ولكن من رحمة الله بنا .. أن شرع لنا ما نسد به نقص صلاتنا ..
كما
أخرج الحاكم وصححه .. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يقول ربنا عز
وجل للملائكة - وهو أعلم - : أنظروا في صلاة عبدي .. أتمها أم نقصها ؟
فإن كانت تامة .. كتبت له تامة ..
وإن كان انتقص منها شيئاً .. قال : انظروا هل لعبدي من تطوع ؟
فإن كان له تطوع .. قال : أتموا لعبدي فريضته من تطوعه .. ثم تؤخذ الأعمال على ذلك ..
وكان صلى الله عليه وسلم يحث على السنن الرواتب .. بل أخبر بالفضل العظيم لمن صلاها ..
فروى مسلم وابن خزيمة أنه صلى الله عليه وسلم قال :
ما
من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة .. تطوعاً غير فريضة .. إلا
بنى الله له بيتاً في الجنة .. أربعَ ركعات قبل الظهر .. وركعتين بعد
الظهر .. وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء .. وركعتين قبل الصبح ..
* * * * * * * *
وينبغي على العبد أن يعظم ربه إذا وقف بين يديه ..
كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ..
وكان أبو بكر إذا صلى بالناس لم يكد يسمعون قراءته من الرقة ..
وكان عمر يسمع نشيجه من وراء الصفوف ..
كان
علي بن الحسين رضي الله عنه : إذا توضأ أخذته رعدة وتصبب عرقاً ..
فيسألونه عن ذلك ؟ فيقول : ويلكم .. أتدرون بين يدي من سوف أقوم !!
أما
مسلم بن يسار .. فقال عنه بعض أصحابه : ما رأيت مسلم بن يسار ملتفتاً في
صلاته قط .. خفيفة ولا طويلة .. ولقد انهدمت ناحية من المسجد ففزع أهل
السوق لهدته وإنه لفي المسجد في صلاة فما التفت إليهم ..
وقال
ابن سيرين : رأيت مسلم بن يسار رفع رأسه من السجود في المسجد الجامع ..
فنظرت إلى موضع سجوده كأنه صب فيه الماء من كثرة دموعه ..
وقال
ابن عون : رأيت مسلم بن يسار يصلي كأنه وتد .. لا يميل على قدم مرة ولا
على قدم مرة .. ولا يتحرك .. له ثوب ولا يتروح على رجل ..
وكثير
الحمصي .. أمَّ أهل حمص ستين سنة كاملة .. ولم يسهُ في صلاة قط .. فسئل
عن ذلك .. فقال : " ما دخلت من باب المسجد قط وفي نفسي غير الله " ..
نعم يستشعر أحدهم أنه مخلوق حقير .. واقف بين يدي ملك كبير..
خضعت له السماواتُ وما أظلّتْ .. والأرضُ وما أقلّت .. عَنَتْ له الوجوهُ .. وخضعتْ له الرقابُ .. وذلّتْ له الجبابرةُ ..
وإذا قال : الله أكبر .. استشعرَ أنَّ الله أكبرُ منْ كلِّ ما يخطرُ بالبال .. وهو سبحانه يراقب إلى صلاته .. ويسمع مناجاته ..
فإذا قال : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) .. قال الله :"حَمِدَنِي عبدي"..
وإذا قال : ( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) .. قال الله : " أثنى عليَّ عبدي " ..
فإذا قال : (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ): " مجدني عبدي " ..
وإذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) .. قال الله : " هذا لعبدي ولعبدي ما سأل " ..
فيا لذة قلبه .. وقرّة عينه .. وسرور نفسه بقول ربّه : " عبدي " " عبدي " ..
وهو سبحانه الغني عن عبده .. قد استوى على عرشه .. وتفرد بتدبير ملكه ..يغيثِ الملْهُوفين .. ويجيب المضْطَرِّين ..
فيخشع لذلك قلبه .. وتطْمئنُ نفسهُ.. وتسْكنُ حركاته ..
