قال أحد الولاة لسيدنا عمر إن أناساً قد اغتصبوا مالاً ليس لهم، لست أقدر على استخراجه منهم إلا أن أمسهم بالعذاب، فإن أذنت لي فعلت، سيدنا عمر قال: يا سبحان الله، أتستأذنني في تعذيب بشر، وهل لك أنا حصن من عذاب الله، وهل رضائي عنك ينجيك من سخط الله ؟ أقم عليهم البينة فإذا قامت فخذهم بالبينة، فإن لم تقم فادعوهم إلى الإقرار فإن أقروا فخذهم بإقرارهم، فإن لم يقروا فادعوهم إلى حلف اليمين فإن حلفوا فأطلق سراحهم، ويم الله لأن يلقوا الله بخيانتهم أهون من أن ألقى الله بدمائهم,
عند أخوانا القضاة قاعدة، لأن يخطئ القاضي بالعفو خير ألف مرة من أن يخطئ ظالماً، فإن الظلم يهتز له عرش الرحمن، أيام طفل في مدرسة المعلم يتهمه اتهاماً باطلاً ويعاقبه ولا يستمع إليه، والله أنا أكاد أن أقول أن هذا العمل فيه جريمة لأنه أورث هذا الطفل عقدة نفسية وهو بريء، اسألني ما هو أصعب شيء على الإطلاق ؟ أن تكون بريئاً وأن تتهم بتهمة ولا يسمح لك أن تدافع عن نفسك,
قبل أن تتهم الناس ابحث عن الدليل اليقيني، مرة ذكر لي أخ وقال لي: أنا عندي محل في سوق الجمعة، وأنا في محلي يأتي ابني الصغير ويقول لي في البيت رجل تعال وأنقذنا، رأى زوجته بثيابها الكاملة ويوجد رجل في البيت، قفل الباب وأحضر الشرطة وعمل محضر واتهم زوجته بالفاحشة، والقصة هي أن زوجته ليست فاحشة ولكن جاهلة، يوجد محل يبيع حاجات نسائية فاشترت منه حاجة، وقالت له: خفض لنا في سعر هذه السلعة، لماذا قلبك قاسي علينا، ماذا قال الله عز وجل ؟
﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32)﴾
( سورة الأحزاب )
فثاني يوم توقع أن هذه المرأة من نوع آخر فطرق الباب ودخل فوراً، اقتحم البيت، وهي في ثيابها الكاملة، فاستنجدت بزوجها، لو زوجها لم يتسرع ما كان خسر زوجته، اتهمها بالفاحشة وهي أم أولاده,
إياك أن تتسرع وإياك أن تتهم قبل أن تتحقق، قال تعالى:
﴿قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)﴾
( سورة النمل )
هذا الكلام يحتاجه الآباء، قبل أن تتهم صهرك سمعت من ابنتك، اسمع من صهرك ألا يحق له أن يدافع عن نفسه، قبل أن تتهم شريكك اسمع من شريكك، عد إلى الألف قبل أن تتهم، ولا تتسرع فالناس يكرهون التسرع، أشخاص كثيرون يعملون بالدعوة تراه وزع تهم على هؤلاء وهؤلاء,
قال لي شخص انضم إلى جماعة دينية جيدة وهذه الحلقة تقيّم أحد العلماء تقييماً سيئاً، فقال لي: أنا صدقتهم، وكنت في عقد قران ألقى هذا العالم كلمة رائعة، وعلامات الصدق واضحة، والعمق، فقال لي أهدرت كل كلامهم وانصرفت عنهم لأن تقييمهم غير صحيح,
هناك شيء يسمى مصداقية، إياك أن تفقد مصداقيتك عند الناس عندما تفقد المصداقية تنتهي، دائماً احرص على حكم حيادي، احرص على حكم واقعي إياك أن تزيد، إياك أن تنقص، إياك أن تبالغ، إياك أن تهدر كرامة إنسان بالباطل، إياك أن ترفعه، القيمة الوحيدة التي تشترك بين العلم والأخلاق الموضوعية، الموضوعية قيمة خلقية والموضوعية قيمة علمية، والناس يكرهون من يتسرع بالاتهام والتوبيخ.
