معاني حروف الجر في القرآن الكريم معاني حروف الجر في القرآن الكريم معاني حروف الجر في القرآن الكريم معاني حروف الجر في القرآن الكريم معاني حروف الجر في القرآن الكريم
معاني حروف الجر في القرآن الكريم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .......... وبعد
فهذا بحث في معاني حروف الجر في القرآن الكريم ، وهو متضمن لمعاني حروف الجر في القرآن الكريم الذي يخرج الحرف من دلالته الأصلية إلى دلالته المجازية .
واختص هذا البحث في بعض آيات القرآن الكريم التي تحتوى على معاني مختلفة عن معناها الأصلي لزيادة الشواهد القرآنية و توضيح العلاقة بين القرآن الكريم و اللغة العربية و بيان مفهوم التناوب لحروف الجر .
وقد جعلت هذا البحث في بابين :
الباب الأول : حروف الجر و معانيها
الباب الثاني : حروف الجر بين القاعدة و الاستعمال
الباب الأول: حروف الجر و معانيها
وفيه تقسيمات:
أولا : التعريف ، التسميات ، الوظائف الدلالية و النحوية
ثانيا : أقسام الجار و المجرور
ثالثا : معاني حروف الجر
أولا : التعريف ، التسميات ، الوظائف الدلالية و النحوية
- التعريف
الجر : لغة : هو الجذب و الشد و الاقتياد ، و هي مأخوذة من المادة اللغوية ( جَرَرَ ) [1].
اصطلاحا : نقل أو وصل ما قبل الجار إلى ما بعده ، من فعل أو شبهه ، و بحرف الجر تصل الاسم بالاسم و الفعل بالاسم ، و لا يدخل حرف الجر إلا على الأسماء [2] .
- التسميات :
أطلق النحويون على الجر مسميات متعددة منها ( حرف الخفض ، حرف الجر ، حرف الإضافة ) ، و منهم من رأى أنها أسماء لا غير .
و سماها سيبويه بحروف الجر فقال : هذا باب الجر، و لكنه في غمرة الشرح نراه يطلق عليها حروف الإضافة [3] ، أما ابن السراج فقد سماها حروف الجر[4] ، و أما الزجاجي فقد أطلق عليها مصطلح حروف الخفض [5] ، و سماها الخليل مرة بحروف الخفض و مرة أخرى بحروف الجر[6] .
ومن هنا نرى أن المصطلحات الثلاثة تدور في كتب العلماء النحويين بمصطلح رديف للمصطلح السابق .
و هناك مصطلح آخر يلازم الجر و هو مصطلح الصفات أو حروف الصفات و ذلك لأنها تحدث صفة في الاسم [7] ، و هو مصطلح غير شائع بالمقارنة مع شيوع المصطلحات الثلاثة ، و يعد مصطلح حرف الجر من أشهر هذه المصطلحات و أشيعها على ألسنتنا ، و قد سميت حروف الجر بأدوات المعاني فمن خلالها نكشف معاني دقيقة في السياق النصي ، و أطلق عليها بعض المحدثين اسم المورفيمات ، لأنها أصغر وحدة لغوية ذات معنى و لا يمكن تقسيمه إلى وحدات لغوية مقارنة بحرف الجر الذي يؤدي وظيفة لغوية و لا يمكن تقسيمه إلى وحدات لغوية متعددة .
وقد اختلف النحاة في عددها ، لكن بعضهم أدخل بعض الحروف و بعضهم لم يدخلها ، فقد زاد بعض النحاة من أمثال سيبويه حرف ( لولا ) و عدها من حروف الجر لكنه ذكر أنها لا تجر إلا الضمير كما في قولنا : لولاك ، لولا : حرف جر و الكاف ضمير متصل مبني في محل جر اسم مجرور ، و قد ذكر ابن مالك في ألفيته [8] عن حروف الجر ، حيث قال :
هاك حروف الجر ، و هي من إلى حتى ، خلا ، حاشا ، عدا ، في ، عن ، على
مذ ، منذ ، رب ، اللام ، كي ، واو ، وتا و الكاف ، و الباء و لعل ، و متى
- وظائف حروف الجر :
حروف الجر هي أدوات تستخدم لربط أجزاء الكلام حتى تتضح تفاصيل المعنى لذلك لها قيمة دلالية سياقية نصية تظهر من خلال توظيفها في النصوص فهي تحدد الدلالات السياقية بدقة و تبين معناها و مغزاها في الحديث ، و لحروف الجر وظيفتان دلالية و نحوية .
- الوظائف الدلالية
1. إحداث الترابط و التماسك بين عناصر الجملة ، فلا يمكن الاستغناء عنها ، لأنه لو حذفنا حرف الجر يتغير المعنى العام للجملة .
