التمائم

التمائم
الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله وصحبه، أما بعد:

فقد روى البخاري ومسلم عن مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ - رضي الله عنه - أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ? فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَالَ عَبْدُ اللهِ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ وَالنَّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ ? رَسُولًا أَنْ لَا يَبْقَيَنَّ (رَسُولًا لَا تَبْقَيَنَّ) فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلَادَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ. وفي رواية مسلم قال مالك: أرى ذلك من العين.

ذكر جمع من أهل العلم أنهم في الجاهلية كانوا يعلقون الأوتار على الإبل لئلا تصيبها العين، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ إعلاما لهم بأن الأوتار لاترد شيئا ؛ فإن الله وحده لاشريك له هو الذي له التدبير في خلقه، فالنفع والضر، والرفع والدفع بيده وحده لاشريك له.

ومن هذا الحديث ونظائره استدل أهل العلم على تحريم تعليق التمائم من الخرق والخيوط والخشب والجلود والحديد والصفر والذهب والفضة والألماس وغيرها من الأجناس على أي شكل كانت، لدفع البلاء أورفعه، أوجلب منفعة أو دفع مضرة، كمن يعلقها على نفسه أوولده أو دوابه لئلا تصيبهم العين، أويتخطفهم الجان، أوينزل بهم مرض، أو يعلقها في داره أوسيارته أوعلى دابته، أوفي مصنعه أومتجره، اتقاء للعين، أو لئلا يلحق بها ضرر من حريق أوهدم أوخسارة أوسرقة، أوحادث، أوتعلقها المرأة رجاء الحمل، وتسمى عند بعضهم حرزا أو تعويذة، أوجامعة، أو ودعة، وما أكثرها في زماننا ؛ لضعف اليقين، والجهل بالتوحيد، ولا ريب أن الفاعل لذلك غير محقق للتوكل على الله، الذي هو اعتماد القلب على الله في جلب النفع ودفع الضر، وفعل السبب المأذون به في الشرع، وهذه الأخشاب والخيوط والحلق وغيرها ليست بأسباب شرعية، بل نهى الشرع الحكيم عنها، ومن تعلقها وكل إليها، ومن وكل إلى مخلوق فقد هلك لامحالة، ومن تعلقها فقد أشرك، روى أحمد وأبوداود وابن ماجه وصححه ابن حبان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الرقى والتمائم والتولة شرك )، وروى أحمد والحاكم وجود إسناده المنذري عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( من تعلق تميمة فقد أشرك )، فأين ذهبت عقول هؤلاء الذين يعتقدون في الخرق والخشب والحلق والقلائد، والله تعالى يقول : {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}.

والذين تعلقت نفوسهم بهذه الخرافات والشركيات أكثر الناس قلقا واضطرابا، وأعظمهم هما وحزنا، وأشدهم حيرة وخوفا، لاتنتظم لهم حياة، ولاتكمل لهم سعادة، ولايعيشون في أنس، يخافون من كل ما في الكون، ويسيئون الظن بكل ما حولهم، وتتجرد قلوبهم عن الإخلاص لله والتوكل عليه ؛ لأنهم وكلوا إلى ماتعلقوا به ونسوا الله فأنساهم أنفسهم، وإلا لو نظر هذا المفتون فيما اعتقد فيه من هذه المخلوقات، فهو أقوى منها، وهي مسخرة له، فمنها ما يحرقه لصنع طعامه، ومنها مايخيط به ثيايه، ومنها مايجعله وطاء له وفراشا، ومنها ما يتجمل به، ومنها مايجعله سقفا لمسكنه، ومنها ما يزيل به النجاسات والأوساخ، في استعمالات كثيرة، فسبحان الله وتعالى : ما أعظم كيد الشيطان بابن آدم إذا لم يستمسك بالوحي، وما أضل عقل ابن آدم حين لايتبع المنزل من عند الله، فأنت ترى من يحمل الشهادات العليا، أوبلغ شأوا عظيما في إدارة التجارات والمصانع والمؤسسات، أو كان على درجة عالية من الفطنة والذكاء والقدرة على التحليل والاستنتاج، ومع هذا كله يسلم عقله وإرادته حتى يكون الذي يديره خيط أو خشبة أو خرقة، فمن كان كذلك فيبك على نفسه، وليعلم أنما مثله كمثل أولئك الذين يعبدون الأصنام، فيصنعون آلهتهم بأيديهم من تمر أو طين، أو حجارة أوخشب، فإذا جاعوا أكلوها، وإذا احتاجوا إلى مأوى بنوا بها وسقفوا، وهذا هو الضلال بعينه ({قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) ( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له....)..
التمائم 0015

» احكام التمائم وتعليقها وهل تدفع التميمة العين والحسد