منتدي المركز الدولى


زكـــاة الحــلي Ououou11

۩۞۩ منتدي المركز الدولى۩۞۩
ترحب بكم
زكـــاة الحــلي 1110
زكـــاة الحــلي Emoji-10
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول
ونحيطكم علما ان هذا المنتدى مجانى من أجلك أنت
فلا تتردد وسارع بالتسجيل و الهدف من إنشاء هذا المنتدى هو تبادل الخبرات والمعرفة المختلفة فى مناحى الحياة
أعوذ بالله من علم لاينفع شارك برد
أو أبتسانه ولاتأخذ ولا تعطى
اللهم أجعل هذا العمل فى ميزان حسناتنا
يوم العرض عليك ، لا إله إلا الله محمد رسول الله.
شكرا لكم جميعا زكـــاة الحــلي 61s4t410
۩۞۩ ::ادارة
منتدي المركز الدولى ::۩۞۩
منتدي المركز الدولى


زكـــاة الحــلي Ououou11

۩۞۩ منتدي المركز الدولى۩۞۩
ترحب بكم
زكـــاة الحــلي 1110
زكـــاة الحــلي Emoji-10
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول
ونحيطكم علما ان هذا المنتدى مجانى من أجلك أنت
فلا تتردد وسارع بالتسجيل و الهدف من إنشاء هذا المنتدى هو تبادل الخبرات والمعرفة المختلفة فى مناحى الحياة
أعوذ بالله من علم لاينفع شارك برد
أو أبتسانه ولاتأخذ ولا تعطى
اللهم أجعل هذا العمل فى ميزان حسناتنا
يوم العرض عليك ، لا إله إلا الله محمد رسول الله.
شكرا لكم جميعا زكـــاة الحــلي 61s4t410
۩۞۩ ::ادارة
منتدي المركز الدولى ::۩۞۩
منتدي المركز الدولى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدي المركز الدولى،منتدي مختص بتقديم ونشر كل ما هو جديد وهادف لجميع مستخدمي الإنترنت فى كل مكان
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
Awesome Orange 
Sharp Pointer
منتدى المركز الدولى يرحب بكم أجمل الترحيب و يتمنى لك اسعد الاوقات فى هذا الصرح الثقافى

اللهم يا الله إجعلنا لك كما تريد وكن لنا يا الله فوق ما نريد واعنا يارب العالمين ان نفهم مرادك من كل لحظة مرت علينا أو ستمر علينا يا الله

 

 زكـــاة الحــلي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
اسكندرانى
برونزى
اسكندرانى


عدد المساهمات : 194
تاريخ التسجيل : 20/09/2011

زكـــاة الحــلي Empty
مُساهمةموضوع: زكـــاة الحــلي   زكـــاة الحــلي Icon_minitime1الخميس 13 سبتمبر - 10:55

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
زكـــاة الحــلي
أ.د.إبراهيم بن محمد الصبيحي
المقدمة
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركا فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من تمسك بهديه إلى يوم الدين أما بعد:
فإن المسلم الغيور لينشرح صدره حينما يرى شباب بلادنا خاصة، وشباب عالمنا الإسلامي عامة إلى الالتزام بالإسلام مع اقبالهم وعنايتهم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله محمد  : حفظاً وتفقها، ودراسة، واتخاذهما منهج حياة، ويزين هذا وعي وإدراك ومعرفة بما يحيط بهم ورصد لكل ما يحاك حولهم من مؤامرات ومخطاطات خبيثة لصدهم عن الدين، فبارك الله في جهاد شباب أمتنا وسدد خطاهم، وأبان لهم طريق الحق.
وإن الفضل في هذا يعود إلى الله تعالى، ثم إلى جود رجال مخلصين نذروا أنفسهم خدمة لأمتهم، ونصرة لدينهم، ورفعاً لمستوى أبنائهم، فجزاهم الله خير ما ي جزى به عباده المخلصين، وإننى لأشيد بجه9ود شيخين جليلين وعالمين كريمين هما سماحة شيخنا العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، وفضيلة شيخنا الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، حفظهما الله، وبارك في بقية أعمارها.
ثم إن هذه النهضة العلمية العظيمة مرتبطة بجهود علماء الدعوة الإصلاحية المباركة التي قادها ورسم خطاها وأسس دعائمها الإمام الشيخ المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله رحمة واسعة وإن هذه الدعوة المباركة مبنية على منهج إمام أهل السنة والجماعة الإمام المبجل أحمد بن حنبل في العقيدة والفقه، وقواعد الاستنباط.
وإن من أبرز أصول هذا المنهج الوقوف مع الدليل، وعدم التعصب لأقوال الرجال، حتى إنه ليروى عن الإمام أحمد رحمه الله الأراء المتعددة في المسألة الواحدة مما يدل على تجدد العطاء، والبحث عما يعضده الدليل، وعدم الجمود على قول معين قد ظهر الحق خلافه، وهذا هو منهج الأئمة الأعلام من الصحابة الكرام والتابعين لم بإحسان.
وإنني لأنصح شباب أمتنا أن يعنوا بمعرفة الأسس والضوابط التي بنى عليها الأئمة مناهجهم ومدارسهم في كيفية معرفة فقه الكتاب والسنة، وطريقتهم في التوفيق بين الأدلة التي ظاهرها التعارض.
وإن من أبرز هذه الأسس علم أصول الفقه، فمن رام الوصول إلى أرجح الأراء، وأدقها، فينهل من قواعده العظام، وليدقق في تطبيق الأمثلة على تلك القواعد، وليسأل ربه الفقه في الدين.
ولن يكون الصواب حليف الذين أعرضوا عنه، وقد قيل: من حرم الأصول حرم الوصول، وهذه حقيقة لا ينكرها إلا من لم يعرف مناهج العلماء في التفقة في الدين.
وإن العناية بهذا العلم وتحصيله من أعظم الأسباب في كسرب حدة التعصب لآراء الرجال الذي ربما بلي به بعض شبابنا المعاصر حين إنه لا يعرف من طرق الترجيح إلا محبة شيخه الذي يأخذ عنه، ومعرفة ظواهر الأدلة التي عرضها الشيخ، واعتمد عليها في فتواه، فيرى أن مخالفة من يتعصب له قدح في الدين، فيضلل إخوانه وربما يكون الصواب حليفهم.
هذا ومن المسائل التي تعددت فيها الأقوال، وتعارضت فيها الفتاوى، وصارت حديث المجالس، بل ربما حصل الخلاف فيها بين المرأة وزوجها: مسألة زكاة الحلي، لأ، كل واحد منهما يذهب إلى قول أحد المفتين.
لذا بذلت الجهد في دراستها دراسة علمية مؤصلة، فبنيتها على منهج المحدثين في نقد الأسانيد والحكم على المتون، كما اعتمدت على منهج الأصوليين في التفقه والاستنباط والترجيح، والجمع بين الأدلة المتعارضة وتقديم الخاص على العام، وربط المجمل ببيانه، وتحديد متى يجب تقديم قول الصحابي إذا خالف روايته، ومتى يجب تقديم روايته على رأيه، متوخيا في ذلك أصول مذهب الإمام أحمد وهو مذهب جمهور أهل العلم، لما ظهر لدى من رجحان مذهبهم على مخالفيهم.
وقد اعتمدت في الجانب اللغوي على أدق التعريفات التي اعتمدها جهابذة أئمة اللغة، والمتفقة مع دلالات السنة المطهرة.
وقد بذلت في هذا البحث قصارى جهدي فحررت مسائله، وبينت مجمله، ورددت فروعه إلى أصولها وأمثلته إلى قواعدها، كما عنيت بجمع أدلة الجمهور من شتى المصادر لأنني لم أر أحد قصد جمعها وتولى الأجابة عن أدلة المخالفين واعتراضاتهم، إلا ما وقفت عليه مما صدر حديثاً عن فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام بعنوان القول الجلي في زكاة الحلي، وهي محاولة طيبة، لكنه لم يستكمل فيها جمع الأدلة، كما لم يستكمل دراستها، ولعل عذر الشيخ أن عمله هذا جاء ضمن شرحه لكتاب بلوغ المرام، ولم يقصدها بالتأليف، كما ذكر هذا في مقدمته.
وقد أضفت إلى تلك الأدلة ما رأيته صالحا للاستدلال به، وإن لم أجد أحدا سبقني إليه، كما تعرضت للإجابة عن أدلة المخالفين، واعتراضاتهم، بما رأيته صالحا، وإن لم يسبقني إليه أحد، فاسأل الله التوفيق والتسديد في الأمور كلها. هذا وقد بنيت هذا البحث على تمهيد وبابين، وخاتمة وفهارس.
فذكرت في التمهيد ما يعين القارئ الكريم على فهم الدراسات الواردة في الأبواب، فعرفت: الزكاة، والحلى، والأواقي، والورق، والرقة، والدراهم، وحددت فيه نصاب الذهب تحديداً لم أرح أحدا سبقني إليه، كما عنيت بدراسة الزكاة في العهد المكي ومدى تأثير ذلك على فهم الأدلة.
أما الباب الأول: فذكرت فيه أدلة الذين لا يرون وجوب الزكاة مع بيان دلالاتها، ومدى تأثيرها في قوة ما ذهبوا إليه.
أما الباب الثاني: فجعلت من فصلين، فخصصت الفصل الأول لتحليل أدلة الموجبين لزكاة الحلى، وبيان مدى دلالاتها على ما احتجوا بها عليه، كما خصصت الفصل الثاني: لدراسة الاعتراضات التي احتجوا بها على مذهب مخالفيهم، ثم ختمته بالنتيجة العلمية التي توصلت إليها من خلال هذه الدراسة الموسعة، والله الهادي إلى الصواب، وهو حسبنا ومعيننا. سبحانه وتعالى. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
حرر في مدينة الرياض
في 9/1/1411هـ



التمهيد
مما يعين القارئ الكريم على فهم الدراسة التي أوردتها في هذه الرسالة: معرفته بأرجح الأقوال في المسائل التي تعتبر محور الخلاف بين الأئمة في إيجاب زكاة الحلي، ولذا عنيت في هذا التمهيد بدراسة تعريف الزكاة، والحلى، والأواقي، والدراهم، والورق، والرقة عند أهل اللغة، وتمييز التعريف الذي قصد في لغة السنة، من مطلق التعريف الذي استعمل في لغة العرب، كما عنيت بتحديد نصاب الذهب خاصة، لأن غالب الذهب المتخذ حلياً ليس ذهبا خالصاً.
وأكثر الناس اليوم لا يفرق بين نصاب الذهب الخالص، وبين نصاب الذهب المختلط بغيره، كما عنيت أيضاً بدراسة أحكام الزكاة في العهد المكي، لأن هذا يعين على فهم الأحاديث الواردة في عموم الزكاة، كما يسهل التمييز بين ما ورد في التشريع الأول للزكاة، مما ورد في التشريع الثاني لها لئلا تتداخل الأحكام، وأسأل الله التوفيق والتسديد أنه نعم المولى ونعم النصير.
أولاً: ما يطلق عليه لفظ الزكاة:
I- إطلاقها عند اللغويين:
قال الليث: الزكاة: زكاة المال، وهو تطهيره، والزكاة الصلاح، وقال الأزهري: قال الله تعالى وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (المؤمنون:4) قال بعضهم: الذين هم للزكاة أي العمل الصالح فاعلون.
ومنه قوله عز وجل: خَيْراً مِنْهُ زَكَاة (الكهف: من الآية81) أي خيرا منه عملا صالحا وقال غيره: قيل لما يخرج من المال للمساكين من حقوقهم زكاة، لأنه تطهير للمال وتثمير وإصلاح ونماء.أ.هـ( ). وقال أبو علي: الزكاة صفوة الشيء، وزكاة إذا أخذ زكاته، وتزكى أي تصدق، وفي التنزيل العزيز وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ قال بعضهم: الذين هم للزكاة مؤتون، وقال آخرون: الذين هم للعمل الصالح فاعلون.
وجاء أيضاً في لسان العرب: وأصل الزكاة في اللغة الطهارة والنماء والبركة والمدح، وكله قد استعمل في القرآن والحديث، وهي من الأسماء المشتركة بين المخرج والفعل، فيطلق على العين، وهي الطائفة من المال المزكى بها، وعلى المعنى، وهي التزكية.أ.هـ( ).

II- إطلاقها عند الأصوليين:
الزكاة عندهم من المجمل الذي لا يعرف معناه منه، بل هو بحاجة إلى بيان، ولا يجوز العمل به حتى يرد ما يبينه، فالعمل إذاً بالبيان لا بالإجمال.
قال أبو الخطاب رحمه الله: وأما المجمل فهو: كل لفظ لا يعرف معناه منه، وقيل: لا يعرف معناه من لفظه، والأول: أصلح، لأنه يرجع إلى لفظه.
وهو على ضربين: لا عرف له في الشرع، ولا في اللغة، وهو مثل قوله عز أسمه: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ فإن هذا الحق ليس له عرف في الشرع ولا في اللغة.
وحكم هذا أن لا يجوز المصير إليه حتى يرد ما يفسره، ومجمل له عرف في اللغة وهو مثل الصلاة والزكاة والحج، فإن الصلاة لها معنى في اللغة وهو الدعاء، و الدليل عليه قوله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ أي أدع لهم.
وأما الزكاة فمعناها في اللغة: الزيادة والنماء، يقال زكا المال إذا نماء فحكم هذا لا يصار إليه حتى يرد دليل يفسره، وقد اختلف أصحاب الشافعي، فمنهم من قال مثل قولنا، ومنهم من قال هو عام في جميع الأشياء وقال أحمد رحمه الله في كتاب طاعة الرسول: لا يجوز العدول إلى هذا حتى يرد ما يفسره.أ.هـ( )
وقال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ( ).
المسألة الرابعة: وأختلف في المراد بالزكاة هنا، فقيل: الزكاة المفروضة لمقارنتها بالصلاة وقيل صدقة الفطر، قاله مالك.
فعلى الأولى – وهو قول الأكثر – فالزكاة في الكتاب مجملة بينها النبي  ( ).
وقال الإمام النووي رحمه الله: وذكر أصحابنا في كتب الأصول والفروع خلافاً في هذه وهل مجملة أم لا؟ فقالوا: قال أبو اسحاق المروزي وغيره من أصحابنا هي مجملة، قال البنديجي: هذا هو المذهب، لأن الزكاة لا تجب إلا في مال مخصوص إذا بلغ قدراً مخصوصاً، ويجب قدر مخصوص، ولي في الآية ( ) بيان شيء من هذا، فهي مجملة بينتها السنة، إلا أنها تقتضي أصل الوجوب.
وقال بعض أصحابنا ليست مجملة بل هي عامة، بل كان ما تناوله اسم الزكاة فالآية تقتضى وجوبه، والزيادة عليه تعرف بالسنة، قال القاضي أبو الطيب في تعليقه وآخرون من أصحابنا: فائدة الخلاف أنا إذا قلنا: مجملة فهي حجة في أصل وجوب الزكاة، ولا يحتج بها في مسائل الخلاف، وإن قلنا ليست مجملة كانت حجة في أصل وجوب الزكاة، وفي مسائل الخلاف تعلقاً بعمومها، والله أعلم.أ.هـ ( ).
ج- ما تطلق عليه عند الفقهاء:
تطلق الزكاة عند الفقهاء، على زكاة الفطر، وعلى الزكاة المفروضة، كما تطلق على عارية الحلى، وهو مذهب جمهور أهل العلم وبه قال جمع من الصحابة  ، وهم أصحاب لسان، وفقه في الدين فيجب اعتبار تفسيرهم.
قال ابن قدامة رحمه الله بعد إيراد حديث عمرو بن شعيب في زكاة الحلى: ويحتمل أنه أراد بالزكاة إعارته، كما فسره به بعض العلماء، وذهب إليه جماعة من الصحابة وغيرهم.أ.هـ ( ).
ثانياً: تعريف الحلي:
الحلي: ما تزين به من مصوغ المعدنيات أو الحجارة، كذا في اللسان والقاموس.
وقال الليث: الحلي كل حلية حليت بها امرأة أو سيف ونحوه، والجمع حلي، قال الله عز وجل: مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ.
وقال أبو علي: وإما يحال الحلي للمرأة، وما سواها فلا يقال إلا حلية للسيف.أ.هـ.
وقال ابن الأثير في مادة (حلا) وفيه (أنه جاءه رجل وعليه خاتم من حديد، فقال: (ما لي أرى عليك حلية أهل النار) الحلي اسم لكل ما يتزين به من مصاغ الذهب والفضة ( ).
وقال ابن الأثير أيضاً في مادة (سخب) بعد ما أشار إلى قوله  (تصدقن ولو من حليكن، فجعلت المرأة تلقى القرط والسخاب) قال رحمه الله: هو خيط ينظم فيه خرز ويلبسه الصبيان والجوارى، وقيل: هو قلادة تتخذ من قرنفل ومحل وسك ونحوه، وليس فيها من اللؤلؤ والجواهر شيء ( ).
فتبين بهذا أن الحلى اسم لما يتزين به من المصاغات، وليس هو اسماً لكل مصاغ.
وبسبب هذا التعريف اللغوي للحلي فرق جمهور العلماء بين حلي الذهب والفضة المتخذ للزينة، وبين سائر مصاغات الذهب والفضة المتخذة للنفقة أو للتجارة أو للكراء أو للادخار، فلم يوجبوا الزكاة في النوع الأول، لأنه يشمله اسم الحلي، والأصل عدم وجوبها فيما تتزين به النساء وتتحلى به، وأوجبوها في الثاني، لأن اسم الحلي وكذا الزينة لا يشمله، فيجب أن يبقى على حكم أصله، وهو وجوب الزكاة في الذهب والفضة.
وسيأتي مزيد بيان لهذا في الاعتراض الرابع على القياس من الفصل الثاني من الباب الثاني – إن شاء الله – والله أعلم.
ثالثاً: تعريف الأواقي:
الأواقي: جمع أوقية، قال في اللسان: الأوقية زنة سبعة مثاقيل، وزنة أربعين درهما ( ). وقال الفيروز آبادي: الأوقية بالضم سبعة مثاقيل، وأربعون درهما ( ).
فهذا يدل على أنه يراد بالأوقية عند الاطلاق: وزن المعدود مع بيان عدده إلا أنها لم قيدت بالورق في السنة صارت خاصة، بعدد الدراهم، وهذا محل اتفاق بين أئمة اللغة والشريعة.
قال الجوهر: والأوقية في الحديث: أربعون درهما، وكذلك كان فيما مضى ( ). وقال مجاهد في تفسير حديث أن النبي  : لم يصدق امرأة من نسائه أكثر من اثنتي عشرة أوقية ونش، قال: الأوقية أربعون درهما والنش: عشرون ( ).
وقال الأزهري في تفسير قول النبي  : (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة) قال: خمس أواق مائتا درهم، وهذا يحقق ما قال مجاهد ( ).
وقد أطلق الزمخشري على الأوقية أنها أربعون درهما، ولم يذكر غبر هذا ( ).
وذكر أبو عبيدة أن الأربعين درهما تسمى أوقية، كما تسمى العشرون نشا ( ).
ووافق ابن الأثير أبا عبيد على أن الأوقية اسم لأربعين درهما ( ) ونقل الإمام ابن حجر الإجماع على أن مقدار في حديث (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة) أربعون درهما ( ) وقال العيني: وأجمع أهل الحديث والفقه وأئمة اللغة على أن الأوقية الشرعية أربعون درهما، وهي أوقية الحجاز ( ).
قلت: ومما يدل أيضاً على أن الأوقية المذكورة في الحديث السابق أربعون درهماً ما رواه البخاري عن أنس  أن فيما كتب له أبو بكر  حينما وجهه إلى البحرين: وفي الرقة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها.أ.هـ.( ). فهذا الحديث مفسر وموضح لحديث (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة) وهو في محل النزاع فيجب المصير إليه، لأن في هذا جمعاً بين السنن. والله أعلم.

