فاروق عضوVIP
عدد المساهمات : 1513 تاريخ التسجيل : 30/10/2010
| موضوع: المحبة للشيخ محمد صالح المنجد الجمعة 7 ديسمبر - 11:15 | |
| المحبة للشيخ محمد صالح المنجد المحبة للشيخ محمد صالح المنجد المحبة للشيخ محمد صالح المنجد المحبة للشيخ محمد صالح المنجد المحبة للشيخ محمد صالح المنجد المحبة للشيخ محمد صالح المنجد المحبة للشيخ محمد صالح المنجد السلام عليكم ورجمة الله وبركاته المحبة الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين .. وبعد.. فحديثنا فى هذه الليلة عن مقام عظيم وعمل كبير من أعمال القلوب فهو أساسها جميعاً ألا وهو محبة الله تعالى. المحبة هي الرأس والخوف والرجاء هما الجناحان والعبد يسير إلى الله بالمحبة والخوف والرجاء. هذه المحبة هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون وإليها شخص العاملون وإلى علمها شمر السابقون وعليها تفانى المحبون وبروح نسيمها تروح العابدون فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون وسرور النفوس ونور العقول وعمارة الباطن و غاية الأماني ونهاية الآمال وروح الحياة وحياة الأرواح. وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات ،والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام ، فهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال التي متى ما خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه. تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها ،وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبداً واصليها، وتبوءهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها ، وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائماً إلى الحبيب، وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب. تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب وقد قضى الله يوم قدر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة أن المرء مع من أحب..، فيالها من نعمة على المحبين سابغة. تالله لقد سبق القوم الدعاة وهم على ظهور الفرش نائمون وقد تقدموا الركب بمراحل وهم في سيرهم واقفون. من كلام ابن القيم رحمه الله في المحبة " المحبة في اللغة: من الحب" . قيل المحبة أصلها الصفاء لأن العرب تقول لصفاء بياض الأسنان ونضارتها حبب الأسنان ، وقيل إنها مأخوذة من الحباب الذي يعلو الماء عند المطر الشديد فعلى هذا المحبة غليان القلب عند الاهتياج إلى لقاء المحبوب، وقيل المحبة مشتقة من اللزوم والثبات ومنه أحب البعير إذا برك. حلّت عليه بالفلاة ضربا * * * ضرب بعير السوء إذا أحبَّ أي إذا أقام في المكان ولزمه فكأن المحب قد لزم قلبه محبوبه فلم يرم عنه انتقالاً، وقيل بل المحبة مأخوذة من القلق والاضطراب ومنه سمي القرط حباً لقلقه في الأذن واضطرابه كما قال الشاعر: تبيت الحية النضناض منه * * * مكان الحب تستمع السرار وقيل مأخوذة من الحب جمع حبة وهو لباب الشيء وخالصه وأصله فإن الحب أصل النبات والشجر وقيل بل مأخوذة من الحِب الذي هو إناء واسع يوضع فيه الشيء فيمتلئ به بحيث لا يسع غيره وكذلك قلب المحب ليس فيه سعة لغير محبوبه. وقيل مأخوذة من حبة القلب وهي سويداؤه ويقال ثمرته فسميت المحبة بذلك لوصولها إلى حبة القلب. وأياً ما كان فإن هذه الصفات تجتمع في المحب وتكون مما يشعر به، و محبة الله هي التي نتحدث عنها وهي أمر هائل جسيم وفضل غامر جزيل لا يقدر على إدراك قيمته إلا من عرف الله بصفاته كما وصف نفسه . فلنتتقل الآن بعد بيان عظم منزلة المحبة وتعريفها اللغوى ومن أين أخذت إلى الفقرة الثالثة وهى : علامات محبة الله تعالى للعبد: ما هى العلامات التي إذا وجدت في العبد أو أحس بها تدل على أن الله يحبه.. أولا: حسن التدبير له فيربيه من الطفولة على أحسن نظام ويكتب الإيمان في قلبه وينور له عقله فيجتبيه لمحبته ويستخلصه لعبادته فيشغل لسانه بذكره وجوارحه بطاعته ، فيتبع كل ما يقربه إلى محبوبه و هو الله عز وجل ويجعله الله نافراً من كل ما يباعد بينه وبينه ثم يتولى هذا العبد الذي يحبه بتيسير أموره من غير ذلّ للخلق فييسر له أموره من غير إذلال، ويسدد ظاهره وباطنه، ويجعل همه هماً واحداً بحيث تشغله محبته عن كل شيء. فإذا أحس واحد بمثل هذا ,هذا من العلامات الدالة على أن الله يحبه . ثانيا: الرفق بالعبد والمراد به اللين واللطف والأخذ بالأسهل وحسن الصنيع. ثالثا: القبول في الأرض والمراد قبول القلوب لهذا العبد الذي يحبه الرب والميل إليه والرضا عنه والثناء عليه كما جاء في حديث أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال إني أحب فلاناً فأحبّه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبداً دعا جبريل عليه السلام إني أبغض فلاناً فأبغضه، فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه ثم توضع له البغضاء في الأرض" رواه البخاري ومسلم. رابعا:من علامات محبة الله للعبد الابتلاء، فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحبّ قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط" فيبتليهم بأنواع البلاء حتى يمحصهم من الذنوب ، ويفرغ قلبوهم من الشغل بالدنيا غيرة منه عليهم ، فالله يغار ومن صفاته الغيرة ، فالله يغار أن يشتغل العبد الذي يحبه بغيره فلا يريد أن يشتغل بالدنيا فيبتليه ويتلذذ العبد بالبلاء ويصبر ولا يجد وقتاً وإمكاناً للاشتغال بالدنيا التي تصرفه عن الله فلا يقع العبد فيما يضره في الآخرة، ويبتليه بضنك من المعيشة أو كدر من الدنيا أو تسليط أهلها ليشهد صدقه معه في المجاهدة ، قال تعالى: " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم ". وهذا الابتلاء على حسب قدر الإيمان ومحبة الله للعبد كما قال سعد بن أبي وقاص : يارسول الله أي الناس أشد بلاء؟