أحد الأشخاص اسمه عبيد بن سلاّم ذهب إلى أحمد بن حنبل، فقال: يا أبا عبد الله لو كنت أتيك على نحو ما تستحق لأتيتك كل يوم، قال أحمد ابن حنبل: لا تقل هذا إن لي أخواناً لا ألقاهم إلا قليلاً لكنني أثق من مودتهم أكثر مما ألقاهم كل يوم، إنسان مسافر، إنسان يقوم بعمل عظيم إنسان يؤلف كتاب، وليس معنى هذا أن كل رجل يجلس معك دائماً أنه جيد، مقياس غير دقيق، والآن دققوا، لو أن إنسان له أستاذ يعظمه ويبجله، ويرفع مكانته ويعمل كل شيء لتعظيمه، وهذا التلميذ ليس مستقيم على أمر الله وليس في مستوى دعوة هذا الأستاذ، تلميذ آخر معتل وسلامه عادي لكن لا يوجد عنده هذا التعظيم الزائد ولكنه مستقيم والله الذي لا إله إلا هو أن هذا التلميذ الثاني الذي لا يوجد عنده أساليب التعظيم والله أقرب إلى الله، أقرب إلى الشيخ، أقرب إلى الأستاذ من الأول، الشيء ليس بالكلام الفارغ، الشيء بالاستقامة، قال تعالى:
﴿ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)﴾
( سورة الشورى )
أنا لا أسألكم أجراً وإن كان هناك أجر أسألكم إياه أن تكونوا في مستوى الدعوة، اسأل أستاذ ما الذي يسعده ؟ أن يسمع أن أخوانه مستقيمون، وما الذي يزعجه ؟ أن تأتيه أخبار سيئة عن أخوانه، وأن هذا الأخ كثيراً يعظم ولكن على الدرهم والدينار ليس نظيف,
على السفر يأتي فقط على الطعام، لا يعمل شيء، فإذا إنسان ليس في مستوى الدعوة كلامه لا يقدم ولا يؤخر، ولا يوجد حاجة للتعظيم يوجد حاجة للتطبيق، طبق يرفعك الله,
يوجد ثمانين منافق في عهد النبي تخلفوا عن غزوة تبوك وقدموا أعذار متقنة، والنبي قبل أعذارهم واستغفر لهم، جاءه أحد المتخلفين سيدنا كعب وقال له: والله إني أوتيت لساناً ولو جلست لأحد غيرك من أهل الدنيا لخرجت من سخطه، ولكنني خشيت أن أرضيك فيسخطك الله علي فإني سأصدقك، ما كنت في وقت أقوى ولا أنشط يوم تخلفت عنك فالنبي قال كلمة: أما هذا فقد صدق والثمانون كانوا كاذبين، مع أن حججهم قوية,
عامل نفسك بالصدق، أصدق مع الله واصدق مع عبد الله، لك مكانة كبيرة، لا تكذب,
(( عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلالِ كُلِّهَا إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ ))
المؤمن لا يكذب، حينما يكذب أهدر كرامته، قال لي أحدهم كيف المؤمن لا يكذب، قلت له قد يغلب، تغلبه شهوته، أما الكذب لا يوجد فيه شهوة ولكن فيه خبثنة، فتزل قدمه، الكذب خبثنة، نفس شريرة تخطط,
لا تنسوا أن أصعب شيء على النفس أن تتهم اتهاماً باطلاً وأن لا يسمح لك أن تعبر عن نفسك، آباء كثيرون يرتكبون في حق أولادهم أنا أقول جريمة، يتسرع ويجد هذا الطفل أنه لا يوجد حق في الحياة، اتهمه أبوه وضربه وطرده إلى الخارج، هذا الأب غير ناجح، تحقق وإذا صار تأديب بيّن السبب، وإلا أنت لست مربياً، ما علمت شيء إلا الحقد، أما إذا أدبته فقل له السبب,
