الدروس المستفادة من قصة موسي والخضر
الدروس المستفادة من قصة موسي والخضر
الدروس المستفادة من قصة موسي والخضر
الدروس المستفادة من قصة موسي والخضر - عليهما السلام -.
هذا هو الدرس الأول من الدروس المستفادة من قصة موسي والخضر - عليهما السلام -. روي البخاري ومسلم وغيرهما من حديث سعيد بن جُبير - رحمه الله – قال: " قيل لابن عباس - رضي الله عنهما – أن نوفًا البكالي يزعم أن موسي الذي صاحب الخضر ليس هو موسي بني إسرائيل، قال ابن عباس: كذب عدو الله حدثني أبي بن كعب عن النبي - قال: خطب موسي في بني إسرائيل يومًا حتى زرفت العيون ووجلت القلوب، فلما انصرف تبعه رجل فقال: يا نبي الله، هل هناك أعلم منك في الأرض ؟ قال: لا فعتب الله عليه إذ لم يُرجِع العلم إليه، قال: بلي إن لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسي: أي ربي، وكيف لي به ؟!، قال: خذ حوتًا واجعله في مِكتًل "، وفي رواية قال: " خذ نونًا ميتًا "والنون: هو الحوت وإليه نُسب يونس - عليه السلام - ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا ﴾ (الأنبياء:87) فالنون هو الحوت، وكل سكان البحر يُعد من الحيتان فالسمك اسمه حوت قال ابن عباس: "اشتهيت حيتانًا أي أسماكًا".
قال: " خذ نونًا ميتًا " وفي رواية " مشويًا واجعله في مِكتل فحيث فقدته فهو ثم " أي حيث فقدت هذا الحوت فالخضر هناك " فانطلقا حتى إذا كان ببقعة من الأرض،قال موسي لفتاه: ما أكلفك كثيرًا أيقظني إذا رد الله الحياة في الحوت، قال: ما كلفت كثيرًا ثم إن الحوت ارتدت إليه الحياة وقفز في البحر فأمسك الله عنه جِرية الماء لم يجعله ينطلق،إنما حبسه في فلما استيقظ موسي - عليه السلام - نسي غلامه أن يخبره أن الحوت قفز في الماء فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، فلما كان من الغد قال موسي لفتاه: ﴿ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ﴾ (الكهف:62) " تذكر الفتي هنا أن الحوت المشوي الذي كان سيتناولونه في الغداء قفز في الماء " قال: ﴿ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ﴾ (الكهف:63)، ﴿ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا ﴾ (الكهف:64) رجعا يقصان الآثار مرة أخري، فلما ذهب إلي هناك وجدا عبدًا مسجي ببردة خضراء تحت قدميه وتحت رأسه, كالذي يلتحف بلحاف فيجعله تحت رأسه وتحت قدميه " فسلم عليه موسي فكشف عن وجهه وقال: وهل بأرضي سلام من أنت ؟! قال: أنا موسي، قال: أنت موسي بني إسرائيل ؟! قال: نعم. "
هذا هو الشاهد الذي من أجله قال ابن عباس: " كذب عدو الله "، لأن الخضر - عليه السلام - قال: أنت موسي بني إسرائيل ؟!، قال: نعم. " قال: وما تريد ؟ قال: أريد أن أتعلم، ﴿ قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾ (الكهف:67)، ﴿ قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴾ (الكهف:69)، فجاء عصفور فنقر من ماء البحر نقرة فقال الخضر: يا موسي إن مَثل علمي وعلمك بجانب علم الله كمثل الماء الذي أخذه هذا العصفور بمنقاره ﴿ قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا * فَانْطَلَقَا ﴾ (الكهف: 70) ووقف علي شاطئ البحر فمرت مَركَب فأراد الخضر وموسي أن يركبا فقال الغلمان: عبد الله الصالح لا نحمله بأجر فعمد إلي مكان في السفينة فقلع منه لوحًا بقدوم ووضع مكانه خشبة، قال موسي: قوم حملونا بغير نول وأجرة تخلع لوحًا من سفينتهم ﴿ لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا ﴾ (الكهف:71) ﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾ (الكهف:72) " قال النبي- : " وكانت هذه من موسي نسيانًا "، " فلما نزلا من السفينة وجد أغيلمة يلعبون فعمد الخضر إلي ولد وضيء جميل ذكي فأخذه من رأسه وأضجعه علي الأرض وذبحه بالسكين، فقال موسي: عمدت إلي نفس لم تعمل.. .. فقتلتها ﴿ بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ﴾ (الكهف:74) ؟! قال الخضر - عليه السلام -: ﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾ (الكهف:75) "، قال النبي " وكانت هذه فرقًا لأن موسي- عليه السلام - قال له: ﴿ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا ﴾ (الكهف:76)،
الفرق في التحذير بين المرة الأولي والثانية: فكانت هذه فرقًا وتلمح الفرق في التحذير بين المرة الأولي والثانية، في المرة الأولي قال له الخضر: ﴿ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾، في المرة الثانية ﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾ فكأنما استدار إليه وأشار لك، لذلك النبي فرق قال: " كانت الأولي من موسي نسيانًا فلم يشدد الخضر عليه، وكانت الثانية شوقًا في المفارقة لذلك كأنه ألتفت إليه وحذره وأشار ﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾ أي:للمرة الثانية فدخلوا إلي قرية ﴿ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ (الكهف:77،78) " قال النبي : يرحم الله موسي، وفي رواية " يرحم الله علينا وعلي موسي وجدنا أنه صبر حتى يقص الله علينا من أخبارهما "
