السمع والأبصار والأفئدة - دراسة قرآنية طبية
مقال للدكتور محمد جميل الحبال
السمع والأبصار والأفئدة
(دراسة قرآنية طبية)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد ..
قال تعالى : )وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:78)
وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (المؤمنون:78)
وقال تعالى: (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (السجدة:9)
وقال تعالى: (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (الملك:23)
وقال تعالى (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (الاحقاف:26)
جعل
وأنشأ تعني: صيّر ، والأفئدة جمع فؤادٍ , من فأد أي اتقد . وهي القوى
العقلية والعاطفية كالنطق والتفكر والحفظ والتذكر و الأحاسيس ، ومركزها
الدماغ .
ولقد ذكر القرآن الكريم ترتيب هذه الحواس بصورة مطابقة لمواقعها التشريحية في الدماغ وكذلك من ناحية بدء وظيفتها وعملها :
- فمن الجهة الوظيفية
تبدأ حاسة السمع بالعمل في الجنين منذ الشهر الخامس من حياته (أي قبل
ولادته بنحو أربعةِ أشهر ) . والإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يبدأ بسماع
الأصوات وهو في رحم أمه , فجميع الحيوانات لا تبدأ بسماع الأصوات إلا بعد
ولادتها بفترة !
إما
حاسة البصر فتبدأ بالعمل منذ الشهر الثالث بعد الولادة ، حيث انها تكون
ضعيفة جدا أو معدومة عند الولادة ويصعب على الوليد تمييز الضوء من الظلام
ولا يرى إلا صورا مشوشة وتتحرك عيناه دون أن يتمكن من تركيز بصره على الجسم
المنظور , وفي الشهر السادس من عمره يتمكن من تفريق وجوه الأشخاص الا
الوليد في هذا السن يكون بعيد البصر ثم يستمر بصره في النمو والتطور حتى
ألسنه العاشرة من عمره .
فمن
المعلوم فسلجيا أن المنبهات والمحفزات التي ترد الى أي طريق عصبي حسي
تحفزه على النمو والتطور والنضوج . وبهذه الطريقة يتحفز الجهاز العصبي
السمعي على نضوجه وأداء وظيفته منذ الشهر الخامس الجنيني ولا يحفز الجهار
العصبي البصري الا بعد ولادة الوليد لكونه داخل رحم امه يكون في ظلمات ثلاث
كما جاء ذلك في القران الكريم .
أما
القوى العقلية والعاطفية فتتكون تدريجيا من السنة الثانية من عمر الوليد،
ونرى والله أعلم أن في ترتيب وتتابع كلمات السمع والأبصار والأفئدة في
الآيات الكريمة أعلاه إشارة ضمنية إلى ظهور وظيفة حاسة السمع أولا التي
تسبق في العمل حاسة البصر والتي تسبق بدورها ظهور القوى العقلية في الوليد.
- اما من الجهة التشريحية: فإن مركز السمع يقع في الفص الدماغي الصدغي ومركز البصر خلفه في الفص الدماغي القفوي في مؤخرة الدماغ (انظر الشكل ادناه)
أما
بالنسبة للعين والأذن فنجد أن الآيات القرآنية التي ورد فيها ذكرهما
يتقدم ذكر العين على الأذن دائما كما في قوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا
لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا
يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا
يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ
هُمُ الْغَافِلُونَ) (لأعراف:179) ،وقال تعالى : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ
يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ
يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا
تُنْظِرُونِ) (لأعراف:195) ، وقال تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا
أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ) (المائدة:45)
فإذا
كان السمع يتقدم البصر في الآيات السابقة فإن العين تتقدم الاذن في هذه
الآيات. فلو كان التقديم للتشريف فقط لتقدمت الأذن على العين كما تقدم
السمع على البصر لأن الأذن أداة السمع والعين أداة البصر فلقد وجد العلماء
أن مراكز السمع داخل المخ البشري يتم فيه إدراك المسموعات وعقلنتها ومراكز
البصر الدماغية كذلك يتم فيها إدراك المبصرات وعلقنتها وأداة مركز السمع
الأذن التي تجلب اليها الأصوات واداة مركز البصر العين التي تجلب اليها
الصور.
