أقوال السلف في عذاب القبر
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
مذهب سلف الأمة و أئمتها أن الميِّت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب و أن ذلك يحصل لروحه و لبدنه و أن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة و أنها تتصل بالبدن أحيانا فيصحل له معها النعيم و العذاب ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى أجسادها و قاموا من قبورهم لرب العالمين (1)
و قال النووي رحمه الله :
اعلم أن مذهب أهل السنة إثبات عذاب القبر و قد تظاهرت عليه دلائل الكتاب و السنة قال الله تعالى " النَّارُ يُعْرضُون عليها غُدُوًّا و عشِيًّا " غافر 46 ، و تظاهرت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه و سلم من رواية جماعة من الصحابة في مواطن كثيرة و لا يمتنع في العقل أن يعيد الله تعالى الحياة في جزء من الجسد و يعذبه، و إذا لم يمنعه العقل و ورد الشرع به وجب قبوله و اعتقاده
ثم قال : و المقصود أن مذهب أهل السنة إثبات عذاب القبر كما ذكرنا خلافا للخوارج و معظم المعتزلة و بعض المرجئة الذين نفوا ذلك
و قال أيضا : و لا يمنع من ذلك- يعني عذاب القبر- كوْنُ الميت قد تفرقت أجزاؤه كما نشاهد في العادة أو أكلته السباع أو حيتان البحر أو نحو ذلك فكما أن الله تعالى يعيده للحشر و هو سبحانه و تعالى قادر على ذلك فكذا يعيد الحياة إلى جزء منه أو أجزاء و إن أكلته السباع و الحيتان، فإن قيل : فنحن نشاهد الميت على حاله في قبره فكيف يُسأل و يُقعد و يُضرب بمطارق من حديد و لا يظهر له أثر ؟
فالجواب أن ذلك غير ممتنع بل له نظير في العادة و هو النائم فإنه يجد لذة و آلاما لا نحس نحن شيئا منها و كذا يجد اليقظان لذة و ألما لما يسمعه أو يفكر فيه و لا يشاهد ذلك جليسه منه، و كذا كان جبريل عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه و سلم فيخبره بالوحي الكريم و لا يدركه الحاضرون و كل هذا ظاهر جلي و الله أعلم . انتهى ملخصا (2)
------------------------------
(1) مجموع الفتاوى 284/4
(2) شرح مسلم 200/17
بيان مستقر الأرواح
ما بين الموت إلى يوم القيامة و تفاوتها فيه
قال ابن القيم رحمه الله :
و الأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظم تفاوت :
* فمنها أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى و هي أرواح الأنبياء صلوات الله و سلامه عليهم و هم متفاوتون في منازلهم كما رآهم النبي صلى الله عليه و سلم ليلة الإسراء
* و منها أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت و هي أرواح بعض الشهداء لا جميعهم، بل من الشهداء من تحبس روحه عن دخول الجنة لدين عليه أو غيره كما في المسند عن محمد بن عبد الله بن جحش أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال :
يا رسول الله ما لي إن قتلت في سبيل الله ؟ قال : " الجنة " فلما ولى قال : " إلا الدين سارَّني به جبريل آنفا "
* و منهم من يكون محبوسا على باب الجنة كما في الحديث الآخر :
" رأيت صاحبكم محبوسا على باب الجنة "
* و منهم من يكون محبوسا في قبره كحديث صاحب الشملة التي غلها ثم استشهد فقال الناس : هنيئا له الجنة فقال النبي صلى الله عليه و سلم : " و الذي نفسي بيده إن الشملة التي غلها لتشتعل عليه نارا في قبره "
* و منهم من يكون مقره باب الجنة كما في حديث ابن عباس " الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة و عشية " رواه أحمد و هذا بخلاف جعفر بن أبي طالب حيث أبدله الله عن يديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء
* و منهم من يكون محبوسا في الأرض لم تعل روحه إلى الملأ الأعلى فإنها كانت روحا سفلية أرضية، فإن الأنفس الأرضية لا تجامع الأنفس السماوية كما لا تجامعها في الدنيا، و النفس التي لم تكتسب في الدنيا معرفة ربها و محبته و ذكره و الأُنس به و التقرب إليه بل هي أرضية سفلية لا تكون بعد المفارقة لبدنها إلا هناك، كما أن النفس العلوية التي كانت في الدنيا عاكفة على محبة الله و ذكره و التقرب إليه و الأنس به تكون بعد المفارقة مع الأرواح العلوية المناسبة لها فالمرء مع من أحب في البرزخ و يوم القيامة، و الله تعالى يزوج النفوس بعضها ببعض في البرزخ و يوم المعاد و يجعل روحه ( يعني المؤمن ) مع النسم الطيب أي الأرواح الطيبة المشاكلة، فالروح بعد المفارقة تلحق بأشكالها و أخواتها و أصحاب عملها فتكون معهم هناك