رابعاً: تعريف الورق والرقة:
قال الجوهري: الورق: الدراهم المضروبة، وكذلك الرقة، والهاء عوض من الواو، وفي الحديث: (في الرقة ربع العشر)( ).
وقال ابن فارس: الرقة: من الدراهم.أ.هـ( )، وقال الأزهري: الورق: اسم للدراهم، وكذلك الرقة، يقال أعطاه ألف درهم رقة لا يخالطها شيء من المال غيرها، وروى عن النبي  أنه قال (وفي الرقة ربع العشر).
وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال: الورق والرقة: الدراهم خالصة، والوراق: الرجل الكثير الورق.أ.هـ ( )، وقال الفيروز آبادي: الورق: الدراهم المضروبة، وقال أبو عبيد في الرقة: لا نعلم هذا الاسم في الكلام المعقول عند العرب يقع إلا على الورق المنقوشة ذات السكة السائرة في الناس، وكذلك الأواقي ليس معناها إلا الدراهم، كل أوقية أربعون درهم.أ.هـ( )، وقال الحربي: الورق: يعني الدراهم.أ.هـ( ). وقال أبو الهيثم: الورق والرقة: الدراهم خاصة.
وقال ابن منظور: الورق والرقة: الدراهم.أ.هـ( ). هذا وقد رد الشنقيطي رحمه الله على الذين زعموا أن لفظ الرقة، ولفظ الأوقية الثابت في الصحيح يشمل المصوغ كما يشمل المسكوك بقوله: وقد قدمنا إلى التحقيق خلافه.أ.هـ( ).
هذا ما استطعت الوقوف عليه، من كلام الأئمة الذين رأوا أن المراد بالورق، والرقة الدراهم المضروبة خاصة إلا أن هناك رأيا آخر في المراد بهما. ففي المخصص: الرقة: الفضة وربما سميت الفضة ورقا.أ.هـ( ).
وقال أبو عبيدة: الورق الفضة كانت مضروبة كدراهم أولا .أ.هـ( ).
أما ابن الأثير فقد اختلف رأيه فيهما، فقال مرة في تفسير قوله  : (فهاتوا صدقة الرقة) يريد الفضة والدراهم المضروبة منها، وأصل اللفظة الورق، وهي الدراهم المضروبة خاصة.أ.هـ( ).
وقال في موضع آخر: الورق: الفضة.أ.هـ.( ) قال الزيعلي: قال ابن قتيبة: الرقة: الفضة سواء كانت الدراهم أو غيرها نقله ابن الجوزي في التحقيق.أ.هـ( )، وقال ابن حجر: الورق: الفضة.أ.هـ( ).
وعند الاختلاف لا بد من الترجيح، والراجح من الأقوال أن المراد بالرقة الواردة في أحاديث الزكاة الدراهم المضروبة خاصة أما الورق فهو اعم من ذلك إذ يشمل المضروب وغير المضروب لما يأتي:
I- اتفاق الأئمة على أن المراد بالأواقي في حديث: (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة) الدراهم، فأفاد هذا الحديث أن محل الصدقة الدراهم المسكوكة من الورق، لا نفس الورق إذا لم يكن مسكوكا.
II- دلالة حديث رسول الله  على أن الرقة عين الدراهم وذلك فيما رواه انس بن مالك  أن أبا بكر  كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله  على المسلمين والتي أمر الله بها رسوله فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط – الحديث، وجاء في آخره (وفي الرقة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها) رواه البخاري ( ).
فهذا يدل على أن الرقة في لسان الشارع يراد بها المضروب خاصة ولا يصح أن يترك الدليل الشرعي الخاص، إلى عموم اللغة المختلف فيها.
ج - خص جمهور أئمة اللغة الرقة بالمضروب، وهذا يدل على أن هذه هي لغة جمهور العرب، فنبغي أن تفسر بها السنة، خصوصاً مع ورود ما يؤيد هذا في السنة نفهسا كما سبق، ولا ينبغي حمل السنة على غريب اللغة، لأن في هذا هجراً لفصيحها بلا دليل.
د- أن الذين أطلقوا الرقة على الفضة، لم يذكروا شاهد من كلام العرب فلا يحتج بقولهم، لما ذكر أبو عبيد من أنه لا يحفظ من كلام العرب ما يدل عليه، وقوله أصل معتبر يرجع إليه، فلا تصح معارضته بقول غيره إلا لمن جاء بما يشهد له من فصيح كلام العرب، أما قول أبي عبيدة في الورق، فلا يعارض قول أبي عبيد في الرقة، لاختلاف الاسمين، كما ورد في لسان العرب 10/374. من اختلاف أنواع النبات الذي يسمى بالرقة عما يسمى بالورق عند الاطلاق، وحاصله أن الرقة تطلق على بعض ما يطلق عليه لفظ الورق فبينهما عموم وخصوص، وهذا متفق مع ما ذهب إليه أبو عبيد من أن الرقة خاصة في المضروب، والمضروب جزء من الورق الذي يصلح إطلاقه على الفضة، ثم إن أبا عبيدة لم يقل بأن الرقة عين الورق حتى يصح أن يحتج بقوله في الورق على عموم الرقة، ويستفاد من هذا التفريق بين لفظي الرقة والورق أن الأصل في تحديد مقدار الزكاة في السنة، الدراهم المعدودة المضروبة، وليس الأصل في تحديدها الفضة غير المضروبة إذ لم يرد الأمر بإيجابها في الورق إلا مع تقييده بالأواقي التي هي الدراهم. والله أعلم.
خامساً: تعريف الدراهم:
قال الجوهري: الدرهم: فارسي معرب، قال الشاعر:
لو أن عندي مائتي درهام
يحاز في آفاقها خاتامي
وجمع الدرهم: الدراهم.أ.هـ( ).
وقال المقري: الدرهم الإسلامي: اسم للمضروب من الفضة، وهو معربن ثم قال: وكانت الدراهم في الجاهلية مختلفة، فكان بعضها خفافاً هي الطبرية، وبعضها ثقالاً، وكانت تسمى العبدية، وقيل البغلية نسبة إلى ملك يقال له رأس البغل، فجمع الخفيف والثقيل وجعلا درهمين متساويين، فجاء كل درهم ستة دوانق.أ.هـ( ).
وقال الحافظ ابن حجر: والمراد بالدرهم: الخالص من الفضة سوءا كان مضروبا أو غير مضروب، قال عياض: قال أبو عبيد: أن الدرهم لم يكن معلوم القدر حتى جاء عبدالملك بن مروان فجمع العلماء، فجعلوا كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، قال: وهذا يلزم منه أن يكون النبي  أحال بنصاب الزكاة على أمر مجهول، وهو مشكل، والصواب أن معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن شيء منها من ضرب الإسلام، وكانت مختلفة في الوزن بالنسبة إلى العدد، فعشرة مثلا وزن عشرة، وعشرة وزنه ثمانية، فاتق الرأي على أن تنقش بكتابة عربية ويصير وزنها وزنا واحدا.
وقال غيره: لم يتغير المثقال في الجاهلية ولا في الإسلام، وأما الدراهم فأجمعوا على أن كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم، ولم يخالف في أن نصاب الزكاة مائتا درهم يلغ مائة وأربعين مثقالاً من الفضة الخالصة إلا ابن حبيب الأندلسي..الخ ( ).
قلت: فهذا وما سبق يدل على ضعف القول الذي صدره الحافظ في أول كلامه، ومما يشهد لهذا ما قاله: ابن رفعة رحمه الله: قال أصحابنا: وكان غالب ما يتعامل به من أنواع الدراهم في عصر النبي  والصدر الأول بعده: نوعان من أنواع الدراهم: الطبرى، والبغلى.أ.هـ( ).
وقال أبو عبيد: أن الدراهم التي كانت نقد الناس على وجه الدهر لم تزل نوعين: هذه السود الوافية، وهذه الطبرية العتق، فجاء الإسلام وهي كذلك، فلما كانت بنو أمية وأرادوا ضرب الدراهم نظروا في العواقب فإن هم ضربوا أحدهما بمفرده أضر ذلك بأرباب الأموال أو أهل الزكاة، فجمعوا الدرهمين وقسموهما على اثنين فخرج كل درهم ستة دوانيق.أ.هـ بتصرف ( ).
فهذا مما يؤكد ما قلنا خلافا لما جاء في الفتح، كما أنه يدل على أن رأي أبي عبيد غير ما نسب إليه، والله أعلم.
سادساً: تحديد نصاب الذهب والفضة:
قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: ومن ملك ذهبا أو فضة مغشوشة أو مختلطا بغيره، فلا زكاة فيه حتى يبلغ قدر الذهب والفضة نصابا، لقوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة).
فإن لم يعلم قدر ما فيه منهما وشك هل بلغ نصابا أو لا خير بين سبكهما ليعلم قدر ما فيه منهما، وبين أن يستظهر ويخرج ليسقط الفرض بيقين.أ.هـ( ).
وقال النووي: إذا كان له ذهب أو فضة مغشوشة فلا زكاة فيها حتى يبلغ خالصها نصاباً. هكذا نص عليه الشافعي  والمصنف وجميع الأصحاب في كل الطرق إلا السرخسي. فقال في الأمالي: لا تجب الزكاة في مائتين من الفضة المغشوشة..الخ، ثم قالك وهذا الوجه الذي انفرد به السرخسي غلط مردود بقوله  (ليس فيما دون خمس أواقي من الورق صدقة)( ).
وقد قام فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي بدراسة موسعة ومؤصلة في تحديد نصاب الذهب والفضة حسب وزن الكيلو جرام. فتوصل إلى أن نصاب الذهب (85) جراماً، ونصاب الفضة 595 جراماً وذلك من الفضة والذهب الخالص وفقاً لمذهب الجمهور ( ).
قلت: يلاحظ على بعض الفتاوى عدم تفريقها بين الذهب الخالص من غيره عند تحديد النصاب، وذلك أن الذهب الموجود بأيدي الناس اليوم ليس كله ذهباً خالصاً، بل هو مختلف العيارات، فالجنية السعودي مثلاً عيار 22، والحلي له عدة عيارات، فمنه عيار: 21، 18، 16، ولا شك أن قلة العيارات تعني كثرة المواد المضافة من غير الذهب، وهي لايصح أن تعتبر من جملة نصاب الذهب، فينبغي مراعاة فصلها عند تحديد نصابه لأن الذهب الخالص هو عيار 24، فعلى هذا فإن نصاب الذهب على مختلف أنوعه هو النتائج للعمليات الحسابية التالية:
1- السبيكة الذهبية عيار (24) 85×24÷24=85جراماً.
2- الجنية السعودي عيار (22) 85×24÷22=92,72جراماً.
3- الحلي عيار (21) 85×24÷21=97,14جراماً.
4- الحلي عيار (18) 85×24÷18=113,33جراماً.
5- الحلي عيار (16) 85×24÷16=127,5جراماً.
وإن كان الذهب على غير هذه العيارات المذكورة فيمكن معرفة الذهب الخالص بسلوك هذه الطريقة الحسابية، والله الموفق.
سابعاً: بيان الزكاة في العهد المكي:
من المقرر لدى علماء الشريعة أن الزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله تعالى، وقد نزلت عدة آيات في مكة المكرمة قبل الهجرة النبوية تحث المؤمنين وتأمرهم بأداء الزكاة، بل لقد أثنى الله سبحانه وتعالى في تلك الآيات على الذين هم للزكاة فاعلون، والذين في أموالهم حق معلوم، وكانت هله الزكاة أحكام تخصها وإليك جملة من الآيات الواردة في بيان وجوب الزكاة في العهد المكي: وشيئاً من فقهها:
1- قال تعالى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ( ).
2- قال تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً( ).
3-


عدل سابقا من قبل اسكندرانى في الخميس 13 سبتمبر - 11:00 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اسكندرانى
برونزى
اسكندرانى


عدد المساهمات : 194
تاريخ التسجيل : 20/09/2011

زكـــاة الحــلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: زكـــاة الحــلي   زكـــاة الحــلي Icon_minitime1الخميس 13 سبتمبر - 10:57