صورة تشريحيه للعين(اداة البصر الخارجي) صورة تشريحيه للاذن (اداة السمع الخارجي)
ومع أن العين في الوجه تتقدم الأذن في رأس الإنسان فإن مركز السمع يتقدم مركز الأبصار في دماغه تشريحيا
وهنا
تظهر المعجزة العلمية الباهرة فالترتيب المكاني للسمع والبصر في الآيات
يأتي وفقا للترتيب المكاني التشريحي لمراكز السمع والبصر في دماغ الإنسان،
وكذلك الحال بالنسبة للعين والأذن تشريحيا فالعين تقع في مقدمة الوجه امام
الأذن, كما هو ملخص في الجدول أدناه .
وجه المطابقة |
الحقيقة العلمية |
الظاهرة القرآنية |
المطابقة متحققة |
العملية الحسية للسمع والبصر تتكون من أعضاء للاستقبال ( العين والأذن ) مركز السمع في الفص الصدغي ’ ومركز الأبصار في الفص المؤخر . |
القران يفصل بين أداة الحس ( العين والإذن ) وقوة الإدراك ( السمع والبصر). |
المطابقة متحققة |
ما العين والأذن إلا أدوات لنقل الإشارات الحسية والسمعية والبصرية إلى حيث يتم إدراكها وفهمها داخل مراكز السمع والبصر في المخ. |
العين والأذن تشير إلى الأعضاء الحسية , إما سمع وبصر فإنهما يشيران إلى معان حول العقل والفهم والتدبر أو الإدراك العاقل . |
المطابقة متحققة |
العين تقع أمام الأذن في صنع الله في رأس الإنسان . | العين تتقدم على الأذن في كلام الله.
|
المطابقة متحققة |
مركز السمع يتقدم على مركز البصر داخل المخ البشري . |
السمع يتقدم على البصر في كلام الله غالبا |
أما
بالنسبة للأفئدة تشريحيا فنجد أن ذكرها يأتي في مكان ثابت بعد السمع
والبصر في كل أيات القرآن ومعظمها وبصيغة الجمع والفؤاد لغة من فأد أي توقد
ويأتي في معاني العواطف والغرائز والأحاسيس كقوله تعالى: (رَبَّنَا إِنِّي
أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ
الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (ابراهيم:37) وقوله تعالى: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (القصص:10)
مما
يجعل الفؤاد مرتبطا بالسمع والبصر إرتباطا عضويا وله علاقة بالأحاسيس
والعواطف. ولكن هل يمكن تحديد الفؤاد مكانه بأنه في عمق (داخل) المخ من
خلال هذه الآيات؟. الجواب نعم , وذلك لوجود الفؤاد في مكان ثابت بعد البصر
وليس بعد مركز الأبصار من الخلف وهذا يحتم الإتجاه الى عمق المخ حيث اكتشف
العلماء مركز الأحاسيس والعواطف هناك في جهاز يسمى الجهاز العاطفي (Limbic
System) .
مقدمة الفص الأمامي في الدماغ( الناصية):
ماهي المنطقة الدماغية البشرية العليا التي تجعل الإنسان اهلا للتكريم والتكليف واتخاذ القرار والقدرة على الإختيار ؟.