ويجْتَمَع همُّهُ على الله .. وتقرُّ عينُهُ بمولاه ..ويحسُّ بحلاوة قُرْبِهِ .. ويتلذذ بخشوع قَلَبهُ ..
فيعبدُ الله .. كَأَنَّهُ يَرَاه فَوقَ سَمَوَاتِهِ .. مُستَوِيًا عَلَى عَرْشِهِ .. يَتَكَلَّمُ بِأَمْرِهِ وَنَهيِهِ ..
وَيُدَبِّرُ
أَمْرَ خَلِيقَته .. فَيَنْزِلُ الأَمْرُ مِنْ عِنْدِهِ وَيَصْعَدُ
إلَيهِ .. وهو حَيّ .. سَمِيع .. بَصِير .. يُحِبُّ وَيُبغِضُ .. وَيَرضَى
وَيَغضَبُ .. وَيَفعَلُ مَا يَشَاءُ .. وَيَحكُمُ مَا يُرِيدُ ..
(
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن
فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ
وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ
عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ
اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء ) ..
* * * * * * * *
ولا يكاد الشيطان يبغض شيئاً كبغضه للصلاة ..
ولذلك
إذا رأى الشيطانُ ابنَ آدم ساجداً لله .. اعتزل ناحية يبكي .. ويقول : يا
ويله !! أُمر ابنُ آدم بالسجود فسجد فله الجنة .. وأمرت بالسجود فعصيت
فلي النار .. رواه مسلم ..
والشيطان
من بغضه للصلاة أنه إذا نودي للصلاة أدبر وله ضراط حتى لا يسمع التأذين
.. فإذا قضي النداء أقبل .. حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر .. حتى إذا قضي
التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه .. يقول : اذكر كذا .. اذكر كذا ..
لما لم يكن يذكر .. حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى .. متفق عليه ..
نعم يتسلط عليه الشيطان وهو في صلاته ليفسدها عليه ..
قال
صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان ليلطف بالرجل في صلاته ليقطع عليه
صلاته فإذا أعياه نفخ في دبره .. ليخيل إليه أنه أحدث .. فإذا أحس أحدكم من
ذلك شيئاً .. فلا ينصرف حتى يجد ريحاً .. أو يسمع صوتاً .. رواه الطبراني
وقال الهيثمي رجاله ثقات ..
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة .. فقال :
هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد .. رواه البخاري ..
وبلغ
من حقد الشيطان .. أنه إذا نام العبد.. يعقد على قافية رأسه ثلاث عقد
يضرب كل عقدة عليك ليل طويل فارقد .. رواه البخاري .. حتى لا يستيقظ
للصلاة ..
بل الأمر أعظم من ذلك .. فإن الشيطان يجتهد في إغراق العبد في النوم.. لتفوته الصلاة .. قال صلى الله عليه وسلم :
إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاث مرات .. فإن الشيطان يبيت على خيشومه .. متفق عليه ..
بل في الصحيحين .. أنه ذُكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ نام عن الفجر ليلة حتى أصبح .. فقال :
ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه ..
وعند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بعذاب من يخرجون الصلاة عن وقتها فقال فيما رواه البخاري :
إنه أتاني آتيان فابتعثاني فانطلقت معهما فأتينا على رجل مضطجع ..
* * * * * * * *
ولا يزال الشيطان بالعبد يشغله عن الصلاة حتى يتركها ..
وإن الجريمة الكبرى .. والداهية العظمى ..أن يترك المرء الصلاة ..
فتاركو الصلاة هم أنصار الشيطان .. وأعداء الرحمن ..
وخصوم المؤمنين .. وإخوان الكافرين ..
الذين يحشرون مع فرعون وهامان ..ويتقلبون معهم في النيران ..
وقد قال صلى الله عليه وسلم ; فيما رواه مسلم : "بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة " ..
وصح
عند الترمذي والحاكم عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة صلى الله عليه
وسلم قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من
الأعمال تركه كفر غير الصلاة ..