قال تعالى: فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ( ). 4- قال تعالى: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ( ). 5- قال تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُوم( ). 6- قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ( ). 7- قال تعالى: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ( ). 8- قال تعالى: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ( ). 9- قال تعالى: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ( ). 10- قال تعالى: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ( ). 11- قال تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَنا( ). 12- قال تعالى: الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى( ). فهذه جملة آيات من كتاب الله تعالى، نزلت بمكة المكرمة مما يؤيد صحة القول بأ، الزكاة شرعت مرتين: المرة الأولى قبل الهجرة، والمرة الثانية بعد الهجرة، وبطبيعة الحال فإن لكل تشريع أحكاماً تخصه مع اتفاقهم على وجوب أصل الزكاة. قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ الأكثرون على أن المراد بالزكاة ههنا زكاة الأموال مع أن هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة، والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النصب والمقادير الخاصة، وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجباً بمكة، قال تعالى في سورة الأنعام وهي مكية وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ. وقد يحتمل أن يكون المراد بالزكاة ههنا زكاة النفس من الشرك والدنس كقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا وكقوله تعالى: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاة على أحد القولين في تفسيرها وقد يحتمل أن يكون كلا الأمرين مرادا، وهو زكاة النفوس، وزكاة الأموال، فإنه من جملة زكاة النفوس، والمؤمن الكامل هو الذي يفعل هذا، والله أعلم ( ). وقال الإمام ابن خزيمة رحمه الله تعال: باب ذكر البيان أ، فرض الزكاة كان قبل الهجرة إلى أرض الحبشية، إذ النبي  مقيم بمكة قبل هجرته إلى المدينة، ثم أورد فيه كلام جعفر بن أبي طالب مع النجاشي، وجاء فيه: وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام.أ.هـ( ). وقال الدكتور يوسف القرضاوي تحت عنوان: الزكاة في العهد المكي زكاة مطلقة: إن الزكاة التي ذكرت في القرآن المكي، لم تكن هي بعينها الزكاة التي شرعت بالمدينة، وحددت نصبها ومقاديرها وأرسل السعاة لجبايتها وصرفها،وأصبحت الدولة مسؤلة عن تنظيمها. الزكاة في مكة كانت زكاة مطلقة من القيود والحدود، وكانت موكولة إلى إيمان الأفراد، وأريحيتهم وشعورهم بواجب الأخوة نحو إخوانهم من المؤمنين، فقد يكفي في ذلك القليل من المال، وقد تقتضي الحاجة بذل الكثير أو الأكثر.أ.هـ( ). وقال ابن عاشور في تفسير قوله تعالى: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (الذريات:19)، قال رحمها الله تعالى: والحق للسائل والمحروم هو النصيب الذي يعطونه إياهما، أطلق عليه لفظ الحق، أما لأن الله أوجب على المسلمين الصدقة بما تيسر قبل أن يفرض عليهم الزكاة فإن الزكاة فرضت بعد الهجرة، فصارت الصدقة حقاً للسائل والمحروم أو لأنهم الزموا ذلك أنفسهم حتى صار كالحق للسائل والمحروم، وبذلك يتناول قول من قال: إن هذا الحق هو الزكاة.أ.هـ( ). وقال في تفسير قوله تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (المعارج: من الآية 24-25)، وتسمية مع يعطونه من أموالهم من الصدقات باسم (حق) للإشارة إلى أنهم جعلوا السائل والمحروم كالشركاء لهم في أموالهم من فرط رغبتهم في مواساة إخوانهم إذ لم تكن الصدقة يومئذ واجبة، ولم تكن الزكاة قد فرضت، ومعنى كون الحق معلوما أنه يعلمه كل واحد منهم، ويحسبونه ويعمله السائل والمحروم بما اعتاد منهم. ومجئ الصلة جملة أسمية لإفادة ثبات هذه الخصلة فيهم، وتمكنها منهم دفعا لتوهم الشح في بعض الأحيان لما هو معروف بين غالب الناس عن معاودة الشح للنفوس.أ.هـ( ). قلت: وعلى ضوء ما سبق يمكن أن نستنتج أهم الأحكام التي تخص الزكاة في العهد المكي. 1- وجوب الزكاة في الأموال كلها، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ( ). فهذه الآية مكية وهي تدل على وجوب الحق في كل ما تنتجه الأرض قال ابن عباس  عنهما: معروشات ما انبسط على الأرض مما يفرش مثل الكروم والزروع والبطيخ، وغير معروشات، ما قام على ساق مثل النخل وسائر الأشجار.أ.هـ( ). ولا يصح أن يقال بأن الآية خاصة بالزروع، لكونها التي تحصد لأن لفظ الحصاد عام في كل ما أخذ من موضعه،كالزيتون والرمان. قال الإمام ابن العربي: فإن قيل فقد قال تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ والذي يحصد الزرع، قلنا: جهلتم، بل هو عام في كل نبت في الأرض، وأصل الحصاد إذهاب الشيء عن موضعه الذي هو فيه، قال تعالى: مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ وقال حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِين.أ.هـ( ). ومما يدل أيضاً على وجوب الزكاة في الأموال كلها قوله تعالى: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ( )، فهذه الآية مكية وهي تدل بعمومها على ما قلناه. 2- عدم تحديد المقدار المخرج ولا المخرج منه بل هذا أمر متروك لرب المال: قال تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ سورة المعارج، قال أبو السعود: أي نصيب معين يستوجبونه على أنفسهم تقرباً إلى الله تعالى ( ). 3- يجزئ في الزكاة بذل جزء من المال أو جزء من المنفعة، لما صح عن جمع من الصحابة  من اعتبار إعارة الحلي زكاته،وهم أصحاب لسان يحتج بلغتهم، ولمعاصرتهم التنزيل، ولم يرد في التشريع المكي تحديد أحدهما دون الآخر، بل ورد ما يدل على اعتبار كل ذلك زكاة قال الله تعالى: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ( ). وقد اختلف السلف في معنى هذه الآية هل المراد بها الزكاة أو غيرها، قال الإمام ابن كثير رحمها لله: وترجع كلها إلى شي واحد وهو ترك المعاونة بمال أو منفعة، ولذا قال محمد بن كعب: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ قال المعروف ولهذا جاء في الحديث "كل معروف صدقة"( ). ومما يزيد الأمر وضوحاً في حديثي أبي هريرة وجابر  عن النبي  أنه قال: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدى منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار". الحديث وجاء فيه: (ولا صاحب ابل لا يؤدى منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها)( ). أما حديث جابر فجاء فيه: (ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدى حقها..) الحديث، وجاء فيه: قلنا يا رسول الله وما حقها: قال (إطراق فحلها وإعارة دلوها ومنيحتها وحلبها على الماء وحمل عليها في سبيل الله)( ). فهذان الحديثان يدلان على ما دلت عليه الأدلة المكية من وجوب أصل الزكاة مع إجمالها للقدر والمخرج منه، إلا أنهما أبانا أن إعطاء جزء من منفعة المال يعتبر من أداء بعض الحق المتعلق في هذه الأموال. فلما تقررت أحكام الزكاة في السنة الثانية من الهجرة انحصر وجوبها في إخراج جزء مخصوص من مال مخصوص بشروط معينة، وصار إخراج الحقوق الأخرى المتعلقة بالأموال أمراً مستحباً، لأنه ليس في المال حق واجب سوى الزكاة. فعلى من نظر في مجموع أدلة الزكاة أن يتحرى الدقة في فهم دلالاتها عند التوفيق بينها لأن بعضها جاء مجملاً والآخر مفسرا له، أو عاما والآخر مخصصا له، ومن لم يسلك هذا المنهج بدقة، فستتعارض لديه بعض النتائج التي سيتوصل إليها مع ما قرره أهل العلم من القواعد الأصولية، وإليك مثالاً على هذا، وهو ما أورده أبو عبيد رحمه الله على المالكية والحنفية من الاحتجاج عليهم بمقتضى قولهم الآخر فقال: قال أهل العراق: لا صدقة في الإبل والبقر العوامل، لأنها شبهت بالمماليك، و الأمتعة، ثم أوجبوا الصدقة في الحلي، وأوجب أهل الحجاز الصدقة في الإبل والبقر العوامل، وأسقطوها عن الحلى وكلا الفريقين قد كان يلزمه في مذهبه أن يجعلها واحداً، إما إسقاط الصدقة عنهما، وإما إيجابها فيهما جميعاً، وكذلك هما عندنا سبيلهما واحد، لا تجب الصدقة عليهما لما قصصنا من أمرهما.أ.هـ( ). لت: وكذلك مذهب الإمامين الشافعي وأحمد فقد قالا بإسقاطها عنهما جميعاً، فصار مذهبهما مطردا في التقعيد الأصولي، والفهم لأدلة الزكاة، والله أعلم. الباب الأول: أدلة الذين لا يرون وجوب الزكاة وفقهها ذهب جمهور أهل العلم إلى عدم وجوب الزكاة في الحلي المستعمل أو المعد للاستعمال وهذا ثابت عن خمسة من الصحابة  وهم عائشة، وأسماء، وجابر، وأنس، وابن عمر، ولم يثبت عن غيرهم القول بخلافه إلا ما روى عن ابن مسعود  ، كما صرح به أبو عبيد ( )، وقال الحسن البصري رحمه الله: لا نعلم أحدا من الخلفاء قال في الحلي زكاة، وقال يحيى بن سعيد: سألت عمرة عن زكاة الحلي فقالت: ما رأيت أحد يزكيه ( ). وهذا هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، وهو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، كما في الفتاوى 25/16،17، تلميذه ابن القيم كما في أعلام الموقعين 2/100/110. وقد اعتمدوا على كثير من الأدلة المتفرقة في بطون كتبهم، لذا رأيت أن أجمعها في هذا الباب، مع بيان وجه الدلالة منها، والإجابة عن الاعتراضات الموجهة إليها، فإن لم أجد جوابا مدونا، اجتهدت في الإجابة عنها لظني أن هذه الاعتراضات لو وجدت في عصر الأئمة لأجابوا عنها أحسن جواب، فأسأل الله التوفيق إنه نعم المولى ونعم النصير. الدليل الأول: حديث (تصدقن ولو من حليكن) روى الإمام البخاري رحمه الله عن زينت امرأة عبدالله بن مسعود  قالت: كنت في المسجد فرأيت النبي  فقال: (تصدقن ولو من حليكن)( ). وجه الاستدلال به: قال ابن العربي رحمه الله: هذا الحديث الذي ذكره أبو عيسى، والذي ذكره البخاري يوجب بظاهره أنه لا زكاة في الحلي لقوله للنساء (تصدقن ولو من حليكن) ولو كانت الصدقة واجبة لما ضرب المثل به في صدقة التطوع.أ.هـ( ). وقد عقد الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: باب العرض في الزكاة، وأورد فيه جملة أحاديث منها هذا الحديث، ثم قال بعده: فلم يستثن صدقة الفرض من غيرها، فجعلت المرأة تلقى خرصها وسخابها، ولم يخص الذهب والفضة من العروض.أ.هـ. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: قوله: فلم يستثن، وقوله: فلم يخص، كل من الكلامين للبخاري ذكرهما بيانا لكيفية الاستدلال على أداء العرض في الزكاة، ثم رد عل الذين حملوا هذا الحديث على الوجوب بقوله: لأنه لو كان للإيجاب هنا لكان مقدراً، وكانت المجازفة فيه وقبول ما تيسر غي جائز، ويمكن أن يكون تمسك بقوله "تصدقن" فإنه مطلق يصلح لجميع أنواع الصدقات واجبها، ونفلها، وجميع أنواع المتصدق به عينا وعرضا، ويكون قوله: "ولو من حليكن" للمبالغة أي ولو لم تجدن إلا ذلك، وموضع الاستدلال منه للعرض قوله "وسخابها" لأنه قلادة تتخذ من مسك ( ) وقرنفل، ونحوهما تجعل في العنق.أ.هـ( ). أما ما ذكره أبو الطيب السندي، والمباركفوري في شرحيهما لسنن الترمذي من أن الأمر في الحديث للوجوب كما في تحفة الأحوذى 3/279. فإن في هذا بعداً، ومما يرده، ما قاله الإمام الطحاوي رحمه الله – وهو من سادات الحنيفة – في شرحه لهذا الحديث حيث قال: فبين أبو هريرة  في هذا الحديث أن رسول الله  إنما أراد بقوله: "تصدقن" في الصدقة التطوع التي تكفر الذنوب، ثم قال: فقال: لها رسول الله  : (تصدقن به على عبدالله، وعلى بنيه، فانهم له موضوع) فكان ذلك على الصدقة بكل الحلي، وذلك من التطوع لا من الزكاة، لأن الزكاة لا توجب الصدقة بكل المال، وإنما توجب الصدقة بجزء منه.أ.هـ( ). وقد اعترض أحد الموجبين للزكاة على الاستدلال بهذا الحديث: فقال فالجواب على هذا: أن الأمر بالصدقة من الحلي ليس فيه اثبات وجوب الزكاة فيه، ولا نفيه، وإنما فيه الأمر بالصدقة حتى من حاجيات الإنسان، ونظير هذا أن يقال: تصدق ولو من دراهم نفقتك، ونفقة عيالك، فإن هذا لا يدل على انتفاء وجوب الزكاة في هذا الدراهم.أ.هـ. قلت: أما قوله أن الأمر بالصدقة من الحلي ليس فيه اثبات وجوب الزكاة فيه، فصحيح لما سبق بيانه من أن هذا الحديث إنما ورد في صدقة التطوع. وأما قوله: "ولا نفيه عنه" فغير صحيح بل إن الحديث يدل على نفي وجوب صدقة الحلي، وذلك أنه لم يكن من عادة الصحابيات التصدق من حليهن أصلاً لا الصدقة الواجبة، ولا الصدقة المستحبة، وقد أقرهن النبي  على ذلك، إذ لم يأمرهن بالصدقة به ابتداء وإنما حثهن على الصدقة منه إذا لم يجدن غيره، ثم إن حاجيات الإنسان إذا لم تكن محلا للصدقة المستحبة، فالأولى بها أن لا تكون محلا للصدقة الواجبة. أما قوله: ونظير هذا أن يقال: تصدق ولو من دراهم نفقتك..الخ. فهذا مثال غير صحيح، لأن الدراهم محل للصدقة الواجبة والمستحبة باتفاق المسلمين، فلا يصح أن يمثل بها لما لا زكاة فيه وهي السخاب ( )، ثم هل الصحابيات يجهلن التصدق من الدراهم، حتى يصح أن يمثل به لما ضرب لهن به من الحث على صدقة التطوع. والمثال الصحيح: أن يقال: تصدقن ولو من ثيابكن، لأن الأصل في الثياب عدم وجوب الزكاة فيها بالاتفاق، وهذا هو أصل ما تصدقن به من السخاب فهذان المثلان اتفقا في عدم وجوب الزكاة في أصلهما، فصح التمثيل بهما، ولا يصح ما ضربه من مثال لوجود الاختلاف بينهما. ثم إن الإمام البخاري قد اعتبر هذا الحديث من الأدلة على صحة دفع العرض في الزكاة، كما سبق، والعرض هو المتاع الذي لا نقد فيه كما في لسان العرب 7/168. فما مثل به يخالف ما ذهب إليه الإمام البخاري، ووجه هذه المخالفة أنه مثل للعرض الذي لا نقد فيه بعين النقد، وهي الدراهم، وبهذا يظهر سلامة استنباط جمهور أهل العلم من أن هذا الحديث يدل على عدم وجوب زكاة الحلي، والله أعلم. الدليل الثاني: حديث "ليس في الحلي زكاة" روى هذا الحديث جماعة من أهل العلم مرفوعا: منهم الديلمى في كتابه فردوس الأخبار 3/439، والبيهقي في الخلافيات، لوحه 144، وفي المعرفة أيضاً، ورواه بان الجوزي في التحقيق لوح 196، ورواه الطبرى ( ) كما في المبدع 2/369. رووه جميعا من طريق أحمد بن عمر بن جوصا عن إبراهيم بن أيوب عن عافية بن أيوب عن الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر أن النبي  قال: "ليس في الحلي زكاة". قال البيهقي في الخلافيات لوحة 144: الصحيح أنه موقوف على جابر، وقال في المعرفة: وما يروى عن عافية بن أيوب عن الليث عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا: ليس في الحلي زكاة، فباطل لا أصل له، إنما يروى عن جابر من قوله، وعافية بن أيوب مجهول، فمن احتج به مرفوعاً كان مغررا بدينه، داخلا فيما نعيب به المخالفين من الاحتياج برواية الكذابين.أ.