هنا
في مخ الإنسان مكان تحقق فيه هذه القيمة البشرية العليا وهو أهم منقطة فيه
مقدم الفص الجبهي في مخ الإنسان (الناصية) Pre-frontal lobe (انظر الى
الشكل أدناه)
وقد
اكتشف العلماء أن له علاقة بالإختيار واتخاذ القرار, لكونه مركز
القابليات الذهنية العليا والذكاء العميق والمنطق ووحده الإنسان يمتلك هذا
الجهاز وقد فضله الله على كافة المخلوقات لإمتلاكه هذه الخاصية قال تعالى :
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى
كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الاسراء:70)
وفي القرآن الكريم إشارة إلى مكان ووظيفة مقدمة الفص الأمامي (الجبهي) او الناصية قوله تعالى:
- (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ
رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا
إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (هود:56)
- (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى،عَبْداً
إِذَا صَلَّى،أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى،أَوْ أَمَرَ
بِالتَّقْوَى ،أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ
اللَّهَ يَرَى ،كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ) (العلق:9-16) والناصية في اللغة والتفسير هي مقدم الرأس عند منبت الشعر او منطقة الجبهة.
والآية الأولى (سورة هود) تقرر أن الناصية هي مكان السيطرة العليا والقيادة للإنسان.
والآيـة التالية (سورة العلق) تبين أن الناصيـة هي منطقة الاختيار واتخاذ
القرار فناصية الكافر كاذبة خاطئة ومن مفهوم المخالفة فان ناصية المؤمن
صادقة مصيبة!
مراكز السمع والفهم والأبصار الدماغية:
قال تعالى : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (البقرة:18)
وقال تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (البقرة:171)
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ
مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ) (الأنعام:39) (الأبكم: من لا يفقه الكلام المسموع)
فمن
الناحية التشريحية :عندما يكون الرأس مستويا تتوزع من الأمام إلى الخلف
المراكز العصبية الدماغية التي تتحكم في سماع الأصوات وفهمها ورؤية
الأشياء؛ فمركز سماع الأصوات يوجد في الفص الدماغي الصدغي وتَعطُّله أو
تلفه يعطي الصمم، ومركز فهم الأصوات يوجد خلفه في الفص الدماغي ألجداري
(منطقة فرنيكا) وتعطُّله أو تلفه يعني البكم (عدم فهم الكلام المحكي)
والمراكز الدماغية البصرية موجودة وراء الفص الدماغي القحفي وتعطُّله أو
تلفه يعطي عمى البصيرة. هذا ما كشفه علم تشريح وظائف أعضاء الدماغ في القرن
العشرين وما تضمنته بصورة خفية الآيات الكريمة أعلاه التي تقدمت فيها كلمة
"صم" على كلمة "بكم" وكلمة "بكم" على كلمة "عمى" فمركز فهم الكلام المسموع
يتوسط دائما مركز رؤية الأشياء الذي يحده من الخلف ومركز سماع الأصوات
الذي يحده من الأمام عندما يكون رأس الإنسان في الوضع الطبيعي.(انظر الشكل
المخطط ادناه)
ولأن
الموصوفين ب(صم بكم عمي) هم الكفار الذين يتمتعون بسمع جيد وبصر حاد ولسان
مبين فإن كلمة(صم) هنا تعني تعطيل عقلنة السمع وكلمة (عمي) تعني تعطيل
عقلنة البصر فتكون كلمة (بكم) آفة عقلية خاصة بعقلنة البيان والفهم ومما
يؤيد هذا التفسير قوله تعالى
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (النحل:76)
إذن
فكأن كلمة (أبكم) تشير الى منطقة البيان بين مركز السمع ومركز البصر في
الدماغ (منطقة فرنيكا) وفي حالة تعطيلها تؤدي الى عدم الفهم للكلام .