قال: " الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى العبد على حسب دينه فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة"رواه الترمذي وقال الألباني حسن صحيح, وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه" قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فوضعت يدي عليه فوجدت حره بين يدي فوق اللحاف – وجد الحر فوق اللحاف- فقلت يارسول الله ماأشدها عليك، قال : "إنا كذلك يضعّف لنا البلاء ويضعّف لنا الأجر"، قلت يارسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: "الأنبياء"قلت يارسول الله ثم من؟ قال: "ثم الصالحون، إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة يحوّيها_ قالوا فى اللغة التحوية أن يدير كساء حول سنام البعير_ وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء" أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني . خامسا: الموت على عمل صالح، من علامات محبة الله للعبد أن يقبض روحه على عمل صالح, كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا أحب الله عبداً عسّله قالوا وما عسّله؟ قال : يوفق له عملاً صالحاً بين يدي أجله حتى يرضى عنه جيرانه أو من حوله" رواه أحمد وابن حبان والحاكم وصححه الألباني. هذه بعض العلامات التي تدل على محبة الله للعبد. فماذا عن محبة العبد لله ؟ وهى اصل موضوعنا, لما كانت المحبة خفية في القلب سهُل أن يدّعيها كل أحد " وقالت اليهود نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلمَ يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشرٌ ممن خلق" فما أسهل الدعوى وأعز الحقيقة، فلا ينبغي أن يغتر الإنسان بتلبيس الشيطان وخداع النفس إذا ادعت نفسه محبة الله مالم يمتحنها بالعلامات ويطالبها بالبراهين ، والمحبة شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، وثمارها تظهر في القلب والجوارح كدلالة الثمار على الأشجار والدخان على النار وهذه علامات كثيرة : أولا:حب لقاء الله تعالى فإنه لا يتصور أن يحب القلب محبوباً إلا ويحب لقاءه ومشاهدته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" رواه البخاري ومسلم، فالمحب الصادق يذكر محبوبه دائماً والموعد الذي بينهما للقاء، ولا ينسى موعد لقاء حبيبه ، و ماهو موعد اللقاء؟ ، هناك موعدان ، أولا: الموت و ثانيا: يوم القيامة، والثالث اللقاء في الجنة والنظر إلى وجه الرب. فإذاً الموت هو الموعد الأول للقاء مع الله وليس معنى هذا أن العبد يريد الموت الآن وأنه يتمناه ويدعو به على نفسه لأ, لكن إذا نزل الموت بالعبد الصالح أحب هذا ، لأنه سيفضي به الآن إلى لقاء الله وما أعد له من الثواب والنعيم ويكون بقرب ربه " إن المتقين في جنات ونهر ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر", عند ربه, العندية من الصفات , فهم عند ربهم فهو يريد أن يكون عند ربه وأن يصل إليه من الألطاف والإنعام بعد الموت من الله ما يصل ، فضلاً عن ما يكون له من الجزاء العظيم في الجنة ، فمحبة لقاء الله تعالى ولما علم الله عزوجل شوق عباده المحبين له والمطيعين ضرب لهم موعد بينه وبينهم وهو الموت " من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت" وهو الموت. ثانيا: أن يكون أنسه بالخلوة ومناجاة الله تعالى وتلاوة كتابه فيواظب على التهجد ويغتنم هدوء الليل وصفاء الوقت بانقطاع العوائق ، فإن أقل درجات التنعم بمناجاة الحبيب فمن كان النوم والاشتغال بالحديث ألذّ عنده من مناجاة الله فكيف تصح محبته؟،إذا كان الكلام مع الناس أحب إليه من الكلام مع الله فكيف تدعى المحبة؟ فإن المحب يتلذذ بخدمة محبوبه وتصرفه في طاعته وكلما كانت المحبة أقوى كانت لذة الطاعة والخدمة أكمل وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " حبب إلي من الدنيا الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة" رواه النسائي قال الألباني حسن صحيح. فقرة العين كما قال ابن القيم فوق المحبة، فجعل النساء والطيب مما يحبه، وأخبر أن قرة العين التي يطمئن القلب بالوصول إليها ومحض لذته وفرحه وسروره و بهجته إنما هو بالصلاة التي هي صلة بالله وحضور بين يديه ومناجاة له واقتراب منه فكيف لا تكون قرة العين؟ وكيف تقر عين المحب بسواها؟