يضفي على السياق معاني متناهية في التمايز .
الربط بين أجزاء الكلمة كي تتضح تفاصيل المعنى و مقاصده ، و ليس لها دلالات .
- الوظائف النحوية :
يؤدي حرف الجر معنى نحويا في الجملة من حيث أن جميع حروف الجر هي حروف مبينة بناء ظاهرا أو مقدرا ، على النحو التالي :
أولا : الحروف المبنية بناءً ظاهرًا ، و تتعدد حروف الجر التي تبنى بناءً ظاهرًا وتتعدد حركاتها الظاهرة كالآتي :
1- حروف مبنية علي السكون الظاهر ، وهي : [ مِنْ – عَنْ – مُذْ – كيْ ]
ملحوظة : " مذ " تأتي في الأكثر اسمًا وظرفًا
2- حروف مبنية علي الفتح ، وهي : [ رُبَّ - واو القسم – تاء القسم – كاف التشبيه ] ، و تبنى ( لام الجر ) على ( الفتح ) في الحالات الآتية :
- عند جره ضميراً – غير ياء المتكلم
- في أسلوب الاستغاثة
- في أسلوب النداء التعجبي
3- حرفان مبنيان علي الكسر ، وهما : [ اللام - الباء ]
4- حرف يبنى على الضم الظاهر, وهو " منذ ُ " ، و تأتي في الأكثر كاسم وظرف .
5- تبنى ( مِنْ ) إذا سبقت كلمة تبدأ بساكن علي( الفتح العارض ) .
6- يبنى الحرفان [ عنْ – مُذْ ] إذا سبقا كلمة تبدأ بساكن علي (الكسر العارض ) .
7- يبنى الحرفان ( إلى – على ) إذا جرا " ضميراً " على الفتح الظاهر لانقلاب ألفهما " ياءً " .
ثانيا : الحروف المبنية بناءً مقدرًا ، و تتعدد الحروف التي تبنى بناءً مقدرًا وتتعدد أسباب التقدير كالتالي :
1 - حروف مبنية على السكون المقدر للتعذر والثقل ، وهي : ( إلي – علي – خلا – عدا – حاشا / حتى – في ـ متى )
2- مبني على السكون المقدر للتعذر لا محل له من الإعراب .
( ملاحظتان ) :
- إذا سبقت حروف الجر السابقة كلمة تبدأ بساكن حُذف حرف المد الأخير وتكون حركة البناء مقدرةً عليه .
- تأتي " متى " كاسم استفهام واسم شرط وظرف , وجر في القليل .
ثانيا : أقسام الجار والمجرور :
يقسم الجار و المجرور من حيث [9] :
1- الاختصاص ، ثلاثة أقسام هي :
- ما يختص بالاسم الظاهر و المضمر : ( ربّ ، مذ ، منذ ، حتى ، الكاف ، واو القسم ، تاء القسم ، كي ) .
- ما يختص بالضمير : ( لولا ) .
- ما هو مشترك : ( من ، إلى ، عن ، على ، في ، اللام ، الباء ، عدا ، خلا ، حاشا ) .
2- الأصالة و الزيادة ، ثلاثة أقسام هي :
- حرف جر أصلي : و هي الحروف التي تؤدي معنى جديدا في الجملة و تصل بين عاملها و الاسم المجرور ، و تتمثل في ما يلي : ( من ، إلى ، عن ، على ، حتى ، مذ ، منذ ، كي ، اللام ، الواو ، التاء ، الكاف )
- حرف جر زائد : و هي الحروف التي لا متعلق لها و دخولها كخروجها و تعمل على تقوية المعنى في الجملة ، و يكون إعراب الاسم بعدها مجرورا لفظا مرفوعا أو منصوبا محلا ، و تتمثل في ما يلي : ( من ، الباء ، اللام ، الكاف ) .
ثالثا : معاني حروف الجر
لقد أشرنا في مستهل هذا البحث على أنواع حروف الجر وفق أهميتها في السياقات اللغوية ، و تكلمنا عن عددها و اختلاف العلماء في تسميتها ، و سنتحدث هنا عن المعاني الرئيسة التي يؤديها هذا الحرف في سلوكه اللغوي السياقي ، و هذه المعاني تكمن في سياقها الدلالي اللغوي تظهر بمعاني متعددة و هي على النحو التالي :
مِنْ حرف جر يكون زائدا و غير زائد ، إذا كانت زائدة لابد من توفر شرطين فيها [10] :
الأول : أن يكون مجرور بها نكرة
الثاني : أن يسبقها نفي أو استفهام أو نهي
وغير الزائد له أربعة عشر معنى : ابتداء الغاية الغاية المكانية و الزمانية ، التبعيض ، بيان الجنس ، التعليل ، البدل ، المجاوزة بمعنى ( عن ) ، الانتهاء ، الغاية ، الاستعلاء ، الفصل ، بمعنى الباء ، بمعنى في ، بمعنى القسم ، موافقة ( رُب ) .