قال
الشيخ ابن عثيمين : وإذا حكمنا على تارك الصلاة بالكفر .. فهذا يقتضي أنه
تنطبق عليه أحكام المرتدين .. فلا يصح أن يُزوَّج .. فإن عُقد له وهو لا
يصلي فالنكاح باطل .. وإذا ترك الصلاة بعد أن عُقد له فإن نكاحه ينفسخ ولا
تحل له الزوجة .. وإذا ذبح لا تؤكل ذبيحته لأنها حرام .. ولا يدخل مكة ..
ولو مات أحد من أقاربه فلا حق له في الميراث .. وإذا مات لا يغسل ولا
يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين .. ويحشر يوم القيامة مع الكفار
.. ولا يدخل الجنة .. ولا يحل لأهله أن يدعوا له بالرحمة والمغفرة لأنه
كافر ..
وحال تاركي الصلاة عند الموت أدهى وأفظع ..
ذكر ابن القيم :
أن
أحد المحتضرين .. كان صاحب معاص وتفريط .. فلم يلبث أن نزل به الموت ..
ففزع من حوله إليه .. وانطرحوا بين يديه .. وأخذوا يذكرونه بالله ..
ويلقنونه لا إله إلا الله ..
وهو يدافع عبراته .. فلما بدأت روحه تنزع .. صاح بأعلى صوته .. وقال : أقول : لا إله إلا الله !!
وما تنفعني لا إله إلا الله ؟!! وما أعلم أني صليت لله صلاة !! ثمّ أخذ يشهق حتى مات ..
أمّا عامر بن عبد الله بن الزبير .. فلقد كان على فراش الموت .. يعد أنفاس الحياة .. وأهله حوله يبكون ..
فبينما هو يصارع الموت .. سمع المؤذن ينادي لصلاة المغرب .. ونفسه تحشرج في حلقه .. وقد أشتدّ نزعه .. وعظم كربه ..
فلما سمع النداء قال لمن حوله : خذوا بيدي ..!!
قالوا
: إلى أين ؟ .. قال : إلى المسجد .. قالوا : وأنت على هذه الحال !! قال :
سبحان الله .. !! أسمع منادي الصلاة ولا أجيبه .. خذوا بيدي .. فحملوه
بين رجلين .. فصلى ركعة مع الإمام .. ثمّ مات في سجوده .. نعم .. مات وهو
ساجد ..
وقال
عطاء بن السائب : أتينا إلى أبي عبدالرحمن السلمي .. وهو مريض في مصلاه
في المسجد .. فإذا هو قد اشتد عليه الأمر .. وقد بأت روحه تنزع .. فأشفقنا
عليه .. وقلنا له : لو تحولت إلى الفراش .. فإنه أوثر وأوطأ .. فتحامل
على نفسه وقال :
حدثني
فلان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يزال أحدكم في صلاة ما دام
في مصلاه ينتظر الصلوة .. فأنا أريد أن أقبض على ذلك ..
فمن أقام الصلاة .. وصبر على طاعة مولاه .. ختم له برضاه ..
كان
سعد بن معاذ رضي الله عنه .. صالحاً قانتاً .. متعبداً مخبتاً .. عرفه
الليل ببكاء الأسحار .. وعرفه النهار بالصلاة والاستغفار ..
أصابه جرح في غزوة بني قريظة..فلبث مريضاً أياماً ثم نزل به الموت..
فلما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم .. قال لأصحابه : انطلقوا إليه .. قال جابر :
فخرج وخرجنا معه .. وأسرع حتى تقطعت شسوع نعالنا .. وسقطت أرديتنا .. فعجب أصحابه من سرعته .. فقال :
إني أخاف أن تسبقنا إليه الملائكة فتغسله .. كما غسلت حنظلة ..
فانتهى
إلى البيت فإذا هو قد مات .. وأصحاب له يغسلونه .. وأمه تبكيه .. فقال
صلى الله عليه وسلم : كل باكية تكذب إلا أم سعد .. ثم حملوه إلى قبره ..
وخرج صلى الله عليه وسلم يشيعه .. فقال القوم : ما حملنا يا رسول الله
ميتاً أخف علينا منه ..
