الجزء الخامس والأخير
هي كانت تعتقد أنها الحبيبة المدللة، هكذا كانت تظن مكانتها عند رزق .ولكنها ما لم تكن تعرفه أن حالها هذا هو بأمر من رزق ،وان رزق الزوج قد أنتهت من حياته ،بعدما تزوج ثانية .بعد تركها بفلسطين هي وأولاده عند اهله .
وفي عصر ذلك اليوم عاد الاطفال سندس وأخوايها، كانوا يبحثون عن حنان والدتهم فلقد اشتاقوا لها، فدخلت سندس غرفة أمها ،وعندما لم تجدها ذهبت إلى جدتها تسأل عن أمها فأخبرتها، أنها بالغرفة الصغيرة التي ساعدتها بتنظيفها بالأمس.أستغربت كلام جدتها،
وقالت : هي غرفة ماما لمين بدها تصير ؟!
: ولا لحدا .
: لعاد ليش ماما في الاوضه الصغيره .
:هيك جدو بدو ، بتضلي تنامي فيها وانتي واخوتك .
فصرخت الطفلة المسكينه : ليش ماما شو فيها شو عملت؟!
: ولا أشي بس هيك جدو بده .
فهرولت الصغيرة سندس ،وجرى خلفها أخويها ،يريدون الدخول على والدتهم، ولكنهم وجدوا أن الباب مقفل .
فنادت ،سندس على أمها : ماما انتي هين ؟،ردي عليا ماما .
فما سمعت الصغيرة شيء، وما سمعته فقط بكاء خافت من أمها، تشكو جور الزمن عليها .ولم يتحمل الاطفال هذا وصاروا يبكون قرب الباب، بحرقة شديده ، حتى أن الاكل والشرب لم يسألوا عنه أو يطالبوا به. بل بكل قسوة تعاملت الجدة مع سندس ،حين أمرتها بالوقوف بالمطبخ وتجهيز العشاء .وبقيا أخويها هناك، خلف الباب يبكيا بصمت حارق ودموع ساخنة. فما يحدث لوالدتهم صبح شيء لا تدركه عقولهم الصغيرة الغضة البريئة .وتوالت الأيام على تلك الحالة ومرت الأسابيع ،والأطفال إلى ضياع أكثر ،فقد مرضت جدتهم وما عادت قادرة على خدمتهم ،أو القيام بأمورهم . بل وزاد هذا من معاناة سندس ،التي أصبحت كخادمة تقوم بكل مسؤوليات البيت ،حتى جدها كأنها توارثت من أمها الاهتمام به وبمرضه ومواعيد دوائه .وهي صغيرة على كل تلك المسؤولية ،التي ألقيت على كاهلها فما أن يأتي الليل حتى تدخل الغرفة التي كانت لوالدتها، وتأخذ اخويها الصغيران بحضنها ،تريد حمايتهم من شيء لا تعرفه ولا تقدر صعوبته ،حتى الطفلين لم يداوما بصورة جدية بالمدرسة بل اللعب بالحواري مع اطفال الجيران هو شغلهم الشاغل وأكبر إهتماماتهم .وتوالت الأشهر على سندس ،ومعاناة خدمتها بالبيت .وصبح في تلك الغرفة سجينة لا يُسمح لها بالخروج منها ،الا من أجل الحمام او الاستحمام ،كانت الصغيرة سندس تشفق على أمها ،وعندما كانت تسكب لها الاكل كانت تضع نصيبها مع نصيب أمها من الاكل . فهي طفلة وتحب والدتها جدا .وتمر الشهور ،ولاحظت صبح إزدياد ملحوظ في وزنها .ولقد عزت ذلك ،بسبب عدم قيامها بأي نشاط أو مجهود فلا عمل لها بتلك الغرفة إلا الأكل والنوم .ومرت سنة ونصف على تلك الحالة ،وأصبحت سندس في الرابعة عشر من عمرها تقريبا .وأصبحت عروسه كما ينظرون أهل فلسطين لفتاة بعمرها ،وكانت بجمالها تفوق جمال أمها صبح .ولكن صبح كانت تعيش مدلـلة في بيت والديها ،عكسها هي تعيش خادمة لجدها وجدتها ، بل ولكل افراد عائلة جدها وجدتها .وفي مساء أحد الايام نادى الجد أحفاده ،وأخذهم الى غرفة والدتهم، وهناك القى لهم الخبرالذي علم به قبل قليل ،
وقال : أسمعوا ،بكره أبوكم ومرته الجديده وأبنه الصغير جايين، ما بديش تشكوا لابوكم أشي،
خاصة أنتوا ،ما تحكوا لابوكم عن حاجه ،وهو بيعرف بحبسة أمكم بهاي الاوضه .