قصة موسي والخضر من القصص التي تشتمل علي كثير من العبر، وقد عُني القرآن الكريم جد العناية بعرض القصة، لأن النفس مجبولة علي التأتي بغيرها كما قالت الخنساء لما قتل أخوها:
ولولا كثرة الباكين حولي علي إخوانهم لقتلت نفسي
فبمصاب غيرك يهون عليك مصابك إذا شعرت أن غيرك يشاركك في هذا المصاب خف عليك المصاب، إنما يعظم الأمر إذا كنت متفردًا بالبلية وإلي هذا الإشارة في قوله - تبارك وتعالي -: ﴿ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴾ (الزخرف:39)، فالله - تبارك وتعالي - ينفي من أذهان أولئك هذه المشاركة التي يجدها العبد في الدنيا فيقول له: ليس الأمر في الآخرة كالدنيا أنك إذا رأيت غيرك في ذات مصابك هان عليك مصابك، كلا، لا ينفعك أن تري جهنم كلها مليئة بالخلق يعذبون مثلك إن هذا لا يخفف عنك شيئا، لأن التسلية التي كنت تراها في الدنيا ذهبت ﴿ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴾، وفي حديث الإفك أن عائشة - رضي الله عنها - لما بلغتها التهمة قالت: " فبكيت يومي وليلتي حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي، فاستأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي " هنا المشاركة لأن بعض الناس قد يقول:
وما الفائدة من قول عائشة - رضي الله عنها - " فجلست تبكي معي " ؟! هذه هي المشاركة التي تخفف عن الإنسان ألمه. فالنبي لما بعث في مكة، وعذب أصحابه العذاب الأليم نزل القرآن الكريم بالقصص عليهم، وأكثر النبي من ذكر القصص فقص عليهم آنذاك قصة الساحر والراهب، وفيها البلاء في الدين حتى قال أبو ذر : " نالنا من الكفار شدة فذهبنا إلي النبي نستنصره فوجدناه عند الكعبة فقلنا: يا رسول الله ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو الله لنا ؟ فاعتدل، وقال: لقد كان يؤتي بالرجل من قبلكم فينشر بالمنشار حتى يشق نصفين ما يرده ذلك عن دينه ".
فإذا علمت أن أصحاب الأنبياء جميعًا عذبوا وأوذوا، علمت أنك لست في الطريق وحدك هذا الطريق المستقيم طريق الله الممتد من لدن آدم - عليه السلام - إلي أن تقوم الساعة لست الضحية فيه وحدك.
كم من العلماء عذبوا بل طارت رقابهم ؟!، بل كم من الأنبياء ؟! ألم يقتل يحي - عليه السلام - وتقطع رقبته وتهدي إلي امرأة بغي وهذا نبي ؟! إذا تذكرت ما فعله اليهود بموسي - عليه السلام - هان عليك مصابك. في الصحيحين " أن رجل جاء إلي النبي وأخذ ببرده وجذبه حتى أثرت حاشية البرد في عنقه ، وقال يا محمد: أعطني من مال الله فإنه ليس مالك ولا مال أبيك، ولا مال أمك فتبسم ، وقال: يرحم الله أخي موسي أوذي بأكثر من هذا فصبر " هنا يذكر موسي - عليه السلام - أوذي بأكثر من هذا، ليس معني هذا أن موسي - عليه السلام - أوذي أكثر من نبينا في الحقيقة، لكن أوذي أكثر من هذا أي من هذا الفعل فصبر، فهنا يذكر سلفه في الأذى وفي البلاء فيحمله ذلك علي أن يصبر.
فميل الناس إلي القصص ميل فطري:وهو ميل شديد قوي، لذلك فقد عُني القرآن الكريم عناية كبيرة بالقصص وقد حدد الهدف من هذا القصص ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ (يوسف:111) أي للذين يتفكرون ويأخذون الأسوة. فقصة موسي والخضر من القصص الذي قصه علينا القرآن الكريم وزاده النبي وضوحًا.
المطالب الموجودة في قصة موسي والخضر:
المطلب الأول: هل الخضر ولي أم نبي ؟! وقد يقول البعض: وهل ينبني علي ذلك حكم ؟! نقول: نعم. قال ابن المنادي: أول عقدة تحل من الزندقة أن يكون الخضر نبيًا، لأن الصوفية يزعمون أن الولي أعظم من النبي
مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي
إذًا فالولي عندهم أعظم من النبي، وهذا ضلال مبين وزندقة لأن النبوة ليست مكتسبة إن النبوة منحة من الله لا تكتسب، فلذلك كان عندهم الأولياء أفضل من الأنبياء. فإثبات أن الخضر نبي أول عقدة تحل من هذا الحبل الطويل من الزندقة.
أدلة العلماء علي أن الخضر نبي: استدل العلماء علي أنه نبي بقوله: ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ (الكهف:82)، ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾: أي ليس لي دخل في الذي فعلت ويؤكد أنه نبي أن الله - تبارك وتعالي - قال: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴾ (الكهف:65)، والله - تبارك وتعالي - لا يؤتي هذا العلم إلا لنبي.
الفرق بين النبي والرسول:
أما قوله لم يرسل إلي قوم فهذا هو الغالب علي الأنبياء، ولذلك من الفروق التي يجعها العلماء بين الرسل وبين الأنبياء:
انتهي الدرس الأول
* * * * * *
الدروس المستفادة من قصة موسي والخضر - عليهما السلام -.
