الإسلام سلوك وأعمال لا خطب وأقوال
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده , اللهم صل عليه , وعلى آله , وصحبه , وسلم تسليما كثيرا …
كنت أقف على الطريق منتظراً مواصلة لتحملني إلى مكان ما , توقف رجل صاحب باص , أركبني , ثم وجد مجموعة من النسوة فأركبهم , عرضنا عليه الأجرة , فرفض أن يأخذها , سألته لماذا؟ فكان الرد: إنني في هذا العمل أقرضت ربي قرضا حسنا , وأنا لا أريد الأجر إلا منه , عندها تذكرت قوله تعالى:
{ إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)}[التغابن]
مع العلم أن هذا الرجل لم يكن شيخا , ولا واعظا , وإنما كان رجلا من عوام المسلمين , نزلت من السيارة وكلي تأثر بهذا الموقف , عندها خطر على بالي عنوان هذا المقال: الإسلام سلوك وأعمال لا خطب وأقوال.
[اقتران الإيمان في القرآن والسنة بالعمل]
إنك لا تكاد تجد في القرآن ذكر الإيمان , إلا وأتبعه الله ذكر العمل الصالح , وهكذا الأمر في سنة النبي I …
قال الله تعالى:
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)}[الكهف]
قال الحسن البصري – رحمه الله -:
>
[القلب السليم يلزم منه كون السلوك سليما ومستقيما]
أحاور أحدهم , وكان يعصي الله فقلت له: اتق الله , فقال لي: لا تنظر للمظهر , فوالله إن قلبي صافيا أبيضا … فقلت له: لو صفا قلبك لظهر ذلك على سلوكك وجوارحك , فأهل السنة يقولون بــــ:
(( التلازم بين الظاهر والباطن.))
أخرج مسلم في صحيحه عنْ أبي هريرةَ عبدِ الرحمانِ بنِ صخرٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - :
(( إنَّ الله لا ينْظُرُ إِلى أجْسَامِكُمْ ، ولا إِلى صُوَرِكمْ ، وَلَكن ينْظُرُ إلى قُلُوبِكمْ وأعمالكم ))
[المفارقة بين القول والسلوك من أكبر ما يبغضه الله]
قال الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)}color="red"][متى يسيء أحدنا للإسلام؟]
إن الواحد منا يسيء للإسلام عندما ينتسب للإسلام , وينتمي له , ثم هو يخالفه في أقواله وأفعاله وسلوكياته وتصرفاته , عندئذ يكون الواحد منا فتنة للناس فيقولون: انظر إلى أهل الدين ماذا يفعلون , بل والكثيرون يحجمون عن الالتزام نظرا للصورة السيئة التي رسمها أمامهم أحدنا عندما ينتسب إلى الإسلام في الظاهر , ويخالفه ويعارضه في السلوك …
قال الله تعالى:
{… رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85)}[يونس]
ونجد سيدنا إبراهيم عليه السلام وهو أبو الأنبياء وله قدره العظيم في النبوة ، يقول :
{ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الممتحنة : 5 ] .
ودعوة إبراهيم عليه السلام تعلمنا ضرورة التمسك بتعاليم الدين ؛ حتى لا ينظر أحد إلى المسلم أو المؤمن ويقول : هذا هو من يعلن الإيمان ويتصرف عكس تعاليم دينه , ولذلك كان سيدنا إبراهيم عليه السلام يؤدي الأوامر بأكثر مما يطلب منه.
[أيهما أكثر: سنة النبي r الفعلية أم القولية؟]
إن سنة النبي r الفعلية أكثر من القولية , وإذا سألت عن السر قلت لك:
ذلك أن تأثر الناس بالأفعال أكثر من تأثرهم بالأقوال …
قال الله تعالى:
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)}[الأحزاب]
ورحم الله من قال:
>
والإسلام ما دخل الصين وغيرها إلا بفضل الله أولا , ثم بالسلوك الحسن الذي يتعامل به المسلمون مع غيرهم …
قال الله تعالى:
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)}[النحل]
ولعلكم سمعتم بمقولة ذلكم الرجل الذي أسلم ثم جاء زائرا لديار المسلمين , فإنه قال:
>
ولذلك فقد كانت سلوكيات النبي r تطبيق حرفي للقرآن الكريم …
أخرج البخاري في صحيحه عَنِ الْحَسَنِ قَالَ سُئِلَتْ عَائِشَةُ – رضي الله عنها - عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ:
(( كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ ))
[كيف يكون التنفير عن الدين؟]
إن التنفير عن الدين جريمة من جرائمنا التي نرتكبها في حق ديننا , ففي الوقت الذي ننتسب للإسلام كما هو مسطر في بطاقاتنا الشخصية , نخالفه في جميع مناحي حياتنا …
أسأنا إلى الإسلام ونفرنا الناس عنه عندما صرنا في ذيل الأمم …
أسأنا إلى الإسلام ونفرنا الناس عنه عندما أهملنا العلم …
أسأنا إلى الإسلام ونفرنا الناس عنه عندما آثرنا البطالة …
أسأنا إلى الإسلام ونفرنا الناس عنه عندما اتبعنا الشهوات …
أسأنا إلى الإسلام ونفرنا الناس عنه عندما تفرقنا وتشرذمنا وتشتتنا …
أسأنا إلى الإسلام , ونفرنا الناس عنه , عندما اتبعنا الشرق تارة , والغرب تارة أخرى , وأهملنا ديننا …
أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ، مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئِذٍ فَقَالَ:
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ ، فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ ، فَلْيُوجِزْ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيرَ، وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ»
[حال من خالف قوله فعله وسلوكه في الآخرة]
قال الله تعالى:
{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)} [البقرة]
أخرج البخاري عَنْ أسامة بن زيد t قال: قال الرسول r:
(( يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , فَيُلْقَى فِي النَّارِ , فَتَنْدَلِقُ بِهِ أَقْتَابُهُ , فَيَدُورُ بِهَا فِي النَّارِ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ , فَيُطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ , فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ مَا لَكَ مَا أَصَابَكَ , أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ , فَقَالَ:كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ , وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ.))
ولقد صدق من قال , وإن لم يكن هذا حديثا:
>
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.