وهنا، كأن صاعقة مست صبح لمرتين، الاولى حين أخبرهم أن رزق تزوج مرة أخرى ،والثانية عندما سمعت عمها يخبرهم أن والد الصغار
يعلم بسجن أمهم، فصرخت صرخة مؤلمة وكتمت أنفاسها فما عادت تريد الحياة بعد هذين الخبرين .
ولكن ،سندس أسرعت ناحية والدتها وحاولت إزاحة يدها عن أنف وفم والدتها ،
وصرخ الصغيرين :سندس مالها ماما ليش بتعمل هيك ؟؟!
فلم تعرف سندس بماذا تجيب أخوتها، وقالت لهم :المهم انه نسمع كلام جدو.
وفي مساء اليوم التالي، وصل رزق وزجته الثانية مع أبنهم مصطفى. ولم يكن هناك غرفة لمبيتهم ،إلا تلك الغرفة التي كانت لصبح. وبات رزق وزجته ليلتهم في سرير صبح ،وعند الفجر وبعد الآذان خرج من الغرفة، فوجد سندس وأخوتها في الصالة والبرد شديد فيها والأطفال بدون غطاء .فلم يشفق عليهم، ولم تتحرك به عاطفة الابوة ،بل أتجه إلى الغرفة الصغيرة ،حيث صبح السجينة. وهناك وجد والده قد سبقاه، ورأى صبح ،بعد غياب سنتين ونصف عنها رأها ولم يعرفها من السمنة التي أصابتها، وقد أحكم والده الحبل حول رسغها، يسوقها إلى الحمام. فـ أرخى بصره إلى الارض متألما،
ووجه كلامه إلى صبح قائلا : صبح ،أنا طلقتك أمبارح أول ما وصلت البلد ،وأول ما عدينا جسر الملك حسين .
فنظرت صبح اليه نظرة ملؤها الحقد والكره، فحالها هذا ما كانت ستصل إليه، لو أشبع نهمها للكلمات الحالمه والتي تطلبها أي زوجة من زوجها. ولكن هيهات فما عاد يجدي الأن تذكر تلك الاشياء ولا الندم عليها. ورغم سماعها لخبر طلاقها إلا انها أكتفت بتلك النظرة ،وحتى رزق أدار ظهره وأتجه الى غرفة النوم أينما تنام زوجته وطفله وأيقظها وقال لها : يسعد صباحك يا أحلى أم مصطفى ، يلا عاد قومي حضري ألنا الفطور بتعرفي امي تعبانه
: أي ،وأنا لساتني جايه من سفر ، ليش ما تطلب من بنتك ؟
: أي طيب ولا يهمك، هلكيت بطلب منها وبالمره تعمل الرضعه لاخوها مصطفى .
خرج من الغرفة، ووقف على بابها من الخارج ،ونادى على سندس وقال :نامت عليكي حيطه يا رب .
قومي فزي أعملي الفطور وسخني مي لحتى نتحمم وأعملي لأخوك مصطفى رضعته .
: مين مصطفى ؟؟؟
وعندها ،رفع يده إلى أعلى وأسقطه بكل جبروت وقسوة على صدغ سندس التي سقطت أرضا وهي لم تزل بين الصحوة والنوم. فقامت من فورها وهي ترتجف ،واتجهت للمطبخ، حتى تحضر ما أمرها به والدها. حاولت أخذ نصيبها ونصيب أخوتها ووالدتها صبح كما تعودت ولكنه منعها
وقال : اللي بيضل بتاكلوا منه انتوا وامكم ،سيبي كلشي متل ما هو .