ومن قرة عينه بصلاته في الدنيا ؛ قرة عينه بقربه من ربه عزوجل في الآخرة وقرة عينه به أيضاً في الدنيا ومن قرت عينه بالله قرت به كل عين، ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، فقرة عين المحب ولذته ونعيم روحه في طاعة محبوبه بخلاف المطيع كرهاً،هناك من يطيع محبة وهناك من يطيع بالقوة والإكراه ففرق بين هذا وهذا, بخلاف المطيع كرها المتحمل للخدمة ثقلاً ، الذي يرى أنه لولا ذل القهر ما أطاعه فهو يتحمل طاعته كالمكره الذي أذله مكرِهه وقاهره بخلاف المحب الذي يعد طاعة محبوبه قوتاً ونعيماً ولذة وسروراً فهذا ليس الحامل له على الطاعة والعبادة والعمل ذل الإكراه، بل تكون دواعي قلبه وجواذبه منساقة إلى الله طوعاً ومحبة وإيثاراً كجريان الماء في منحدره ، فانسياق المحب فى عبادة الله, طاعة الله, العمل لله, تحمل المشاق,مثل جريان الماء فى منحدره, يتم بكل يسر وسهولة يتم تلقائياً بدون ممانعات بدون مصادمات ، وهذا حال المحبين الصادقين فإن عبادتهم طوعاً ومحبة ورضا ففيها قرة عيونهم وسرور قلوبهم ولذة أرواحهم. إذاً الفرق بين الذى يعمل لك وهو يحبك وهو الذى يعمل لك رغما عنه, فبعض العمال يشتغلون رغما عنهم بالذل والاكراه فهذا ارغمه عليه صاحب الشركة ولا يعطيه راتب الا بهذا لكنه يعمل وهو متأسف منزعج من هذا العمل جدا لكنه يعمل رغما عنه لن يعطيه المال الا بهذا العمل لكن اذا احبه وعمل له حتى بدون اجر حتى بدون طلب منه ولا يجد عند العمل اى مصاعب ومشاق نفسية بل انه سيعمل له وهو مسرور من العمل, فإذا اذا أحب العبد ربه عمل له بيسر وسهولة منقاداً طائعاً مستلذاً بهذا، كيف نوفّق بين هذا الكلام وبين ما يجده الإنسان من المشاق في القيام لصلاة الفجر وتحمل المكاره التي يرغم نفسه عليها إرغاماً، و يرغم نفسه أحياناً على بعض الطاعات مثلا ، هل معنى ذلك أن هذا إنسان لا يحب الله؟ الجواب: أن الوصول إلى مرحلة يكون فيها العابد لربه فى عمله كالماء الذي يجري في المنحدرات؛ هذه لا تتم من أول الأمر ولا يصل إليها العبد من أول العبادة والعمل ، بل يصل إليها بعد تدريب ومكابدة ومشقة ومجاهدة، ولذلك فإن اللذة والتنعم بالطاعة تحصل بعد الصبر على التكره والتعب أولاً، فإذا صبر وصدق في صبره وصل إلى مرحلة اللذة التي تكون العبادة بعدها عنده والعمل لله كجريان الماء في منحدره، ولذلك قال بعض السلف: " كابدت نفسي في قيام الليل عشرين سنة، وتلذذت به بقية عمري" .فإذا ما يصل الواحد الى هذه المرحلة التى تحثنا عنها الا بعد صبر ومجاهدة ومكابدة بعد ذلك تصير لذة العبادة طاغية على الم السهر والتعب, ومن عرف هذا عرف الطريق إلى محبة الله كيف يكون أوله كيف يكون آخره وماذا سيلقى وأعد نفسه لهذا وهذه مسألة في غاية الأهمية. ولا يزال السالك العابد هذا عرضة للفتور والانتكاس والآفات حتى يصل إلى هذه الحالة إذاً فترة المشقة تكون مصحوبة باحتمالات انتكاس وفتور وبرود وآفات حتى يصل إلى مرحلة اللذة بالطاعة، ويمكن للفرد أن يشعر أنه يتلذذ بالطاعة أحياناً وتشق عليه أحياناً، وأن نفسه تمشى فى مسارات واحوال تتقلب حتى تستقر على التلذذ بالطاعة دائماً. فواضح إذاً أن العمل لله والعبادة مراتب ودرجات ومن فقه التدرج هذا عرف كيف يصل، أما الذي لا يعرف عن هذا الموضوع شيئاً فعباداته كلها تقليد, لكن ليس عنده تصور لقضية البدء والاستمرار ومايحصل في الطريق من آفات ثم الوصول بعد ذلك في النهاية إلى هذه المرحلة العظيمة التي تسهل عليه بعدها كل مشقة وتهون عليه كل صعوبة " ولا يزال السالك عرضة للآفات والانتكاس حتى يصل الى هذه الحالة فحين إذٍ يصير نعيمه في سيره ولذته في اجتهاده وعذابه في فتوره وتوقفه عن العبادة, فترى أشد الأشياء عليه ضياع شيء من وقته ووقوفه عن سيره ولا سبيل إلى هذا إلا بالحب الذي يدفعه إلى العمل( ولذلك تجد بعض العابدين إذا مرض ينزعج جداً ويتألم من المرض، لا لأجل ألم المرض ، ولكن لأجل أنه قطعه عن العبادة التي كان متعوداً عليها فتصبح القواطع عن العمل أكره شيء عنده ،لأنه يريد ان يرجع الى حال الصحة بل ويمارس فيها ما كان متوعدا عليه من الطاعات والعبادات ولذلك عوضه الله بالأجر،" إذا مرض العبد أو سافر كُتِب له مثل ماكان يعمل صحيحاً مقيماً" فإذاً علامة المحبة كمال الأنس بمناجاة المحبوب وكمال التنعم بالخلوة وكمال الاستيحاش من كل ما ينغص عليه الخلوة. ثالثا: من علامات محبة العبد للرب, أن يكون صابراً على المكاره، والصبر من آكد المنازل في طريق المحبة وألزمها للمحبين ، وهم أحوج إلى منزلة الصبر من كل منزلة، فإن قيل كيف تكون حاجة المحب إليه ضرورية مع منافاته لكمال المحبة ، فإنه لا يكون إلا مع منازعات النفس لمراد المحبوب؟ قيل: هذه هي النكتة يعنى لب الموضوع والقصد والفائدة التي لأجلها كان الصبر من آكد المنازل في طريق المحبة وأعلقها به وبه يعلم صحيح المحبة من معدومها, وصادقها من كاذبها فإنه بقوة الصبر على المكاره في مراد المحبوب يعلم صحة المحبة ومن هنا كانت محبة أكثر الناس كاذبة لأنهم كلهم ادعوا محبة الله تعالى فحين امتحنهم بالمكاره انخلعوا عن الحقيقة ولم يثبت إلا الصابرون ، فلولا تحمل المشاق وتجشّم المكاره بالصبر ماثبتت صحة الدعوة وقد تبين أن أعظم الناس محبة لله أشدهم صبراً وهذا ماوصف الله به أولياءه وخاصة فقال عن عبده أيوب لما ابتلاه "إنا وجدناه صابراً" يعنى عند الابتلاء عندما ابتليناه, امتحناه, وجدناه صابرا فهذه العلاقة بين الصبر والمحبة"نعم العبد إنه أواب"، فأثنى عليه بعد ذلك, وأمر أحب الخلق إليه بالصبر لحكمه وأخبر أن الصبر لا يكون إلا لله ، فيصبر لله و الصبر لا يكون إلا بالله فقال "واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولاتكُ في ضيق مما يمكرون
".