إلى : حرف جر له ثمانية معان [11] : انتهاء الغاية في المكان و الزمان و هو أصل معانيها ، بمعنى ( مع ) ، التبيين ، بمعنى ( اللام ) ، بمعنى ( في ) ، بمعنى ( من ) ، بمعنى ( عند ) ، بمعنى ( من ) ، و قد تكون زائدة [12].
عن : لفظ مشترك يكون اسما و حرفا ، و تكون اسما إذا دخل عليها حرف الجر ، و حرف الجر عن له معاني متعددة [13] : المجاوزة ، البدل ، الاستعلاء ، الاستغاثة ، التعليل ، بمعنى ( بعد ) ، بمعنى ( في )
على: حرف جر له ثمانية معان [14] : الاستعلاء ، المصاحبة ، المجاوزة ، التعليل ، الظرفية ، بمعنى ( من ) ، بمعنى ( الباء ) ، و قد تكون زائدة للتعويض .
في : حرف جر له تسعة معان [15] : الظرفية ، المصاحبة ، التعليل ، المقايسة ، بمعنى ( على ) ، بمعنى ( الباء ) ، بمعنى( إلى ) ، و قد تكون زائدة .
الكاف: حرف يكون عاملا غير عامل ، العامل هو حرف الجر و غير العامل هو كاف الخطاب ، و يكون حرف الجر زائد و غير زائد ، فغير الزائد لها معنيان : التشبيه ، التعليل .
الباء: حرف مختص بالاسم ، ملازم لعمل الجر ، و هي ضربان : زائدة و غير زائدة ، فأما غير الزائدة فقد ذكر النحويون لها ثلاثة عشر معنى [16]: الإلصاق ، التعدية ، الاستعانة ، التعليل ، المصاحبة ، الظرفية ، البدل ، المجاوزة ، الاستعلاء ، التبعيض ، القسم ، بمعنى ( من ) ، بمعنى ( إلى ) .
اللام : حرف كثير المعاني و الأقسام ، و حرف الجراللام له معان كثيرة [17]: الاختصاص ، الاستحقاق ، الملك ، التعليل ، النسب ، التبيين ، القسم ، التعدية ، الصيرورة ، التعجب ، التبليغ ، بمعنى ( إلى ) ، بمعنى ( في ) ، بمعنى ( عن ) ، بمعنى ( على ) ، بمعنى ( عند ) ، بمعنى ( مع ) ، بمعنى ( بعد ) .
رُبّ :حرف جر عند البصريين [18] ، و دليل حرفيتها : مساواتها الحروف في الدلالة على معنى غير مفهوم جنسه بلفظها ، و مما يدل على حرفيتها أنها مبنية ، و اختلف النحويون في معنى ( رب ) و لكنهم أجمعوا على أنها تفيد التقليل و التكثير .
الواو :حرف يكون عاملا و غير عامل ، فالعامل يكون قسمان [19]: جار و ناصب ، الجار هو واو القسم ، ولا يجوز ذكر فعل القسم معها ، نحو : قوله تعالى : " و التين و الزيتون " [ التين :1 ]
التاء : حرف يكون عاملا و غير عامل ، و أقسامه ثلاثة : تاء القسم ، و تاء التأنيث ، و تاء الخطاب ، و ما سوى ذلك ليس من حروف المعاني كتاء المضارعة ، أما حرف الجر فيها هي تاء القسم و لا تدخل إلا على اسم الله ، نحو : " تاللهِ تـفتـؤ تذكر يوسف " [ يوسف :12]
حتى :حرف له عند البصريين ثلاثة أقسام : حرف جر ، حرف عطف ، حرف ابتداء ، و زاد عليه الكوفيون قسما رابعا و هو أن يكون حرف نصب ينصب المضارع ، و تكون حرف جر يفيد انتهاء الغاية و هذا مذهب البصريين أنها جارة بنفسها .
مذ و منذ :ألفاظ مشتركة تكون حرف جر و تكون اسما ، و المشهور أنهما حرفان إذا انجر ما بعدهما و اسمان إذا ارتفع ما بعدهما ، و الصحيح أن ( مذ و منذ ) حرفا جر لا يجران إلا الزمان .