فقال
صلى الله عليه وسلم : ما يمنعه أن يخف وقد هبط من الملائكة كذا وكذا لم
يهبطوا قط قبل يومهم .. قد حملوه معكم .. والذي نفسي بيده لقد استبشرت
الملائكة بروح سعد .. واهتز له العرش ..
{
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ
جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا
حِوَلًا } ..
* * * * * * * *
والصلاة النافعة هي التي تقام كما أمر الله ..
وقد أمر الله بإقامة الصلاة مع جماعة المسلمين في المساجد ..
فقال عز وجل
وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ )
وفي الصحيحين : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب .. ثم آمر بالصلاة فيؤذنَ لها .. ثم آمرَ رجلاً فيؤمَّ الناس ..
ثم أخالفَ إلى رجال فأحرقَ عليهم بيوتهم والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء..
فقام
بن أم مكتوم الأعمى رضي الله عنه فقال : يا رسول الله ! يا رسول الله !
إني رجل ضرير البصر .. شاسع الدار .. وليس لي قائد يلائمني .. فهل لي رخصة
أن أصلي في بيتي..
قال : أتسمع النداء ؟ قال : نعم .. قال : فاحضرها ..
قال : يا رسول الله .. إن بيني وبينها نخلاً وشجراً .. وليس لي قائد ..
قال أتسمع الإقامة : قال : نعم .. قال : فاحضرها ولم يرخص له ..
* * * * * * * *
وروى مسلم :
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :
من
سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن
.. فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى .. وإنهن من سنن
الهدى ..
ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته .. لتركتم سنة نبيكم .. ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ..
ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ..
ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف ..
* * * * * * * *
لأجل هذه الفضائل .. كان صلى الله عليه وسلم لا يصلي إلا مع الجماعة .. في سفره وحضره .. وأمنه وخوفه .. ومرضه وعافيته ..
انظر
إليه صلى الله عليه وسلم .. وقد نزل به الموت .. والحمى تأكل جسده ..
وهو يتحامل على نفسه ويصلي بالناس.. حتى صلى بهم المغرب يوم الجمعة ودخل
بيته ..وقد اشتدت الحمى ..فوضعوا له فراشاً فانطرح عليه ..
واجتمع
الناس لصلاة العشاء .. وهو صلى الله عليه وسلم يحاول النهوض من فراشه ..
فلا يقدر .. فلما أبطأ عليهم .. جعل بعضهم ينادي : الصلاة .. الصلاة ..
فالتفت
النبي صلى الله عليه وسلم إلى من حوله وقال : أصلى الناس ؟ قالوا : لا
.. يا رسول الله .. هم ينتظرونك .. فإذا حرارة جسده صلى الله عليه وسلم
تمنعه من النهوض .. فقال : صبوا لي ماء في المخضب .. وهو إناء كبير ..
فصبوا له الماء..وجعلوا يصبون الماء البارد من القرب ..فوق جسده..
فلما برد جسده .. وشعر بشيء من النشاط .. جعل يشير لهم بيده .. فأوقفوا الماء عنه .. فلما اتكأ على يديه ليقوم أغمي عليه ..
فلبث ملياً .. ثم أفاق .. فكان أول سؤال سأله .. أن قال : أصلى الناس ؟ قالوا : لا .. يا رسول الله .. هم ينتظرونك ..
قال : ضعوا لي ماء في المخضب .. فاغتسل .. وجعلوا يصبون عليه الماء..حتى إذا شعر بشيء من النشاط أراد أن يقوم فأغمي عليه..
فلبث ملياً .. ثم أفاق .. فكان أول سؤال سأله ..أن قال : أصلى الناس؟ قالوا : لا .. يا رسول الله .. هم ينتظرونك ..
قال
: ضعوا لي ماء في المخضب .. فوضعوا له الماء .. وجعلوا يصبون الماء
البارد على جسده .. وأكثروا الماء .. حتى أشار لهم بيده .. ثم اتكأ على
يديه ليقوم .. فأغمي عليه .. فلبث مغمى عليه ملياً .. ثم أفاق .. فقال :
أصلى الناس ؟ قالوا : لا .. هم ينتظرونك يا رسول الله ..