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗
| |
|
فاروق عضوVIP
عدد المساهمات : 1513 تاريخ التسجيل : 30/10/2010
| موضوع: رد: المحبة للشيخ محمد صالح المنجد الجمعة 7 ديسمبر - 11:18 | |
| رابعا: من علامات محبة العبد لربه, أن لا يؤثر عليه شيئاً من المحبوبات، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما"أنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، قال: حتى أكون أحب إليك من نفسك، قال : أنت أحب إلي من كل شيء حتى نفسي، قال: الآن ياعمر"، إذاً من العلامات أن لا يقدم العبد شيئاً على الله لا نفسه ولا ولده ولا والده ولا الناس ولا أي شهوة، من علامات المحبة ان لا يأثر على الله شيئاً, فمن آثر على الله شيئا من المحبوبات فقلبه مريض، و إذا كان العبد مؤثراً ما أحبه الله على ما يحبه هو فيكون عند ذلك مقاوماً لداعي الهوى معرضاً عن الكسل مواظباً على الطاعة متقرباً بالنوافل فيظهر الطاعة ان المحب لمن يحب مطيع, ولذلك قال الشاعر: تعصي الإله وأنت تزعم حبه *** هذا محال في القياس بديع, لو كان حبك صادقاً لأطعته***إن المحب لمن يحب مطيـــــع ,وهذه ملاحظة مهمة تهم الدعاة في التعامل مع المدعوين وهي أن العصيان لا ينافي أصل المحبة إنما يضاد كمالها. فلو واحد شرب الخمر مثلا هل تستطيع ان تقول له انك لا تحب الله ابدا ما عندك جزء من محبة الله فى قلبك ما عندك ذرة محبة لله لا تستطيع لان المحبة لها اصل ولها كمال مثل الايمان له اصل وله كمال ، فبحسب المعاصي ينقص الكمال، وإذا دخل المرء في مرحلة الشك والنفاق الأكبر ذهب الأصل كله وانخلع وانعدم، فالذي ليس في قلبه محبة لله هذا كافر مرتد ومنافق نفاق أكبر، ليس له من الدين نصيب، أما العصاة لا يقال لهم أنه ليس عندهم محبة لله بل يقال محبتهم لله ناقصة وعلى هذا يعَاملون والدليل على هذا الكلام الذى نقوله" حديث نعيمان الذي أُتي به عند النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وهو سكران فحدّه في شرب الخمر ، فلعنه رجلٌ وقال ما أكثر ما يؤتى به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله" رواه البخاري ، يعني عنده أصل المحبة ، وليس معناه ان الرجل هذا مع شربه للخمر من كبار المحبين لله وان محبته لله كاملة, اصلا لو كانت محبته لله كاملة لاستطاع التغلب على هذا وان عنده نقص بقدر ما عصا. ولأن هذا صحابي فلا نتكلم فيه في ذاته بل وإنما الشاهد الإتيان بالحديث لنبين أن المعصية لا تنفي أصل المحبة ، وقد يكون الرجل قد تاب وختم له بخير والله رضى عنه وان ذنوبهم كلها قد تكون غفرت, فنحفظ حقوق صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى الذين عصوا منهم، ومعروف أن الحدود تكفر المعاصي. قال رجل أقيم عليه الحد عدة مرات فإذا هذا ما ينبغي التعامل به مع صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى الذين ورد في الأحاديث أنهم وقعوا في المعاصي، فإنهم عند الله بمكان عظيم, وحتى العاصي منهم كان يخرج للجاهد و يقدم نفسه وروحه فداء لله ورسوله، وعندهم من الطاعات اشياء عظيمة قد تكون أكثر مما يفعلون من السيئات بكثير جدا. خامسا: من علامات محبة العبد لربه, أن يكون مولعاً بذكر الله تعالى ، لا يفتر لسانه ولا يخلو عنه قلبه ، فإن من أحب شيئاً أكثر من ذكره بالضرورة ومن ذكر ما يتعلق به, هؤلاء اهل الدنيا, هذا فقط لتقريب الاذهان والمسالة تختلف تماما إذا احب ليلى احب ليلى وثياب ليلى وبيت ليلى والطريق الذى تمشى فيه والطعام الذى تأكله ويتعلق بكل ما تحبه هؤلاء اهل العشق المحرم فى الدنيا. فكيف يجب ان تكون محبة العبد لربه؟ اذا احب الله حب العبودية يحب كل شئ يتعلق بالله, كل شئ يحبه الله ,فيحب عبادته وكلامه وذكره وطاعته وأولياءه, ولذلك فهو يكون مولعا بذكره دائما يذكره لا ينسى ذكره قلبه معمورا بذكره, ولقد أمر الله تعالى عباده بذكره في أخوف المواضع "يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً" هذا تحت ظلال السيوف و تحت قعقعات السلاح اذكروا الله كثيرا ولا يشغلنكم هذا الموضع المخيف عن ذكر ربكم إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا . فعلامة المحبة الصادقة ذكر المحبوب عند الرغب والرهب، وحتى العرب في الجاهلية كان المرء قد يفتخر بالأشعار أنه ذكر محبوبته في الحرب و تحت وقع السلاح انه كان يذكر محبوبته وهو يقاتل . فأهل الإيمان أولى بهذا منهم اولى بحبهم للرحمن ان يكون هذا أكثر مما يفعله هؤلاء العاشقون والضلاّل مع محبوبينهم.