فهذا هو الدرس الثاني من الدروس المستفادة من قصة موسي والخضر - عليهما السلام -، وخلاصة الدرس الأول أن الخضر - عليه السلام - نبي علي رأي جماهير العلماء واستدلوا بقوله - تبارك وتعالي -: ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ (الكهف:82) ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾: أي أنه مأمور من قِبل الله - تبارك وتعالي - بما يفعل، قالوا: وهذا لا يكون إلا نبي.
قال الإمام العلم أبو الحسين بن المنادي - رحمه الله تعالي -: إثبات أن الخضر نبي أول عقدة تُحَلُ من الزندقة، أي بإثباتنا أن الخضر - عليه السلام - نبي هذه أول عقدة تُحَلُ من حبل الزندقة الطويل، لأن الزنادقة كما
قال الحافظ بن حجر - رحمه الله -: يقولون: إن الخضر ولي وينشد منشدهم في ذلك قائلًا:
مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي
أي أن مقام الولاية أعلى من مقام النبوة والرسالة، فالذي يصفونه بأنه ولي هو أعلي عندهم من النبي ومن الرسول.
مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي
فويق الرسول: أي فوقه بقليل.
إذًا علي حسب ترتيبهم الولي، ثم النبي، ثم الرسول ولو عكسوها لكان أولي الرسول، ثم النبي، ثم الولي. فإثبات أن الخضر - عليه السلام - نبي أول عقدة تُحَلُ من الزندقة.
المسألة الأخرى: وهي من نصيب خطبة اليوم، هل الخضر - عليه السلام - حي أم مات ؟!
والذي يجرني إلي هذا البحث وأنني أثبته بكل ممكن أن كثيرًا من الجهال الخارجين علي الشريعة، أو الذين تعلقوا منها بحبل واهٍ يشبه خيط العنكبوت يزعم أحدهم أنه قابل الخضر فيقول: أوصاني الخضر، وأفتاني الخضر وأرشدني الخضر ويقسم أنه رأي الخضر وأنه كلمه، ويحتج ببعض.. ...لبعض علمائنا كابن الصلاح والنووي وغيرهما أن الخضر حي، وأن كثيرًا من العارفين رأوه وكلموه كِفاحًا بغير تُرجمان، أقوي ما تعلقوا به في هذا المجال ما رواه الطبراني وغيره بسند ضعيف فيه مجاهيل كما قال بن كثير - رحمه الله - أن النبي قال لأصحابه: " ألا أنبئكم بالخضر ؟! كان رجل من بني إسرائيل مر علي الخضر فسأله شيئًا لوجه الله، فقال له الخضر: إن الله قادر أن يعطيك كذا وكذا ما عندي شيء، فقال: سألتك بالله أن تعطيني شيئًا، فقال: ما عندي من شيء أعطيكه، ولكني أستحي أن تسألني بالله شيئًا وأرده خذني فبعني في السوق، وأقبض ثمني وأنفقه، قال: وكيف أخذك يا عبد الله وأنت كذا وكذا ؟! قال: إنك سألتني بمن لا يرد خذني فبعني. فأخذه فباعه بأربعمائة درهم فاشتره هذا الرجل ورآه شيخًا كبيرًا فانيًا لا يصلح للعمل فقال له الخضر يومًا: كلفني بشيء، قال: إني أشفق عليك وقد رأيتك شيخًا كبيرًا فانيًا أن أكلفك بما لا تطيق، قال: بل كلفني " وهو لا يدري أنه الخضر، " قال: فانقل هذه الحجارة، وكانت حجارة عظيمة ريثما أذهب إلي السوق " فهذه الحجارة ما كان يحملها أقل من ستة نفر، وذهب الرجل إلي السوق ورجع فلم يجد حجرًا واحدًا فتعجب، " وقال: شققنا عليك أيها الشيخ، قال: لم تكلف كثيرًا، قال: فإني علي سفر أُخلفني في أهلي حسني قال له: ألا كلفتني بشيء ؟ قال: إنك شيخ كبير وأخشي أن أشق عليك قال: لا، بل كلفني، قال: أضرب لي اللبن " أي يضرب طوب " حتى أبني داري " وذهب الرجل ورجع فوجده ضرب الطوب وبني البيت وهيأه، فأول ما رآه تعجب " وقال: سألتك بالله، من أنت ؟! قال: بهذا دخلت العبودية " أي أنه صار عبدًا لمثل هذا الرجل لأنه سئل بالله فلم يقدر أن يرد هذا الرجل فباعه " قال: وأنت تسألني بالله أيضًا، قال: سألتك بالله، من تكون ؟! قال: أنا الخضر. قال: نبي الله ؟! قال: نعم. قال له: أخيرك بين أن تكون حرًا وبين أن تكون في ضيافتي، قال: بل دعني فأعتقه " هذا من أمثل ما يحتجون به وكما قدمت أنه ضعيف، فإذا كان أقوي ما عندهم ضعيف، فما بالك بالذي بعده ؟! لا شك أنه شر منه ثم لو فرضنا أنه صحيح.