فلما رأى حاله .. وتمكن المرض مند جسده .. التفت إليهم وقال :
مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس .. فصلى أبو بكر أياماً ..
فلما كان يومُ الاثنين .. وجد صلى الله عليه وسلم نشاطاً في جسده .. فدعا العباس وعليّاً .. فأسنداه عن يمينه ويساره ..
ثم خرج يمشي بينهما .. إلى المسجد .. تخط رجلاه في الأرض .. ولم يفوت صلاة الجماعة ..
وهكذا كان الصالحون من بعده ..
فكان سعيد بن عبد العزيز إذا فاتته صلاته الجماعة بكى ..
وقال برد مولى سعيد بن المسيب : ما نودي للصلاة منذ أربعين سنة إلا وسعيد في المسجد ..
وقال وكيع:كان الأعمش قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى..
وسئل سليمان المقدسي عن صلاة الجماعة وقد قارب عمره التسعين .. فقال: لم أصلّ الفريضة قط منفرداً إلا مرتين وكأني لم أصلهما قط..
وقال حاتم الأصم : فتتني صلاة الجماعة فعزاني أبو إسحاق البخاريُ وحده .. ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف ..
وكان
الربيع بن خثيم بعدما شُلَّ جسده وأصابه الفالج .. يهادي بين رجلين إلى
مسجد قومه .. وكان أصحابه يقولون : يا أبا يزيد .. لقد رخص الله لك لو صليت
في بيتك .. فيقول :
إنه كما تقولون .. ولكني سمعته ينادي : حي على الفلاح .. فمن سمع منكم ينادي حي على الفلاح .. فليجبه ولو زحفاً ولو حبواً ..
لله درهم من مرضى.. بل والله نحن المرضى..
* * * * * * * *
وإذا أحب العبد الصلاة .. اشتاقت نفسه إليها .. فبكر إلى اللقاء ..واشتغل بالذكر والدعاء .. حتى تقام الصلاة ..
وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم
ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه)
ولا يزال العبد في صلاة ما انتظر الصلاة ..
ومما ابتلي به اليوم كثير من الناس التأخر عن الصلوات عموماً خاصة صلاةَ الجمعة ..
وقد
روى البخاري .. أنه صلى الله عليه وسلم قال : من اغتسل يوم الجمعة غسل
الجنابة ثم راح .. فكأنما قرب بدنة .. ومن راح في الساعة الثانية فكأنما
قرب بقرة ..
ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ..
ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ..
ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ..
فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر ..
وعند
البخاري أيضاً .. أنه صلى الله عليه وسلم قال : إذا كان يوم الجمعة كان
على كل باب من أبواب المسجد .. الملائكة يكتبون الأول فالأول ..
فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر ..
من أجل ذلك كان الصالحون يتسابقون إليها ..
قال
الإمام الزركشي : إن من أول ما أحدث المتأخرون من التغيير في صلاة الجمعة
أنهم يتأخرون في المجيء إليها .. ولقد أدركنا السابقين يأتي أحدهم إلى
صلاة الجمعة بيده السراج .. يعني يأتي إليها قبل أن تطلع الشمس ..
نعم ..{ إنهم كانوا يسارعون إلى الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين } ..
ومن حب الله تعالى للذين يبكرون إلى صلاة الجمعة ..
أنهم
هم الأقرب إليه .. في يوم المزيد .. في الجنة .. إذا اجتمع المؤمنون
ينظرون إلى ربهم جل جلاله .. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ..
