صوت العندليب
أصبح الصبح فماجت فرحاً
زهرةُ البستان بالغصن الرطيب
وشدى الشادي تصاريف الهوى
مثلما أنشد هذا العندليب
وتغنى بفؤادٍ قد ذوى
طوع من كان من الحب سليب
هائما فوق غصونٍ راقصٍ
يطرب الأسماع والأفق الرحيب
سكت الطير لأمرٍ ريثما
أبصرت عيناه من وقعٍ مريب
إنه وجه فتىً قد رسمَ
الدمع في الخدين مجرى للنحيب
أنشد الشادي الفتى : ماذا جرى ؟
قل فإحساسي بقلبي قد أُذيب
قال : قلبي لو تُرد أنزعهُ
وحياتي رهنُها , يا عندليب
لو ترد نجم السما أقطفهُ
فأنا العاشق طوعاً للحبيب
طلبت مني بأن أهدي لها
وردةً حمراء في وقتٍ قريب
مر شهرٌ وأنا في حيرةٍ
همت بالدنيا وما كِدتُ أصيب
جبت في الأسقاعِ حتى أظفرُ
بالذي تهوى لإهديه الحبيب
فأنا للآن لم أظفر به
كدتُ أن أهلك فالأمر صعيب
قال : لا تقلق دع الأمر لمن
طوع إيماؤك , هذا العندليب
لن أعد حتى إذا عدت بها
وردةً تطفي بعينيك اللهيب
موعدي عند مصب الجدولِ
عندما تسمعُ صوت العندليب
فغدى يطوي المسافات إلى
ذلك المجهول من غير رقيب
حاملا هم فؤادٍ ينتظر
وعدهُ المقطوع عن أحلى نصيب
جاب بين الورد لم يعثر على
وردةٌ حمراء من وقت المغيب
فعراه الحزن إذ لم يستطع
يخلف الوعد وبالأمرِ يصيب
فغدى يسأل في الغاب عسى
من يكن يعرفُ أو فردٌ يجيب
ردت البيضاء من ورد الربي
ربما حلَّي مريعٌ وصعيب
قال ياوردة قولي وأرحمي
قلبي المسكين فالوضع مُعيب
إنني أبرمتُ أمراً والمنى
إنني بالوعدِ أُوفِ وأجيب
قالت الوردة إسقيني بما
فاض شريانك بالدم الخضيب
فإذا رَُويت صارت ورقي
لونها أحمر في وقتٍ قريب
لكن الواقع صعبٌ با أخي
سنرى بعده حتفُ العندليب
قال يا وردة إني طائرٌ
أعشق التحليق في الكون الرحيب
أعشق الإصباح أشذو طربا
وأرى الجدول نغماً قد أُذيب
أحرسُ الأحلام في قلبي كما
تُحرس الثمرةُ في الروض الخصيب
لكن الأمر قضاء كائنٌ
وخلاف الوعد يا صاح معيب
فليكن عند مصب الجدول
عندما يُسمع صوت العندليب
كان في الموعدِ كلٌ قد حضر
فرأى الوردة عند العندليب
وردةٍ حمراء تزهو رونقاً
ترسم البسمة في الوجه الكئيب
وغدى الدم الذي سال لمن
غرس الشوكةَ للحب العجيب
شاهداً للأمل المنشود في
بسمةً للحبِ , دمُ العندليب
خرّ كالنجم الذي لم يلتقي
بالأماني والهوى حتى أُغيب
ذُبح الطير بريعانِ الصبى
وقضى للحب من قبل المشيب
والفتى راح إلى من يعشقُ
حامل الوردة بالحلم القريب
هائماً يطوى الفلا نحو المنى
لم يكن يعلم بالأمر الرهيب
دق بابُ البيتِ من لهفتهِ
لم يكن شوقاً فقد كان لهيب
قال : ياقلبي أصطبر لا تؤذني
فأنا بالحب شاكٍ لا طبيب
جئت بالوردةِ أهديها لكِ
( لكن الواقع روحُ العندليب )
فأطلت بعدما فاض بهِ
كل ما يهوى إلى وقتِ المغيب
خالها من حسن ما كانت بهِ
إنها أحلى من الرشأ الربيب
جفت الألفاظ عند الملتقى
والفتى ضاق به الكون الرحيب
مد بالوردةِ يبدو واثقاً
إنهُ بالفعل قد أرضى الحبيب
رمت الودرةُ عند ساقها
وغدت تضحك من شيءٍ غريب
أيها التافـهُ لم تلمح على
نحري العقد كعربون حبيب
إنهُ أغلى من الوردة من
فارس الأحلام من أغلى خطيب
ثم داست بخطاها وردةً
حطمت قلب مضحٍ وكئيب
ما جت الأرض بما كان بها
وبدى الغابُ بعينيه جديب
وغدى مثلٌ غزالٍ شاردٍ
يائسٍ يرجو بأن يُرديهِ ذيب
قال لن أبكي عليكِ إنما
أبكي الوردةَ روحُ العندليب
فمضى يطوي المسافاتِ إلى
موقِعٌ كان بهِ الطير تريب
وسقى الأرض بدمعٍ قد هما
وعلا منه من الوجدِ نحيب
قال لن أبرح مكاني ريثما
يُسمعُ الأسقاع صوت العندليب
مما راق لى