ما وجه الدلالة علي القضية المتنازع فيها ؟ نحن الآن بصدد إثبات، هل الخضر حي أيام بعثة النبي أم لا ؟! هذا هو البحث، فأين في هذه القصة علي طولها من الدلالة ما يثبت هذا البحث ؟! والنبي يقول: " كان في بني إسرائيل ". نحن نعلم أن الخضر صاحب موسي - عليهما السلام - وكلاهما كانا في بني إسرائيل إذًا لو صحت هذه القصة لم يكن فيها متعلق بالوضع المتنازع عليه، إذًا، ما هي حجتهم ؟! حكايات ورئي أن أحد الصالحين قال: رأيت الخضر، وكلمني الخضر، وحدثني الخضر، وأفتاني الخضر، ليس عندهم أكثر من هذا, كل الأحاديث التي يحتجون بها فأجمع علماء الحديث وهم أهل الفصل في هذا الباب أن كلها أحاديث مكذوبة، موضوعة، مفترات علي النبي ، وأوردها ابن الجوزي في كتاب الموضوعات وشدد النكير علي واضعيها ليس في يديهم شيء.
ما القول الصحيح في المسألة ؟! أنه مات، ما الدليل علي أنه مات ؟! إننا نتهم بهذه المسألة لا نقاتل طواحين الهواء بإثبات أن الخضر مات، فإنا من وراء إثبات موت الخضر إنقاذ لعشرات المئات بل الألوف من المغفلين الذين يأخذون دينهم من هؤلاء الشياطين الذين يتمثلون بصورة الإنسي فيأخذون منهم الفتوى، إذًا لماذا جاء النبي ؟! إذا كنت تأخذ فتواك من الخضر، ما وضع النبي بالنسبة لك ؟! لقد قال النبي ورأي في يد عمر بن الخطاب - رضي الله - عنه ورقة كما رواه أحمد في مسنده من حديث جابر قال: " ما هذا يا عمر ؟! قال: ورقة من التوراة كتبها لي رجل من اليهود " صفحة من التوراة يقرأها عمر " فغضب النبي وقال: أمتهوفون أنتم يا ابن الخطاب ؟! أمتحيرون لقد جئتكم بها بيضاء ناصعة، والله لو كان موسي حيًا ما وسعه إلا إتباعي " يتبعون الخضر ! هذا لو سلمنا أنه موجود لو سلمنا أنه حي.
كيف يتبع ؟!، وكيف تؤخذ منه الفتوى ؟! وموسي - عليه السلام - بإجماع الخلق أجل من الخضر لاشك في ذلك، ولو كان موسي حيًا ما وسعه إلا إتباع النبي ، أيتبع الخضر المشكوك في حياته ؟! بل المقطوع بأنه مات إن في إثبات أن الخضر مات حل لعقدة الزندقة الأخرى التي يعيش عليها ألوف المغفلين إن الخضر مات لاشك في ذلك والدليل علي ذلك أربعة أشياء.
الأدلة علي أن الخضر قد مات:
القرآن، والسنة، وإجماع المحققين، والمعقول.
أولًا: القرآن: فقد قال الله - تبارك وتعالي - للنبي : ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾ (الأنبياء:34) ما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن كتبنا عليك الموت مع جلالتك، وقربك منا، واصطفائنا لك وأنت سيد ولد آدم ولا فخر، وأنت أول من يهز حِلق الجنة، وأنت أول من تنشق عنه الأرض، وأنت أول من يدخل الجنة من النبيين بل من الخلق وأنت أول شافع ومشفع أفإن مت فهم ولم تتوافر لهم هذه الصفات فهم الخالدون
نحن نسأل الخضر بشر أم جني ؟ لا يشك أحد أنه بشر فإن كان من البشر شملته عموم الآية لا شك في ذلك عند جميع العلماء، ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ ﴾ إن كان من البشر شملته الآية ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ (الأنبياء: 34،35) ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ ولفظة (كل)عند العلماء تفيد العموم، ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ ولم يخرج عن هذا العموم في الدنيا إلا إبليس وعيسي - عليه السلام - بدلالة النص الخاص بكل منهما، ولو أخذنا الآية علي جميع أفرادها وجميع زمانها يكون الكل فان.
الدليل الثاني: أيضًا من الكتاب المنزل ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ (آل عمران:81)، الخضر نبي ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ ﴾ فلاشك أن الخضر داخل في الجملة لا نعلم في حديث صحيح ولا حسن، ولا ضعيف ضعفًا منجبر أن الخضر جاء إلي النبي وآمن به وصدقه، وجاهد معه، فأين كان ؟!، وقد أخذ الله الميثاق علي جميع الأنبياء الذين يأتي النبي وهم أنبياء أخذ عليهم الميثاق أنه إذا ظهر هذا النبي الخاتم أنه يجب عليهم أن يأتوه، وأن يعذروه، وأن ينصروه فإن كان الخضر حيًا، فأين كان ؟! أليس هذا من الطعن في الخضر ؟!، وأنه خالف ميثاق الله ولم يجئ لنصرة النبي أليس القول ببقائه من باب الطعن فيه ؟! بلي، هذا من الكتاب وبه احتج ابن الجوزي - رحمه الله - علي أن الخضر مات.