كي : وتكون حرف جر في موضعين هما [20]:
الأول : إذا دخلت على ما الاستفهامية ، نحو : كيْمَهْ ؟ أي لِمَهْ؟ ف ( ما ) الاستفهامية مجرورة بـ ( كي ) وحذفت ألفها لدخول جر الجر عليها، والهاء للسكت .
ثانيا : إذا وقعت قبل الفعل المضارع
خلا و عدا و حاشا : ألفاظ مشتركة تكون حرفا من حروف الجر و فعلا متعديا ، و هي في الحالتين من أدوت الاستثناء ، فإذا كانت حرفا جرت الاسم المستثنى بها ، و إذا كانت فعلا نصب الاسم المستثنى ، و كلا الوجهين – أغنى الجر و النصب – و تتعين فعليتها بعد ( ما ) المصدرية و ذلك لأن ( ما ) المصدرية لا توصل بحرف الجر ، و إنما توصل الفعل [21].
لعل :حرف له قسمان :
الأول : أن يكون من أخوات إنّ التي تنصب الاسم و ترفع الخبر ، و هذا مذهب الكثير من النحويين .
الثاني : أن يكون حرف جر في لغة عقيل .
متى :المشهور فيها أنها اسم من الظروف ، تكون شرطا و استفهاما ، و قد تكون حرف جر بمعنى ( من ) في لغة هذيل [22].
لولا : حرف له قسمان :
الأول : أن يكون حرف امتناع لوجوب .
الثاني : أن يكون حرف جر و الضمير مجرور بها ، كقولك : لولاك ، لولا حرف جر و الكاف ضمير متصل مبني في محل اسم مجرور ، و هذا ما ذهب إليه سيبويه [23].
الباب الثاني
حروف الجر بين القاعدة و الاستعمال
و فيه تقسيمات
أولا : مفهوم التناوب في القرآن الكريم
ثانيا : موقف النحاة من تناوب حروف الجر
ثالثا : أوجه التناوب في القرآن الكريم
أولا :
مفهوم التناوب في القرآن الكريم
قبل تحديد ما يشير إليه التناوب من معنى فمن المفيد الإشارة إلى تقسيم الأفعال العربية من حيث اللزوم والتعدي نظرًا لأن التناوب من ضمن هذا المبحث .
المعروف أن الأفعال العربية من حيث لزومها وتعديتها تنقسم إلى قسمين: الفعل اللازم والفعل المتعدي. الفعل اللازم هو " ما يليه فاعل مرفوع فقط، إما على أنه قائم به مثل : حسن زيد – قبح عمرو، وإما على أنه واقع منه مثل :قعد زيد – جلس عمرو " [24]
أو بعبارة أخرى أن الفعل اللازم هو الذي يكتفي بما يليه من الفاعل دون حاجة إلى المفعول به وقد يسمى بالفعل القاصر لاقتصاره على فاعله وعدم تجاوزه إياه للوصول إلى الاسم بعده.
أما الفعل المتعدى فهو " ما يليه فاعل مرفوع ، ومفعول به منصوب أو جار ومجرور " [25]
أو بعبارة أخرى هو الفعل الذي لا يكتفي بمرفوعه ( فاعله ) فقط بل يتعداه ليصل إلى ما بعده من اسم منصوب أو جار ومجرور، وقد يسمى بالفعل المجاوز لتجاوزه فاعله إلى الاسم ما بعده .
ينقسم الفعل المتعدى على هذه المفهوم إلى قسمين : قسم يلي الفاعل المرفوع بعده مفعول به منصوب. مثل : " كتب زيدٌ رسالةً، ظننت زيدًا سافرًا "، وقد يسمى قسم يتعدى بنفسه أو مباشرة . وقسم يلي الفاعل المرفوع بعده جار مجرور، مثل : " مر زيد بالدار، رجع زيد إلى بيته " ، وقد يسمى قسم يتعدى بواسطة حروف الجر، وهو ما يعرف عند النحاة بالفعل المتعدى بحروف الجر ، وهذا الأخير هو الذي سيدور الحديث حوله .