هـ( ). وقال الألباني: في سنده علة أخرى، فإنه من إبراهيم بن أيوب الراوي له عن عافية، فقد ذكره أبو العرب في الضعفاء، ونقل عن أبي طاهر أحمد بن محمد بن عثمان المقدسي أنه قال: إبراهيم بن أيوب حوراني ضعيف، قال أبو العرب: وكان أبو طاهر من أهل النقد والمعرفة بالحديث بمصر، وقال أبو حاتم: لا أعرفه. فهذه هي علة الحديث، وإن الباحث المدقق ليعجب من ذهول كل من تكلم على الحديث عنها، وانصرافهم إلى تعلله بما ليس بعلة قادحة، وذلك كله مصداق لقول القائل: كم ترك الأول للآخر، وللحديث علة أخرى وهي الوقف، فقال ابن أبي شيبة 4/27، وعبده بن سليمان عن عبدالملك عن أبي الزبير عن جابر قال: لا زكاة في الحي، قلت: إنه يكون فيه ألف دينار؟ قال: يعار ويلبس. وهذا سند صحيح على شرط مسلم، وأبو الزبير قد صرح بالسماع، وقد تابعه عمرو بن دينار قال: سمعت رجلاً يسأل جابر بن عبدالله عن الحلي: أفيه الزكاة؟ فقال جابر: لا، فقال وإن كان يبلغ ألف دينار؟ فقال جابر: كثير.أ.هـ( ). هذا ما وقفت عليه من الطعون الموجهة إلى هذا الحديث وهي منحصرة في ثلاثة أمور: ضعف إبراهيم بن أيوب، وجهالة عافية بن أيوب، والوقف، وسأتكلم على هذه الأمور الثلاثة بالترتيب فيما يلي: الطعن الأول: ضعف إبراهيم بن أيوب: إن ما قاله الشيخ الألباني من أنه لم ير أحداً بقه إلى الطعن في هذا الحديث من قبل إبراهيم بن أيوب صحيح، ولكن هل هذا الطعن صحيح هذا ما سيظهر فيما يأتي إن شاء الله. إن إطباق المحدثين على عدم الطعن في هذا الحديث من قبل إبراهيم مع أنهم تصدوا لدراسته ليبعث على الريبة في صحة القول بضعفه، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الشيخ وقف على ترجمة في لسان الميزان، فاعتمدها حجة، ولم يبحث عن إبراهيم بن أيوب، خصوصا وأنه جاء في إسناد حديث جابر غير منسوب، فكان أولى به أن يتحرى ويدقق، وبعد البحث الطويل في ما لدي من كتب الرجال تبين لي أن من يسمى بإبراهيم بن أيوب خمسة وهم: 1- إبراهيم بن أيوب الحوراني الدمشقي الزاهد، وكان رجلاً صالحا، وقد اثنى عليه الأئمة خيرا كالخطيب البغدادي وابن عساكر، وقال السمعاني في النسب إلى حوران: والمشهور بالنسبة إليها إبراهيم بن أيوب الشامي الحوراني، كان من عباد الله الصالحين.أ.هـ. وقال ابن أبي حاتم: إبراهيم بن أيوب الحوراني الدمشقي من العباد، وقال ابن ماكولا: أما الحوراني بفتح الحاء المهملة، والراء، فهو إبراهيم ابن أيوب الشامي الحوراني، كان من الصالحين.أ.هـ. مات سنة 238 كما قال ابن عساكر ( ). 2- إبراهيم بن أيوب الدمشقي، حكى عن الأوزعي وحكى عنه الحسن ابن الصباح البزار، وهو غير الأول، وقد فرق بينهما ابن عساكر في تاريخه حيث عقد لكل واحد ترجمة ( ). 3- إبراهيم بن أيوب الطبري البغدادي شيخ سليمان بن أحمد الطبراني كما في تاريخ بغداد 6/45. 4- إبراهيم بن أيوب الجرجاني شيخ من أهل استراباذ، كما في تاريخ جرجان ص515. 5- إبراهيم بن أيوب العنبري أبو إسحاق الفرساني الأصبهاني، سمع من الثورى، والمبارك بن فضالة، وكان صاحب تهجد وعبادة لم يعرف له فراش أربعين سنة، كما في كتاب ذكر أخبار اصبهان 1/172، وقال السمعاني في النسب إلى فرسان: ومن القدماء أبو إسحاق إبراهيم ابن أيوب الفرساني العنبري من أهل اصبهان، وكان صاحب ليل وعبادة لم يعرف له فراش منذ أربعين سنة.أ.هـ( ). وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: لا أعرفه.أ.هـ( ). وترجم له الذهبي في الميزان وقال: قال أبو حاتم: مجهول، قاله عنه ابن الجوزي، وما رأيته في كتاب ابن أبي حاتم، بل فيه أنه روى عنه النضر بن هشام وعبدالرزاق بن بكر الاصبهانيان.أ.هـ( ). قلت: لعل الذهبي وقف على نسخة لم يذكر فيها قول أبي حاتم وإلا فإنه مذكور كما في النسخة المطبوعة. هذا كل ما وقفت عليه ممن يقال لهم إبراهيم بن أيوب، إلا أن الحافظ ابن حجر رحمه الله: عقد ترجمة لإبراهيم بن أيوب في اللسان وقال فيها: إبراهيم بن أيوب الجوزجاني، ذكره أبو العرب في الضعفاء ونقل عن أبي الطاهر أ؛مد بن محمد بن عثمان المقدسي أنه قال: إبراهيم بن أيوب حوراني ضعيف، قال أبو العرب، وكان أبو الطاهر من أهل النقد والمعرفة بالحديث بمصر. حدثنا إبراهيم بن أيوب الفرساني الأصبهاني عن الثوري وقائد الأعمش قال أبو حاتم: مجهول، قاله عنه ابن الجوزي..الخ ( ). كذا جاءت هذه الترجمة في النسخة المطبوعة، وإنه ليظهر لمن تأملها أن المراد به راو غير الخمسة الذين مر ذكرهم، لأنه وصفه بأنه جوزجانياً حورانياً فرسانياص اصبهانياًن وقد جهله أبو حاتم، وضعفه المقدسي،إلا أنه بعد الرجوع إلى مخطوطتين للسان الميزان، وهما: مخطوطة المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة رقم 380، ومخطوطة أحمد الثالث رقم 2944 تبين أنه وقع في النسخة المطبوعة، تصحيف، وزيادة وخلط ترجمتين في ترجمة واحدة وبيان هذا فيما يلي: I- صحف الحوراني إلى الجوزجاني. II- زيدت كلمة "حدثنا" بعد قول أبي العرب: وكان أبو طاهر من أهل النقد والمعرفة بالحديث بمصر. III- ادخل ترجمة إبراهيم بن أيوب الفرساني الأصبهاني في ترجمة إبراهيم بن أيوب الحوراني، وحق هذه الترجمة أن تفصل عن سابقتها، وإن تعطى رقماً تسلسلياً، ويمكن تحقيق هذا… بحذف كلمة "حدثنا" ووضع بدلها رقماً. لأنه بهذا تنفصل الترجمتان. IV- وقع اختلاف بين المخطوطتين في المقدسي، فجاء في نسخة المحمودية: المقدسي، إما نسخة أحمد الثالث فجاء فيها: المدبى، كذا بلا نقط، ولعله وقع تصحيف فيها، لتوافق المطبوعة مع مخطوطة المحمودية.والله أعلم. ثم إن إبراهيم بن أيوب الحوراني المشهور بهذه النسبة ليس جوزجانياً ولا أصبهانياً كما أن الأصبهاني الفرساني لم ينسب إلى جوزجانان في المصادر التي بين أيدينا ( ). فتبين بهذا أن اعتبار الشيخ الألباني تجهيل أبي حاتم للفرساني الأصبهاني تجهيلاً للحوراني. غير صحيح، ولعل الشيخ اعتمد على نسخة اللسان المطبوعة دون غيهرا. كما هو ظاهر إحالته عليها فقط، ولو نظر في كتاب الجرح والتعديل لفرق بين الترجمتين، لأن ترجمة الحوراني مفصولة عن ترجمة الأصبهاني. وقد قال ابن أبي حاتم في الحوراني: من العباد، أما الأصبهاني فقال فيه أبوه: لا أعرفه. كما سبق ذكر ذلك عنهما. تعيين الراوي عن عافية: جاء إبراهيم بن أيوب في إسناد الحديث السابق غير منسوب، وقد تبين أن من يقال له إبراهيم بن أيوب خمسة إلا أنه يظهر أن الراوي عن عافية هو إبراهيم بن أيوب الحوراني الدمشقي، ووجه هذا الترجيح أن أحمد بن عمير بن جوصا الإمام الدمشقي هو الراوي للحديث، فهما دمشقيان فحمل رواية ابن جوصا على أنها عن شيخ بلده أولى، ثم إن ابن جوصا قد عاصره، حيث أن إبراهيم مات سنة 238 أما ابن جوصا فقد ولد في حدود الثلاثين ومائتين، وتوفي سنة 320( ). ثم إن عافية بن أيوب مصري، وإبراهيم الحوراني معدود في المصريين أيضاً، كما هو صريح عبارة أبي العرب. أما إبراهيم بن أيوب الدمشقي الآخر فلم يعرف بالرواية، ولا نقل الحديث كما هو الظهر من ترجمة ابن عساكر له. أما بقية الخمسة. فلم توجد قرينة تدل على أن أحدهم يمكن أن يكون راوياً عن عافيه، بل إن ظاهر التراجم يدل على خلاف ذلك والله أعلم. الترجيح في حال الحوراني: تبين لنا من خلال النقول السابقة عن الأئمة أن الحوراني مختلف فيه، فعدله جمع من الأئمة، وضعفه المقدسي، وتضعيفه معتبر لشهادة أبي العرب له بأنه من أهل النقد والمعرفة بحديث المصريين ومحدثيهم، إلا أنه يمكن الجمع بين أهل النقد والمعرفة بحديث المصريين ومحدثيهم، إلا أنه يمكن الجمع بين هذه الأقوال، وذلك بحمل ما قيل فيه من ثناء على عدالته في دينه، أما ما قيل فيه من تضعيف فهو محمول على ضعف حفظه وضبطه لأن ما قيل فيه من تعديل ينصب على الصلاح والعبادة، وليس من لازم هذا الضبط والحفظ، فتعين التوفيق ولا يصح أن يقال بان الجرح مبهم فيقدم عليه التعديل، لأن التعديل لا يشمل الحفظ، فلا يصح أن يقدم مجرد التعديل في الدين على الجرح الذي لا يعارضه، ومن المسلم به أنه لا يصار إلى الترجيح ما أمكن التوفيق والله أعلم. الطعن الثاني: ما قاله البيهقيق من جهالة عافية، وإليك التعريف به، فهو عافية بن أيوب بن عبدالرحمن بن مسلم، أبو عبيدةمولى دوس يروي عن ححيوة بن شريح ، ومعاوية بن صالح، والمحرر بن بلال بن أبي هريرة وسعيد بن عبدالعزيز، والليث بن سعد، ومالك بن أنس وغيرهم، آخر من حدث عنه بمصر بحر بن نصر، مات في شعبان سنة أربع ومائتين.أ.هـ( ). وقال ابن أبي حاتم: روى عن أسامة بن زيد بن أسلم، روى عنه عبدالعزيز بن عمران، سئل أبو زرعة عنه فقال: أبو عبيدة عافية بن أيوب هو مصري ليس به بأس.أ.هـ( ). وقال ابن الملقن في البدر المنير: هذا الحديث رواه البيهقي في المعرفة من حديث عافية بن أيوب عن الليث، عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً، ثم قال: لا أصل له، وقال: وإنما يروى عن جابر من قوله غير مرفوع، قال: وعافية بن أيوب مجهول، فمن احتج به كان مغرراً بدينه داخلاً فيما نعيب به المخالفين من الاحتجاج برواية الكذابين، والله يعصمنا من أمثاله، وقال في خلافياته: لا أصل له مرفوعاً، والصحيح أنه موقوف على جابر. وأما ابن الجوزي فرواه في تحقيقه مرفوعا، ثم قال: إن قيل عافية ضعيف، قلنا ما عرفنا أحد طعن فيه، ثم قال: فإن قيل: فقد روي هذا الحديث موقوفاً على جابر، قلنا: الراوي قد ييسند الشيء تارة، ويفتى به أخرى، قوال المنذري في كلامه على أحاديث المهذب: في إسناد هذا الحديث عافية بن أيوب، ولم يبلغني عنه ما يوجب ضعفه. واعترض عليه الشيخ تقي الدين، فقال في الإمام: يحتاج المحتج به أن يبلغه فيه ما يوجب تعديله، قال ابن الملقن قد عدل ولله الحمد.أ.هـ. ثم ذكر تعديل أبي زرعة له وقال: قد زالت عنه الجهالة.أ.هـ( ). وقال الذهبي: ما هو بحجة، وفيه جهالة.أ.هـ( )، وقال ف يالمغني 1/322: تكلم فيه.أ.هـ. وقال ابن حجر بعد ذكر قول أبي زرعة: فليس هذا مجهول ( ). وقال الشيخ الشنقيطي: ما قاله الحافظ البيهقي رحمه الله تعالى من أن الحكم برواية عافية المذكور لهذا الحديث مرفوعاً من جنس الاحتجاج برواية الكذابين فيه نظر: لأن عافية المذكور لم يقل فيه أحد أنه كذاب، وغاية ما في الباب أن البيهقي ظن أنه مجهول، لأنه لم يطلع على كونه ثقة، وقد اطلع غيره على أنه ثقة، فوثقه، فقد نقل ابن أبي حاتم توثيقه ( ) عن أبي زرعة. ثم قال: ولا يخفى أن من قال إنه مجهول يقدم عليه من قال: إنه ثقة، لأنه اطلع على ما لم يطلع عليه مدعي أنه مجهول، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، والتجريح لا يقبل مع الإجمال ثم قال: ويؤيد ما ذكر من توثيق عافية المذكور أن ابن الجوزي مع سعة اطلاعه،وشدة بحثه عن الرجال، قال: إنه لا يعلم فيه جرحا.أ.هـ( ). وقال الألباني: وكلام الشيخ ابن دقيق العيد أعدل ما رأيت من الكلام فيه، فلا بد لمن احتج به أن يثبت توثيق عافية، ويبدو أن ذلك من غير الممكن، فقد جرى كل من وقفت على كلامه في هذا الحديث على أنه مجهول، ولم يأت بما يثبت توثيقه ( )، ولكني رأيت بان أبي حاتم قال في الجرح والتعديل 3/2/44 سئل أو زرعة عن عافية بن أيوب؟ فقال: هو مصري ليس به بأس، ولذلك قال الحافظ في اللسان عقب قول أبي زرعة هذا: فليس هذا بمجهول، وهذا هو الصواب، وفيه رد على الذهبي في قوله: تكلم فيه، ما هو بحجة، وفيه جهالة، فكأنه لم يقف – كغيره – على توثيق أبي زرعة المذكور، وهو إمام حجة، لامناص من التسليم لقوله.أ.هـ( ). النتيجة: تبين مما سبق أن عافية لا بأس به كمال قال أبو زرعة، وليس بمجهول خلافا للبيهقي، ولا ثقة خلافا لمن توسع في التعبير، كما تبين أنه لا مطعن في الحديث من قبل عافية، ومن قال ذلك فقد خالف مقتضى قواعد المحدثين، والله أعلم. الطعن الثالث: الوقف: سبق ذكر اعلال البيهقيق له بالوقف، وقال الشيخ الألباني: وللحديث علة أخرى وهي الوقف، فقال ابن أبي شيبة 4/27، عبدة ابن سليمان عن عبدالملك عن أبي الزبير عن جابر قال لا زكاة في الحلي، قلت: إنه يكون فيه ألف دينار؟ قال: يعار ويلبس، وهذا سند صحيح على شرط مسلم، وأبو الزبير قد صرح بالسماع، وقد تابعه عمرو بن دينار قال: سمعت رجلاً يسأل جابر بن عبدالله عن الحلي: أفيه الزكاة؟ فقال جابر: لا، فقال: وإن كان يبلغ ألف دينار؟ فقال جابر: كثير.أ.هـ. أخرجه الشافعي 1/239، وأبو عبيد 442، 1275 وإسنادهما صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه الدار قطني 205 من طريق أبي حمزة عن الشعبي عن جابر قال: ليس في الحلي زكاة. فتبين مما تقدم أن الحديث رفعه خطأ، وأن الصواب وقفه على جابر.أ.هـ( ). الجواب عن هذه العلة: صحيح أن هذا الحديث روي موقوفاً ومرفوعاً، ولكن هذا لا يطعن فيه، لأن الاختلاف جاء على نوعين: أحدهما: علي جابر  ، والثاني: علي أبي الزبير، ولكل نوع حكم يخصه، ولا يصح أن يؤثر أحدهما على الآخر خلافاً لما يفهم من كلام البيهقي ومن وافقه، وإليك البيان: أولاً: إن الاختلاف علي جابر  جاء موقوفاً من رواية عمرو ابن دينار والشعبي، وجاء مرفوعاً من رواية الليث عن أبي البير عن جابر، ويجب حمل هذا على أن جابراً فتى مرة، ورفع أخرى، فحدث كل بما سمع وهذا هو الموافق لمقتضى قواعد المحدثين، والأصوليين، وقد سبق نقل كلام ابن الجوزي في هذا ( ) ، وقال السخاوي: أن الماوردي قد نقل عن الشافعي رحمه الله أنه يحمل الموقوف على مذهب الراوي، والمسند على أنه روايته يعنى فلا تعارض حينئذ. ونحوه قول الخطيب: اختلاف الروايتين في الرفع والوقف لا يؤثر في الحديث ضعفاً لجواز أن يكون الصحابي يسند الحديث، ويرفعه إلى النبي  ، ويذكره مرة على سبيل الفتوى بدون رفع، فيحفظ الحديث عنه على الوجهين جميعاً. لكن خص شيخنا ( ) هذا بأحاديث الأحكام، أما ما لا مجال للرأي فيه فيحتاج إلى نظر.أ.