ومن الذكر الدال على صدق المحبة سبق ذكر المحبوب إلى قلب المحبوب ولسانه عند أول يقظة من منامه وآخر شيء يذكره قبل أن ينام مرة أخرى، فينام على ذكره ويستيقظ عليه وهذا من فوائد أذكار النوم والاستيقاظ. سادسا: المحب الصادق إذا ذكر الله خالياً وجل قلبه وفاضت عيناه من خشية الله قال الله تعالى "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون".هؤلاء اهل الدنيا العشاق اذا جاء ذكر المحبوب والمعشوق تسارعت نبضات قلبه, فكيف حال المؤمنين الذين يحبون ربهم اكثر مما يحب هؤلاء العشاق معشوقيهم؟ كيف يكون حالهم اذا ورد ذكر الله فى مجلس فى مكان فى موضع تذكروا الله مثلا كيف يكون حال قلوبهم؟ سابعا: أن يغار لله فيغضب لمحارمه إذا انتهكها المنتهكون و لحقوقه إذا تهاون بها المتهاونون فهذه غيرة المحب حقاً، والدين كله تحت هذه الغيرة فأقوى الناس ديناً وأعظمهم محبة لله أعظمهم غيرة على حرمات الله، ولذلك ينكرون المنكرات ويمنعونها غيرة ، لأن محبوبهم لا يرضى بهذا فهم لا يرضون به ولا يرضون بحصوله ويسعون في تغييره. ثامنا: محبة كلام الله عزوجل، فإذا أردت أن تعلم ماعندك وعند غيرك من محبة الله فانظر محبة القرآن من قلبك فإن من المعلوم أن من أحب محبوباً كان كلامه وحديثه أحب شيء إليه ، فلا شيء عند المحبين أحلى من كلام محبوبهم فهو لذة قلوبهم وغاية مطلوبهم ، ومن هنا كان عكوف هؤلاء المحبين لله على كتاب الله، تلاوة وتفسيراً وتدبراً يكثرون من القراءة فى المصحف ومن الحفظ فهم يديمون التلاوة لكتاب الله لأن المحبة ينتج عنها التعلق بكلام المحبوب الاكثار منه, الا ترى ان بعض الناس اذا احب شخصا دائما يقتبس من كلامه عبارات ودائما يقول قال فلان قال فلان من كثرة محبته له يستشهد بكلامه, فكيف يجب ان يكون حال المحبين لله؟ موقفهم مع كلام ربهم, دائما التلاوة له والاستشهاد, كل ما يكون قضية يمكن ان يورد فيها آية أوردها من كثرة التعلق يستشهد بكلام ربه دائما. تاسعا: أن يتأسف على ما يفوته من طاعة الله وذكره، فترى أشد الأشياء عليه ضياع شيء من وقته فإذا فاته ورده, اذا فاته قيام الليل, فاته سنة راتبة, فاته اذكار الصلاة, وجد لفواته ألماً أعظم من تألم الحريص على ماله من فوات ماله وسرقة ماله وضياع ماله، وبادر إلى قضائه في أقرب فرصة كما كان يفعل الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته وكان إذا نام من الليل أو مرض صلّى من النهار اثنتى عشرة ركعة"رواه مسلم. عاشرا: أن يستقل في حق محبوبه جميع أعماله ولا يراها شيئاً، ولا يرى أن ما عبده به وأطال وصبر عليه أنه بذل شيئاً، فلا يراه قط إلا بعين النقص والإزدراء ويرى شأن محبوبه أعظم من كل ما عمل من أجله وأعلى قدراً فلا يرضى بعمله، بل يتهم عمله ويستقل عمله ويحتقر عمله ويخشى أنه ما وفّى حق محبوبه بل ويتوب إليه من النقص. ولذلك بعد الصلاة يقول أستغفر الله ، فهو دائم الاستغفار للنقص الحاصل في عبادة الرب. وكلما ازداد حباً لله ازداد معرفة بحقه فاستقل عمله أكثر. فكلما ازدادمحبة لله عمل اكثر ازداد الاحتقار للعمل, كلما ازداد محبة لله ازداد عمله وازداد احتقار للعمل."الذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة".خائفة ان لا يقبل منها, فهذه علامات للمحبين. ننتقل للمسألة الرابعة وهى ما هي الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى؟ إذا الانسان اراد ان يحصل عليها, اذا الانسان اراد اان يصل الى هذه الدرجة,درجة محبة الله ماذا يفعل,ماهى الطرق,الطرق كثيرة فمنها أولا: قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به. قال تعالى" أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب"، فهذا هو المقصود الأعظم والمطلوب الأهم من إنزال القرآن ، وأن يشغل قلبه بالتفكير في معنى ما يقرأ ويتجاوب مع كل آية بمشاعره وعواطفه دعاءً واستغفاراً ورجاءً, إذا مرت آية رحمة سال, إذا مرت آية عذاب استجار. وقال حذيفة صليت مع الرسول صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى، فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ، ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبّح ، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ. وكان صلى الله عليه وسلم إذا قرأ "سبح اسم ربك الأعلى" قال سبحان ربي الأعلى. فلاشيء أنفع للقلب وأجلب لمحبة الله من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر فإنه جامع لجميع منازل السائرين وأحوال العاملين وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة والتوكل والرضا والشكر والصبر وسائر الأحوال وأعمال القلوب . ثم يزجر عن الصفات المذمومة والأفعال القبيحة التي تفسد القلب وتهلكه . قال الحسن