وفي
يوم القيامة يحشَر الله سبحانه وتعالى الكافرين على وجوههم ناكسي رؤوسهم
أعاذنا الله من ذلك قال تعالى : (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ
نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا
فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) (السجدة:12)، فهم في
وضع الرأس المنكوس وعلى وجوههم فيكون بذلك الدماغ تشريحيا مؤخرته الفص
القفوي الذي فيه المركز البصري في المقدمة أما مراكز الدماغ الأخرى فتصبح
وراءه وهي بالترتيب مركز البيان والفهم (بكم) ومركز السمع (صم) ، فيصبح
مركز البصر في المقدمة ومركز السمع في المؤخرة ومركز الفهم والبيان بينهما
في الوسط في كلتا الحالتين، كما في قوله تعالى : (...وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً) (الإسراء:97)
وهذه
إشارة في منتهى الدقة والصواب مما يحقق الخارطة التشريحية الدماغية
للإنسان حتى يوم القيامة في ذلك الموقف الصعب المهين للكافرين امام رب
العالمين نسأله تعالى العفو والعافية وان يجنبنا هذا الموقف المخزي ويجعلنا
من اصحاب الجنة الذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون.
السمع والأبصار:
قال تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ
وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ
الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا
تَتَّقُونَ) (يونس:31)
قال تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:78)
وقال تعالى: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً
وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا
أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ
وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (الاحقاف:26)
وقال تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ
وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ
انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) (الأنعام:46)
وقال تعالى: (وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) (فصلت:22)
وقال تعالى : (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة:7)
وقال
تعالى: (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ
لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ
اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:20)
وقال تعالى : (أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (النحل:108)
وقال تعالى: (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (فصلت:20)
وفي دراسة الآيات الكريمة اعلاه نجد أنه :
- ما اجتمعت كلمتا السمع والأبصار في
القرآن الكريم إلا وتقدمت كلمة السمع على كلمة الأبصار ، لأن حاسة السمع
أهم بالنسبة إلى الإنسان من حاسة البصر في تنمية القدرات العقلية،ولأن
حاسة السمع تظهر في الجنين وتبدأ بالعمل قبل حاسة البصر،حيث تبدأ خلايا
السمع الأولية بالظهور في الجنين منذ الأسبوع الثالث من حياته، وبالعمل في
الشهر الخامس (قبل ولادته بأربعة أشهر) أم خلايا حاسة البصر فتبدأ بالظهور
منذ الأسبوع الرابع من حياة الجنين وتبدأ بالعمل منذ الشهر الثالث بعد
الولادة.
- ومن الناحية التشريحية فإن مركز
السمع يتموضع في الفص الصدغي الدماغي قبل مراكز البصر الدماغية التي تتموضع
في مؤخرة الدماغ في الفص القفوي.
- نلاحظ ان القرآن الكريم في الآيات
أعلاه وغيرها يفرد حاسة السمع ويجمع حاسة البصر (الأبصار) والخلفية الطبية
لذلك ان حاسة السمع تعمل كمنظومة واحدة في الإنسان حيث ان المركز السمعي
الدماغي في الفص الصدغي يغذي في كل جهة يغذي كلتا الأذنين بمعنى أن كل أذن
تستلم وتورد الإيعازات السمعية الى كلتا الجهتين فإذا تعطلت المركز السمعي
في احد الجهتين فإن الجهة الاخرى تغذي الأذن التي حصل فيها العطب مركزيا.
أما
بالنسبة للمراكز البصرية فهي متعددة وتبلغ أكثر من أربعين مساحة بصرية
دماغية في مؤخرة المخ (الفص القفوي) وتعمل كل منها بصورة مستقلة لتؤدي
وظيفة معينة في حاسة البصر وتتغذى بألياف اعصاب بصرية مستقلة تنتشر في عمق
الدماغ من مقلة العين في الأمام الى مؤخرة الدماغ مرورا بالفصين الصدغي
والجداري كما يتمثل كل نصفٍ من نصفي العين الواحدة على جهة الدماغ المعاكسة
لها. فإذا ما اصيب الدماغ بمرض في احد نصفيه فإن المصاب يفقد البصر في
نصفي عينيه المعاكستين لجهة الاصابة .