هـ( ). قلت: يتعين المصير إلى هذا، وإلا فإنه يلزم رد كل رواية مرفوعة افتى الصحابي بمقتضاها بحجة ورود الحديث مرفوعاً وموقوفاً، هذا لا يصح أن يقو به أحد، خصوصاً إذا تعدد الرواة عن الصحابي. ثانياً: أما الاختلاف على ابي الزبير فجاء من طريقين: أحدهما طريق عافية بن أيوب عن الليث عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا، وثانيهما: طريق عبدة بن سليمان عن عبدالملك عن أبي الزبير عن جابر موقوفاً. وقد جاء عبد الملك في رواية ابن أبي شيبة غير منسوب وهو عبدالملك ابن أبي سليمان العرزمي، لأنه من شيوخ عبدة بن سليمان الكلابي، وممن روى عن أبي الزبير، وهذا لا يتحقق في غيره، كما في تهذيب الكمال وقد تعارضت هاتان الروايتان، لأن مخرجهما واحد وهو أبو الزبير فلا بد من الترجيح ورواية الليث بن سعد مقدمة على رواية عبدالملك، لأن الليث رحمه الله ثقة ثبت فقيه أمام مشهور كما في تقريب التهذيب، أما عبدالملك فهو صدوق له أوهام، كما في التقريب أيضاً، فيجب حمل هذه الرواية على أنها من أوهامه لمخالفتها رواية الحافظ. ولا يصح ما قيل من أن رواية عمرو بن دينار تشهد لرواية عبدالملك، لاختلاف المخرجين، فمخرج رواية عمرو عن صحابي، ومخرج رواية عبدالملك عن تابعي. لهذا فإن رواية عمرو عن جابر محمولة على أنها فتيا لجابر، أما رواية عبدالملك فلا يصح حملها على هذا لمخالفتها لرواية الإمام الحافظ مع أنهما قد رويا معاً الحديث، عن أبي الزبير، والواجب تقديم رواية الحافظ على رواية من له أوهام كما هو مقرر في علم المصطلح. أما الذين رجحوا الموقوف على المرفوع، فقد قدموا رواية من له أوهام على رواية أمام من الأئمة، وفي هذا مخالفة صريحة لما تقرر في علوم الحديث من تقديم رواية الأحفظ على من دونه. ثم إن الليث رحمه الله قد تلقى روايته عن أبي الزبير عن طريق كتاب ناوله إياه أبو الزبير في قصة مشهورة، ولا شك أن تحديث الليث من كتاب أبي الزبير أقوى من تحديث عبدالملك من حفظه. فاجتمع لليث مزيتان ضبط الصدر، وضبط الكتاب، ولا يصح أن يقال بأن ما رواه الليث عن أبي الزبير عن جابر فيه تدليس، لأن مرويات الليث عن أبي الزبير عن جابر محمولة على السماع كما صرح به ابن حزم رحمه الله في مواضع من كتاب المحلى تحقيق حسن زيدان طلبة 8/87،9/620-10/39. النتيجة: تبين لنا من خلال هذه الدراسة الموسعة أن هذا الحديث صالح للاعتبار لحال إبراهيم بن أيوب الحوراني، أما عافية بن أيوب فهو صدوق، ورواية الرفع مقدمة على رواية الوقف لأن راويها هو الأوثق. وقد أرتقى هذا الحديث إلى درجة الحسن لغيره، لأنه يشده له قول النبي  "تصدقن ولو من حليكن" رواه البخاري. فهذا يدل على عدم وجوب زكاة الحلى كما سبق تقرير هذا في الدليل الأول. وهذه الدلالة هي صريح حديث جابر. كما يشهد له قول راويه ومن وافقه من الصحابة بأنه لا زكاة في الحلى. لأن قوله هذا يدل على أن لهذا الحديث أصلاً مروياً عن رسول الله  . وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله بمثل هذا في تقوية الحديث المرسل، ونص قوله: فمن شاهد أصحاب رسول الله من التابعين فحدث حديثاً منقطعاً عنا لنبي: اعتبر عليه بأمور:…. ثم قال: وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب رسول الله قولاً له، فإن وجد يوافق ما روى عن رسول الله كانت في هذه دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح. إن شاء الله ( ). كما قال الإمام ابن حزم رحمه الله بمثل هذا في تقوية رواية الرفع، ووافقه الشيخ الألباني على ذلك ( ). وقد ذكر الشيخ التهانوي رحمه الله جملة ممال تقوى بها الأحاديث ( ) والله أعلم. الدليل الثالث: مخالفة عائشة  لما روت: روى الإمام مالك رحمه الله عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة زوج النبي  كانت تلى بنات أخيها يتامى في حجرها، لهن حلين فلا تخرج من حلينه الزكاة.أ.هـ( ). وهذه الرواية. صحيحة لما عرف من حال رجالها، وقد اعتبرها ابن حزم مروية من أصح طريق.أ.هـ( ). وجه الاستدلال بهذه الرواية: أن عائشة  ممن روى حديث زكاة الحلي، وقد خالفت ما روت، فيجب المصير إلى رأيا لأنه ورد تفسيراً لروايتها لمجملة، وفقا لما قرره جمهور أهل العلم في أصول الفقه من وجوب تقديم رأي الصحابي إذا خالف روايته المجملة. قال أبو الخطاب: تفسير الصحابي الراوي للخبر إذا كان مجملاً أولى من غيره، ذلك مثل ما روي عن عمر  أنه قال: "الذهب بالذهب ربا الا هاء وهاء" ثم فسر ذلك في حديث مالك بن أوس بن الحدثان، حين صارف طلحة بن عبيد الله، قال له لا تفارقه حتى يعطيك ورقك أو ترد عليه ذهبه، ففسر "هاء وهاء" بالتقابض في المجلس. وكذلك فسر ابن عمر "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا" ( ) بالافتراق عن المكان، وكان إذا باع مشى قليلاً. وكذلك فسر قوله: "فاقدروا له" على ضيقوا له، فكان إذا كان في السماء علة ليلة الثلاثين صام وأمر أهله بالصيام. والوجه في ذلك أنهم حضروا التنزيل وعرفوا التأويل، وهم أعرف بمراد الرسول  لكونهم معه،وبحضرته، فيجب الرجوع إلى تفسيرهم. فإن قيل: فلم لم تقبلوا قول أبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب "أنه يغسل ثلاثاً" وهو روى سبعاً، فتحملوا السبع على الاستحباب: قلنا: ذلك ليس ببيان، وإنما هو مخالفة للخبر، ولأن من يقول السبع ندب، يقول الثلاثة ندب، فلا يكون ذلك بيانا.أ.هـ( ). وقال الشيخ المطيعي: الحديث الذي رواه الراوي إما أن يكون مجملاً باتفاق الحنفية والشافعية، وهو ما لا يعلم معناه إلا بالبيان من المتكلم، ولا شك أن عمل الراوي له على أحد معنييه أو معانيه، وتعيين المراد منه لا يكون إلا عن سماع من المتكلم به، فيجب الاتباع قطعاً.أ.هـ( ). هذا ما قرره جمهور أهل العلم فيما إذا كان الراوي مخالفاً لما روى من المجملات، وقد جاءت فتوى الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد في هذه المسألة مطابقة لهذه القاعدة حيث قدموا رأي عائشة على روايتها ( ). ولا يعارض هذا ما جاء في أعلام الموقعين 1/29 من أن من أصول الإمام أحمد: النص، وإنه إذا وجده أفتى بموجبه، ولم يلتفت إلى ما يخالفه، ولا من خالفه كائنا من كان، لأن هذا في النص، أما المجمل فلا يسمى نصا، ولذا فرق أبو الخطاب رحمه الله وهو من كبا الحنابلة بين مخالفة عائشة  لما روت، ومخالفة أبي هريرة لما روى فلما كانت رواية عائشة مجملة قدم رأيها، ولما كانت رواية أبي هريرة نصا قدم روايته، وترك رأيه، وهذا هو التأصيل العلمي المتين. ولذا لا يصح اعتراض ابن الهمام الحنفي رحمه الله على مذهب المحتجين برأي عائشة  حينما قال: إن قصارى فعل عائشة  قول صحابي، وهو عنده ليس بحجة، لو لم يكن معارضا بالحديث المرفوع، وعمل الراوي بخلاف روايته لا يدل على النسخ بل العبرة لما روى لا لما رأى عنده.أ.هـ( ). قلت: وجه عدم صحة هذا الاعتراض أن مذهب الجمهور التفصيل في مخالفة الصحابي لروايته كما سبق، فاحتجاجهم بفعل عائشة جاء موافقاً لمذهبهم الأصولي، وليس معارضا له، ومرد هذا، إن الصحابة أعلما لناس في تفسير ما رووه من المجملات، فيجب تقديم رأيهم على رأي من جاء بعده ( ) فلا معارضة في هذا أصلا بين رأي الصحابي وروايته، إنما المعارضة واقعة بين الصحابة ومخالفيهم ممن جاء بعدهم، والواجب تقديم رأس السلف على الخلف، بخلاف ما إذا كان المروي نصا جليلا، فإن المخالفة هنا حصلت بين رسول الله  وبين الصحابي، فيجب والحالة هذه تقديم قول المعصوم على قول من يحتمل كلامه الخطأ. أما ما رآه ابن حزم رحمه الله من الزام الحنفية بالأخذ برأي عائشة  تسوية بأخذهم برأي أبي هريرة  ، كما في المحلي 6/79. فإن هذا لا يلزم الجمهور لما عرف من تفريقهم بين المخالفتين، إلا أنه يلزم الحنفية الأخذ برأي عائشة من باب أولى، لأنهم إنما قدموا رأي أبي هريرة على روايته الصريحة لئلا ينسبوا إلهي الخطأ والمخالفة لأنه عدل لكنهم وقعوا في أشد مما فروا منه، حيث نسبوا المخالفة والخطأ إلى أم المؤمنين  بلا حجة مع أنها لم تخالف ما روته، لأن رأيها جاء مفسراً لروايتها المجملة، فكان الأولى بهم أ، يعكسوا مذهبهم، لأن أبا هريرة خالف ما روى من نص صريح فكان الأخذ بكلام المعصوم أولى من الأخذ بكلام من يحتمل كلامه الخطأ، وهذا من باب تعارض الأدلة، فيجب تقديم الأقوى، أما مخالفة عائشة فهي من باب تفسير كلام رسول الله  ، وليس من باب التعارض في شيء، ولذا فإن مذهب الجمهور هنا أدق في التقعيد، حيث لم تختل قواعدهم، ولم يخالفوا ما أصلوا، والله أعلم. الدليل الرابع: تفسير بعض الصحابة  الزكاة بالعارية: قال الإمام أحمد رحمه الله: خمسة من أصحاب رسول الله  يقولون ليس في الحلي زكاة، ويقولون زكاته عاريته، وقال ابن قدامة رحمه الله بعد ذكر أدلة الموجبين: ويحتمل أنه أراد بالزكاة إعارته كما فسره به بعض العلماء، وذهب إليه جماعة من الصحابة  وغيرهم.أ.هـ( ). فاعتبار الإعارة زكاة من قبل بعض الصحابة قول يجب اعتباره لما عرف من أنهم أصحاب لسان وفقه في الدين، ثم أنه يتفق مع ما ذهبت إليه عائة  من عدم تزكية حلي الأيتام، لأن فعلها فتوى عملية دلت على عدم وجوب إخراج الزكاة، وتفسير هؤلاء الصحابة فيه تحديد للمراد بالزكاة فهم قد اتفقوا على عدم وجوب إخراج جزء من المال، فاعتبار هؤلاء الصحابة الإعارة زكاة كاف في بيان مجمل ما ورد في زكاة الحلي، لتضمنه العمل بهذه الأدلة الخاصة في زكاة الحلي، لأن كلا قد عمل بها، ولكن الخلاف إنما وقع في تفسيرها، وتفسير هؤلاء مع موافقته لرأي عائشة أولى من تفسير غيرهم لما تقدم من أن مذهب الجمهور هو العمل برأي الصحابي إذا كان تفسيراً لمجمل روايته، والله أعلم. الدليل الخامس: عموم لغة الآيات الواردة في الزينة والتحلي واللباس: قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله: باب ذكر الدليل على أن الزكاة غير واجبة على الحلي إذا سم الورق في لغة العرب الذي خوطبنا بلغتهم لا يقع على الحلي الذي هو متاع ملبوس.أ.هـ( ). قلت: إن ما ذكره ابن خزيمة رحمه الله يتفق مع دلالة اللغة العربية، ومنهج الأحكام الشرعية، لأن لكل اسم من الأسماء معنى يخصه، فإذا رتب الشرع على أحد الأسماء حكما، فإن هذا الحكم يعم كل ما صح أن يطلق عليه هذا الاسم، ولا يشتمل غيره، وعلى هذا فإن حلي النساء اسم لكل ما اتخذ من المصوغات زينة سواء كان من ذهب أو فضة أو غيرهما قال تعالى: وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا، وقال تعالى: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ فحكم الحلي أيا كان نوعه حتى ولو كان من الذهب والفضة فإنه يخالف حكم النقد من الذهب والفضة من خمسة أوجه. الوجه الأول: نية التملك: فإن سائر الذهب والفضة يملك بنية الثمنية إذا كان مسكوكا، أو تبرا للرجال والنساء، وهذا فيه الزكاة بالإجماع، بخلاف الحلي، فإنه يملك بنية اللبس والزينة، والأصل فيما أعد للزينة واللبس عدم وجوب الزكاة فيه، فلا تصح التسوية بينهما لاختلاف نية التملك. الوجه الثاني: طريقة بذل المنفعة: فإن الحلي يعار، وفي هذا بذل لجزء مما امتلك من أجله، حتى أن بعض الصحابة سمى هذا البذل زكاة، ومن المعلوم أن ما يعار يجب رد عينه، لمالكه، بخلاف سائر الذهب والفضة فإنه يقترض، والواجب فيما اقترض أن يرد بدله، فظهر أن الأولى التفريق في زكاتهما لافتراق منافعهما، فزكاة كل نوع من جنس منفعته. الوجه الثالث: حكم الابداء: فإنه لا يجوز للنساء ابداء ما تزين به من حلي، قال تعال: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِن، أما سائر الذهب والفضة فيجوز للنساء ابداؤه، وسبب هذا أن كل نوع أخذ أحكام جنسه، والحلى من جنس الزينة، فلا زكاة فيه، لأن الأصل في حلية النساء عدم وجوب الزكاة فيها. الوجه الرابع: حكم الاستعمال: فإنه يحرم على الرجال استعمال حلي الذهب مطلقاً، وحلي الفضة إلا ما خص كالخاتم، أما النساء فليس ذلك عليهن بحرام، بخلاف سائر الذهب والفضة فإنه يجوز للنساء والرجال استعمالهما في الثمنية على السواء، فأفاد هذا أن ما جاز التزين به، لا زكاة فيه، لأنه أخذ حكم جنسه. الوجه الخامس: الانتقال من مال زكوي إلى مال غير زكوي، فإن الأصل في الذهب والفضة وجوب الزكاة فيها بالإجماع، بخلاف حلي النساء وزينتهن، فإن الأصل فيه عدم وجوب الزكاة، فمصوغ الذهب والفضة كان قبل أن يتخذ حليا فيه الزكاة، فلما اتخذ حليا شمله الأصل الجديد وهو عدم وجوب الزكاة فيه، لأنه زينة فعلى من أخرجه من أصله الجديد، الدليل الصريح الذي يقتضي وجوب الزكاة فيه، ولا يصح التمسك بالمجملات التي تحتاج إلى بيان لا سيما وأن بيانها جاء مخالفاً لما احتج بها عليه، كما لا يصح أن يقال بأن عطاء حلي الذهب والفضة حكم بقية أنواع الحلى من باب القياس، لأن هذا إنما هو مقتضى عموم اللغة التي نزل بها القرآن، فالحلى اسم جنس يشمل كل المصوغات التي تتزين بها النساء، ومنها حلي الذهب والفضة، وبهذا المعنى جاءت الفتوى عن بعض السلف فروى ابن أبي شيبة عن إسماعيل بن عبدالملك قال: سمعت أبا جعفر يقول ليس في الحلي زكاة، ثم قرأ "تستخرجون منه حلية تلبسونها"( ). ثم إن الخلاف إنما هو في حلي الذهب والفضة لا في مطلق الحلى فعدم إيجاب الزكاة فيه، إنما هو من باب إعطائه حكم أصله الذي انتقل إليه، فلا فرق في الأحكام بين حلي الماس والذهب والفضة، لأنها يشملها اسم الحلي، وليس بعضها مقيسا على بعض. قال الإمام البخاري رحمه الله بعد إيراد حديث (تصدقن ولو من حليكن) ولم يخص الذهب والفضة من العروض.أ.هـ( ). فهذه تسوية من الإمام البخاري بين أنوا ع الحلي، فمن فرق بينها فقد خالف أبا عبدالله بلا حجة والله أعلم. الدليل السادس: ما جاء في بيان مجمل زكاة الفضة: وردت آيات وأحاديث في مشروعية الزكاة منها المجمل ومنها المبين فقصر جمهور أهل العلم استنباط الأحكام من المبين دون المجمل، لأن المجمل لا يجوز العمل به قبل بيانه، فلما ورد له ما يبينه عملوا بالبيان، وتوقوا عند حده من حيث العموم والخصوص، فاقتضى هذا المنهج العلمي عدم وجوب زكاة الحلي، قال أبو عبيد رحمه الله بعد ذكره الخلاف في زكاة الحلي: فلما جاء هذا الاختلاف أمكن النظر فيه والتدبر لما تدل عليه السنة، فوجدنا النبي  قد سن في الذهب والفضة سنتين أحداهما في البيوع، والآخر في الصدقة. فسنته في البيبوع قوله: (الفضة بالفضة مثلا بمثل) فكان لفظه "بالفضة" مستوعباً لكل ما كان من جنسها مصوغاً وغير مصوغ، فاستوت في المبايعة ورقها وحليها ونقرها، وكذا قوله "الذهب بالذهب مثلا بمثل" فاستوت فيه دنانيره وحليه وتبره. وأما سنته في الصدقة فقوله (إذا بلغت الرقة خمس أواقي ففيها ربع العشر) فخص رسول الله  بالصدقة الرقة من بين الفضة، وأعرض عن ذكر سواها، فلم يقل ذا بلغت الفضة كذا ففيها كذا، ولكنه اشترط الرقة من بينها. ولا نعلم هذا الاسم في الكلام المعقول عند العرب يقع إلا على الورق المنقوشة ذات السكة السائرة في الناس، وكذلك الأواقي ليس معناها إلا الدارهم، كل أوقية أربعون درهما، ثم أجمع المسلمون على الدنانير المضروبة: أن الزكاة واجبة عليه كالدراهم،وقد ذكر الدنانير أيضا في بعض الحديث المرفوع. ثم قال: فلم يختلف المسلمون فيهما، واختلفوا في الحلي، وذلك أنه يستمتع به ويكون جمالا، وأن العين والورق لا يصلحان لشيء من الأشياء إلا أن يكونا ثمنا لها، ولا ينتفع منهما بأكثر من الانفاق لهما، فبهذا بان حكمهما من حكم الحلي الذي يكون زينة ومتاعا، فصار ههنا كسائر الأثاث والأمتعة، فلهذا أسقط الزكاة عنه من أسقطها. ولهذا المعنى قال أهل العراق: لا صدقة في الإبل والبقر العوامل لأنها شبهت بالممالك والأمتعة، ثم أوجبوا الصدقة في الحلي، وأوجب أ÷ل الحجاز الصدقة في الإبل والبقر العوامل، واسقطوها من الحلي، وكلا الفريقين قد كان يلزمه في مذهبه أن يجعلهما واحدا، إما إسقاطه الصدقة عنهما جميعاً، وإما إيجابها فيهما جميعاً وكذلك هما عندنا سبيلهما واحد لا تجب الصدقة عليهما لما قصصنا من أمرهما.أ.هـ( ). وقال الإمام الشوكاني رحمه الله: ولا يصح استدلال من استدل على وجوب الزكاة في احلية بما ورد من ذكر الزكاة في الورق والزكاة في الرقة في الأحاديث، لأنه قد ثبت في كتب اللغ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اسكندرانى
برونزى
اسكندرانى