اختلف النحاة في شأن الفعل المتعدى بحرف الجر فبعضهم جعله قسمًا ثانيًا للأفعال المتعدية كما تقدم ذكره، وبعضهم ضمه إلى الأفعال اللازمة. وقد ذهب د. شوقي ضيف إلى أن الرأي الأول هو الأرجح وقال: "لأن الفعل مع الجار والمجرور يقع على المجرور كما يقع على المفعول به، فإذا قلت مثلا : " لفظ زيد بالكلام – لفظ زيد الكلام , كان اللفظ – أي النطق- في الجملتين واقعا على الكلام . فمن التحكم أن نسمى الفعل في الجملة الأول لازمًا وفي الثانية متعديًا، والفعلان متساويان في المعنى ، وهو ما جعلني أضم الفعل مع الجار والمجرور إلى الفعل المتعدى ويؤكد ذلك أنه يجوز العطف على الجار والمجرور مع الفعل بالنصب مثل: مررت بزيد وعمرًا, ورغبت فيه و جعفرًا . [26]
وقد ذهب إلى ما يخالف هذا الرأي بعضهم الآخر منهم أحمد عبد الستار الجواري حيث يرى أن الفعل المتعدي بحرف الجر قسم من أقسام الأفعال اللازمة لأنه يتسم بضعف معنى الحدث والزمن فيقل تصرفه في الأزمنة المختلفة وبذلك يضعف تمكنه من الفعلية والحدوث، فلا يتعدى إلا بواسطة . [27]
ويؤكد هذا الرأي د. إبراهيم السامرائي حيث يرى " أن الفعل أصله قاصر لازم ثم يصار من هذا الحالة إلى المتعدى ". [28]
على الرغم من أن بين الرأيين شيئا من التناقض إلا أنهما يشتركان في أن الفعل المتعدى بحرف الجر كان أصله لازمًا ثم يتجاوز فاعله ويتعدى إلى المفعول به بواسطة حرف الجر. فالدكتور شوقي ضيف ضمه مع الأفعال المتعدية لأنه جاء بمثال يجوز فيه تعدية الفعل اللازم بنفسه و بحرف على السواء ، بالإضافة إلى أنه سمى الفعل عند تعديته بالحرف لازماً مما يؤكد أن الأصل فيه هو اللزوم . فلذلك يمكن تحديد ما يقصد بالفعل المتعدى بحرف الجر بالقول إنه فعل لازم يتعدى فاعله إلى مفعول به بواسطة حرف من حروف الجر لأنه لا يتمكن من إيصال معناه إلى الاسم بعد فاعله بنفسه .
وتناوب حروف الجر كما سبق ذكره من موضوعات تعدية الأفعال اللازمة بحروف الجر . ويشير التناوب إلى نيابة حرف جر عن آخر أو بدل حرف جر من آخر أو استعمال الحروف بعضها مكان بعض. ومن ذلك – على سبيل المثال - نيابة حرف " اللام " عن حرف " إلى " في قوله تعالي : ( والشمس تجرى لمستقر لها ) [يس : 38] وقوله : ( وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ) . [ الرعد : 2]
وقولك : ( الحمد لله الذي هدانا لهذا ) . فحرف اللام المتعدى به الأفعال هنا لا تأتي في مكانها كما لا تؤدى معناها الحقيقي وإنما تنوب عن حرف " إلى " وتؤدي معناها فتعني تلك التعدية : " تجري إلى مستقر لها "، و" يجري إلى أجل مسمى "، و " هدانا إلى هذا " .
ولم يكن هنالك مصطلح محدد يمكن الاعتماد عليه في الإشارة إلى هذه الظاهرة النحوية في اللغة العربية ، فمن العلماء من يسمونها بالتناوب ومنهم من يسمونها بالتعاقب والإنابة .[29]
إلا أن الباحث يميل إلى تسميتها بالتناوب إذ إن من هذه الظاهرة نوعا من التفاعل بين الحروف كما يتضح من قوله تعالى : ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ) [ الشورى : 25] وقوله : ( فتحسسوا من يوسف ) . [ يوسف : 87]
إن حرف " عن " في الآية الأولي تنوب عن حرف " من " ( أي يقبل التوبة من عباده ) في حين تنوب حرف "من" في الآية الأخيرة عن حرف " عن " ( أي فتحسسوا عن يوسف ) ليتضح من ذلك تناوب بين حرفي " من " و" عن " إحداهما عن الأخرى .