أو ما سمعت بشأنهم يوم المزيد وأنه شأن عظيم الشان
هو يوم جمعتنا ويوم زيارة الرحمن وقت صلاتنا وأذان
والسابقون إلى الصلاة هم الألى فازوا بذاك السبق بالإحسان
سبق بسبق والمؤخر هاهنا متأخر في ذلك الميدان
والأقربون إلى الإمام فهم أولو الزلفى هناك فهاهنا قربان
قرب بقرب والمباعد مثله بعد ببعد حكمة الديان
ولهم منابر لؤلؤ وزبرجد ومنابر الياقوت والعقيان
هذا وأدناهم وما فيهم دني من فوق ذاك المسك كالكثبان
فيرون ربهم تعالى جهرة نظر العيان كما يرى القمران
ويحاضر الرحمن واحدهم محاضرة الحبيب يقول يا بن فلان
هل تذكر اليوم الذي قد كنت فيه مبارزاً بالذنب والعصيان
فيقول رب أما مننت بغفرة قدماً فإنك واسع الغفران
فيجيبه الرحمن مغفرتي التي قد أوصلتك إلى المحل الداني
فيها الذي والله لا عين رأت كلا ولا سمعت به أذنان
واهاً لذا السوق الذي من حله نال التهاني كلها بأمان
وتجارة من ليس تلهيه تجارات ولا بيع عن الرحمن
يا من تعوض عنه بالسوق الذي ركزت لديه راية الشيطان
لو كنت تدري قدر ذاك السوق لم تركن إلى سوق الكساد الفاني
فهم الى يوم المزيد أشد شوقا من محب للحبيب الداني
هذا وخاتمة النعيم خلودهم أبداً بدار الخلد والرضوان
* * * * * * * *
ولا يكفي أن يحرص المرء على الصلاة في المسجد بل لا بد أن يأمر من تحت يده بذلك .. وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ..
بعث
عبد العزيز بن مروان ابنه عمر إلى المدينة يتأدب بها ويطلب العلم .. وكتب
إلى صالح بن كيسان يتعاهده .. وكان يلزمه في الصلوات .. فأبطأ يوماً عن
الصلاة .. فقال : ما حبسك ؟ قال : كنت أمشط شعري .. فقال : بلغ من حبك
لشعرك أن تؤثره على الصلاة ؟! وكتب بذلك إلى والده .. فبعث أبوه رسولاً
إليه فما كلمه حتى حلق شعره ..
وفقد
عبد الملك بن مروان ولده هشام يوماً في صلاة جمعة .. فبعث إليه بعد
الصلاة يسأله عن تغيبه .. فقال : عجزت بغلتي عن حملي .. ولم أجد دابة ..
فأرسل إليه : وإذا لم تجد دابة تغيب عن الجمعة .. أقسمت عليك ألا تركب دابة سنة كاملة ..
وقال
مجاهد : سمعت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدراً
قال لابنه : أدركت الصلاة معنا ؟ قال : نعم .. قال : أدركت التكبيرة
الأولى ؟ قال : لا .. قال : لما فاتك منها خير من مائة ناقة كلها سود
العين ..
وكان
ابو هريرة رضي الله عنه إذا خرج للصلاة .. مر ببيوت أهله يصيح ويخرجهم
معه إلى المسجد .. وهو يقرأ { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ
عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ
لِلتَّقْوَى } ..
* * * * * * * *
نعم
.. إن جنة المؤمن في محرابه .. والذنب لا يغسل إلا بالدمع .. والمغفرة
تطلب بالركوع والسجود .. وكلما كان الرجل في صلاته أكثر اتباعاً للنبي صلى
الله عليه وسلم .. وتطبيقاً للسنن كان أجره أعظم .. كيف لا وقد قال صلى
الله عليه وسلم : صلوا كما رأيتموني أصلي ..
وقد
ترى الرجلين يصليان في مسجد واحد بل يقفان في صف واحد وراء إمام واحد
يدخلان الصلاة في وقت واحد وينصرفان منها في وقت واحد .. وبين صلاة هذا
وصلاة هذا من الأجر كما بين السماء والأرض ..
والفرق أن الأول صلى كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي .. والثاني ما يهتم بتطبيق السنن .. ولا يلتفت إليها ..
وسوف أسوق لكم في عجالة صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ملخصة من كتاب الشيخ ابن باز رحمه الله :
وصفة الصلاة أن يستقبل القبلة ناوياً بقلبه الصلاة.. ولا ينطق بلسانه بالنية.. ويسقط الاستقبال عن العاجز عنه كالمريض ..