عدد المساهمات : 194
تاريخ التسجيل : 20/09/2011

زكـــاة الحــلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: زكـــاة الحــلي   زكـــاة الحــلي Icon_minitime1الخميس 13 سبتمبر - 10:58

[b]قال: تبا للذهب تباً للفضة يقولها ثلاث، فشق ذلك على أصاب رسول الله  وقالوا: فأي مال نتخذ؟ فقال عمر  : أنا أعلم ذلك عن رسول الله  ، فقال: يا رسول الله إن أصحابك قد شق عليهم، وقالوا: فأي المال تتخذ، فقال: لسانا ذاكراً وقلبا شاكراً وزوجة تعين أحدكم على دينه. وغير ذلك من الأحاديث. قال الإمام الشنقيطي رحمه الله بعد أن ذكر هذه الأحاديث: فالجواب – والله أعلم – أن هذا التغليظ كان أولا، ثم نسخ بفرض الزكاة، كما ذكر البخاري عن ابن عمر  .أ.هـ( ). 6- قيل إن الآية عامة في وجوب انفاق جمع المكتنز من الذهب والفضة، فخص هذا العموم بوجوب انفاق جزء منهما، وجواز اكتناز الباقي، قال الكياالهراس: أو يحتمل أن قوله (ولا ينمفقونها) أي لا ينفقون منها، فحذف "من"وبينه في موضع آخر من قوله تعالى: "خذ من أموالهم صدقة". وعن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فكبر ذلك على المسلمين فقال عمر: أنا أفرج عنكم، فانطلق فقال يا نبي الله إنه كبر على أصحابك هذه الآية: فقال عليه الصلاة والسلام إن الله تعالى لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث لتكون لمن بعدكم، فكبر عمر. فأبان هذا الحديث أن المراد بها انفاق بعض المال لا جميعه، وأن قوله (الذين يكنزون) المراد به منع الزكاة.أ.هـ( ). النتيجة: تبين من خلال الدراسة السابقة لهذه الآية ثلاثة أمور: الأمر الأول: أنه لا يصح أن تفسر الآية بقولي ابن عمر وجابر  :حينما قالا: بأن الكنز هو ما لم تؤد زكاته، وأن ما أديت زكاته فليس بكنز، وإن كان تحت الأرض، لأن دلالته أعم من دلالة الآية، لأنه يدل على أن الكنز هو ما لم تؤد زكاته سواء كان مكنوزاً أو غير مكنوز، أما الآية فإنها أوجبت إنفاق المكنوز فقط، ولم توجب انفاق غير المكنوز. كما لا يصح أن يجعل قولهما هذا دليلا على زكاة الحلي، لأنهما ممن يذهب إلى القول بعدم وجوبها وهما أعلم الناس بدلالة قولهما، ولأنه يؤدي إلى أن يكون قولهما حجة عليهما وفي هذا تناقض، والأولى حمل كلام الصحابي على أصح الوجوه، وهذا ممكن بأن يقال: إن قولهما عام في الأموال، وفتياهما خاصة فيا استعمل من الحلي، والأصل تقديم الخاص على العام، ولو قيل بغير هذا لكان مقتضاه تقديم العام على الخاص، وهذا خلاف تأصيل جمهور أهل العلم. ولا يصح أيضاً أن يقال بأن الحجة فيما روى لا فيما رأى لأن رأيه لا يخالف روايته، بل إنه يفسرها، لأن دلالة الرواية محمولة على وجوب الزكاة في بعض الأموال دون بعض، فهي بحاجة إلى بيانو المصير إلى فهم راويها، في مثل هذه المسألة هو الراجح كما هو مقتضى ما ذهب إليه الجمهور من عدم وجوب زكاة الحلي. الأمر الثاني: أن الآية لم تدل البتة على اعتبار الكنز اسما لما لم تؤد زكاته ولو لم يكن مكنوزا، لأن نهاية دلالتها تحريم الاكتناز ووجوب انفاق المكنوز هذا ما دلت عليه قبل تخصيصها بآية الزكاة وهي قوله "خذ من أموالهم صدقة" ولو لم يرد في الشرع غيرها لما جاز أ، يقال غير هذا، فلما خصت بآية الزكاة، صارت تدل على تحريم الكنز الذي لم تؤد زكاته، أما جواز اكتناز الذي أديت زكاته فهو مأخوذ من آية الزكاة. أما الاعتبار الأموال غير المكنوزة التي لم تؤد زكاتها كنزا فالذي دل عليه هو ما ورد في السنة المطهرة من حديث ابن عمر عن رسول الله  أنه قال: (الذي لا يؤدي زكاته يمثل له ماله يوم القيامة شجاعاً أقرعاً له زبيبتان يلزمه أو يطوقه، فيقول: أنا كنزك، أنا كنزك) الأمر الثالث: أن اسم الشرع العرفي وهو أن كل ماله لم تؤد زكاته فهو كنز عام في الأموال كلها، فدلالته مثل دلالة قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً فإن كانت هذه الآية تدل على زكاة الحلي، فالأولى بالموجبين الأخذ بها واعتمادها حجة، وإن لم يصح الاحتجاج بها، لأنها عامة في المأخوذ والمأخوذ منه، فإن هذا الاسم مثلها في الدلالة، والواجب الرجوع إلى بيانها وبيانه، ولم يرد في بيانهما ما يوجب الزكاة في خصوص الحلي، ولذلك فإن ابن عمر  ، وهو ممن روي عنه هذا الاسم مرفوعاً وموقوفاً لم يعتبره حجة على وجوب زكاة الحلي، وهو أعلم بما روى – والله أعلم -. أرجح التفاسير التي قيلت في الآية: أرجحها: إن المراد بالآية تحريم اكتناز الذهب والفضة، ووجوب انفاقهما جميعا، هذا ما دل عليه ظاهرها، إلا أنه خص هذا العموم بآية الزكاة، وهي قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا فصارت دلالة منطوقها بعد تخصيصها هو تحريم اكتناز الذهب والفضة إذا لم تؤد زكاتهما، أما مفهومها فإنه يدل على أن غير المكنوز من الذهب والفضة لا يجب انفاق شيء منه. ومن المعلوم أن ما أعد للبس والاستعمال كالحلي والأنف والخاتم لا يعد كنزا، فهو داخل تحت هذا المفهوم، فلا يصح أن يقال بشمول عموم هذه الآية لزكاة الحلي، بل إن مفهومه يأباه، حيث دل على خلاف ما استدلوا بها عليه، وهم قد طلبوا الدليل على إخراج الحلي من عموم وجوب الزكاة، فنقول لهم: الدليل من نفس الآية التي استدللتم بها كما ترون. والله أعلم. الدليل الثاني: ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله  : (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فح؛مي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجنبيه وظهره..) الحديث، وجاء فيه، قيل يا رسول الله فالأبل، قال: (ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ومن حقها حبلها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة) الخ. وجاء في الحديث أيضاً: قيل يا رسول الله والبقر والغنم، قال: (ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة) الحديث ( ). وجه الاستدلال بالحديث: قالوا: المتحلي بالذهب والفضة صاحب ذهب وفضة، ولا دليل على إخراجه من العموم، وحق الذهب والفضة من أعظمه، وأوجبه الزكاة. وقال ابن حزم رحمه الله: فوجبت الزكاة في كل ذهب بهذا النص الخ. ثم قال: ولم يأت إجماع قط بأنه عليه الصلاة والسلام لم يرد إلى بعض أحوال الذهب وصفاته، فلم يجز تخصيص شيء من ذلك بغير نص ولا إجماع.أ.هـ( ). مناقشة الاستدلال بهذا الحديث: قلت: لا يصح الاستدلال بهذا الحديث على وجوب زكاة الحلى لسببين: السبب الأول: أن الحق المطلوب في الحديث تأديته حق مجمل يجب رده إلى بيانه قبل الاحتجاج به، لأنه لا يجوز العمل بالمجمل قبل بيانه، كما هو مقرر لدى علماء الأصول. قال أبو الخطاب: وأما المجمل فهو كل لفظ لا يعرف معناه منه، وقيل: لا يعرف معناه من لفظه، والأول أصلح، لأنه يرجع إلى لفظه، وهو على ضربين: لا عرف له في الشرع، ولا في اللغة وهو مثل قوله عز اسمه "وآتوا حقه يوم حصاده" فإن هذا الحق ليس له عرف في الشرع، ولا في اللغة. وحكم هذا أن لا يجوز المصير إليه حتى يرد ما يفسره.أ.هـ( ). فإذا نظرنا إلى هذا الحديث وجدنا أنه يدل على وجوب الحق في أفراد عموم الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم، والحلي من أفراد هذا العموم، ففيه حق مجمل، ولكنه يحتاج إلى بيان، ولم يرد في السنة ما يبين نوع الحق الواجب في الحلي، لأن البيان الوارد فيها منحصر في وجوب الزكاة في أواقي الورق والرقة والدراهم والدنانير، فهو مختص بما جعل ثمناً للأشياء وهو أصل الذهب والفضة، ولا يشمل ما خرج عن هذا الأصل إلى أصل آخر وهو ما اتخذ للزينة واللباس والتحلي. وملوم أن حكم ما اتخذ للزينة يختلف عن حكم ما اتخذ للثمينة حيث جاءت الشريعة بالتفريق بينهما، فإباحة امتلاكهما للرجال والنساء بنية الثمينة على السواء بخلاف امتلاكهما للزينة، فيباح للنساء ما لا يباح للرجال، ومرد هذا الاختلاف خروج الحلي عن أصل الثمينة إلى أصل الألبسة، فيجب أن تعطى كل حالة أحكامها التي تخصها، ومنها عدم تزكية ما كان حلية وزينة. ثم إن هذا الفقه في زكاة عموم الذهب والفضة هو عين الفقه في زكاة عموم الإبل والبقر والغنم حيث أن الحق الواجب فيها يشمل السائمة والمعلوفة، والعوامل والمنائح، فجاءت السنة فبينت الحق الواجب في السائمة، وأعرضت عن غير السائمة، فدل هذا على عدم وجوب الحق فيما اعرضت عنه، إذ لو كان واجبا لورد بيانه، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. والأولى أن لا يختلف معنى الحق الوارد في الذهب والفضة، عن معنى الحق الوارد في الإبل والبقر والغنم، لأنهما وردا في حديث واحد، ولأنه مجمل في الموضع الأول عاما، وفي الوضع الثاني خاصا ففي هذا تفريق بين المتماثلات بلا دليل بينما الواجب التوحيد بينهما. ولا يصد أن يقال بأن الأحاديث الخاصة في زكاة الحلي هي البيان، لأنا أحاديث مجملة، والمجمل لا يصلح أن يكون بياناً لمجمل آخر، لأن كل مجمل يحتاج إلى ما يبينه، ولا فرق في الاجمال بين أن يكون ما ورد فيه عاما أو خاصا، ولذا فلا أثر لورود الأدلة المجملة الخاصة في زكاة الحلي على الأدلة المجملة الواردة في عموم الذهب والفضة، لأنها كلها لا يجوز العمل بها إلا بعد بيانها، فالاحتجاج إذاً بالبيان لا بالإجمال، وبهذا يضعف الاحتجاج بهذا الحديث على زكاة الحلي، والله أعلم. السبب الثاني: أنالنبي  قد بين بعض الإجمال في هذا الحديث حينما سئل عن حق الإبل، فروى مسلم عن أبي هريرة  عن رسول الله  أنه قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار) الحديث، وجاء فيه قيل يا رسول الله فالإبل قال: (ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ومن حقها حلبها يوم وردها) الحديث. وجاء عند مسلم أيضاً حديث جابر  عن النبي  قال: (ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا أٌعد لها يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه ذات الظلف يظلفها، وتنطحه ذات القرن بقرنها ليس فيها يومئذ جماء ولا مكسورة القرن، قلنا يا رسول الله وما حقها: قال: اطراق حلها وإعارة دلوها ومنيحتها وحلبها علىالماء، وحمل عليها في سبيل الله) الحديث ( ). فهذا يدل على أن المراد بالحق الواجب في الذهب والفضة ما هو أعم من الصدقة المفروضة شرعاً والأولى أن يفسر كلام النبي  بعضه ببعض، وعلى هذا فإن أداء أي نوع من أنواع الانتفاق بالمال يعتبر من أداء حق من الحقوق الواجبة فيه. فقصر دلالة هذا الحديث على الصدقة الواجبة أمر يحتاج إلى دليل، وما يحتاج إلى دليل فإنه بهذا خرج عن كونه بنفسه دليلا يصح الاستدلال به في محل النزاع، لأن التعلق والاحتجاج إنما هو بالدليل الآخر إن وجد لا بهذا الدليل الذي قد تبين بعض مدلوله، وهو يخالف ما حمل عليه، ولهذا أعرض جماهير الأئمة عن ال احتجاج بهذا الحديث على وجوب زكاة الحلي، بل حمل بعضهم الحق في الحي على أن المراد به إعارته، لأنه يحصل بالإعارة تأدية حق من حقوق الذهب والفضة، كما يحصل في حق الإبل والبقر والغنم. ومن المسلم به أن إعارة الحلي فيها نفع كبير للفقراء والمحاويج، بل إننفع إعارته قد يفوق نفع دفع جزء منه لما يحصل بها من كمال تجمل المحتاجة ليلة زفافها، أو يوم اجتمع نسائها، وقد ورد النهي عن منع هذا الحق في كتاب الله تعالى قال الله تعالى: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ قال الزجاج وأبو عبيد والمبرد. الماعون في الجاهلية كل ما فيه منفعة.أ.هـ( ). قلت: والحلي مما ينتفع به وتبقى عينه فهو داخل في عموم الآية والله أعلم. الدليل الثالث: قوله  : (وفي الرقة ربع العشر) قال ابن حزم رحمه الله: لو لم يكن إلا هذه الآثار لما قلنا بوجوب الزكاة في الحلي، لكن لما صح عن رسول الله  (في الرقة ربع العشر) (وليس فيما دون خمس أواقي من الورق صدقة، فإذا بلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم) وكان الحلي ورقا، وجب فيه حق الزكاة لعموم هذين الآثرين الصحيحين. وأما الذهب فقد صح عن رسول الله  (ما من صاحب ذهب لا يؤدي ما فيها إلا جعل له يوم القيامة صفائح من نار يكوى بها) فوجبت الزكاة في كل ذهب بهذا النص. ثم قال: ولم يأت إجماع قط بأنه عليه الصلاة والسلام لم يرد إلا بعض أحوال الذهب وصفاته، فلم يجز تخصيص شيء من ذلك بغير نص ولا إجماع.أ.هـ( ). الجواب عن الاستدلال بهذه الأحاديث: إن من يتأمل هذه الأحاديث يدرك أنها لا تدل على زكاة المصوغات المتخذة حليا لأمرين: أحدهما: أن حديثي الفضة قد ربطت الزكاة فيها بالدراهم والرقة والأواقي، وكلها مسميات لاسم واحد، كما سبق بيانه، ومعلوم أن حلي الفضة يشارك الدراهم في كونهما من أصل واحد وهو الورق، ولكنههما يختلفان بعد ذلك، من حيث المنافع والأوصاف وقصد التملك، والحديثان إنما أوجبا الزكاة في جنس الدراهم أما جنس الحلي فلم يدلا عليه، ولا يصح أن يقال: بأنه يجب أن يعطى الحلي المتخذ زينة ما ثبت للدراهم لكونهما من ورق، إذ لو قيل بهذا للزم أن تعطى الدراهم كل أحكام الحلى، من تحريم الابداء وتحريم اتخاذ الرجال له كما هو شأن الحلي وهذا لم يقل به أحد فثبت الفرق بينهما. ثم إن حلي الذهب والفضة، قد انتقلا إلى أصل جديد وهو اللباس والزينة والتحلي، فيجب أن يأخذا حكم ما انتقلا إليه طردا وعكسا، وإلا فإنه يلزم التفرقة بين المتماثلات بلا دليل واضح البيان، بل بمجرد أدلة مجملة جاء بيانها مخالفا لما استدل بها عليه، ثم إن الحلي أصل يشمل حلي الذهب وغيره من الماس واللؤلؤ، ولا خلاف في عدم وجوب زكاة أصل الحلي إنما الخلاف القائم في حلي الذهب والفضة، لا لكونهما حليا ولكن لكونهما ذهبا أو فضة، فيجب الإبقاء على عموم حكم الأصل المتفق عليه. ثانيهما: أن حديث الذهب الذي استدل به مجمل لا يجوز العمل به قبل بيانه، ولما جاء البيان أفاد أن الزكاة في الدنانير دون الحلي، وقد سبق مناقشة هذا الحديث، والله أعلم. الدليل الرابع: ما رواه أبو داود عن عبدالله بن شداد بن الهاد قال دخلنا على عائشة  قالت: دخل علي رسول الله  فرأى في يدي فتخات ( ) من ورق فقال: (ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهن لا تزين لك بهن يا رسول الله، قال: أفتؤدين زكاتهن؟ فقلت: لا، فقال هن حسبك من النار) وأخرجه الحاكم وصححه، وقد عده ابن الهمام رحمه الله من أدلة الحنفية على وجوب زكاة الحلى ( ). وجه الاستدلال بالحديث: قال الجصاص بعد إيراد هذا الحديث: فانتظم هذا الخبر معنيين، أحدهما: وجوب زكاة الحلي، والآخر أن المصوغ يسمى ورقا، لأنها قالت: فتخات من ورق، فاقتضى ظاهر قوله (في الرقة ربع العشر) إيجاب الزكاة في الحلي، لأن الرقة والورق واحد.أ.هـ( ). درجة الحديث: اختلف العلماء في صحة هذا الحديث، وأرى أنه صالح للاحتجاج به، لأن أقل أحواله أنه حسن لذاته، وإذا ضم إليه حديث عمرو بن شعيب صار صحيحا لغيره، ولا أرى أن التعلق بتضعيفه هو الحجة في عدم إيجابه زكاة الحلى، ولذا أعرضت عن ذكر قول المضعفين له لضعفها، والله أعلم. فقه الحديث: إن من يتأمل ظاهر هذا الحديث يرى أنه غير صريح في إيجاب الصدقة في الحلي المستعمل للإجمال الوارد فيه إلا أنه مع ذلك يدل على الأحكام التالية: 1- إطلاق مقدار الزكاة المأمور بأدائها إذا لم يرد في الحديث تحديدها. 2- كان أول تحلي عائشة  بتلك الخواتيم، وقت حدوث القصة إذ لو كان من عادتها التحلى به قبل ذلك لم يرد السؤال أصلاً. 