ثانيا :
موقف النحاة من تناوب حروف الجر
يعد التناوب من موضوعات الاختلاف بين النحاة إذ إنه أثار جدلا لانهائيا بينهم فيما إذا كان قياسيا أم سماعيا. وقد تخلص هذا الاختلاف في مذهبين :
1. مذهب البصريين
يزعم البصريون أن التناوب ليس قياسيا لأن أحرف الجر لا تنوب بعضها عن بعض بقياس ، وأنه ليس لحرف الجر إلا معنى واحد حقيقي يؤديه على سبيل الحقيقة لا المجاز. فالحرف " في " تؤدي معنى واحدا حقيقيا هو " الظرفية "، والحرف " على " تؤدي معنى واحدا حقيقيا هو " الاستعلاء "، والحرف " من " لا تؤدي حقيقيا إلا معنى " الابتداء " كما لا تؤدي الحرف " إلى " معنى حقيقيا إلا معنى " الانتهاء "، وهكذا . فإن أدى الحرف معنى آخر غير معناه الحقيقي الخاص به وجب القول بأن تأديته هذا المعنى الجديد تأدية مجازية لا حقيقية. مثال ذلك قولنا " غرد الطائر في الغصن " ، فالحرف " في " كما هو معروف لا تؤدي حقيقيا إلا معنى " الظرفية " ولكن هذا المعنى عاجز عن تفسير ما أدته في هذه العبارة ، لأن الطائر المغرد ليس في داخل الغصن أو بين جوانبه كما يوحيه معنى الظرفية وإنما الطائر على الغصن وفوقه. فالحرف "في" هنا قد أدت غير معناه الأصلي وهو معنى " الفوقية " أو " الاستعلائية " وهو المعنى الذي تختص به الحرف " على " ، لذلك تعد تأديتها هذا المعنى تأدية مجازية . [30]
2. مذهب الكوفيين
على عكس ما ذهب إليه البصريون يزعم الكوفيون أن التناوب قياسي بحجة أن الحرف بصفته كلمة كسائر الكلمات الاسمية والفعلية يؤدي عدة معان حقيقية لغوية كانت أم عرفية، ومن ثم قصر حرف الجر على معنى حقيقي واحد وإخراجه مما يدخل فيه غيره من المعنى تعسف غير داع . [31]
هم يرون أن تأدية الحرف معنى غيره ليست مجازية لأن التأدية إذا شاعت دلالاتها واشتهر استخدامها لدرجة يفهمها السامع بغير غموض فهي حقيقية، فالمجاز لا مكان له إلا إذا لم يبتدر المعنى إلى ذهن السامع .
وهذا المذهب الأخير هو الذي يكتفي به كثير من المحققين لأنه عمل سهل بغير إساءة لغوية وبعيد عن الالتجاء إلى المجاز والتأويل ونحوهما، وهو فوق كل ذلك يتمشى مع الظواهر اللغوية العربية مثل ظاهرة تأدية الحرف الواحد معاني مختلفة كلها حقيقية ( لغوية أم عرفية ) وظاهرة اشتراك عدد من الحروف في تأدية معنى واحد أو ما يعرف بالمشترك اللفظي .
ثالثا :
أوجه التناوب في القرآن الكريم
لا تشير حروف الجر إلى معانيها الأصلية فقط كما تقدم ذكره وإنما تشير أيضا عند سياقات معينة إلى معاني حروف أخرى و تنوب عنها ، وتعرض السطور التالية هذه الظاهرة مع الاستدلال بالآيات القرآنية :
مِنْ ، و تنوب عن المعاني التالية :
- ابتداء الغاية المكانية و الزمانية ، نحو : قوله تعالى : "من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى" [ الإسراء : 1]
- التبعيض ، نحو : قوله تعالى : " منهم من كلم الله" [ البقرة : 253 ]
- بيان الجنس ، نحو : قوله تعالى : " واجتنبوا الرّجس من الأوثان" [ الحج : 30 ]
- التعليل ، نحو : قوله تعالى : " و يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق " [ البقرة : 16 ]
- البدل ، نحو: قوله تعالى : " أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة " [التوبة : 38]
- زائدة ، ويشترط فيها عدة شروط :
نحو : قوله تعالى : " ما جاءنا من بشير" [ المائدة : 19]
- الفصل ، نحو : " حتى يميز الخبيث من الطيب " [ آل عمران : 179]
إلى ، و تنوب عن المعاني التالية :
- ابتداء الغاية المكانية و الزمانية ، نحو : قوله تعالى : " ثم أتموا الصيام إلى الليل " ، [ البقرة : 19 ]
- معنى ( عند )، نحو : قوله تعالى : " قال رب السجن أحب إلي ممّا يدعونني إليه " ، [ يوسف : 33 ]
عن ، و تنوب عن المعاني التالية :
- بمعنى بعد ، نحو : قوله تعالى : " لتركبن طبقا عن طبق " [ الانشقاق : 19 ]
- البدل ، نحو : قوله تعالى : " واتقوا يوماً لا تجزي نفسٌ عن نفس شيئاً " [ البقرة : 48 ]