الدليل الثاني: السنة المطهرة: وبها احتج الإمام البخاري - رحمه الله - علي موت الخضر أن النبي وقد روي أصحاب الصحاح هذا الحديث من حديث ابن عمر وأبي سعيد ألخدري وجابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنهم -، وكلها موجودة في صحيح مسلم، وبعضها في صحيح البخاري أن النبي قال قبل أن يموت بشهر واحد، وهذا وقع في رواية جابر هذا التحديد وقع في رواية جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال قبل أن يموت بشهر واحد: " أرأيتكم ليلتكم هذه ليس علي ظهر الأرض أحد ممن هو عليها اليوم بعد مائة عام "، يقول -: بدءًا من هذه الليلة جميع الموجودين علي الكرة الأرضية بعد مائة عام لا يكون أحد منهم حي هذا هو معني الحديث، وفي اللفظ الآخر " ما من نفس منفوسة تمر عليها مائة عام وهي علي ظهر الأرض حية يوم إذاً "، الخضر يعيش علي الأرض ؟! العجيب أن الذين ردوا هذا الحديث قالوا: أن الخضر يعيش في البحر فلذلك الحديث لا يشمله، وهذا من المضحك المبكي الموجع.
هل معك دليل أنه في البحر ؟!، ولما لم تقول أنه في السماء ؟! أليس من المضحك أن تُرد الأحاديث الصحيحة بمثل هذا الباطل الذي لا يعجز عنه أحد ؟! كل إنسان يستطيع أن يبطل دلالة القرآن الكريم، والسنة المنزلة بمثل هذه الأقوال, نحن نأتيكم بأدلة ناصعة كالشمس في رابعة النهار ونؤصل أدلتنا، ونسندها، ونصححها.
فهلا أدرجتم لنا دليلًا واحدًا ارتقيتم به إلي النبي في مواجهة الأدلة التي نأتي بها ؟!، ما عندهم شيء قالوا: هو في البحر، لو أن الحديث قال: في البحر لقالوا: هو في الأرض، لو أن الحديث قال: في البحر والأرض لقالوا: في السماء، فهم لابد أن يأتوا بجهة ليست موجودة في الحديث استدل به الإمام البخاري علي أن الخضر لو سلمنا جدلًا أنه كان موجودًا في زمان النبي فبدلالة هذا الحديث هو ميت لا محالة بعد مائة عام يستحيل أن يكون موجودًا بعد مائة عام. فالذين يقولون بعد المائة الأولي رأينا الخضر، وسمعنا الخضر، وكلمنا الخضر كذبة.
إن المحققين كالإمام مسلم وغيره استدلوا بهذا الحديث علي انقطاع الصحبة بعد مائة عام، ما معني هذا الكلام ؟! قال النبي هذا الحديث سنة عشر، فإذا اعتبرت أنه بعد مائة عام من هذه المقالة لا يوجد أحد ممن يعيش علي ظهر الأرض نقطع أن الصحابة جميعًا سيكونون قد ماتوا، قالها سنة عشر وكان آخر صحابي مات كما قال مسلم هو أبو الطفيل عامر بن واثلة مات سنة مائة وعشر ,وهذا تصديق للحديث أنه لا يوجد أحد بعد مائة عام من هذه المقالة، لذلك أدعي جماعة بعد ذلك الصحبة بعد سنة مائة وعشر يقول: أنا رأيت النبي فيبادر أهل العلم إلي تكذيبه، يقولون: لست صحابي ولم تره لأن النبي قال: " ما من نفس منفوسة تمر عليها مائة عام وهي علي ظهر الأرض حية يومئذ " مائة وعشر مات أبو الطفيل أخر صحابي وهو يطبق الحديث فلو سلمنا جدلًا أن الخضر حي فهو بعد سنة مائة وعشر يستحيل أن يكون حيًا، هذا دليل من السنة.
دليل آخر:لو كان الخضر موجودًا ففي غزوة بدر لما جأر النبي إلي ربه وقد رأي أصحابه ضعاف أذلة يقتسمون التمرات, وحالة الفقر عليهم ظاهرة مشردون ثم أنهم، سيقابلون من ؟! عتاة قريش الذين خرجوا لأجل الحرب، وهؤلاء ما خرجوا لأجل الحرب ما عندهم استعداد نظر إليهم ورثي لحالهم وقال: " اللهم نصرك الذي وعدت اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض " وقد أتفق العلماء أن عدة من كان موجودًا من الصحابة يوم بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلًا معروفون بأسمائهم الذين يطلق عليهم العلماء البدريون، وهم غرة في جبين الإسلام والمسلمين حسبهم أن النبي قال: " لعل الله أطلع إلي أهل بدر فقال: أعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم "، وأن النبي قال: " لا يدخل النار أحدًا شهد بدرًا والحديبية "، وأن حاطب بن أبي بلتعة كان يقسو علي غلامه ويضربه فذهب الغلام يشكيه إلي النبي وكان حاطب ممن شهد بدرًا فقال غلام حاطب للنبي : " والله يا رسول ليدخلن حاطب النار " أي بقسوته علي، فقال النبي : " كذبت لقد شهد بدرًا ". هؤلاء البدريون الذين ينسب إلي هذه الغزوة المباركة من شهدها فيقال أبو مسعود ألبدري، ولا يقال فلان ألأحدي، ولا ألخندقي، ولا التبوكي، ولا ألرضواني ما ينسب أحد إلي غزوة قط إلا إلي بدر لجلالها وشرفها، لذلك حصر العلماء من كان فيها , فإن كان الخضر حيًا أكان ممن يعبدون الله أم لا ؟! لاشك أنه ممن يعبدون الله، فكيف قال النبي : " اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض " ؟! بلي يستثني خضرًا ولا غيره فهذا دليل دلالة قاطعة أن الخضر غير موجود، هذا من السنة.
الدليل الثالث: إجماع المحققين: قال الإمام أحمد بن حنبل: ما ألقي هذا بين الناس إلا الشيطان، وتلا قال الإمام أبو إسحاق الحربي صاحب الغريب
وغيرة، وتلا قال أبو الحسين بن المنادي، والإمام البخاري، وابن الجوزي وابن كثير، وابن تيمية، وتلا قال الإمام الحافظ بن حجر في آخرين يقوم المقام بذكرهم هؤلاء أجمعوا وأنا لذلك قلت إجماع المحققين، ولم أقل إجماع الأمة حتى لا يقول قائل: النووي - رحمه الله - يقول: أنه حي إجماع العلماء المحققين أن الخضر مات، أما المعقول فنعرض له إن شاء الله - تبارك وتعالي - بعد جلسة الاستراحة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
الحمد لله رب العالمين له الحمد الحسن والثناء الجميل وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلي الله عليه وعلي آله وصحبه وسلم.
الدليل الرابع: المعقول. أما المعقول فمن أوجه .
الوجه الأول: أنهم أي الذين أدعوا أنه حي زعموا أنه من ولد آدم لصلبه أي أنه من صلب آدم.
انتهي الدرس الثاني
* * * * *
الدروس المستفادة من قصة موسي والخضر - عليهما السلام -.
فسنواصل إن شاء الله تعالي الكلام علي قصة موسي - عليه السلام - مع الخضر - عليه السلام -، فكنا توقفنا علي نسيان موسي وفتاه للحوت فلما تذكراه، وجعل الله علامة وجود الخضر وقت أن يقفز الحوت المملح في البحر أي بعد أن ترجع الروح إليه هنا يكون الخضر، فلما قال موسي لفتاه: ﴿ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ﴾ (الكهف:62) حينئذ تذكر الغلام أن الحوت قفز هناك عند الصخرة قال: ﴿ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ﴾ (الكهف:63،64) هذه بغيتنا ليس مهمًا أن نأكل الحوت، المهم أن وجدنا المعلم والأستاذ ﴿ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا ﴾ (الكهف:64) أي رجعا يقصان أثارهما، ومعني ﴿ قَصَصًا ﴾ ؟ هو إعادة الشيء كما لو قلت لك قص علي ما جري لك ؟ فترجع القهقري إلي الماضي فتقص علي ما جري، فهنا ﴿ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا ﴾: أي جعل يعيدان مشي الأقدام مرة أخري ,يقص قدمه: أي يمشي عليه تارة أخري
أول ما ذهب إلي هناك وجدا الحوت المملح أي السردين بعد أن ردت إليه الروح حبسه الله في دائرة، حتى تكون علامة علي وجود المعلم، حينئذ نظر موسي - عليه السلام - فوجد الخضر قال تعالي: ﴿ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴾ (الكهف:65)، هذا هو المعلم الذي أتاه الله من عنده علمًا لا يوجد عند موسي هذا المعلم اسمه الخضر كما مر ذكره.
سبب تسمية الخضر بهذا الاسم: وسمي بهذا الاسم لأنه جلس مرة علي فروة بيضاء فإذا هي تهتز خضراء, الفروة ليست فروة الخروف، إنما الفروة
الفروة: هو المكان به الحشائش اليابسة ,نبات يابس قعد عليه اهتز أخضرًا فسمي الخضر لأجل هذا.
اختلاف العلماء في تحديد هوية الخضر:
والعلماء اختلفوا، هل الخضر نبي أم ولي أم هو ملك ؟ علي ثلاثة أقوال:
1-جمهور العلماء: علي أنه نبي.
2-وجماعة من مرقة الصوفية وزنادقتهم يقولون: هو ولي.
3-وجماعة يقولون: هو ملك.
قال الإمام النووي: قول القائلين هو ملك باطل ليس بملك، كما أنه ليس بولي.
لما قلت زنادقة الصوفية ؟! لأن هؤلاء الزنادقة يجعلون الولي أفضل من النبي والرسول قال قائلهم:
مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي
أي النبوة فويق الرسول: أي فوق مقام الرسول بقليل , ودون الولي: إذًا الولي أعلي من النبوة، والنبوة أعلي من الرسالة إذًا الولاية أعلي من النبوة والرسالة ولكن كما قال جمهور العلماء: هو نبي، لكن لم يرسل لأحد.
الفرق بين النبي، وبين والرسول، وبين النبي الرسول:
النبي: هو رجل اختاره الله واجتباه وعلمه، يقال: هذا نبي، ليست معه رسالة لأحد، إنما هو مقام رتبة شرفية.
الرسول: هو الذي أرسل لجماعة من الناس، أو طائفة، أو أسرة، أو الناس جميعًا كما هو الحال في النبي . فكل رسول نبي كل رسول نبي، وليس كل نبي رسول فالخضر - عليه السلام - نبي ليس برسول، ليست معه رسالة لأحد لم يبعث لأحد، وأختلف الناس أيضًا اختلافا طويلًا جدًا.
هل الخضر مازال حيًا حتى الآن ؟!
الصوفية: علي أنه حي حتى الآن، وأهل التحقيق من العلماء: أنه مات. كثير من الناس الذين يأكلون أموال الناس بالباطل يأكلونها في بطونهم نارًا يدجلون علي الناس بوجود الخضر، أتاني سيدي الخضر وقال لي: كذا وكذا المتبوع ما يعترض.
أنا قرأت حكاية عجيبة لرجل صوفي مارق كافر بالله تعالي: لا يفعل شيء إطلاقًا من شعائر الإسلام، ويزني بحريمه جاره واصل رجل وصل، ولكن إلي جهنم فهذا الرجل عنده بيت طويل عريض، وكان من المشهورين بأن الخضر - عليه السلام - يتصل به، ويأتيه، ويعلمه جعل في فناء داره صندوقًا خشبيًا ووضع عليه كسوة كالكعبة تمامًا، فإذا أراد أحد المساكين المريدين شيئًا من ذلك الشيخ يطوف حول الصندوق سبع مرات أولًا، ويدعو الله أن يجعل له القبول في قلب الشيخ يدخل علي الشيخ يتجاهله ساعة، ساعتين ثلاثة، أربعة، ثم يدخل يقبل قدميه ويديه ويقول: حاجته، فالرجل يصطنع حركات يحضر الخضر، الخضر هذا عفريت جان ثم يقول له: مولانا الخضر سيدنا الخضر يقول: افعل كذا وكذا، وأحضر معك ديك، وأحضر معك عجل، وأحضر معك مال.
أكثر الذين يدعون الاتصال بالخضر دجالون كذبة: لا أقول مرقة عن دين الإسلام إلا إن تبين من فعله أنه مارق.
أول حل لعقدة الزندقة هذه أن تثبت أن الخضر مات: نحن نقول ونعتقد اعتقادًا جازمًا أن الخضر مات، ما الدليل علي ذلك ؟! أربعة أشياء
الأدلة علي موت الخضر:
القرآن، والسنة، وإجماع العلماء المحققين، والمعقول .
أولًا: القرآن: فإن الله تعالي قال: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾ (الأنبياء:34) أنت وأنت أشرف منهم جميعًا إن مت، يخلد هو ؟! طبعًا لا، احتج الحافظ بن كثير وجماعة من محققي أهل التفسير بهذه الآية علي أن الخضر مات، إذ أنه لو كان حيًا لكان مخلدًا والله ذكر لنا واقعة إبليس وطلبه , أن يعيش إلي يوم القيامة في القرآن، لأن هذه مسألة معجزة أن يعيش إبليس حتى قيام الساعة هذه ليست هينة، فكيف لم يقرن الخضر وهو يعيش كما في بعض الروايات الكاذبة التي يحتج بها من يقول ببقائه إلي الآن وبعد الآن ؟! يقولون: هو يقتل الدجال مع عيسي بن مريم - عليه السلام - إذا كان يعيش هذا العمر الطويل، لما لم يأتي نبؤه في القرآن ولا في السنة الصحيحة ؟! هذا من أعظم القرائن علي أن الخضر مات، ثم إن الله جعل حياة نوح آية أحياه الله ألف سنة إلا خمسين عامًا تسعمائة وخمسين سنة يحياها نوح - عليه السلام - جعلها آية، يذكر - سبحانه وتعالي - نوح تسعمائة وخمسين سنة، ولا يذكر الخضر وهم يقولون: أنه من صلب آدم حتى الآن ألوف مؤلفة من السنوات لا يذكرها، ويذكر صاحب الألف سنة إلا خمسين عامًا، هذا دليل آخر علي بطلانه. ثم القائلين بحياة الخضر يقولون: هو من صلب آدم تدرجوا معنا لو كان من صلب آدم وحيًا حتى الآن نحن ما ندري منذ خلق الله لآدم حتى الآن، كم سنة ؟! إنما هي علي الأقل ألوف مؤلفة يتبع بعضها بعضًا، وهذا مستحيل يكون, ولو كان من ذرية آدم لأدرك نوح, الله يوم أهلك قوم نوح وركبوا السفينة وأخذ فيها من كل زوجين اثنين لم يكن الخضر فيها، أين كان إذًا ؟! هذا شيء، ثم إن الله تعالي أهلك كل الأزواج في سفينة نوح يدل عليه قوله تعالي: ﴿ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ﴾
(الصافات:77) ذرية نوح فقط هي التي بقت إذًا لو كان الخضر حيًا لهلك لأنه ليس من ذرية نوح، هذا شيء.
الدليل الثاني: السنة:أما السنة فإن النبيفي سنة عشرة من الهجرة قال لأصحابه فيما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما-: " أرأيتكم ليلتكم هذه ؟ " أتعرفون هذه الليلة ليلة كم من الشهر ؟! " لا يكون بعد مائة سنة علي ظهر الأرض ممن يعيش اليوم أحد " أرأيتكم ليلتكم هذه لا يكون علي ظهر الأرض أحد يحي بعد مائة سنة ممن يعيش عليها اليوم، ولذلك هذا الحديث من أعلام نبوته من دلائل نبوته، لماذا ؟! آخر صحابي مات مات سنة مائة وعشرة، إذًا مات بعد مائة سنة بالضبط لأنه قال هذا سنة عشرة من الهجرة قبل أن يموت بقليل، لماذا هو من أعلام نبوته ؟! لأنه أتي ناس بعد ذلك ادعوا الصحبة قالوا: نحن أصحاب رسول الله وعاشرناه، وجالسناه، فإذا هذا القائل يقول هذا الكلام سنة مائة وأربعين فكذاب، لأن النبي قال سنة عشرة لا يعيش بعد مائة سنة أحد ممن يعيش علي ظهر الأرض أحد اليوم، فأنت عشت ثلاثين سنة بعد الموعد الذي حدده فلو كان الخضر حيًا لمات لو كان حيًا علي زمان النبي لما جاءت عليه مائة سنة إلا وقد مات. هذا واضح جدًا واحتج به الإمام البخاري في هذا الحديث علي أن الخضر مات.