البصري" أنزل القرآن ليعمل به فاتخذوا تلاوته عملاً " فالتفكر بالقرآن أصل صلاح القلب والعمل به متمم لذلك ولا بد لهذا من هذا. ثانيا: التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض لأنها توصل إلى درجة المحبة كما جاء في الحديث القدسي: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، و مايزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، و بصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطيينه ولأن استعاذني لأعيذنّه ", فتضمن هذا الحديث الالهي الشريف حصر أسباب محبة الله في أمرين : أداء فرائضه، والتقرب إليه بالنوافل. وأخبر سبحانه أن أداء الفرائض أحب ما يتقرب إليه المتقربون ثم بعدها النوافل، وأن المحب يستكثر من النوافل ، لا يزال يكثر منها حتى يصير محبوباً لله فإذا صار محبوباً شغلته المحبة عن أي أفكار وخواطر أخرى أجنبية غريبة عن العبادة فلا تخطر على باله وإذا جاءت تنصرف وتنطرد بسرعة ، لأنه صار عنده من مراقبة الله ما يمنع هذه الأفكار من الورود, ويكون عنده من المهابة والعظمة لربه ما يمنع من الانشغال بأي شيء أجنبي عن العبادة، ويكون عنده من الإجلال لله والأنس به والشوق إليه ما يجعله دائماً ذاكراً تالياً عابداً عاملاً .ولذلك فإذا قيل أن هناك أناس وهذا أكثر حال المسلمين، يستكثرون من النوافل و هم مقصرون في الواجبات ويقترفون المعاصي فما الحل؟ ليس الحل في ترك النوافل فبتركها يزداد حاله سوءاً فالنوافل تجبر النقص، بل الحل في البقاء على النوافل لكن يصلح حال الواجبات و يصلح حال ترك المحرمات فيمتنع عن المحرمات ويزيد في النوافل. هذا هو السليم, وفي الحديث عظم قدر الصلاة كما قال ابن حجر رحمه الله فإنه ينشأ عنها محبة الله للعبد الذي يتقرب بها وذلك لأنها محل المناجاة والقربى ، ولا واسط فيها بين العبد وربه، ولا شيء أقر لعين العبد منها ومن كانت قرة عينه في شيء فإنه يود أنه لا يفارقه ولا يخرج منه لأن فيه نعيمه وبه تطيب حياته وهذا للعابد. إذاً الصلاة المحافظة عليها فرضاً ونفلاً من أعظم ما يجلب المحبة ومنها قيام الليل. ولا تكاد تجد فريضة إلا وله نوافل مثلا القيام فيه واجبات وله نوافل ومثلا الحج فيه واجبات وله نوافل وكذلك الاذكار وقراءة القران والصلاة والزكاة, فإذا, حتى المرء إذا قصّر في الواجب وجد ما يعوّض به ، لكن لا يمكن للمرء أن يشتغل بالنوافل ويترك الواجبات وهذا من خلل التصور واضطراب الميزان وخلل المنهج. ثالثا: أن يكثر ذكر الله باللسان والقلب والعمل, فنصيبه من المحبة على حسب نصيبه من هذا الذكر ، ولهذا أمر تعالى بالإكثار من ذكره , وبين أنه سبب للفلاح "واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون" ،وأثنى على أهل الذكر ومدحهم وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه فوق منزلة الجهاد، وجعل الله تعالى هذا الذكر حتى بعد العبادات العظيمة وخاتمة الأعمال الصالحة وبعد الصيام "ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون"، والحج "فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله"، والصلاة "فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم"، والجمعة إذا انقضت"فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً"،وهكذا..، فالذكر هذا مقارن للأعمال الصالحة"وأقم الصلاة لذكري"، وبناء على ذلك فإن ذكر الله تعالى من أعظم ما يوصل إلى محبته عز وجل .. رابعا: أن تؤثر محابه على محابّك عند غلبات الهوى، وأن تتسنم إلى محابّه ولو صعُب المرتقى،وعلامة هذا الإيثار شيئان: الاول: فعل ما يحبه الله ولو كانت نفسك تكرهه. والثانى: ترك ما يكرهه الله ولو كانت نفسك تحبه.هذا هو الايثار المطلوب هنا, إيثار محاب الله على محابك إذا غلبك الهوى, وبهذين الأمرين يصح مقام الإيثار، ومؤونة هذا الإيثار شديدة لقوة داعي الهوى والطبع والعادة ولكن المؤمن الذي يريد أن يصل إلى مرتبة المحبة وأن يجلب محبة الله له يتكلف المئونة الشديدة ويراغم نفسه الضعيفة لكي يصل إلى هذا ويحقق هذاالإيثار، فيشمر وإن عظمت المحنة ويتحمل الخطر الجسيم إرضاء للملك ولأجل الحصول على الفوز الكبير، فإن ثمرة هذا في العاجل والآجل ليست تشبهه ثمرة من الثمرات ولا تتحقق المحبة إلا بهذا الإيثار. قال ابن القيم –ر حمه الله- : " ما ابتلى الله سبحانه عبده المؤمن بمحبة الشهوات والمعاصي وميل نفسه إليها إلا ليسوقه بها إلى محبة ماهو أفضل منه وأنفع وأخير وأدوم وليجاهد نفسه على تركها لله فتورثه هذه المجاهدة محبة الله والوصول إلى المحبوب الأعلى، فكلما نازعته نفسه إلى تلك الشهوات واشتدت إرادته لها وشوقه إليها ؛ صرف ذلك الشوق والإرادة بشوق أعظم ومحبة أكبر وهي محبة الله عزوجل" .والقاعدة أن الإنسان لا يمكن أن يترك محبوباً إلا لمحبوب أعلى منه. فكان لأجل ذلك من مشى إلى محبوبه على الجمر والشوك؛ أعظم من مشى إليه راكباً على النجائب. فليس من آثر محبوبه مع منازعة نفسه كمن آثره مع عدم منازعتها، لماذا كان صالحو البشر أفضل من الملائكة؟، لأن الملائكة ليس لديهم شهوات و منازاعات ، منقادون إلى الله بطبيعتهم، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ما من موضع أربعة أصابع في السماء إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد ولذلك أطّت السماء من ثقل الملائكة الذين يعبدون الله فيها، لكن الذي يسبح ويعبد دون أن يفتر مع منازعة نفسه والشهوات وهذه العوائق والعلائق ومع ذلك صامد صابر ؛ هذا أعلى . ولماذا كانت المرأة من البشر من اهل الجنة أفضل من الحور العين؟ بمجاهدتها نفسها ومراغمتها نفسها والتغلب على الشهوات وصبرها وصلاتها وصومها وعبادتها. فهو سبحانه يبتلي عبده بالشهوات إما حجاباً له عنه أو حجاباً له يوصله إلى رضاه. فبعض الناس يقع فى الشهوات فيقبل عليها, وبعض الناس ابتلى بالشهوات فجاهد نفسه فاقترب من الله اكثر. خامسا: مشاهدة بره تعالى وإحسانه وآلائه ونعمه الظاهرة والباطنة فإنها داعية إلى محبته، والقلوب قد جبلت على محبة من أحسن إليها وبٌغض من أساء إليها ، ولا أحد أعظم إحساناً على أحد من الله عزوجل؛ فإن إحسانه على عبده في كل نفس ولحظة والعبد يتقلب في نعم الرب دائماً في كل الأحوال، ويكفي أن بعض أنواع نعمة النفس لا تخطر على بال العبد وله عليه في كل يوم وليلة أربعة وعشرون ألف نعمة، كيف عرفوا ذلك ؟ ، لأنهم حسبوا كم نفس يتنفس المرء في الأربع والعشرين ساعة، فحسبوها وقدروها، أربعة وعشرون ألف نفس قالو اربع وعشرون الف نعمة فقط فى اليوم الواحد, فى كل يوم وليلة فإذا كان أدنى نعمه في جانب التنفس فقط أربع وعشرون ألف نعمة في اليوم فما الظن بالنعم الأخرى إذا أردت أن تعد ؟"وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها"!، فكيف بالمضرّات التي يصرفها عنك غير النعم والمنافع التى يجلبها لك وفى مضرات يدفعها عنك إضافة لهذه النعم والإحسان؟ وكّل سبحانه حفَظَة "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله". نعم مجلوبة ونقم مدفوعة لا نحس بها والله يكلأنا بالليل والنهار كما قال تعالى:"قل من يكلأكم بالليل والنهار من الرحمن"، فهو سبحانه المنعم بالكلاءة والحفظ والحراسة من كل المؤذين "والله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين". وبعض النعم تحصل رغم معاصي وإساءات وتقصير حصل..!، لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله؛ يدّعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم..! سادسا: مطالعة القلب لأسماء الله وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها وتقلب القلب في رياض هذه المعرفة، فمن عرف الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبّه لا محالة، وهذا الباب الذي يدخل منه خواصّ أولياء الله العارفين به وهو باب المحبين حقاً الذي لا يدخل منه غيرهم ، ولا يشبع من معرفته أحدٌ منهم ، كلما بدا لهم منه علم ؛ ازدادوا شوقاً ومحبة إلى الله فإذا انضمّ داعي الإحسان والإنعام إلى داعي الكمال والجمال لم يتخلف عن محبة من هذا شأنه إلا أردأ القلوب وأخبثها وأبعدها عن كل خير، فإن الله فطر القلوب على محبة المحسن الكامل في أوصافه وأخلاقه، وإذا كانت هذه فطرة الله التي فطر عليها قلوب عباده ؛ فمن المعلوم أنه لا أحد أعظم إحساناً من الله ولا شيء أكمل من الله ولا شيء أجمل من الله فكل كمال وجمال في المخلوق أصلاً من آثار صنعه سبحانه وتعالى ، لا يُوصف جلاله وجماله ، ولا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه بجميل صفاته وعظيم إحسانه وبديع أفعاله بل هو كما أثنى على نفسه، وإذا كان بعض الناس يحبون الجميل ؛ فالله عزوجل أجمل من كل شيء، وله صفة الجمال، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "إن الله جميل"، ولذلك إذا رآه أهل الجنة نسوا كل شيء،وذلك لجلاله وكماله وجماله فليس شئ اجمل منه ابدا والله سبحانه وتعالى اجمل من كل شئ, ومن تأمل هذا عرف كيف يتغلب على الأشياء الجميلة في الدنيا من المعاصي، وكل اسم من أسمائه وصفة من صفاته تستدعي محبة خاصة, يعنى اذا نظرت من جانب الكريم تحبه, والعظيم تحبه , والجليل تحبه, والشهيد تحبه, واذا نظرت الى جهة الرزاق ,الغفور تحبه وهكذا كل اسم من اسمائه وصفة من صفاته تاخذك الى محبة أكثر.. تنطلق من هذا الاسم وهذه الصفة وهذا الفعل ، فهو المحبوب المحمود على كل ما فعل و كل ما أمر إذ ليس في أفعاله عبث ولا في أوامره سفَه، بل أفعاله كلها لا تخرج عن الحكمة ولا المصلحة ولا العدل ولا الفضل والرحمة وكل واحد من هذه يستوجب حمداً وثناءً على الله سبحانه وتعالى. ما للعباد عليه حق واجـــــــــــبٌ *** كـلا ولا سعي ٌلديهِ ضــائعُ إن عُذِّبوا فبعدله أو نُعِّموا فبفضله *** وهو الكريم الواســــــــــعُ ,ولا يتصور بشر هذا المقام حق تصوره فضلاً عن أن يوفيه حقه، وأعرف خلقه به وأحبهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم قال: "لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك"!،فلا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه البتة وله الأسماء والأوصاف منها مالا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولله تسع وتسعين اسم وله أسماء أخرى غير ال99، ولكن هذه الأسماء التسع والتسعين من أحصاها وحفظها وعمل بها وعرف معناها دخل الجنة.وهناك أسماء غير ال99 معلومة لنا وهناك اسماء غير معلومة لذلك يوم القيامة الله يعلم نبيه أشياء عندما يسجد تحت العرش ما خطرت ببال أحد ويثني عليه بمحامد ما علمها لأحد قبله ، فإذاً لله أسماء وصفات التي يحب لأجلها ومن تأمل في أسمائه وصفاته ازداد محبة له ، ولو شهد العبد بقلبه صفة واحدة لله من أوصاف كماله استدعت المحبة التامة فكيف إذا شهد بقية الصفات والأسماء والأفعال، وما نعلمه نحن عن الله وأسمائه وصفاته ليس إلا كنقرة عصفور في بحر!. فنحن لا نعرف الله تعالى معرفة مشاهدة بالعين بل ما عرفناه إلا من خلال الأسماء والصفات، وما وصل إلى العباد من العلم بالله عن طريق الوحي وما رأوه في الواقع هو آثار أسماء الله وصفاته، فاستدلوا بما علموه على ما غاب عنهم فكيف لو شاهدوا ذات الرب ووجه الرب..؟! كيف؟ ، فلو شاهدوه ورأوا جلاله وجماله وكماله سبحانه ؛ لكان لهم في حبه شأن آخر. ولذلك إذا رأوه في الجنة أشغلهم عن كل نعيم آخر..! وإنما تتفاوت منازلهم ومراتبهم في محبته على حسب تفاوت مراتبهم في معرفته والعلم به ، ولذلك العلماء هم أكثر الناس محبة لله لأنهم يعرفون من الأسماء والصفات و معاني الأسماء والصفات وآثارها مالا يعرفه عامة الناس، و كذلك الإيمان بأن له وجهاً يليق بجلاله وعظمته وأن له سمعاً وبصراً .ومن صفاته السمع والبصر والكلام والمحبة والبغض ومن تأمل في هذه الأشياء ازداد تعظيماً لربه ومحبة له وتعلقاً به. وأعرف الخلق بالله أشدهم حباً له، ولذلك كانت رسله أعظم الناس حبّاً له ، والخليلان من بينهم أعظم الناس محبة و أعظم الأنبياء محبة لله وأعرفهم به تعالى؛ إبراهيم عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم فوقه. وإنما تظهر هذه المحبة من مطالعة الصفات بإثباتها أولاً ومعرفتها ثانياً ونفي التحريف والتعطيل والتمثيل والتشبيه والتكييف عنها. ولذلك لا يصح مطالعة أسماء الله وصفاته إلا بقواعد صحيحة مبنية على عدم التعطيل و عدم التمثيل وعدم التشبيه وعدم التكييف وعدم النفي. وكلما أكثر القلب من مطالعة أسمائه وصفاته وأفعاله ؛ ازدادت محبته للمتصف بها وللمتسمي بها وللفاعل, وكل لذة ونعيم وسرور وبهجة بالإضافة إلى ذلك كقطرة في بحر !. فكم يُحرَم من هذا النعيم نفاة الصفات الذين ينفون أن لله وجهاً وسمعاً وبصراً وينفون أن له محبة وبغض. سابعا: انكسار العبد بين يدي الرب والافتقار إليه ، والخضوع والتذلل والإخبات والاستسلام والانطراح بين يديه، فما أقرب الجبر من هذا القلب المكسور، وما أدنى النصر والرحمة والرزق من هذا العبد الذي أذل نفسه لربه وأحب القلوب إلى الله قلب تمكن منه الانكسار وملكته الذلة والله سبحانه يحب من عبده أن يكمل مقام الذل بين يديه لأن هذه حقيقة العبودية، الذل بين يدي الله. ويقال طريق معبّد مذلل من كثرة وطأ الأقدام عليه فصار طريقاً معبداً، ولذلك كلما ذل العبد بين يدي ربه كلما ازداد محبة، والذل أنواع ، أكملها : ذل المحب لحبيبه، وهناك ذل المالك لمملوكه وهناك ذل الجاني عند المحسن إليه، وهناك ذل العاجز عند القادر على إطعامه وإيوائه، فأعلاها إذاً ذل الحبيب لحبيبه، فإذا كان الذل لله عز وجل قائماً كثيراً؛ كانت المحبة كبيرة..، والعبد ولا شك يذل بين يدي الله كل هذه الأنواع. والذي امتلأ قلبه من محبة الله سبحانه وتعالى فقلبه منكسر عند ربه ليس معجب بعمله ولا مغترّ بما قدّم مهما كان كثيراً، فإنه لا يراه شيئاً ويرى نفسه مقصراً ويرى سائر ما عمِل لا يكافئ نعمة واحدة
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗
| |
|