انصاعت لكلام والدها ،بعدما وضعت صينية أطباق الاكل على طاولة الصالون .وعند خروجها ،طلب منها أن تنبه على زوجته ان الأفطار قد جهز وعندما رأت أم مصطفى الصغيرة سندس أبهرها جمالها
وحدثت رزق عندما أنضمت إليه بالصالون : متى بدك تزوجها ؟
: لسه البنت صغيره .
: لا مش صغيره اللي قدها عندهم ولاد وبيرضعوا.
: ليش عندك عريس ألها؟ .
:آه ماله ابن عمي صبحي ولا مش عاجبك .
: اي انا حكيت أشي ولا فتحت تمي .
:آه بحسب .
: لا ما تحسبيش وخلينا نفطر .
وما أن بدأ بالأكل، دخل عليهما والده ووالدته فقام لهما رزق بينما زوجته، بقيت على نفس جلستها،
وقال : صباح الخير يابه كيف حالكوا يمه وكيف الاولاد متعبينكم ؟
:لا يابه الصغيره سندس قايمه بخدمتنا، زيها زي ما كانت امها وأكثر .
وبدأوا في تناول الافطار، حين قطع الوالد الصمت وقال : وهلكيت عشان صبح يابه اش ناوي تعمل ؟
فتضايقت زوجته أم مصطفى وقال رزق : خلص يابه أنا طلقتها ،ووين ما بدها تروح الله بيسهل عليها . بس الاولاد بيضلوا هان
وكل أخر اسبوع بتسمح ألهم يروحوا عند أمهم وبيباتوا عندها خميس وجمعه .
: آه هيك منيح يابه أقله سندس بتخدمنا .
فهناك حيث الاحتلال، وانفلات النظام والقوانين ،ما من أحد يتبع شريعة أو قانون .فكبير العائلة يقرر وينفذ بدون أذن أو نقاش . وعندما سمع أخوة صبح بطلاق أختهم حتى سارعوا إلى تخليصها من براثن عمهم وزوجته .وفي ذات الوقت اتفقوا على الترتيبات النهائية، بالنسبة لـاولاد صبح. حيث أتفقوا على أن يكون الطفلان بصحبة أمهما ثلاث أيام بالاسبوع اربعاء وخميس وجمعه. وعند عودتهما، إلى بيت جدهما، تذهب سندس عند والدتها ،ليوم فقط. فهي بنظرهم بنت وعليهم المحافظة عليها، خوفا عليها من سمعة والدتها الساقطة ( وما هي بساقطة). ولكن كانت المشكلة أين سيستقر الأمر بصبح ،أين ستقيم ، فبعد وفاة والدا صبح تفرق الأخوة كلٌ في منزل مستقل ولكنه في نفس الحي ، بعد أن تزوجوا. وبقي بيت العائلة ،فارغا إلا من ذكريات لهم يحتفظ بها كل منهم .ولذا أتخذ أخوة صبح قرار، وهو أن تعيش أختهم في بيت العائلة ، إلى ان يأتيها النصيب او القدر بحل ما .ومرت الأيام والأشهر والسنة الأولى على نفس الروتين المتفق عليه ،بالنسبة لمواعيد زيارة ابنائها لها .أما صبح كانت تمر بها الأشهر مسرعة ، فما أن يخلو البيت عليها حتى تشعر بوحشة المكان، وتثور عليها ذكرياتها ،مع أمها وابيها واخوانها الاولاد .فلا يكون لها سبيل لتفريغ هذا الكبت إلا النحيب والبكاء .أتخذت من غرفتها في بيت أهلها مرقدا لها كما كانت قبل الزواج ،لم تكن تريد أن تستعمل غرفة والديها، فلهما ذكرى جميلة عندها. وذات صباح أمسكت صبح، ما بين يديها تلك القطعة الزجاجية والتي كانت تسمى مرآة ذات يوم تفقدت بشرتها جمالها شحوبها الم تركه سنين الأسر في بيت عمها كعادتها كل يوم .ومازلت على نرجيستها، ومعتدة وواثقة من نفسها ، فتحدثت للمرآة
قائلة : لساتني أنا ،مثل ما كنت ومفيش وحده احلى مني بالعيله ،إلا شوية هالنصاحه وهاي انا بعرف كيف اخلص حالي منها
وعندما قالت هذه الجملة الاخيرة كان التصميم باديا وواضحا، أنها لابد أن تعود لرشاقتها ،فلقد ولت أيام أسرها عند عمها، كان حديثها هذا بعد ثلاثة أشهر من طلاقها ونيلها لحريتها.كانت تصميمها هنا ،على ان تعود إلى صبح التي تعرفها ،لم يكن لها أي رغبات أنثوية أو نسائية .فلقد أكتفت من الدنيا بأطفالها ،رغم أنها لم تصل بعد الى سن السابعة والثلاثين . وبدأت بجدية بعمل نظام غذائي مع قليل من الرياضة، حتى تكسب جسمها الرشاقة التي كانت مضرب مثل في عائلتها .وتمضي بعائلتها الايام بين شد وجذب ،بين اهمال واهتمام ،بين فرحها لحضور ولديها للمبيت معها وبين وجود ابنتها الرقيقة سندس معها، لقد كانت تحبها جدا وتشفق عليها وعلى مصيرها وهي عند جدتها ،
كانت تكرر لها دائما :فيشي بأيدي أيشي يمه حتى اعمله عشانك .