قال بعض العلماء الذين يقولون بحياة الخضر وأنه مازال حيًا: إن هذا الحديث ليس فيه دليل علي أن الخضر مات، لماذا ؟! قال: لأن عيسي بن مريم حي والحديث لم يشمله، والدجال حي والحديث لم يشمله، فهو لم يشمل الخضر إذًا، هذا طبعًا كلام قد يبدو بادي الرأي وجيهًا.
لكن ليس بوجيه لسببين اثنين:
السبب الأول: أن النبي قال: " لا يعيش أحد علي ظهر الأرض " والمسيح في السماء فالحديث لا يشمله بطبيعة الحال.
السبب الثاني: أن الدجال نعم هو في الأرض ونعم هو حي، ولكن ثبتت أحاديث كثيرة علي أنه يحيا أنه لا يموت حتى يأتيه أجله، فهذا الحديث مستثني من ذلك العموم، حديث حياة الدجال مخصوص به وحده، وهذا الحديث سارٍ علي كل أحد دون الدجال، ولم يأتي أي حديث ولا أي إسناد ولو حتى ضعيف أن الخضر حي حتى اليوم، ثم الذين يقولون بحياة الخضر - عليه السلام - نقول لهم: أين يعيش ؟! يقولون: هو يعيش في القِفار يعتزل الناس، سبحان الله قال في كتابه الكريم: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾(آل عمران:81) الخضر نبي.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في تفسير هذه الآية: أخذ الله الميثاق علي كل نبي يأتي محمد برسالته وهو حي إلا أن يؤمن به ويجاهد معه فلو كان الخضر حيًا لزم أن يأتي إلي النبي ويجاهد معه، ويؤمن به، ولو جاء الخضر إلي النبي لكان هذا من أعظم المعجزات رجل يحي من عند آدم، ألا يأتي به إسناد واحد صحيح ؟!، ألا يأتي به حديث واحد صحيح ؟! فهذا من أعظم الآيات علي أن الخضر - عليه السلام - مات، ثم الخضر لما موسي - عليه السلام - جعل يعترض عليه في كل أمر يفعله، ماذا قال له ؟! قال: ﴿ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ﴾ (الكهف:78) الخضر يترك صحبة موسي - عليه السلام -، ثم يصاحب المرقة الخارجين من الشرع ؟! يقول لموسي: ﴿ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ﴾، ثم هو يصاحب من لا يصلون، ولا يزكون، ولا يحضرون جمعة، ولا جماعة، ولا يحجون.
وهل هذا إلا من أعظم العيب له والطعن فيه ؟! أمور كثيرة لو استقصيناها,لوجدنا أن الخضر لا يمكن أن يكون حيًا هو مات، هذا فيما يتعلق بالخضر، ونبوته، وأنه - عليه السلام - مات ﴿ فَوَجَدَا عَبْدًا ﴾ (الكهف:65) عبدًا هنا تنكير للتعظيم أنه ليس كأي عبد، ﴿ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ (الكهف:65) أنظر هنا من الإضافة إضافة تشريف للخضر أن يضيف الله الخضر له، وكان أحد العباد يقول لربه :
كفاني فخرًا أن تكون لي ربًا وكفاني عزًا أن أكون لك عبدًا
﴿ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا ﴾ (الكهف:78)
الرحمة: النبوة ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴾ هنا أيضًا مرقة الصوفية يقولون: العلم أللدني يحتجون بهذه الآية.
وما العلم أللدني ؟! قرأت في أحد كتب الصوفية، وهذا الكتاب أبشع كتاب علي وجه الأرض كتب اليهود والنصارى ليس فيها هذا الكفر رجل صوفي يذكرون هذا الذي سأقوله في مناقبه في مآثره كما مثلًا يذكر في ترجمة أبي بكر الصديق تقواه وورعه وسبقه للخير، وترجمة عمر أنه عادل، وفي عثمان أنه حيي، وفي علي أنه أقضي هذه الأمة، وفي أبي بن كعب أن أقرأ هذه الأمة، وفي أبي ذر لهجة الصدق كما يقال أذكروا محاسن موتاكم، إذا ذكر فلان كان يفعل وكان يفعل وكان يفعل أن تذكر الشيء الحسن. هذا ماذا ذكر في ترجمته ؟!، ماذا قال في مناقبه ومآثره ؟! قال: كان يأتيه الصبي الأمرد
الأمرد: أي الولد الصغير الذي لا لحية له.
فيتحسسه من عورته، ويخلو به كما يخلو الرجل بامرأته أشهد هذا لواط، فلا يعترضون عليه لأنه كان يعلمهم فيقول لهم: أي شيء أفعله تضيق عنه أفهامكم إياك أن تعترض فمن أعترض انقرض، هذا مبدأهم أي شيء لا تفهمه إياك وحذاري أن تظن بالشيخ سوءًا، الشيخ وصل لا تظنن به سوءًا وإلا من اعترض انقرض. هذا يقولون: علم باطن أي أنه يخفي علينا جميعًا نحن المساكين، يأتون بالموبقات التي ينهي الشرع عنها، فإذا اعترضت يقول لك: أنت لم تفهم أنت لم تؤت العلم أللدني، وما هو العلم أللدني ؟ العلم أللدني عند العلماء من أصحاب هذه الملة .
انتهي الدرس الثالث