- بمعنى على ، نحو : قوله تعالى : " إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي " [ ص : 32 ]
- بمعنى من ، نحو : قوله تعالى : " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده " [ الشورى : 25 ]
على ، و تنوب عن المعاني التالية :
- الاستعلاء ، نحو : قوله تعالى : " الرحمن على العرش استوى" [ طه : 5 ]
- المصاحبة بمعنى مع ، نحو : " و آتى المال على حبه " [ البقرة : 176 ]
- بمعنى في ، نحو : قوله تعالى : " ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها " [ القصص : 15 ]
في ، و تنوب عن المعاني التالية :
- الظرفية ، نحو : قوله تعالى : "غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين" [ الروم : 1-4 ]
- السببية ، نحو : قوله تعالى : " يمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم"[ النور : 14 ]
- المصاحبة ، نحو : قوله تعالى : " قال أدخلوا في أمم قد خلت من قبلكم"
- بمعنى إلى ، نحو : قوله تعالى : " فردوا أيديهم في أفواههم " [ إبراهيم : 9 ]
- بمعنى الباء ، نحو : قوله تعالى : " ولكم في القصاص حياة" [ البقرة : 179 ]
- المقايسة ، نحو : قوله تعالى : " فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليلٌ " [ التوبة : 38 ]
الباء ، و تنوب عن المعاني التالية :
- الاستعانة ، نحو : قوله تعالى : " بسم الله الرحمن الرحيم " ، [ الفاتحة : 1]
- التعدية ، نحو : قوله تعالى : " ذهب الله بنورهم" ، [ البقرة : 17 ]
- العوض والمقابلة ، نحو : قولة تعالى : " وبدلناهم بجنتيهم جنتين " ، [ سبأ : 16]
- التبعيض ، نحو : قوله تعالى : " يشرب بها عباد الله " [ الإنسان : 6 ]
- الظرفية بمعنى في ، نحو : قوله تعالى : " لقد نصركم الله ببدر" ، [ آل عمران : 123 ]
- المقابلة ، نحو : قوله تعالى : " ادخلوا الجنة بما كنتم تعلمون " [ النحل : 32 ]
- زائدة ، تفيد التوكيد ، نحو : قوله تعالى : " كفى بالله شهيدا " [ الرعد : 43 ]
- الغاية ، نحو : قوله تعالى : " و قد أحسن بي " ، [ يوسف : 100]
- بمعنى عن ، نحو: قوله تعالى : " سأل سائل بعذاب واقع " ، [ المعارج : 1 ]
- بمعنى من، نحو: قوله تعالى : عيناً يشّرب بها عباد الله" ، [ الإنسان : 6 ]
اللام ، و تنوب فيه عن المعاني التالية :
- الملكية ، نحو: قوله تعالى : " لله ما في السموات والأرض" [ لقمان : 26 ]
أي كل شئ في السماء والارض هو ملك لله وحده خالق كل شئ
- الاختصاص ، نحو : قوله تعالى : " فان كان له إخوة " [ النساء : 11 ]
- التعليل ، نحو : قوله تعالى : "وإنه لحب الخير لشديد" [ العاديات : 8 ]
- بمعنى على ، نحو : قوله تعالى : " يخرُّون للأذقان سجدا " [ الإسراء : 78 ]
الكاف ، و تنوب فيه عن المعاني التالية :
- التشبيه ، نحو : قوله تعالى : " و حور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون " [ الواقعة : 22 – 23 ]
- التعليل ، نحو: قوله تعالى : " واذكروه كما هداكم " ، [ البقرة : 198 ]
- زائدة للتوكيد ، نحو: قوله تعالى : " ليس كمثله شيء " [ الشورى : 11 ]
الخاتمة :
يتضح مما سبق بيانه أن تناوب الحروف قد يكون في غاية التعقيد خاصة إذا كان معنى الحرف الطالع ومعنى نظيره الكامن غير متقاربين ومن ثم تنبع من ذلك صعوبة الفهم لمن لا يدرك ما وراء تبادل الحرفين من تناوب المعنى ، فإذا افترضنا أن تناوب الحروف الواردة في الآيات السابقة لا تمثل كل أوجه هذه الظاهرة اللغوية في القرآن الكريم ، لكن السؤال المطروح هو : كيف نكتشف هذه الظاهرة عينها الواردة في الآيات الكريمة ؟ و من الإجابة عن هذا التساؤل لابد من الإشارة إلى بعض السمات التي يتصف بها التناوب أثناء اكتشاف هذه الظاهرة اللغوية في القرآن الكريم و عدم الاقتصار على ذكر شواهد قرآنية من دون بيان الآلية التي تم اكتشاف التناوب في الآية .