ويجب عليه أن يصلي قائماً إلا العاجز عن القيام .. فيصلي جالساً إن استطاع .. وإلا فعلى جنب ..
ويسن
أن يصلي إلى سترة.. لا فرق في ذلك بين المسجد وغيره.. لقوله صلى الله
عليه وسلم : ( لا تصل إلا إلى سترة .. ولا تدع أحداً يمر بين يديك .. ) و
تكون السترة مرتفعة عن الأرض ..
وعليه أن يتجنب ما يلهيه في صلاته من زخارف وأصوات .. ولا يصلي يدافعه البول والغائط ..
ثم
يكبر تكبيرة الإحرام قائلا : "الله أكبر" ناظراً ببصره إلى محل سجوده ..
ويرفع يديه عند التكبيرة إلى حذو منكبيه .. أو إلى حيال أذنيه ..
ولا يرفع صوته بالتكبير في كل الصلوات.. إلا إذا كان إماماً .. ولا يكبر المأموم إلا عقب انتهاء الإمام من التكبير ..
ثم يضع يديه على صدره .. اليمنى على اليسرى ..
ويسن
أن يقرأ دعاء الاستفتاح فيقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت
بين المشرق والمغرب .. اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من
الدنس .. اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد ، رواه البخاري ..
أو غيره مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ..
ثم يقول: ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. بسم الله الرحمن الرحيم ) ..
وينظرُ إلى موضع سجوده .. ولا يلتفتُ ببصره .. ولا يرفعُ بصره ..
ويقرأُ سورة الفاتحة .. ويقولُ بعدها " آمين " .. جهراً في الصلاة الجهرية .. وسراً في السرية .. ثم يقرأُ ما تيسر من القرآن ..
ثم
يكبرُ ويركعُ رافعاً يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه .. كما رفعهما عند
تكبيرة الإحرام .. ويجعل ظهره في الركوع مستوياً .. واضعاً يديه على ركبتيه
ويفرج بين أصابعه كأنه قابض على ركبتيه .. ويقول ( سبحان ربي العظيم )
والأفضل أن يكررها ثلاثاً أو أكثر .. وإن زاد عليها من الذكر الوارد فلا
بأس ..
ثم يرفع رأسه من الركوع .. رافعاً يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه قائلاً : سمع الله لمن حمده ..
ثم
يضع يديه على صدره .. ويقول : ربنا ولك الحمد .. وإن زاد فقال : ملء
السموات .. وملء الأرض .. وملء ما شئت من شيء بعد .. أهل الثناء والمجد ..
أحق ما قال العبد .. وكلنا لك عبد .. اللهم لا مانع لما أعطيت .. ولا معطي
لما منعت .. ولا ينفع ذا الجد منك الجدُّ ( أي لا ينفع ذا الغنى غناه )
رواه مسلم .. أو يقول غيره مما ورد ..
وإن كان مأموماً فإنه لا يقول سمع الله لمن حمده ..
وإنما يقول ما بعدها : ربنا ولك الحمد .. إلى آخره ..
ثم
يخر ساجداً مكبراً .. ويكون على أعضائه السبعة : الجبهة مع الأنف ..
واليدين .. والركبتين .. وبطون أصابع القدمين .. ويقول : ( سبحان ربي
الأعلى ) .. ويكرر ذلك ثلاثاً أو أكثر .. ويكثر من الدعاء في السجود ..
ويضم أصابع يديه في سجوده .. ويجافي عضديه عن جنبيه .. وبطنه عن فخذيه .. ويرفع ذراعيه عن الأرض ..
ثم
يرفع رأسه مكبراً .. ويفرش قدمه اليسرى ويجلس عليها .. وينصب قدمه اليمنى
.. ويضع يديه على فخذيه وركبتيه .. ويقول في هذه الجلسة بين السجدتين : "
اللهم اغفر لي.. وارحمني.. واجبرني.. وارفعني.. وعافني.. وارزقني أو : "
رب اغفر لي.. رب اغفر لي "..
وقد كان صلى الله عليه وسلم يطيل اعتداله بعد الركوع وبين السجدتين ..