ومر الشهر الاول من اتباعها للنظام الغذائي، وقد بدا التحسن واضحا على جسمها ،وما هي إلا ستة أشهر حتى أستعادت كامل رشاقتها، فلقد كانت مصممة على أن تعود صبح الفاتنة . ولوضعها المملل بسبب عدم خروجها من المنزل ،سمح لها أخاها الأكبر ،أن تتبادل الزيارات مع جيران أمها، فكانت تزورهم ويزورنها. إلى أن كان ذلك اليوم، خرجت من منزل جيرانها ،متجهة إلى منزلها .وفي الطريق ،أحست بمغص في بطنها ومعدتها ،ولأنها تعودت أن تشرب كأس من الميرمية الساخن ، في هذه الحالة ، كحال كل الشعب الفلسطيني . تذكرت، أنها نفذت من ليلة الأمس فذهبت مسرعة إلى الدكان الوحيد بالشارع .ولان الوقت متأخر نوعا ما هناك بفلسطين لخروج فتاة لوحدها بالليل، فلقد كان بحدود التاسعة مساءا. كانت تمشي مرتبكة، وصلت الدكان، واشترت غرضها ،ومن ثم قفلت عائدة الى منزلها.وفي طريقها إلى البيت، لاحظها الأبن الاكبر لجيرانها، كان في مثل عمرها تقريبا او اكبر بقليل ،وكان يعلم بفتنة صبح وجمالها ،
سألها :مالك ،شو في من وين كنتي راجعه؟!
لم تجب في بادىء الامر إلى أن تأكدت انه ابن الجيران شفيق ،فحكت له قصة الميريمية .
فأجابها :آآآه .
وكأنه لا يصدقها ،فالمطلقة هناك يُنظر إليها، كما في باقي الدول العربيةن تحيط بها الشبهات ،حتى ولو لم تفعل شيء .دخلت منزلها بعدما أجابته ،وكاد أن يأكلها بنظراته, ودخل هو إلى منزل أهله نحتى يأخذ زوجته خديجة وأبنه من منزل والدته .وفي منزله، لم يستطع النوم ،فالفاتنة صبح ،يراها أينما أتجه برأسه .وصبح أيضا أنشغل فكرها به لدقائق ،ولكنها نسيت كل شيء بعد دقائق، فلم يكن لها هم وإهتمام إلا اولادها وسندس، رغم انها أُعجبت بنظرته لها ، فلقد تأكدت أنها مازالت فاتنة وملفتة للنظر . في اليوم التالي عند الظهر ، سمعت طرقا على باب المنزل، استغربته فأخوتها الرجال كل منهم لديه مفتاحه ،وهو ليس موعد بيات ولديها عندها ، فهبت مذعورة من فراشها، حتى ترى من الطارق فكان أبن جيرانها رجل مساء أمس شفيق .
فقالت له من وراء الباب : خير شو في ؟!
: ولا أشي بس حبيت أسألك إذا محتاجه شي من الدكانه أو من سوق البلد هيني نازل أنا وخديجة، إذا بدك شي أمانه ما تخبي.
شكرته على معروفه ،وبقيت واقفة قرب الباب، حتى تأكدت انه ابتعد، وقفلت عائدة الى الداخل .ومرت الأيام على تلك الليلة وهذا الموقف ،وحياتها كما هي روتينية، لا تغيير فيها للدرجة التي بدأت تشعر بالملل من تكرار نهارها وليلها ولا جديد فيهما. إلى أن أتى ذلك اليوم ،وكان الوقت ما بين العصر والمغرب . طُرق باب البيت، فهبت لترى من الطارق، فكان أبن الجيران .
فقال لها :هي خديجه ، في الدار طلبت مني اسألك، لو بدك تيجي معنا للسوق ،هَي هي ،بتستنناي لحتى أرجعلها ونروح على السوق ،
أكيد انتي بتعرفيش وين داري، هيو في الدخله الثانيه من هين على يمين داركم .
أنتظرت قليلا ،قبل أن تجيبه وقالت: طيب هيني طالعه، بس أجيب (الداير والقنعه ).
وما هي الا دقائق ،وتخرج صبح من المنزل وكان الشاب يقف بمحاذاة جدار المنزل المقابل، وما أن رأها حتى هب مستعدا ،ولكن كان هناك من تراء له أنها هي صبح من رأها تخرج من المنزل ،فـأستغرب فعلتها .كان ذلك الشخص قبضاي عائلتها ،( لم يكن من أقربائها القريبيين جدا،ولكنه نظرا لمواقفه البطولية ضد الاحتلال الاسرائيلي، ىعينته عائلتها كبيرهم والمتحدث بأسمهم). أصابه الجنون، حين رأها تمشي بقرب ذلك الشاب فلذا أستبعد أن تكون هي صبح . فمضى بطريقه وهو يفكر ،ربما ضغوط الحياة جعلته يعتقدها صبح، فربما كانت احدى جاراتها .وأكمل طريقه إلى منزله ،وترك تلك الهواجس في نفس المكان الذي وُلدت به ،فكما تعلم العائلة أن صبح فتاة محترمة ,ووالديها رحمهما الله واخوتها الرجال اشخاص جدا محترمون. ووفي تلك الحارة ،أكملت صبح طريقها ،مع أبن الجارة العجوز، وهو يمشي أمامها يدلها على الطريق. الى أن وصلا منزلا على حافة تلك الزاية ، ففتحه بالمفتاح
ودخله وقال لها :لحظات ،لحتى أنادي خديجه .وأكمل، شو رأيك بدل وقفة الشارع، ادخلي بلا ما الناس تشوفيك هيك واقفه .
ودخلت المنزل معتقدة ان به خديجة ،ولكن كيف لها ان تعرف انه ما كان إلا ذئب بشري .فما أن دخلت حتى أقفل عليها الباب ،حاول التودد اليها لتعطيه ما يريد ، وتذكرت موقفها مع العجوز المتصابي .ومن هول خوفها ،حتى الصرخة لم تستطع أخراجها ،فهجم عليها ( أبن الجيران المتزوج )، ونال منها .وعندها كأنما صحت من كابوس مخيف ،بدأت تصرخ بعدما فقدت صوابها .
وصار يطمأنها : أتخفيش، أنا راح أطلبك من أخوتك نالله يسامحه أبوكي ما أنا اول واحد أجى خطبك، وما رضيوش فيا .
قال شو فقير ومنتف، الله يرحمهم ويسامحهم بس .
وهي بقربه تلطم خديها وتولول :يا وردي عليا ، يا الله انا شو عملت يا رب ، ليش يا رب خلقتني حلوه؟ يابي عليا شو راح يصير فيا .
وهو يطمئنها ويحضنها ويقول :والله تخفيش ،أنا راح اطلبك من اخوتك ،ما تخفيش .
ويمضي ذلك المساء بين طمأنتها وبين بكائها إلى أن قاربت الشمس على المغيب ،
فقال لها : يلا شو رأيك نطلع من الدار ، لازم أروح أجيب خديجه من عند امي العيانه ،
ولا ما بتلاقيها الا وهي طابه علينا وبتعملها جرصه إلك
: وكمان يعني أنا بدارك هلكيت .
وبدأت في ترتيب نفسها ،وهي تنتحب وتطلب منه الايفاء بوعده ،وأن يعجل بطلبها من أخوتها الذكور . فطرأت الفكره على رأسه فجأة .
وحكى لها عنها فورا : طيب شو رأيك نتزوج عرفي، لحتى أنا أكون جاهز، وأطلبك من اخوتك .
وافقت على مضض،على أن يتم هذا الامر سريعا.
فقال لها :خلص ،بكره هيك على الساعه 11 بالليل بتكوني مستنيه جنب الباب ،ما بدي أخبط على الباب كثير .
بكون جايب معي اثنين شهود وبنعقد عرفي .
وافقت وقالت : انا راح استناكم .
وهنا ذكرها، أنه يحق للمطلقة تزويج نفسها، وكأنه يقول لها لا داعي، أن أخبر أخوانك الذكور بأمر زواجنا . فوافقته ،وهي حتى لم تحاول فهم ذلك . وخرجا ،خلسة وفي عتمة الحواري الجانبية ، أوصلها الى منزلها. وحمدت الله ،أن الليلة غير قمريه .وأمضت ليلتها وهي تبكي حظها العاثر، في انتظار ليلة الغد .وعند الحادية عشر من مساء الغد ،كانت تترقب طرقات الباب ،وفعلا طُرق الباب، وعرفت أن الطارق هو، شفيق ابن جيرانها. فأدخلته هو ومن معه من شهود ،وأتموا العقد العرفي بسرعة ،وخرجوا جميعهم . ولكن عند خروجهم ،لم ينبتهوا أن هناك من يراقب المنزل ،فلقد كان ( قبضاي العائلة ) خليل، منشغلا بأمر من أشتبه انها صبح ،ولذا لم تستدل الراحة إليه طوال ساعات ذلك النهار . وقضى ساعات يومه ،يراقب المنزل ،عن بعد متخفيا .وما ان رأهم حتى ثار غاضبا ،يود اللحاق بهم ومعرفة ،سرهم مع قريبته صبح .ولكنه تريث وفكر بطريقة أخرى ، حتى لا يكون ظالما لصبح وداوم على مراقبة منزلها . إلى ان كان موعد حضور اولادها الذكور، للمبيت عندها فأطمأن .فهو يعلم بالترتيب الذي قرره رزق ،وأبوه بالنسبة لـأولادها وابنتها سندس وغاب عن المراقبة ، طوال تلك الثلاثة أيام .وجاء دور مبيت سندس ،عند والدتها وكان خليل على الموعد، يراقب الفترة بين خروج الولدين ودخول سندس بيت والدتها ،وأنتظر قليلا ، حتى يطمأن على أن ليس هناك ما يخشاه .ولكن حدث ما لم يكن بالحسبان وما لم يتوقعه .فعندما دخلت سندس منزل والدتها، كأنها كانت تنتظرها على الباب،
قالت لها: يمه يا سندس بدي بس أغيب ساعه ، وارجع بدي أروح أشاور أخوالك ، بهالشي، بتسكري على حالك الباب بالمفتاح
وما بتفتح لمين من كان.
وافقت الصغيرة سندس، على كلام والدتها ولكنها كنت منزعجة ،فهي لا تجلس مع أمها الوقت الكافي .تريد منها النصائح ،تريد منها الحنان ،والأمومة التي حُرمت منها بسبب الخدمة في بيت جدها وجدتها .وفي الحواري الخلفية ،بعيدا عن سندس الحزينة ،كان خليل يتابع خطوات صبح بحذر، يود معرفة سرها .إلى أن رأها تطرق على باب منزل ما ، وبعدما تحقق من المنزل عرف أنه منزل شفيق، أبن جارة صبح، تلك السيدة العجوزة المريضة .والتي قبل قليل ،كأنه رأى خديجة زوجته قد دخلت إلى منزلها ، أثناء مراقبته لبيت صبح .ولكن ماذا تفعل صبح هنا ،طرقت الباب طرقات ثلاث ففُتح الباب ودخلت صبح ،فقد كانت تعرف موعد زيارة خديجة لحماتها ،وتعلم أن شفيق وحده الأن بالبيت .فجن جنون خليل ،ماذا تفعل صبح بالداخل ،وما هي إلا دقائق أقل من الخمس ،خرجت صبح من البيت وقد كان يبدو عليها الغضب والحنق .وتلفتت حولها وأكملت طريقها خائفة ،من أن يكون قد لمحها أحدهم وهي تدخل منزل شفيق، وأخذت طريقها الى منزل شقيقها الاكبر. وكان خليل يتبعها خطوة بخطوة ،وما هي إلا دقائق بسيطه ،حتى خرجت من منزل أخيها ،وسمعه يقول لصبح :هيني لاحقك ولا يهمك .
وأكملت طريقها ،إلى ذلك الدكان تريد شراء بعض الحاجيات التي قد تفرح بها سندس .وأكمل خليل طريقه إلى منزل صبح يريد الوصول إلى
هناك قبل صبح، وطرق الباب، وما هي إلا لحظات
حتى سألت سندس : مين ع الباب ؟؟!
: هادا أنا عمو ، خليل ما بتعرفي صوتي .
أجابت وهي تفتح الباب : ولو يا عمو ،أتفضل اتفضل ،عدها أمي جايه ،راحت مشوار صغير .
:طيب عمو ،يلا على السريع ،أدخلي جيبي أغراضك ،عشان أرجعك لبيت جدو ،أمك قالت لي أرجعك هناك لانها راح تبات عند خالك .
أرتبكت الصغيرة صبح من كلام خليل ، واستغربته ولكنها لا تجرؤ حتى على النظر إليه. أمتثلت لكلامه وحمل منها أغراضها بيد ،وأمسك يدها في يده الأخرى. وخرجا من المنزل بعد أن تنبه خليل وكان حريصا على هذا، أن يجعل الباب مواربا، وغير مقفل ،حتى تستطيع صبح الدخول إلى المنزل ، لانه يعلم بمدى طول المسافة والوقت التي ستأخذه صبح حتى تصل منزلها .وما هي الا دقائق بعد خروج خليل وسندس من البيت ،حتى وصلت صبح ،واستغربت الباب الموارب ،ورمت المشتريات من يدها وأسرعت ،إلى غرفتها تنادي على أبنتها وتبحث عنها. ولكنها لم تجدها فجن جنونها ،ووضعت على نفسها الداير والقنعه ،تريد الخروج حتى على أقل تقدير تخبر أخاها بإختفاء سندس. وما أن فتحت باب المنزل حتى تلقت ضربة بجزء من جذع شجرة شج وأسال الدم من جبينها، ووقعت ارضا وبكل وحشية أكمل خليل الأجهاز عليها ،
وهو يسألها: أش رحتي تعملي في بيت شفيق؟ أش اللي متفقه عليه انتي وأخواكي من غير ما أعرف؟ أحكي .
وأستمر يضربها بجذع الشجرة ،ويسألها وقد غرقت تماما بدمها ،وأختفت حركة جسدها ،وهنا دخل أخوها لانه وجد الباب مفتوحا .ورأى ذلك المنظر المخيف ،وأمسك بتلابيب خليل وقال له :شو عملت؟ ليش هيك ؟
وهنا سمع صبح ،كأنها تهمس بصوت غير مسموع : أحكي له يا خوي عن شفيق .
فصرخ أخوها في خليل: لساتها عايشه! بدي اخدها على المستشفى .
:أنو مستشفى ؟ما بتطلع من الدار الا على المزبلة .
: مزبلة شو؟؟!!
:مزبلة الحاره .
:هي شو عملت ؟
:أنت اللي بدك تقول. انت بتعرف أيش وليش خبيتوا عليا ،انا شفت كل شي بعنيا ،محدش قال لي .
:قال لك شو يا مجرم ،انت شو عملت ،صبح متزوج من شفيق عرفي، إلها حوالي أربعة أيام ،وكان ناوي يكتب عليها رسمي بكره،
بس بتروح سندس من عندها ،هيك اتفقت أنا وياه .
فما أن سمع خليل هذا الكلمات ،حتى خارت قواه وتقهقر إلى الوراء ليسند جسده القوي الى الحائط زوفي نفس تلك اللحظة ،شهقت صبح الشهقة الاخيرة من روحها، بعدما أنتفضت بشدة ،فوقع خليل أرضا ،
وصرخ أخوها :أنظلمتي كثير يا ختي ،صبح يا ختي لا تموتي أولادك لسه أصغار .
أنتهت مأساة فتاة
كانت آية في الفتنة والجمال
منقول