3- عدم اشتراط النصاب لزكاة الحلى، لأن نصاب الفضة (595) جراماً كما في فقه الزكاة 1/260، ومعلوم أن الفتخات لا تصل إلى هذا المقدار ولا تقاربه، وقد نص على هذا الصنعاني في كتاب سبل الإسلام 2/263. 4- عدم اشتراط الحول لزكاة الحلى لأنه علق الحكم وكذا العقوبة عند أول حصول التزين به. 5- وجوب الزكاة المجملة في الفتخات المتخذة من الورق. 6- إن سبب إيجاب الزكاة في الفتخات هو امتلاك فتخات الورق للبس لقصد الزينة، لا لمجرد التملك، لأن النبي  لو يوجب الزكاة عليها إلا بعد ما أخبرته عن غرضها من لبسهن، ولو كان لمجرد التملك لتغيرت صيغت السؤال والجواب لما عرف من بلاغه رسول الله  ، ولأن جواب عائشة  حدد مراد رسول الله  من سؤاله إياها وعلى ضوء جوابها جاء التكليف بالزكاة. ولا يصح أن يقال بأن السؤال عن ماهيتهن فحسب، لأن الجواب يأباه، وهي أعلم بكلام رسول الله  ، ومما يشهد لهذا الاستنباط ما رواه أبو عبيد عنها أنها قالت: (لا بأس بلبس الحلي إذا اعطيت زكاته)( )، فهي  إنما ربطت الزكاة باللبس والتملك، لا بالتملك وحده وهذا مطابق لما روته مرفوعا، والموجبون للزكاة إنما ربطوا الحكم بالتملك، ولا أثر للبس عندهم، فقولهم هذا خلاف المرفوع والموقوف. هذا ما دل عليه ظاهر الحديث، ولم أرى أحد أخذ بذلك الظاهر بل إن القائلين بزكاة الحلي من أول المخالفين له، حيث قيدوا دلالته بشروط صدقة الفضة وأحكامها، إلا أنهم تمسكوا بما دل عليه من وجوب زكاة الحلي، وهذا الاستدلال فيه نظر، لأنه احتجاج بلفظ مجمل لا يصح العمل به إلا بعد بيانه، وإجمال لفظ الزكاة أمر أطبق عليه كثير من علماء الأمة من مفسرين ومحدثين وفقهاء وأصوليين، ولغويين. قال أبو الخطاب بعد تقسيمه المجمل: ومجمل له عرف في اللغة، وهو مثل الصلاة والزكاة والحج… ثم قال: وأما الزكاة فمعناها في اللغة الزيادة والنماء يقال زكا المال إذا نما… فحكم هذا أن لا يصار إليه حتى يرد دليل يفسره، قال أحمد رحمه الله في كتاب طاعة الرسول: لا يجوز العدول إلى هذا حتى يرد ما يفسره.أ.هـ( ). ثم إن عائشة  أعلم الناس بتأويل هذا المجمل، لأنها هي المقصودة فيه فلم تر أنه يدل على وجوب زكاة الحلي كما ثبت هذا عنها عند الإمام مالك بأصح طريق كما قال أهل العلم، فيجب المصير إلى فهمها، لئلا ينسب إليها مخالفة رسول الله  في أمر عظيم حقت العقوبة على من خالفه، خصوصا وأن مرد الخلاف يعود إلى فهم مجمل لم ينص على بيانه. وقد اقتضت أصول مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن مخالفة الراوي لما روى إن كانت تعود إلى تفسير مجمل، فالأخذ بتفسير الصحابي أولى من غيره، قال أبو الخطاب: تفسير الصحابي الراوي للخبر إذا كان مجملاً أولى من غيره، وذلك مثل ما روى عن عمر  أنه قال: "الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء" ثم فسر ذلك في حديث مالك بن أوس بن الحدثان، حين صارف طلحة بين عبيد الله، قال له لا تفارقه حتى يعطيك ورقك أو ترد عليه ذهبه، ففسر (هاء وهاء) بالتقابض في المجلس وكذلك فسر ابن عمر (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا) بالافتراق عن المكان، وكان إذا باع مشى قليلا، وكذلك فسر قوله: (فاقدرو له) على ضيقوا له، فكان إذا كان في السماء علة ليلة الثلاثين صام وأمر أهله بالصيام، والوجه في ذلك: أنهم حضروا التنزيل، وعرفوا التأويل، وهم أعرف بمراد الرسول  ، لكونهم معه، وبحضرته، فيجب الرجوع إلى تفسيرهم. فإن قيل: فلم لا تقبلوا قول أبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب (أنه يغسل ثلاثاً) وهو روى سبعا فتحملوا السبع على الاستحباب. قلت: ذلك ليس ببيان، وإنما هو مخالفة للخبر، ولأن من يقول: السبع ندب، يقول: الثلاثة ندب، فلا يكون ذلك بيانا.أ.هـ( ). قلت: وهذا في الحقيقة من باب تقديم رأي الصحابة في تفسير المجملات على رأي مخالفيهم ممن جاء بعدهم، وليس من باب معارضة رأي الصحابة لرسول الله  ومعلوم أن الصحابة أعلم الناس بفهم المجملات، فيجب تقديم رأيهم على رأي مخالفيهم، لئلا ينسب إليهم مخالفة رسول الله  مع أن الأصل سلامتهم منها، لحضورهم التنزيل وفقههم للتأويل وثبوت عدالتهم، وشدة حرصهم على امتثال أوامر رسول الله  فرض الله عنهم، وأرضاهم. أما ما روى أبو عبيد عنها أنها قالت: (لا بأس بلبس الحلي إذا أعطيت زكاته) فقال فيه أبو عبيد: وكذلك حديث عائشة  في قولها لا بأس بلبس الحلي إذا أعطيت زكاته، لا وجه له عندما سوى العارية، لأن القاسم بن محمد كان ينكر عنها أن تكون أمرت بذلك أحدا من نسائها أو بنات أخيها.أ.هـ( ). قلت: إن ظاهر كلامها يشهد لتأويل أبي عبيد، لأنها إنما ربطت الزكاة باللبس لا بالتملك، ومعلوم أن زكاة المملوك تكون بإخراج جزء منه، أما زكاة الملبوس فهي من نوع آخر يوافق ما استخدم له هذا الملبوس ولا يحصل هذا إلا بإعارته، لما علم من أنها لا ترى زكاة الحلي، فتعين المصير إلى ما قاله رحمه الله. وقد اعترض أحد المفتين فقال: قال بعضهم ويمكن أن يحارب عن ذلك بأنها لا ترى إخراج الزكاة عن أموال اليتامى واجبا فتخرج تارة، ولا تخرج أخرى، كذا قال: وأحسن منه أن يجاب بوجه آخر، وهو أن عدم إخراجها فعل، والفعل لا عموم له، فقد يكون لأسباب ترى أنها مانعة من وجوب الزكاة، فلا يعارض القول، والله أعلم.أ.هـ. قلت يعكر على هذا الجمع: أن قولها مجمل وفعلها مبين لمجمل قولها، والواجب حمل الفعل على البيان، فيقال إنها ترى زكاة الملبوس من الحلى، ولكن ليست الزكاة التي هي دفع جزء من المال حيث أنها لا تزكي حلي الايتام، ثم إن في جوابه تقديماً للمجمل على المبين، وهذا موضع نظر لمخالفته القواعد الأصولية، كما أن قولها يدل على أنها ترى زكاة الحلي للبسه، لا لمجرد تملكه، وهم لا يقولون بهذا، فظهرت مخالفتهم لقولها مع عدم أخذهم بفعلها، والواجب حمل فعلها على أنه بيان لمجمل قولها، وعلى هذا فلم يبق من الزكاة إلا عاريته، وهو مذهب جمهور أهل العلم، وبهذا القول يتحقق الأخذ بقولها، وفعلها. والله أعلم. أما قول الجصاص: أن الحديث يدل على أن المصوغ يسمى ورقا. ففيه نظر، لأنها إنما أطلقت اسم الورق على أصل الفتخات الذي صنعت منه، وهذا لا خلاف في وجوب الزكاة فيه، ولكنها لم تطلق على الفتخات بعد الصناعة ورقا فضعف الاستدلال به، والله الموفق،، الدليل الخامس: ما أخرجه أبو داود والنسائي من أن امرأة اتت النبي  ومعها ابنة لها، وفي يد بنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لهما: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة يوارين ( ) من نار؟ قال: فخلعتهما، فألقتهما إلى النبي  فقالت: هما لله ورسوله). قال أبو الحسن ابن القطان: إسناده صحيح، وقال المنذري في مختصره: إسناده لا مقال فيه.أ.هـ( ). الحكم على الحديث: قلت: لا مطعن في إسناد أبو داود رحمه الله بل الحديث حسن لذاته لأنه من رواية صدوقين وهما عمرو بن شعيب، وأبيه كما في تقريب التهذيب بل إنه صحيح لغيره، لأن حديث عائشة السابق وهو حسن يشهد له، فلا يلتفت إلى قوله من ضعفه من المعاصرين بعمرو بن شعيب لأن أقل أحواله على حد رأيهم أن يكون حسنا لغيره، وهذا ليس بضعيف ( ). وجه الاستدلال به: قال السرخسي بعد إيراده لهذا الحديث: والمراد بالزكاة دون الإعارة، لأنه ألحق الوعيد بهما، وذلك لا يكون إلا بترك الواجب، والإعارة ليست بواجبة.أ.هـ( ). فقه الحديث: إن من يتأمل هذا الحديث يرى أن ظاهره يدل على الأحكام التالية: 1- وجوب الزكاة المجملة في الملبوس من الأسورة، لأن السؤال إنما ورد عن زكاة المشاهد الملبوس، ولا يجوز أن يترك هذا الوصف لأنه مؤثر في الحكم حيث ورد الحكم عليه، وهذا موافق لما ذهبت إليه عائشة في قولها السابق: (لا بأس بلبس الحي إذا أعطيت زكاته) كما أن هذا المدلول هو عين مدلول حديث عائشة المرفوع السابق. 2- عدم اشترط الحول لزكاة الأسورة، لأن النبي  لم يسألها عن تاريخ لبسها، ولا عن تمام حولها، بل ألزمها بالزكاة بمجرد رؤيته عليها، ومن قال غير هذا فقد حمل الحديث ما لا يحتمله. 3- عدم تحديد نوع ومقدار ما يعطى لزكاة الحلي بل أمر هذا متروك للمزكي لأن النبي  لم يبين لها النوع ولا المقدار، بعدما أعلمها بوجوب الزكاة فيه، ثم إن إقرار النبي  لصنيعها حينما بذلت له السوارين وهما اللذان تعلقت بهما الزكاة يؤيد هذا إذ لو كان مراده أمرا محددا لبينة، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ثم إن لهذه الحالة نظيرا في الشريعة، لموافقتها حال الزكاة في أول الهجرة، كما سبق هذا في مبحث الزكاة في العهد المكي ( ). هذا ما دل عليه الحديث، إلا أن الموجبين لزكاة الحلي لم يأخذوا إلا بمجرد لفظ الزكاة المجمل الذي خوطبت به المرأة حال لبسها للسوارين، ومعلوم أن المجمل لا يجوز الأخذ به قبل رده إلى بيانه، وقد جاء بيان الزكاة على نوعين: البيان الأول: بذل جزء من المنفعة، أو جزء غير محدد من المال وهذا قبل تحديد أنصبة الزكاة، يشهد لهذا ما جاء عند الإمام مسلم من حديث أبي هريرة وجابر  أن النبي  قال: (ومن حقها حلبها يوم وردها، واطراق فحلها، وإعارة دلوها) وما جاء في قول الله تعالى: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ فجاء ذكرها بعد ذكر الصلاة، مما يدل على أن المراد بها أداء زكاة الماعون، والماعون كل ما ينتفع به كما قال أهل اللغة، والحلي مما ينتفع به، فزكاته عاريته، وعلى هذا جمع من الصحابة وجمهور أهل العلم. البيان الثاني: إيجاب جزء مخصوص من مال مخصوص بشروط معينة وهذا هو المعنى بإيجاب الزكاة في التشريع الأخير من السنة الثانية من الهجرة، وليس الحلي من هذا المال المخصوص، لأن عدم وروده باسمه الصريح حينما أوجبت الصدقات كاف في بيان أنه غير مارد في إيجاب الزكاة، فضلا عما ورد فيه من أدلة قوية وواضحة تدل على عدم وجوبها فيه. كما سبق بيانه في الباب الأول. وقد قال الإمام أبو عبيد رحمه الله تعالى: فقد اختلف في هذا الباب صدر هذه الأمة و تابعوها، ومن بعدهم. فلما جاء هذا الاختلاف أمكن النظر فيه، والتدبر لما تدل عليه السنة فوجدنا النبي  قد سن في الذهب والفضة سنتين: أحدهما في البيوع، والأخرى في الصدقة. فسنته في البيوع قوله "الفضة بالفضة مثلا بمثل"، فكان الفضة (بالفضة) مستوعبا لكل ما كان من جنسها، مصوغا وغير مصوغ، فاستوت في المبايعة ورقها وحليها ونقرها ( )، وكذا قوله (الذهب بالذهب مثلا بمثل) فاستوت فيه دنانيره وحليه وتبره. وأما سنته في الصدقة فقوله: (إذا بلغت الرقة خمس أواقي ففيها ربع العشر) فخص رسول الله  بالصدقة الرقة من بين الفضة، وأعرض عن ذكر سواها، فلم يقل إذا بلغت الفضة كذا ففيها كذا ولكنه اشترط الرقة من بينها، ولا نعلم هذا الاسم في الكلام المعقول عند العرب يقع إلا على الورق المنقوشة ذات السكة السائرة في الناس، كذا الأواقي ليس معناها إلا الدراهم، كل أوقية أربعون درهما ثم أجمع المسلمون على الدنانير المضروبة أن الزكاة واجبة عليه كالدراهم، وقد ذكرت الدنانير أيضاً في بعض المرفوع ( ). قلت: ومما يؤيد هذا قوله  : فيما أخرجه البخاري وغيره: (تصدقن ولو من حليكن) فإن هذا خطاب لعموم النساء، وذلك خطاب لامرأة، وما خوطبت به نساء المسلمين واضح البيان، وهو دلالته على أن التصدق بجزء من الحلي لم يكن معروفا لديهن، لا الصدقة الواجبة ولا صدقة التطوع، وقد أقرهن النبي  على ذلك، حيث طلب منهن التصدق من الحلي إذا لم يجدن غيره مما كن يتصدقن منه، إذ لا صدقة فيه مع وجود غيره. والواجب علينا التوفيق بين كلام رسول الله  ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وأرى أن الحق في ذلك حمل المجمل على المبين، فيكون معنى حيث اليمانية أ، الزكاة في الحلي مطلوبة، إلا أنه لا يجب دفع جزء من الحلى لدلالة الحديث الثاني على ذلك. أما إلحاق الوعيد بالسوارين فلا يلزم منه بقاء وجوب الزكاة المفروضة، لأن الوعيد علق على أمر مجمل، فلما جاء البيان دل على أنه لا أثم على من لم يدفع جزءا من الحلي، فبقي الوعيد على الحقوق الأخرى المتعلقة بالحلي كالعارية، إلا أن الزكاة المفروضة أسقطت وجوب كل الحقوق المتعلقة بالأموال فليس في المال حق واجب سوى الزكاة كما هو رأي جماهير الأمة. والقول في هذا الحديث مثل القول في قوله تعالى: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ حيث علق الإثم على من منع العارية، فلا جاءت الزكاة أسقطت كل حق واجب، فإذا أسقط الوجوب سقط الإثم، وكقوله تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ فإن الآية تدل على وجوب إيتاء الحق في الرمان ومن لم يؤت الحق فإنه آثم، ولما جاءت الزكاة المفروضة أسقطت الإثم على من لم يفعل ذلك، والله أعلم. الدليل السادس: ما رواه أبو داود عن أم سلمة  قالت: كنت ألبس أوضاحا من ذهب، فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال: (ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز)( ). ورواه الحاكم أيضاً ولفظه: عن أم سلمة أنها كانت تلبس أوضاحا من ذهب فسألت عن ذلك النبي  فقلت أكنز هو؟ فقال: (إذا أديت زكاته فليس بكنز)( ). وجه الاستدلال بالحديث: قال السرخسي عقب إيراده لهذا الحديث: والمعنى فيه أن الزكاة حكم تعلق بعين الذهب والفضة، فلا يسقط بالصنعة كحكم التقابض في المجلس عند بيع أحدهما بالآخر، وجريان الربا، وبيان الوصف أن صاحب الشرع ما اعتبر في الذهب والفضة مع اسم العين وصفا آخر لإيجاب الزكاة، فعلى أي وجه أمسكها المالك للنفقة أو لغير النفقة تجب عليه الزكاة، ولو كان للابتذال ( ) فيهما عبرة لم يفترق الحال بين أن يكون محظوراً أو مباحاً..الخ.أ.هـ( ). الجواب عن الاستدلال بهذا الحديث: لا يصح الاستدلال بهذا الحديث على وجوب الصدقة في الحلي لما يأتي: 1- هذا الحديث تفرد به ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة كما قال ذلك البيهقي في سننه 4/140. وعطاء هو ابن أبي رباح، لأنه معدود ممن شيوخ ثابت، كما أنه معدود فيمن روى عن أم سلمة كما في تهذيب الكمال وهذا لا يتحقق إلا في عطاء بن أبي رباح، إلا أنه لم يسمع من أم سلمة كما نص عليه ابن المديني في كتابه العلل ص71. ورواه عنه ابن أبي حاتم في المراسيل 155. ففي هذا إرسال خفي، وقد قال يحيى بن سعيد القطان: مرسلات مجاهد أحب إلى من مرسلات عطاء بكثير، كان عطاء يأخذ عن كل ضرب. وقال الإمام أحمد: ليس في المرسلات شيء أضعف من مرسلات الحسن وعطاء بن أبي رباح فإنهما كانا يأخذان عن كل أحد ( ). 2- أن لفظ الزكاة الوارد في الحديث مجمل، فلا يجوز العمل به غلا بعد بيانه، ولم يرد ما بينه، لأن البيان إنما ورد في زكاة الدراهم كما سبق بيان هذا في حديثي عائشة وعمرو بن شعيب، فينبغي حمله على غير الصدقة، وهو أن تكون زكاته عاريته ما حمله عليه كثير من أهل العلم أما إيجاب إخراج جزء من المال فلا يكفي فيه هذا المجمل وأمثاله من المجملات. 3- إن في لغة هذا الحديث أشكالاً، وذلك في قول أ م سلمة  كنت ألبس أوضاحا من ذهب، حيث أن الأوضاح إنما هي نوع من أنواع حلي الفضة كما قال ابن الأثير: أوضاح: نوع من الحلي يعمل من الفضة، سميت بها لبياضها، واحدها: وضح.أ.