ثم يسجد السجدة الثانية مكبراً .. ويفعل فيها كما فعل في السجدة الأولى ..
ثم
يرفع رأسه مكبراً .. ويجلس – إن شاء - جلسة خفيفة مثل جلوسه بين السجدتين
.. وتسمى : جلسة الاستراحة .. وهي مستحبة .. وإن تركها فلا حرج .. وليس
فيها ذكر ولا دعاء ..
ثم ينهض قائماً إلى الركعة الثانية ويفعل كما فعل في الركعة الأولى ..
وإذا
كانت الصلاة ثنائية .. أي ركعتين كصلاة الفجر والجمعة والعيد .. جلس في
الركعة الثانية للتشهد الأخير .. قابضاً أصابع يده اليمنى كلَّها إلا
السبابة .. فيشير بها إلى التوحيد عند ذكر الله والدعاء ..
وإن قبض الخنصر والبنصر .. وحلق الإبهام والوسطى وأشار بالسبابة فحسن .. لثبوت الصفتين عن النبي صلى الله عليه وسلم ..
ثم
يقرأ التشهد .. وهو : " التحيات لله.. والصلوات.. والطيبات.. السلام على
عليك أيها النبي ( أو السلام على النبي ) ورحمة الله وبركاته.. السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين.. أشهد أن لا إله إلا الله.. وأشهد أن محمد
عبده ورسوله " ..
ويقرأ
بعد هذا التشهد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : " اللهم
صل على محمد.. وعلى آل محمد.. كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.. إنك
حميد مجيد..اللهم بارك على محمد.. وعلى آل محمد.. كما باركت على
إبراهيم.. وعلى آل إبراهيم.. إنك حميد مجيد "..
ويستحب
أن يقول بعدها .. " اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم.. ومن عذاب القبر..
ومن فتنة المحيا والممات.. ومن شر فتنة المسيح الدجال " ..
ثم يدعو بما شاء من خير الدنيا والآخرة ..
ثم يسلم عن يمينه وشماله قائلاً : ( السلام عليكم ورحمة الله .. السلام عليكم ورحمة الله ) ..
وإن
كانت الصلاة ثلاثية كالمغرب .. أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء .. قرأ
التشهد .. ثم نهض إلى الركعة الثالثة .. رافعاً يديه إلى حذو منكبيه .. كما
فعل في تكبيرة الإحرام ..قائلا : ( الله أكبر ) ..
ويضع يديه على صدره .. كما تقدم .. ويقرأ الفاتحة فقط ..
فإذا
جلس للتشهد الأخير .. جلس متوركاً .. واضعاً قدمه اليسرى تحت ساقه اليمنى
.. وبعض مقعدته على الأرض .. ويلقم كفه اليسرى ركبته..يعتمد عليها.
ثم يسلم عن يمينه وشماله ..
ويسن له بعد الصلاة أن يأتي بأذكار الصلاة وهي :
أن
يستغفر ثلاثاً .. ويقول : اللهم أنت السلام .. ومنك السلام .. تباركت يا
ذا الجلال والإكرام .. لا إله الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد
وهو على كل شيء قدير .. اللهم لا مانع لما أعطيت .. ولا معطي لما منعت ..
ولا ينفع ذا الجدِّ منك الجدُّ .. لا إله إلا الله .. ولا نعبد إلا إياه
.. له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن .. لا إله إلا الله مخلصين له
الدين ولو كره الكافرون ..
ثم يقول سبحان الله .. والحمد لله.. والله أكبر .. كلاً منها ثلاثاً وثلاثين مرة
ثم يتم المائة بقوله : لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد .. وهو على كل شيء قدير ..
ثم يقرأ آية الكرسي .. وقل هو الله أحد والمعوذتين مرة واحدة ..
إلا بعد صلاتي الفجر والمغرب .. فيستحب تكرار هذه السور الثلاث ثلاث مرات ..
كما يستحب أن يقول بعد صلاتي الفجر والمغرب :
لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ..عشر مرات ..
* * * * * * * *