(أنظر الشكل أدناه)
المنظومة البصرية للإنسان
فضلا
عن أن الشخص الذي يتحدث مع شخص آخر ويحصل هناك كلام جانبي فإنه لايسمعه
ولايستوعبه بينما الناظر الى شيء معين ضمن ساحته البصرية فإنه يستطيع أن
يرى عدة أشياء او مناظر ثابتة او متحركة في نفس الوقت.
من اجل ذلك فقد افرد القرآن الكريم حاسة السمع (السمع او سمعا) وجمع حاسة البصر ( الأبصار أو أبصارا) والله اعلم بمراده.
الصمم والعمى الخارجي والصمم والعمى الداخلي (الدماغي)
في
آ يات كثيرة من القران الكريم يتعدد الخطاب ويتنوع الاسلوب القراني في
بيان نعمتي السمع والبصر . فبوجود هاتين الحاستين وسلامتهما يكون الانسان
مدركا وعاقلا , ومميزا بين الخير والشر والحق والباطل , ومأمورا بالبحث
والنظر في الكون بتأمل وتدبر .
فمن
وراء السمع الظاهر والابصار الظاهر هناك سمع اخر وابصار اخر يسمع به
المؤمنون ويبصر به الموقنون ومن عداهم من الكافرين والمنافقين لا يسمعون
ولا يبصرون ! فقد عطلوا ما وهبهم الله من ادوات الفهم والادراك والتدبر .
فنعى عليهم ذلك بقوله سبحانه تعالى :
(وَلَقَدْ
ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ
لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ
آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ
أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (لأعراف:179)
وقوله
تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ
الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ
إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ)
(يونس:-4243)
وقوله
تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ
عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً
أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا
أَهْوَاءَهُمْ) (محمد:16)
تتألف
آلة السمع من الأُذنينِ وعصبي السمع والمراكز الدماغية حيث تتحول الموجات
الصوتية إلى مدلولات عقلية ، إن كل إصابة في الأُذنين وعصبي السمع تعطي ما
يسمى بالصم الخارجي وكل إصابة في المراكز الدماغية المتخصصة في تسجيل الصوت
وعقلنته أي فهمه وإدراكه تعطي ما يسمى بالصمم الدماغي، ولم يفرق علم وظائف
الأعضاء بين الصمم الخارجي والدماغي إلا في القرن العشرين، أما القرآن
الكريم فقد فرّق تفريقاً واضحا بين الصمم الخارجي (صمم الأذن) والصمم
الدماغي كما في قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ –أي المصابون بالصمم الدماغي- وَلَوْ كَانُوا
لا يَعْقِلُونَ) (يونس:42) ، وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ
يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ
أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ –أي على مراكز
السمع الدماغي- فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) (لأعراف:100) .
عمى البصر وعمى البصيرة:
تتألف
آله النظر من العينين وعصبي النظر والمراكز الدماغية الموجودة في مؤخرة
الدماغ حيث تتحول الموجات الضوئية إلى صور مرئية، ولم تُكشف المراكز
الدماغية المتخصصة بالبصر إلا في القرن العشرين، وتعطلها أو تلفها ينتج عنه
ما يسمى بالعمى الدماغي أم عمى البصيرة وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى:
ومنهم من ينظر إليك (ما يعني بأن العينين وعصبي النظر سليمان) أفأنت تهدي
العمي ولو كانوا (ما يعني بأن مراكز البصيرة والدماغية معطلة) ويشرح ذلك
قوله تعالى: (... وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ
لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ
أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (لأعراف:179)
والحمد لله رب العالمين
الدكتور محمد جميل الحبال/ طبيب استشاري في الطب الباطني/ وباحث في الإعجاز الطبي في القرآن والسنة
E-mail:alhabbal45@yahoo.com
مستشفى الملك فهد التخصصي-الدمام-المملكة العربية السعوديه
1 رمضان المبارك- 1429هـ
الموافق: 1 ا يلول سبتمبر- 2008م
المصدر : موقع الدكتور محمد جميل الحبال/