هـ( ). ومن المعلوم أن لون الذهب ما بين الحمرة إلى الصفرة، فوصف حلي الذهب بأنها أوضاح يثير أشكالاً في لغة الحديث، فإذا ضم هذا مع ما في سنده من ضعف، صار ضعفه جليا لحصوله في السند والمتن والله أعلم. أما قول السرخسي: بأن الزكاة حكم تعلق بعين الذهب والفضة فلا يسقط بالصنعة، كحكم التقابض في المجلس عند بيع أحدهما بالآخر..الخ. فالجواب عنه: أن هذا استنباط من حديث غير صحيح، ثم إن الحكم الذي تعلق بعين الذهب والفضة حكم مجمل لا يجوز العمل به قبل بيانه، ولما جاء البيان أفاد أن وجوب الزكاة المخصوصة إنما تجب في الدراهم وما في معناها والحلي ليس في معناها لأنه معد للاستعمال، بخلاف حكم التقابض في المجلس وجريان الربا، لأن الأدلة الواردة فيهما ليست مجملة، فحصل الفرق، وبهذا فسد القياس، إذ لا يصح قياس ما دليله مجمل على ما دليله غير مجمل. أما قوله: إن صاحب الشرع ما اعتبر في الذهب والفضة مع اسم العين وصفا آخر لإيجاب الزكاة، فعلى أي وجه أمسكها المالك للنفقة أو لغير النفقة تجب عليه الزكاة، ولو كان للابتذال فيهما عبرة لم يفترق الحال بين أن يكون محظورا أو مباحا.أ.هـ. فجوابه أن الحديث إنما علق وجوب الزكاة في حلي ملبوس لا بمطلق مصوغات، فترتيب الوجوب على مجرد لبسه أمر محتمل إذ يجوز عقلا أن يرتب الشارع الزكاة على تحلي النساء بالذهب، وقد قال به بعض الصحابة، وهذا يدل على أن إباحة لبس الذهب جاء على مراحل، فكان محرما ثم أبيح ولا يبعد أن يكون بين المرحلتين، مرحلة انتقالية، وهي جواز لبسه بشرط زكاته، فينزل الحديث على هذه الحالة، وهذا متفق مع قول جماعة من الفقهاء حينما قالوا بأن الأمر بزكاة الحلي منسوخ، لأنها إنما شرعت لجواز لبسه لا لمجرد تملكه، والفرق بينهما ظاهر. أما قوله: ولو كان للابتذال فيهما عبرة لم يفترق الحال بين أن يكون محظورا أو مباحا.أ.هـ. فجوابه: أن الشرع دل على اعتبار الذهب والفضة أصلاً للثمينة دون الابتذال. وقد وجبت الزكاة فيهما في حال استعمالهما في أصلهما أو في حال امتلاكهما لذلك، والواجب في حال حظر ابتذالهما إيجاب الزكاة فيهما إلحاقا لهما في أصلهما، لأن ما ثبت في الشرع لا يجوز تخصيصه بما نهى عنه الشرع. أما في حال إباحة ابتذالهما من قبل الشرع، فإن في هذا إخراجاً لهما عن أصلهما بالتخصيص، ولا يصح في هذه الحالة الخاصة إجراء أحكام العام عليهما إلا بدليل، ولم يثبت دليل يصلح لذلك، فظهر بهذا رجحان القول بعدم وجوب الزكاة فيهما في حال استعمالهما في التحلي المباح، كما ظهر ضعف قول الإمام السرخسي رحمه الله حيث لم يفرق بين الابتذالين مع أن الشرع قد فرق بينما، والله أعلم. الدليل السابع: الاستدلال بالحقيقة الشرعية: احتج بعض المعاصرين فقال: إن اسم الزكاة صار حقيقة شرعية في الزكاة ذات النصب، فيجب حمل الفاظ الشرع عليها، ومن جملة هذا ما ورد في زكاة الحلي، فالواجب المصير إلى ما دلت عليه هذه الحقيقة الشرعية لأنه لم يبق في القرآن والسنة الفاظا مجملة، بل قد بين الشارع كل المجملات الواردة فيهما، فتعين المصير إلى حمل الزكاة الواردة في الحلي على الزكاة المفروضة ذات النصب. قلت: الجواب عن هذا من وجهين: الوجه الأول: لا يصح حمل الزكاة الواردة في أحاديث الحلي على الحقيقة الشرعية لما يلي: I- إن اعتبار اسم الزكاة حقيقة شرعية يجب حملها إذا وردت في كلام الشارع على المعاني الشرعية أمر مختلف فيه بين الأصوليين، ثم إن الذين يقولون بها يشترطون لجواز جملها ورودها مجردة من القرينة كما في قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فإن المراد بهما الصلاة والزكاة المفروضتان ( ). أما الزكاة الواردة في أحاديث الحلي، فليست مجردة من القرينة لورودها في حلي ملبوس، ولأن الفتخات لم تبلغ النصاب، ولأمر النبي  : المرأتين بمجرد رؤيته عليهما، فليس لاشتراط الحول أثر في حكم زكاتهما، فهذه قرائن تدل على أن المراد بها زكاة تخالف الزكاة المفروضة. II- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عقب إيراد قول أبي الخطاب في تعيين معنى الصلاة الوارد ذكرها في قوله تعالى أَقِيمُوا الصَّلاةَ قال أبو الخطاب: ويقوى عندي أن تقدم الحقيقة الشرعية، لأن الآية غير مجملة بل تحمل على الصلاة الشرعية بناء على أن هذه الأسماء منقولة من اللغة إلى الشرع، وأنها في الشرع حقيقة لهذه الأفعال المخصوصة، فينصرف أمر الشرع إليها.أ.هـ. قال شيخ الإسلام: وهذا ليس بصحيح، لأنه قبل أن يعرف الحقيقة الشرعية أو الزيادات الشرعية كيف يصرف الكلام إليها، وبعد ما عرف ذلك صار ذلك بيانا، فما أخرجه عن كونه مجملا في نفسه أو غير مفهوم منه المراد الشرعي، والصحيح أنه إذا كان ذلك بعد ما تقررت الزيادة الشرعية أو المغيرة أنه ينصرف إليها لكونه هو أصل الوضع مع الزيادة، فصرفه إلى زيادة أخرى يخالف الأصل.أ.هـ( ). قلت: فعلى هذا فإن الأسماء الشرعية المجردة من القرينة إن كان ورودها قبل البيان، فهي مجملة، وإن وردت بعد البيان فهي حقيقة شرعية، وإن لم يعلم تاريخ ورودها، فالأولى أن تحمل على الأجمال، لأنه الأصل فيها، ولم يرد ما يرفعه. ويمكن أن نمثل لهذا بأن لفظ الزكاة الوارد في الآيات المكية يجب حمله على الأجمال، لئلا نجعل المجمل حقيقة شرعية قبل ورود بيانه، أما ما ورد في الآيات والأحاديث التي جاءت بعد تقرير الزكاة ذات النصب فيجب حمله على الحقيقة الشرعية للفظ الزكاة كحديث جبريل الطويل فإنه جاء في السنة التاسعة كما في السير. أما الأحاديث التي لا نعلم تاريخ ورودها هل كان قبل السنة الثانية للهجرة أو بعدها، فإنه يجب أن تحمل على الأجمال لأنه الأصل فيها، ولا يجوز أن يترك هذا الأصل إلا بدليل، وهذا يوافق كلام شيخ الإسلام ابن تيمية السابق من حيث الجملة، والله أعلم. الوجه الثاني: أن وجود المجمل في أدلة الكتاب والسنة أمر نسبي فهو موجود بالنسبة لبعض أفراد الأدلة، وغير موجود بالنسبة لمجموع الأدلة، لأن الله تعالى قد أكمل لنا الدين، وإن من كماله إيضاح إجمال دلالاته. ولإيضاح هذا أقول: إنه لا يصح أن يقال بأن لفظي الزكاة والحق الوارد ذكرهما في عموم أدلة الزكاة قد عرف مراد الشارع منهما قبل ورود بيانهما في السنة، بل لم يتضح المارد منهما إلا بعد مجيء بيانهما باتفاق المسلمين، وعلىهذا فإن الإجمال موجود فيهما، ولا يصح الاحتجاج بهما قبل ردهما إلى بيانهما، فالاعتماد في الاستدلال إذاً على المبين لا على المجمل. وبموجب هذا فإن الذين استدلوا بالأحاديث الخاصة والعامة المجملة على وجوب الزكاة ذات النصب في الحلي، قد عملوا بالمجمل من غير رده إلى بيانه، لأن البيان الوارد في السنة لم يدل على ما ذهبوا إليه، بل إنه يدل على خلاف ما قالوا به لأن حديث: (تصدقن ولو من حليكن) يدل على عدم وجوب الزكاة ذات النصب في الحلي، ثم إن عمل راوي الحديث قد خالف روايته المجملة كما هو ثابت عن عائشة  ، والواجب تقديم تفسير السلف على الخلف، ثم إن جماعة من صحابة رسول الله  حملوا زكاة الحلي على إعارته وهم أصحاب فقه ولسان، فيجب المصير إلى تفسيرهم، وبهذا سقط هذا الاحتجاج من كل وجه، والله أعلم. الفصل الثاني: توجيه الاعتراضات التي أوردها الموجبون لزكاة الحلي اعترض الموجبون لزكاة الحي على مذهب غير الموجبين بعدة اعتراضات، واعتبروها من المرجحات لمذهبهم على مذهب مخالفيهم وقد قمت بجمع ما وقفت عليه منها سواء كانت للمتقدمين أو للمتأخرين ثم اتبعتها بالجواب عنها متحريا رد فروع المسائل إلى أصولها، ومميزا المسائل المتداخلة، بعضها عن بعض، ومحررا حقيقة قياس الحلي على الثياب، مع إيضاح مدى تأثير تنازع الأصول المختلفة في أحكام الحلي وأسأل الله التوفيق والسداد، هذا وقد رتبتها على النحو التالي: الاعتراض الأول: قال ابن حزم رحمه الله تعالى: والعجب أنهم احتجواب في ذلك بأن الزكاة إنما سقطت عن الحلي المتخذ للنساء، لأنه مباح لهن، وكذلك عن المنطقة والسيف وحلية المصحف والخاتم للرجال. قال أبو محمد: فكان هذا الاحتجاج عجبا: ولقد علم كل مسلم أن الدنانير والدراهم ونقار الذهب والفضة: مباح اتخاذ كل ذلك للرجال والنساء، فينبغي على هذا أن تسقط الزكاة عن كل ذلك، إن كانت هذه العلة صحيحة.أ.هـ( ). الجواب عن هذا الاعتراض: هذا الاعتراض مبني على عدم التفريق بين إباحة اتخاذ الحلي، وبين إباحة اتخاذ الدراهم والدنانير، فأوجب على الجمهور أن يوحدوا بينهما في إيجاب الزكاة أو في إسقاطها، لأن كلا منهما مباح وإلا تناقضوا حيث فرقوا بين المتماثلات على حد رأيه. والجواب عن ذلك أن إباحة اتخاذ الحلى تختلف عن إباحة اتخاذ الدراهم والدنانير، وذلك أن الحلي قد انتقل بالإباحة من مال زكوي – وهو أصل الذهب والفضة – إلى مال غير زكوي – وهو أصل اللباس والزينة أما الدراهم والدنانير والتبر فلم تنتقل بالإباحة من المال الزكوي إلى غير الزكوي، بل إن مجرد إباحة إتخاذها مالاً هو السبب في وجوب الزكاة فيها، أما الحلي فإن مجرد اتخاذه حلية هو السبب في إسقاط الزكاة عنه ومعلوم أ، أحكام إباحة الألبسة، تختلف عن أحكام إباحة الثمنية، فظهر بهذا وجود الفرق المؤثر في إسقاط الزكاة أو إيجابها بين الاباحتين خلافا لمن ينكره والله أعلم. الاعتراض الثاني: قال أحدهم: إن الذين لا يوجبون زكاة الحلي، ويستدلون بمثل هذا اللفظ ( ) لا يخصون وجوب الزكاة بالمضروب من الذهب والفضة، بل يوجبونها في التبر ونحوه، وإن لم يكن مضروبا، وهذا تناقض منهم وتحكم حيث أدخلوا فيه ما لا يشمله اللفظ على زعمهم، وأخرجوا منه نظير ما أدخلوا من حيث دلالة اللفظ عليه أو عدمها.أ.هـ. الجواب عن هذا الاعتراض: قال أبو عبيد رحمه الله: وأما النقر والتبر، فإن الزكاة فيهما واجبة، وذلك أنهما كالورق والتبر الذي لا ينتفع منهما بأكثر من الانفاق وهما مفارقان للحلي في معناه من اللبس والاستمتاع به، فلهذا وجبت فيهما الزكاة، وقد أفتى بذلك غير واحد من أهل العلم.أ.هـ( ). قلت: لا يصح اعتبار إيجاب الجمهور للزكاة في البتر، ونحوه كالحلي المتخذ للقنية والادخار، مع عدم إيجابهم الزكاة فيما أعد للاستعمال من باب التناقض والتحكم، لسببين: أحدهما: أن التبر وما لا يستعمل من المصوغات لا يشمله اسمي الرقة والدنانير، ولا اسم الحلي، فنبغي أن يلحق بأقر بهما له شبها، وإلحاقهما بالورق والدنانير أقوى، لأنهما بمعناه كما قال أبو عبيد، ولأنه لا يصح أن يطلق اسم الحلي إلا على ما أعد للاستعمال، أما ما لا يستعمل من مصوغات الذهب والفضة فلا يسمى حليا. فظهره بهذا أن الجمهور لم يتحكموا ولم يتناقضوا حينما أفتوا بوجوب الزكاة فيما لم يستعمل من المصوغات، وعدم وجوبها فيما استعمل، لأن هذا عين التحقيق، بل إن مما يشكل على الموجبين أنهم لم ينضبطوا في الحلي حيث أوجبوا الزكاة في بعضه، ولم يوجبوها في بعضه الآخر كحلي اللؤلؤ والماس، فهم قد فرقوا بين شيئين متماثلين في الاستعمال وفي نية التملك، وحكم الإبداء. السبب الثاني: أن الزكاة وجبت في التبر وغير المستعمل من حلي الذهب والفضة لعموم قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضّة فما لم يعد للبس فهو في حكم الكنز، فإن أديت زكاته خرج عن كونه كنزا يأثم عليه لقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَة وإن لم تؤد زكاته صار كنزا يأثم عليه، وهذا عام في التبر والرقة والدنانير وما لم يستعمل من مصوغات الذهب والفضة، وعلى هذا انعقد الإجماع. أما ما أعد للاستعمال فلا يسمى كنزا لا في اللغة ولا في الشرع حتى لم لم تؤد زكاته، لأنه بالاستعمال انتقل إلى مال ليس زكويا، لأن الأصل في زينة المرأة حليها عدم وجوب الزكاة فيه وهذا لا خلاف فيه إنما الخلاف في حلي الذهب والفضة فالذين أجبوا الزكاة فيه أخرجوه عن أصله هذا، وردوه إلى أصل الذهب والفضة المعد للانفاق، وليس لديهم إلا أدلة مجملة جاء بيانها على خلاف ما فسروها بها. أما جمهور أهل العلم، فقد حكموا عليه بأصله الجديد الذي انتقل إليه، وهو أصل الزينة واللباس، ويؤيد مذهبهم هذا وجود المخالفة بينه وبين أحكام أصله القديم من عدة وجوه، كحكم التحلي، والإبداء، ونية التملك، مع عدم وجود هذه الفروق بينه وبين أصله الجديد، فإلحاقه بالأصل الذي لا يخالفه، أقوى من إلحاقه بالأصل الذي يخالفه، وبهذا يسلم مذهب الجمهور من التناقض والتحكم بل إنه جاء على مقتضى الأصول الفقهية، والله أعلم. الاعتراض الثالث: قالوا: إذا سلمان اختصاص الرقة والدينار بالمضروب من الفضة والذهب فإن الحديث يدل على ذكر بعض أفراد وأنواع العام بحكم لا يخالف حكم العام، وهذا لا يدل على التخصيص كما إذا قلت: أكرم العلماء، ثم قلت: أكرم زيدا، وكان من جملة العلماء، فإنه لا يدل على اختصاصه بالإكرام، فالنصوص جاء بعضها عاماً في وجوب زكاة الذهب والفضة، وبعضها جاء بلفظ الرقة والدينار، وهو بعض أفراد العام فلا يدل ذلك على التخصيص.أ.هـ. الجواب عن هذا الاعتراض: إن الاحتكام إلى هذه القاعدة الأصولية صحيح من حيث التقعيد، لكنه استدل بها قبل أن يحررها، كما أنه أخطأ في تطبيقها على ما ورد في عموم الذهب والفضة، وعلى ما ورد في الرقة والدنانير، ويظهر هذا من خلال الأمور التالية: الأمر الأول: إن الأحاديث الواردة في إيجاب الزكاة في الذهب والفضة فيها عموم وإجمال: أما العموم ففي لفظي الذهب والفضة، فإن هذين اللفظين يشملان المسكوك والمصوغات والسبائك، فالرقة والدنانير داخلة في هذا العموم اللفظي، لكن ليس هذا هو الحكم الذي أعطي للفظ العام، بل إن هذا هو محل الحكم، والفرق بينهما واضح. أما الإجمال فهو في الحكم المتعلق بعمومهما، وهذا الحكم المجمل لا يجوز أن يعمل به قبل بيانه لا في العام ولا في بعض أفراد العام. وذلك أن قوله  : (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها..) الحديث. حديث مجمل لما قرره أهل العلم من أن لفظة "حق" من المجملات. وليست من ألفاظ العموم، وهذا المجمل هو الحكم الذي حكم به على عمومي الذهب والفضة. ولكنه اعتبر محل الحكم هو عين الحكم، ومن المعلوم أنه لا يضح أن يجعل الحكم المجمل عاماً، وإن كان ما ورد فيه هذا المجمل عاماً، كما لا يصح الاحتجاج بالمجمل قبل بيانه، لكن هذا المعترض خالف في هذا. والله أعلم. الأمر الثاني: أن الأحاديث الواردة في إيجاب الزكاة في الرقة والدنانير بينة بنفسها لا تحتاج إلى بيان، بل إنها المبينة للأحاديث الواردة في إيجاب الزكاة والحق في عمومي الذهب والفضة. فدل هذا على أن لبعض أفراد العام، وهي الرقة والدنانير حكماً خاصاً، أما بقية أفراد العام فقد بقي على الحكم المجمل الوارد فيه ابتداء. ولا يصح أن يقال في مثل هذا بأنه من باب إعطاء بعض أفراد العام حكماً لا يخالف حكم العام. لما تقرر في علم الأصول من الفرق بين المجمل والعام، كما لا يصح أن يكون حكم المجمل الوارد في عموم الذهب والفضة دليلاً في تعميم حكم الرقة والدنانير على بقية أفراد اللفظ العام. لما يلزم على هذا من الدور، وصورته أنه أعطى أولاً جميع أفراد العام حكم العام، ثم أعطى ثانياً حكم بعض أفراد العام وهي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
زكـــاة الحــلي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي المركز الدولى :: ๑۩۞۩๑ (المنتديات الأسلامية๑۩۞۩๑(Islamic forums :: ๑۩۞۩๑نفحات اسلامية ๑۩۞۩๑Islamic Nfhat-
انتقل الى: