الأخلاق بين الطبع والتطبع
د. بدر عبد الحميد هميسه الأخلاق بين الطبع والتطبع
د. بدر عبد الحميد هميسه الأخلاق بين الطبع والتطبع
د. بدر عبد الحميد هميسه
الأخلاق بين الطبع والتطبع
د. بدر عبد الحميد هميسه
تباينت آراء العلماء في موضوع الأخلاق وهل هي طبيعة وسجية في المرء أم مهارة واكتساب ؟ .والحقيقة أن الأخلاق قد يكون منها ما هو طبيعة وسجية في المرء . كقول النبي صلى الله عليه وسلم (لأشج عبدالقيس ( إن فيك لخلقين يحبهما الله : الحلم والأناة ) قال يا رسول الله , أهما خلقان تخلقت بهما , أم جبلني الله عليهما , قال ( بل جبلك الله عليهما ) . فقال : الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما ورسوله {رواه أحمد وأبو داود.
وروي عن حذيفة بن اليمان قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا: إن الأمانة نزلت في جدر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة. في هذا الحديث بيان عن الأمانة في الناس وعما تصير إليه فيهم، فقد أبان الرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة من حقائق التكوين الخلقي الفطري في الناس، وهذه الحقيقة تثبت أن الأصل في الناس أن يكونوا أمناء. وهذا أبو بكر رضي الله عنه لم يشرب الخمر قط، ولما سئل: بم كان يتجنبها في الجاهلية فقال: كنت أصون عرضي وأحفظ مروءتي، فإن من شرب الخمر كان مضيعا في عقله ومروءته.
والأخلاق إذا كانت طبعا كان من الصعب زوالها عن مكانها . قال أحدهم " لزوال جبل عن مكانه أيسر من زوال رجل عن طبعه " . وهناك قصة العربية العجوز التي لا تملك إلا شاة تعتاش على حليبها رأت في يوم من الأيام رضيع ذئب ماتت أمه فحنت عليه واتت به إلى الشاة وبدا يتغذى من حليبها فلما كبر أكل الشاة وترك العجوز لمصير لا يعلمه إلا الله جل في علاه فقالت العجوز تخاطب صغير الذئب الذي كبر :
أكلت شويهتي وفجعت قلبي * * * وأنت لشاتنا ولد ربيب
غزيت بدرها ورضعت منها * * * فمن أنباك أن أباك ذيب
إذا كانت الطباع طباع سوء * * * فلا أدب يفيد ولا أديب
يروى أنه هناك ضفدع يقفز بين أوراق الأشجار الطافية بعد أن أغرق ماء النهر بفيضانه الأرض حوله، فلمح الضفدع عقربًا يقف حائرًا على أحد الصخور، والماء يحيط به من كل جانب، قال العقرب للضفدع: يا صاحبي ألا تعمل معروفًا وتحملني على ظهرك لتعبر بي إلى اليابس فإني لا أجيد العوم، ابتسم الضفدع ساخرًا وقال: كيف أحملك على ظهري أيها العقرب وأنت من طبعك اللسع؟ قال العقرب في جدية: أنا ألسعك؟! كيف وأنت تحملني على ظهرك، فإذا قرصتك مت في حينك وغرقت وغرقت معك؟ تردد الضفدع قليلاً وقال للعقرب: كلامك معقول ولكني أخاف أن تنسى. قال العقرب: كيف أنسى يا صديقي، إن كنت سأنسى المعروف، فهل أنسى أني معرض للموت؟ هل أعرض نفسي للموت بسبب لسعة؟! بدت القناعة على الضفدع بسبب لهجة العقرب الصادقة، فاقترب منه، فقفز العقرب على ظهره وسار الضفدع في النهر يتبادل الحديث الهادئ مع العقرب الساكن على ظهره، وفي وسط النهر تحركت أطراف العقرب في قلق، وتوجس الضفدع شرًا، فقال للعقرب في ريبة: ماذا بك يا صديقي؟ قال العقرب في تردد وقلق: لا أدري يا صديقي، شيء يتحرك في صدري. زاد الضفدع من سرعته عومًا وقفزًا في الماء، وإذا به يستشعر لسعة ق وية في ظهره، فتخور قواه بعد أن سرى سم العقرب في جسده، وبينما يبتلع الماء جسديهما نظر الضفدع إلى العقرب في أسى وهو يبتلع الماء ليغرق، فقال العقرب في حزن شديد قبل أن يبتلعه الماء: اعذرني يا صاحبي فإن الطبع غلاب .
فالإنسان قد يولد بأخلاق معينة قد يرثها من أبويه لكنه مع ذلك يستطيع تغيرها واكتساب أخلاق جديدة غيرها . وهذا مصداق قوله تعالى : : {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} الرعد 11 .
وقال في الحديث القدسي : " عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدونى أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعمونى أطعمكم ، يا عبادى كلكم عار إلا من كسوته فاستكسونى أكسكم ، يا عبادى إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جمعياً فاستغفروني أغفر لكم يا عبادى إنما هي إعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " رواه مسلم .
وفى المسند وسنن النسائي وغيرهما " أن سعداً سمع أبنا له يقول : اللهم إني أسالك الجنة وغرفها ، وكذا وكذا ، وأعوذ بك من النار وأغلالها وسلاسلها فقال سعد رضي الله عنه : لقد سألت الله خيراً كثيراً وتعوذت به من شر كثير ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول سيكون قوم يعتدون في الدعاء وبحسبك أن تقول :" اللهم أنى أسالك من الخير كله ما علمت منه وما لم اعلم وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم اعلم ".
وقد ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم هذه القصة قال: "كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به مائة ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم من يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا نصف الطريق فأتاه ملك الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله تعالى وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة . وفي رواية ( صحيح ) فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر فجعل من أهلها . وفي رواية ( صحيح ) فأوحى الله إلى هذه أن تباعدي وإلى هذه أن تقربي وقال قيسوا بينهما فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر فغفر له . وفي رواية قال قتادة قال الحسن ذكر لنا أنه لما أتاه ملك الموت نأى بصدره نحوها .( رواه البخاري ومسلم وابن ماجه بنحوه ).
فالرجل حاول أن يغير من طباعه وسلوكياته السيئة ولما كان صادقا في ذلك أحسن الله له الخاتمة .
قال الإمام الغزالي رحمه الله: 'لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [حسنوا أخلاقكم] . وكيف ينكر هذا في حق الآدمي وتغيير خلق البهيمة ممكن، إذ ينقل الصقر من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك، والفرس من الجماح إلى سلاسة الانقياد.
فهذا دليل على أن الأخلاق الحميدة الفاضلة تكون طبعاً وتكون تطبعا , ولكن الطبع بلا شك أحسن من التطبع , لأن الخلق الحسن إذا كان طبيعياً صار سجية للإنسان وطبيعة له.
وليس على الإنسان إلا السعي في تغيير ما يراه من خلق سيء وإعلاء الأخلاق الطيبة الحسنة وان يطلب من ربه دائما أن يهديه لأحسن الأخلاق .كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح صلواته بهذا الدعاء : " اللهم اهدني لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيء الأخلاق فإنه لا يصرف سيء الأخلاق إلا أنت" . (صحيح أبي داود ( 738 ) ).
فعلى الإنسان أن يسعى لإبقاء الطبع أو التطبع الحميد ويحاول جاهداً أن يتخلص من الطبع أو التطبع المذموم.
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