------------------
الحواشي :
[1] - ابن منظور ، لسان العرب
[2] - أحمد فليح ، حروف الجر و معانيها ، ص 15 - 16
[3] - سيبويه ، الكتاب
[4] - ابن السراج ، الأصول ، 1/ 408
[5] - الزجاجي ، شرح جمل الزجاجي ، ص 60
[6] - الفراهيدي ، الجمل في النحو ، 172
[7] - أحمد فليح ، حروف الجر و معانيها ، ص 21
[8] - ابن هشام ، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك
[9] - عاطف فضل ، النحو الوظيفي ، ص 186 - 187
[10]- حسن بن قاسم المرادي ، الجنى الداني في حروف المعاني ، ص 314
[11] - المصدر السابق ، ص 373
[12] - معاني القرآن ، 2/ 78 .
[13] - حسن بن قاسم المرادي ، الجنى الداني في حروف المعاني ، ص 260
[14] - المصدر السابق ، ص 441
[15] - المصدر السابق ، ص 266
[16] - المرجع السابق ، ص 102
[17] - المرجع السابق ، ص 143
[18]- إبراهيم السامرائي ، المسائل و الأجوبة ، ص 137
[19] - حسن بن قاسم المرادي ، الجنى الداني في حروف المعاني ، ص 185
[20] - المصدر السابق ، ص 276
[21] - المصدر السابق ، ص 414 – 433 - 510
[22] - الصاحبي ، 175
[23] - الكتاب ، 1 / 388
[24] - شوقي ضيف ، تيسيرات لغوية، دار المعارف، ص : 11
[25] - المرجع السابق، ص :11
[26] - المرجع السابق، ص : 11
[27] - أحمد عبد الستار ، نحو الفعل ، ص : 72. انظر أيضا : عبد الوهاب الصابوني ، اللباب في النحو ، ص : 183
[28] - إبراهيم السامرائي ، الفعل زمانه وأبنيته ، ص : 84
[29] - هادي الهلالي، نظرية الحروف والعاملة ومبناها وطبيعة استعمالها القرآني بلاغيا
[30] - عباس حسن ، النحو الوافي ، ج-2، ص: 537-538
[31] - المرجع السابق ، ص: 54
------------------
المصادر و المراجع :
1- القرآن الكريم .
2- ابن منظور ، لسان العرب ، بيروت ، 1955 م .
3- ابن السراج ، الأصول في النحو ، تحقيق : محمود محمد الطناحي ، مكتبة الخانجي –
القاهرة ، 1986 م .
4- ابن هشام· الأنصاري ، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ، تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد ، الطبعة الخامسة ، بيروت ، 1996 م .
5- ابن السيد البطليوسي ، كتاب المسائل و الأجوبة ، تحقيق : إبراهيم السامرائي ، بغداد 1964 م
6- ابن فارس القز ويني ، الصاحبي في فقه اللغة و سنن العرب في كلامها ، تحقيق : مصطفى الشويمي ، مؤسسة بدران – بيروت ، 1963 م .·
7- أحمد فليح ، حروف الجر و معانيها : دراسات نحوية ، المركز القومي – عمان ،···· 2001 م
8- أحمد عبد الستار ، نحو الفعل ، المجمع العلمي العراقي - بغداد ، 1976م .
9- إبراهيم السامرائي ، الفعل زمانه وأبنيته ، الطبعة الثالثة ، مؤسسة الرسالة - بيروت ، 1983 م
10- حسن بن قاسم المرادي ، الجنى الداني في حروف المعاني ، تدقيق طه محسن ، مؤسسة دار الكتب ، جامعة الموصل ، 1976 م .
11- الزجاجي ،· شرح جمل الزجاجي ، تحقيق : الشيخ ابن أبي شنب ، الجزائر ،· ·1926 م
12- سيبويه ، الكتاب ، تحقيق :عبد السلام هارون ،عالم الكتب - بيروت 1966م .
13- شوقي ضيف ، تيسيرات لغوية ، دار المعارف – القاهرة .
14- عباس حسن ، النحو الوافي مع ربطه بالأساليب الرفيعة و الحياة اللغوية المتجددة ، الجزء الثاني ، الطبعة الرابعة ، دار المعارف – القاهرة ، 1961- 1966 م
15- عبد الوهاب الصابوني ، اللباب في النحو ، دار المشرق العربي ،
16- الفراء ، معاني القرآن ، تحقيق : أحمد يوسف نجاتي و غيره ، مطبعة دار الكتب المصرية ، 1955 م .
17- عاطف فضل ، النحو الوظيفي ،
18- الفراهيدي ، الجمل في النحو ، تحقيق : فخر الدين فباوة ، مؤسسة الرسالة – بيروت ، 1985 م .
19- هادي الهلالي ، نظرية الحروف والعاملة ومبناها وطبيعة استعمالها القرآني بلاغيا ، الطبعة الأولى ، عالم الكتاب ، 1986م .
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