* و منها أرواح تكون في تنور الزناة و الزواني، و أرواح في نهر الدم تسبح فيه و تُلقم الحجارةَ، فليس للأرواح سعيدها و شقيها مستقر واحد بل روح في أعلى عليين و روح أرضية سفلية لا تصعد عن الأرض
ثم قال رحمه الله :
و أنت إذا تأملت السنن و الآثار في هذا الباب و كان لك بها فضل اعتناء عرفت حجة ذلك، و لا تظن أن بين الآثار الصحيحة في هذا الباب تعارضا فإنها كلها حق يصدق بعضها بعضا، لكن الشأن في فهمها و معرفة النفس و أحكامها و أن لها شأنا غير شأن البدن، و أنها مع كونها في الجنة فهي في السماء و تتصل بفناء القبر و بالبدن فيه، و هي أسرع شيء حركة و انتقالا و صعودا و هبوطا و أنها تنقسم إلى مرسلة و محبوسة و علوية و سفلية و لها بعد المفارقة صحة و مرض و لذة و نعيم و ألم أعظم مما كان لها حال اتصالها بالبدن بكثير. فهناك الحبس و الألم و العذاب و المرض و الحسرة، و هنالك اللذة و الراحة و النعيم و الإطلاق و ما أشبه حالها في هذا البدن بحال ولد في بطن أمه و حالها بعد المفارقة بحاله بعد خروجه من البطن إلى هذه الدار، فلهذه الأنفس أربع دور كل دار أعظم من التي قبلها :
* الدار الأولى في بطن الأم و ذلك الحصر و الضيق و الغم و الظلمات الثلاث
* الدار الثانية هي الدار التي نشأت فيها و ألفتها و اكتسبت فيها الخير و الشر و أسباب السعادة و الشقاوة
* و الدار الثالثة دار البرزخ و هي أوسع من هذه الدار و أعظم، بل نسبتها إليها كنسبة هذه الدار إلى الأولى
* و الدار الرابعة دار القرار و هي الجنة أو النار فلا دار بعدها و الله ينقلها في هذه الدور طبقا بعد طبق حتى يبلغها الدار التي لا يصلح لها غيرها و لا يليق بها سواها و هي التي خلقت لها و هُيئت للعمل الموصل إليها، و لها في كل دار من هذه الدور حُكْمٌ و شأن غير شأن الدار الأخرى، فتبارك الله فاطرها و منشئها و مميتها و محييها و مسعدها و مشقيها، الذي فاوت بينها في درجات سعادتها و شقاوتها كما فاوت بينها في مراتب علومها و أعمالها و قواها و أخلاقها فمن عرفها كما ينبغي شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك كله و له الحمد كله و بيده الخير كله و إليه يرجع الأمر كله و له القوة كلها و القدرة كلها و العز كله و الحكمة كلها و الكمال المطلق من جميع الوجوه و عرف بمعرفة نفسه صدق أنبيائه و رسله و أن الذي جاؤوا به هو الحق الذي تشهد به العقول و تقر به الفِطر و ما خالفه هو الباطل و بالله التوفيق (1)
------------------------
(1) الروح (117/115)
قيام الساعة
فإذا اقترب الوعد الحق أمر الله عز و جل المَلك الموكل بالنفخ في الصور (1) فنفخ فيه نفخة واحدة، فحملت الأرض و الجبال فدكتا دكة واحدة، و تشققت السماء، و تناثرت الكواكب و طمست النجوم فذهب ضوءها و فجرت البحار و صعق (2) أشرار الناس لما ظهر لهم من أهوال يوم القيامة و زلازلها و أحوالها فقد عاينوا ما يوعدون و حاق بهم ما كانوا به يستهزئون
(1) الصور : قرن ينفخ فيه و هو كهيئة البوق
(2) صعق : أي مات
قال الله عز و جل :
" يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) " الحج
" فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (18) "
الحاقة
واهية : أي منخرقة
أرجائها : أي على حافاتها و أطرافها
" إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5) " الإنفطار
و قال جلت قدرته :
( إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ "7" فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ "8" وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ "9" وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ "10" وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ "11" لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ "12" لِيَوْمِ الْفَصْلِ "13" وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ "14" وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ "15") المرسلات
فرجت : أي انفطرت و وهت
أقتت : أي جمعت ليوم الفصل
" وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا (108) " طه
الجبال : أي هل تبقى يوم القيامة أم تزول ؟
صفصفا : أي أرضا مستوية
أمتا : أي لا ترى في الأرض يومئذ واديا و لا ربوة و لا مكانا منخفضا و لا مرتفعا
لا عوج له : أي لا عوج عنه
" يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلاً(14) " المزمل
مهيلا : أي تصير مثل كثيب الرمل بعدما كانت حجارة صماء
{ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)}
سورة الكهف
بارزة : أي ظاهرة جلية ليس فيها معلم لأحد
قيام الساعة على شرار الناس :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" يخرج الدجال في أمتي فيمكُث أربعين - لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما - فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه " قال : سمعتها من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " فيبقى شرار الناس في خفة الطير و أحلام السباع (1) لا يعرفون معروفا و لا ينكرون منكرا فيتمثل لهم الشيطان فيقول : ألا تستجيبون ؟ فيقولون : فما تأمرنا ؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، و هم في ذلك دارٌّ رزقهم حسن عيشهم ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا (2) و رفع ليتا قال : و أول من يسمعه رجل يلوط (3) حوض إبله فيصعق و يَصْعَقُ الناس، ثم يرسل الله - أو قال ينزل الله - مطرا كأنه الطِّلُّ أو الظِّلُّ - نعْمانُ الشَّاك- فتنبث منه أجساد الناس ثم يُنفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، ثم يقال : يا أيها الناس هَلُمَّ إلى ربكم، وقفوهم إنهم مسؤولون. قال : ثم يقال : أخرجوا بعث النار فيقال : من كم ؟ فيقال : من كل ألف تسعمائة و تسعة و تسعين، قال : فذاك يوم يجعل الولدان شيبا وذلك يوم يُكشف عن ساق "
رواه مسلم 2258
(1) أي سرعتهم إلى الشر و الظلم و العدوان
(2) الليت : صفحة العنق
(3) يلوط حوضه : أي يطينه و يصلحه
النفخ في الصور :
قال الله عز و جل :
" وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ { 68 } وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ { 69 } " الزمر
الشهداء : هم الملائكة الحفظة
" و نُفِخَ في الصُّور فإذَا هُمْ من الأجْداثِ إلى ربِّهم ينْسِلُون "
يـــــس
الأجداث : جمع جدث و هو القبر
ينسلون : أي يخرجون مسرعين
" وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) " النمل
الداخر : الذليل المهان
لا يعلم ما بين النفختين إلا الله عز و جل
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" ما بين النخفتين : أربعون " قالوا يا أبا هريرة يوما قال : أبيتُ (1) قالوا : أربعون شهرا ؟ قال أبيتُ قالوا : أربعون سنة ؟ قال أبيتُ، " ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبُتُ البقل " قال : " و ليس من الإنسان شيء إلا يَبْلى إلا عظما واحدا و هو عجب الذنب (2) و منه يُركَّب الخلق يوم القيامة "
متفق عليه
الفتح 172، و مسلم 2270
(1) أبيتُ : أي أبيت أن أجزم بأن المراد أربعين يوما أو شهرا أو سنة، و قد جاء في غير مسلم أنها أربعين سنة و لكن إسنادها ضعيف
(2) عجب الذنب : هو العظم اللطيف الذي في أسفل الصلب و هو رأس العصعص
أهوال القيامة
فإذا قام الناس من قبورهم لرب العالمين و نودوا : هلم إلى ربكم، وقفوهم إنهم مسؤولون. خشعت الخلائق و خضعت و ذلت للواحد القهار فتراهم يستجيبون مسارعين على المنادي لا يعاندون و لا يميلون
قال الله تبارك و تعالى :
" ((يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً)) "طه 108
لا عوج له : أي لا يميلون عنه
( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا "111" وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا " 112" ) سورة طه
وعنت : أي ذلت و استسلمت
هضما : أي نقصا
" فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِى يُوعَدُون " الزخرف 83
( يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ - خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ) [ المعارج : 43-44 ] .
نصب : أي كما يسعون في الدنيا إلى أصنامهم مسرعين
يوفضون : أي يبتدرون
ويل يومئذ للمكذبين :
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)}
ران : الرين هو ما يعتري قلوب الكافرين من كثرة الخطايا و التكذيب
{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ "51" قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ "52" إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ "53" فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ "54" } سورة يس
" وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ " [الزمر:60]
{ وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ "29" وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ "30" قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ"31" وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ "32" } سورة الأنعام
بالحق : أي أليس ما وعدكم الرسل من أمر البعث بحق
" وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29)انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ(31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) " المرسلات
شعب : يعني لهب النار إذا ارتفع بدخانه فمن شدته أن له ثلاث شعب
اللهب : يعني ظل الدخان لا ظليل هو في نفسه و لا يقيهم حر اللهب
كالقصر : أي كالحصون
قبض السموات و الأرضين
ثم يقبض الجبار سماواته بيده اليمنى و أرضيه بيده الأخرى ثم يقول : " أنا المَلِك، أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟
قال الله عز و جل : " و مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ و الأَرْضُ جَميعًا قَبْضَتُهُ يَوْم القِيامَةِ و السَّمَواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ و تعَالَى عمَّا يُشْرِكُون " الزمر 67
و قال تعالى :
" يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ للْكُتُبِ كمَا بدَأْنا أوَّل خَلْقٍ نُعِيدُه وَعْدًا علَيْنَا إنَّا كُنَّا فاعِلين " الأنبياء 104
أي كطي السجل لما هو مكتوب فيه
9/ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
" يَقْبِضُ اللهُ الأرضَ و يَطْوِي السماءَ بيمينه ثم يقول : أنا المَلِكُ أينَ ملوكُ الأرض "
الفتح 160/14 ، و مسلم 2148
10/ و عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" يطْوي الله عزَّ و جلَّ السموات يوم القيامة ثم يأخذُهنَّ بيده اليمنى ثم يقول : أنا الملك، أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ ثم يطْوي الأرضين بشماله ثم يقول : أنا الملك، أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ "
رواه مسلم
11/ عن عبيد الله بن مِقْسم أنه نظر إلى عبد الله بن عمر كيف يحكي رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" يأخذُ الله عزَّ و جلَّ سمواته و أرضيه بيديه فيقول : أنا الله - و يقبض أصابعه و يبسطها - أنا الملك "
حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني لأقول : أساقط هو برسول الله صلى الهل عليه و سلم ؟
رواه مسلم
صفة أرض الحشر
12/ عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" يُحشَرُ الناسُ يوم القيامة على أرضِ بيضاء عفراء (1) كقُرصَةِ النَّقِيّ (2) ليس فيها علمٌ لأحد "
رواه مسلم
(1) عفراء : أي بيضاء إلى حمرة ليست ناصعة البياض
(2) قرصة النقي : أي قرص الدقيق النقي من الغش و النخالة
يُحشر الناس يومئذ مشاة حفاة عراة غُرْلا
13/ عن عائشة رضي الله عنها قالت :
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
" يُحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غُرْلاً (1) "
قلت : يا رسول الله، النساء و الرجال جميعا ينظر بعضهم إلى بعض ؟ قال صلى الله عليه و سلم : " يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض "
متفق عليه
الفتح 176/14 ، و مسلم 2194
يحشر الكفار على وجوههم :
قال الله عز و جل : " و مَنْ أعْرَضَ عنْ ذِكْرِي فإنَّ لَهُ معِيشةً ضنْكًا و نحْشُرُه يوم القِيامَةِ أعْمى (124) قالَ رَبِّ لمَا حَشَرْتَنِي أعْمَى و قدْ كُنتُ بصِيرًا (125) قالَ كَذَلِك أتَتْكَ آيَاتُنا فَنَسِيتَها و كَذَلِك اليَوْمَ تنْسى (126) " طه
ضنكاً : أي لا طمأنينة فيها و لا انشراح بل صدره ضيق و إن أوتي من كل شيء لما يشعر به من الخوف من البعث و الحساب، هذا و هو به مرتاب شاك متردد بين التصديق و التكذيب و هذا حتى العذاب
و قال الله تعالى :
" وَ نَحْشُرُهم يَوْم القِيَامةِ على وُجُوههِمْ عُمْيًا و بُكْمًا و صُمًّا مَأْواهم جَهَنَّمَ كلَّمَا خَبَتْ زِدْناهُم سَعيرًا " الإسراء 97
14/ و عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا قال :
يا رسول الله كَيْفَ يحْشرُ الكافر على وجهه يوم القيامة ؟
قال : " أَلَيْسَ الذي أمْشَاهُ على رجْلَيْهِ في الدُّنيا قادراً على أن يُمْشِيهُ على وجهه يوم القيامة ؟
قال قتادة : بلَى وَعزَّةِ ربنا "
الفتح 170/14 و مسلم 2161
نوُّ الشمس من الخلائق و ما يكون من العرق
15/ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
"يعْرَقُ الناس يوم القيامة حتى يذْهب عَرقهُم في الأرض سبعين ذراعاً و يُلْجِمُهُم حتى يَبْلُغ آذانَهُم "
الفتح 185/14، و مسلم 2196
16/ عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
" تُدْنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار مِيل "
قال سُليْم بن عامر : فوالله ما أدري ما يعْني بالميل، أمسافة الأرض أم الميل الذي تُكْتحل به العين ؟ قال : " فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه و منهم من يكون إلى ركبتيه و منهم من يكون إلى حقويه و منهم من يُلجمه العرق إلجاماً "
رواه مسلم
حقويه : أي الخصر و معقد الإزار من الجنب
إلجاما : أي يصل إلى أفواههم
فتفكر يا عبد الله في الخلائق و ذلهم و انكسارهم في ذلك اليوم الطويل خوفا و انتظارا لما يُقضى عليهم من سعادة أو شقاوة، فكيف بك يا عبد الله في ذلك اليوم و قد لفظك القبر بعد طول بلاء فنظرت في عملك الذي قدمت فلم تجد إلا ريبة في البعث و شربا للخمر و لهوا و زنا كثيرا و لعبا للقمار و وقوعا في أعراض الناس و غيبة و نميمة و أكل أموال بالباطل و موالاة للملحدين الذين لا يؤمنون بالله و باليوم الآخر و استهزاء و محاربة للمؤمنين المتمسكين بالكتاب و السنة، ألا فاتق الله ربك و ارفق بنفسك .
الإتيان يومئذ بجهنم
قال الله عز و جل :
" كلاَّ إذَا دُكَّتِ الأرض دكًّا دكّاً (21) و جاءَ ربُّك و المَلَكُ صَفّاً صفًّا (22) و جائَ يومئذٍ بجهنَّم يومئذٍ يتذكَّرُ الإنسان و أنَّى له الذكرى (23) يقولُ يا ليتَنِي قدَّمْتُ لحَياتي (24) " الفجر
17/ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" يُؤْتَى بجهَنَّم يوْمئذٍ لها سبعون ألفَ زِمام، مع كلِّ زمام سبعون ألف ملك يجُرُّونها "
رواه مسلم
زمام : ما زم به و الجمع أزمة و هي الحبال
الذين يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله
18/ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" إنَّ اللهَ يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي اليوم أُظلُّهم في ظلِّي يوم لا ظل إلا ظلي "
رواه مسلم
بجلالي : أي بعظمتي و طاعتي لا للدنيا
ظلي : أي في ظل العرش يوم القيامة
19/ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
" سبْعةٌ يُظلُّهم اللهُ تعالى في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظِلُّه : إمَامٌ عَدْلٌ، و شابُّ في عبادة الله، و رجلٌ قلبُه معلق في المساجد، و رجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه و تفرقا عليه، و رجلٌ دعتْهُ امرأةٌ ذاتُ منصبٍ و جمالٍ فقال : إني أخاف الله، و رجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه و رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه "
الفتح 35/4 ، و مسلم 715
20/ عن أبي اليسر كعب بن عمرو رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" منْ أنظَر مُعْسِراً أو وضع عنهُ أظلَّهُ اللهُ في ظله "
رواه مسلم
21/ عن يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يقول :
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
" كلُّ امريءٍ في ظلِّ صدقتِه حتى يُفصل بين الناس " أو قال : " يُحكَمَ بين الناس " قال يزيد و كان أبو الخير لا يُخطِئه يومٌ إلا تصدَّق فيه بشيء و لو بكعكة أو بصلة أو كذا
رواه أحمد ( المسند 147/4 ) و صححه الألباني ( صحيح الجامع 170/4)
أول من يُدعى يوم القيامة آدم و إخراج بعث النار
22/ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
" أوَّلُ من يُدْعى يومَ القيامةِ آدمُ فتراءى ذُريَّته (1) فيقال : هذا أبوكم آدم فيقول : لبَّيك و سعْدَيْك، فيقول : أخْرج بَعْثَ (2) جهنَّم من ذُريتك فيقول : يا ربِّ كم أُخْرج ؟ فيقول : أخْرج من كُلِّ مائة تسعة و تسعين "، فقالوا : يا رسول الله إذا أخِذ منا كل مائة تسعة و تسعون فماذا يبقى منا ؟ قال : " إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود "
رواه البخاري
(1) ذريته : أي تنظر إليه و تتمكن من رؤيته
(2) البعث : بمعنى المبعوث و أصلها من السرايا التي يبعثها الأمير إلى جهة من الجهات للحرب و غيرها
23/ و عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" يقول الله عز و جل : يا آدم، فيقول : لبيك و سعديك و الخير في يديك، قال يقول : أخرج بعث النار، قال : و ما بعث النار ؟ قال : من كل ألف تسعمائة و تسعة و تسعين ، قال : فذاك حين يشِيب الصغير و تضع كل ذات حمل حملها و ترى الناس سكارى و ماهم بسكارى و لكن عذاب الله شديد " ، قال : فاشتد ذلك عليهم قالوا : يا رسول الله أيُّنا ذلك الرجل ؟ فقال : " و الذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ربع أهل الجنة " فحمدنا الله و كبرنا ثم قال : " و الذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة " فحمدنا الله و كبرنا ثم قال : " و الذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا شطر (1) أهل الجنة، إن مثلكم في الامم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالرَّقْمَةِ (2) في ذراع الحمار "
متفق عليه ( الفتح 179/14 و مسلم 201)
(1) شطر : أي نصف
(2) الرقمة : قطعة بيضاء تكون في باطن الذراع
فائدة : تقدم في الحديث الذي قبله " أخرج من كل مائة تسعة و تسعين " و في هذا الحديث " من كل ألف تسعمائة و تسعة و تسعين " و قد أجيب عن هذا الإشكال بأجوبة منها حملُ حديث أبي سعيد على جميع ذرية آدم فيكون من كل ألف واحد و حمل حديث أبي هريرة على من عدا يأجوج و مأجوج فيكون من كل ألف عشرة، و منها أن حديث أبي سعيد يتعلق بالخلق أجمعين و أن حديث أبي هريرة يتعلق بهذه الأمة خاصة، أما بعث النار فالله أعلم بهم : هل هم كفار أجمعون أم يختلقط بهم من عصاة الأمة أحد ؟ العلم عند الله تعالى Read more: أهوال يوم القيامة - الصفحة 2 - منتدى لأجلك محمد صلى الله عليك وسلم http://www.4muhammed.com/vb/showthread.php?t=15839&page=2#ixzz2N5J9ungA(1) الشجاع : الحية الذكر، و لاأقرع : الذي تمعط شعره لكثرة سمه
عذاب مانع الزكاة يومئذ
قال الله تعالى :
" و لا يحْسبَنَّ الَّذين يبْخلون بما ءاتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شرٌّ لهم سيُطَّوقون بما بخِلوا به يوم القيامة و لله ميراث السموات و الأرض و الله بما تعلمون خبير "
آل عمران 180
" و الذين يكْنِزون الذهب و الفضّة و لا ينْفقونها في سبيل الله فبشِّرهم بعذاب أليم (34) يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون (35) "
التوبة
24 / عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" من أتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مُثِّل له ماله شجاعاً أقْرع (1) له زبيبتان (2) يُطوِّقه (3) يوم القيامة يأخذ بٍلِهْزِمَتَيْهِ - يعني بشدقيه (4) - يقول : أنا مالك أنا كنزك " ثم تلا هذه الآية " و لا يحسبن الذين يبخلون بما ءاتاهم الله من فضله " آل عمران 180، إلى آخر الآية رواه البخاري
25/ عن ابي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" ما من صاحب ذهب و لا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه و جبينه و ظهره كلما بَرَدَت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد فيُرى سبيله إما إلى الجنة و إما إلى النار " قيل : يا رسول الله، فالإبل ؟ قال : " و لا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها و من حقِّها حَلْبُها يوم وِردِها (5) إلا إذا كان يوم القيامة بُطِح لها بقاعٍ قَرْقَرٍِ (6) أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا (7) واحدا، تطؤه بأخفافها و تعضه بأفواهها كلما مر عليه أولاها رُدَّ عليه أُخْراها ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد فيُرى سبيله إما إلى الجنة و إما إلى النار " قيل : يا رسول الله، فالبقر و الغنم ؟ قال : " و لا صاحب بقر و لا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بُطِح لها بقاع قرْقَر لا يفقِدُ منها شيئا، ليس فيها عقصاءٌ و لا جلحاءُ و لا عضباء (9) تنطحه بقرونها و تطؤه بأظلافها كلما مر عليه أوُلاها رُد عليه أُخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد فيُرى سبيله إما إلى الجنة و إما إلى النار "
رواه مسلم
26/ و رواه البخاري و مسلم أيضا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما و فيه :
" و لا صاحب كنز لا يفعل فيه حقه إلا جاء كنزه يوم القيامة شُجاعا أقرع يتبعه فاتحا فاه فإذا أتاه فرَّ منه فيُناديه : خُذ كنزك الذي خبَأَتَهُ فأنا عنه غنِيُّ فإذا رأى أن لا بد منه سلك يده في فيه فيقضمها قضم الفَحْل (10) "
-----------------------------------------------------
(1) الشجاع : الحية الذكر، و لاأقرع : الذي تمعط شعره لكثرة سمه
(2) هما الزبدتان اللتان في الشدقين، و قيل لحمتان على رأسه مثل القرنين
(3) أي يصير له ذلك الثعبان طوقا
(4) الشدقان : هما العظمان الناتئان في اللحيين تحت الأذنين، و في الجامع هما لحم الخدين الذي يتحرك إذا أكل الإنسان
(5) أي يوم أوردها الماء
(6) قاع قرقر : أي أرض مستوية واسعة
(7) الفصيل : ولد الناقة إذا فصل عن أمه
(
قال القاضي عياض : قالوا هو تغيير و تصحيف و صوابه ما جاء في الحديث الآخر " كلما مر عليه أخراها رد عليه أولاها "
(9) العقصاء : الملتوية القرنين ، و الجلحاء : التي لا قرن لها ، و العضباء : التي انكسر قرنها الداخلي
(10) أي يأكلها كما يأكل البعير أكلته
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