو
تمرة, وإدخال السرور على الضعفاء والمساكين والأرامل والفقرأء، وخيرهم
من كان يتيما وخاصة من كان من أهل الصلاح وعمل الخير, وصلة الأرحام
والإحسان إلى الجيران, وحسن الخلق مع الأهل والأصحاب والعشيرة,
والأزواج والذرية, وغيرهم والعفوا فى أيام العفو, وانظار ذوي الإعسار,
وإسقاط الدين عمن لايجد وأنت تقدر ولو من زكاة المال, والأمر ب