يوجد فضيلة ويمكن لو قرأتم عشرات الكتب ليس لها مكان في هذه الكتب، مكان خطير جداً، اسمها الرجوع إلى الحق، الإنسان في بيته سيد لا يعترف بخطئه أبداً يكابر، لا يسمح لأحد أن ينتقضه، والله لا أدري ما أقول لو تعلمنا هذه الفضيلة لكنا في حال غير هذا الحال، عود نفسك أن تعترف بخطئك أما من هو دونك,
كنت عند طبيب أجرى لي شبه عملية بسيطة وصار في خطأ، وأنا لا يمكن أن أكشف هذا الخطأ، فقال لي يوجد خطأ مني، وأنا أحترمه احتراماً كبيراً لأنه صادق، وأنا لا يوجد عندي إمكان أن أكتشف هذا الخطأ، يستطيع أن يعزو خطأ لأي سبب آخر، فقال لي: الخطأ مني أنا، والله الذي لا إله إلا هو كأنه لم يخطئ,
المعترف بالذنب كمن لا ذنب له، عود نفسك بالاعتراف بالذنب، لا يوجد معصوم إلا سيد الكائنات محمد، وما سوى رسول الله، أما غير المعصوم إما أن يكون أخلاقي يعترف بخطئه، أو يركب رأسه، وعندما يركب رأسه يزداد خصومه، طريق طويل تختصره في كلمة واحدة، لذلك أن تعترف بالخطأ جزء من الدين,
الرسول صلى الله عليه وسلم يوجد قصة مثل هذه كان لنا قدوة ؟ الأحداث التي عاشها النبي عليه الصلاة والسلام مدروسة بحكمة بالغة أكاد أن أقول لكم مفتعلة، الله سبحانه وتعالى افتعلها ليظهر كماله وقوته الله أخبره عن طريق الوحي بعشرات ألوف القضايا، في موقعة بدر النبي الله حجب عنه المكان المناسب اختار موقع ولا ألفى في روعه أن المكان المناسب ولا ألقاه وحياً ولا اجتهاداً، فجاء صحابي إخلاصه عجيب ومحبته عجيبة وأدبه عجيب، فقال: يا رسول الله هذا الموقع وحي أوحاه الله إليك، انظر الأدب، لو كان وحي أوحاه الله إليك ولا حرف، الله كماله مطلق، أم هو الرأي والمشورة، فقال له:
بل هو الرأي والمشورة، فقال هذا الصحابي الأديب الجليل الغيور: يا رسول الله ليس بموقع، فالنبي صلى الله عليه بكل بساطة وبكل هدوء قال له: أين الموقع المناسب، فأشار عليه بالموقع المناسب، فقال له هذا هو الصواب وانتقلوا إلى الموقع الجيد,
ماذا فعل النبي ؟ رجع إلى الصواب وكان قدوة لنا في هذا الخلق، لذلك الناس يكرهون من يتمادى بالخطأ، من يركب رأسه، من يصر على موقفه أحمق، لذلك أنا يوجد عندي قاعدة إذا إنسان الخطأ واضح وركب رأسه لا أكلمه أبداً، وأرى مناقشته احتراماً له وهو أحقر من ذلك سؤال إذا إنسان عتال وعنده حمارة ماتت فقد دخله كلياً، فذهب ودفنها في مكان وعمر أربع جدران وقبة خضراء، وساواها ولي، وجاء الناس تباركوا بهذا الولي وقدم الهدايا وتنك السمن وهذه الذبائح، وهذا العتال عاش في بحبوحة مذهلة ما كان يحلم بها بحياته,
اسمعوا يا أخوان هل يوجد قوة في الأرض تقنع هذا الإنسان أن هنا دفن حمار ؟ قناعته أن هذا المدفون حمار أشد من الذي يناقشه لأنه دافنه بيده فهذا الإنسان لا يناقش، وإن ناقشته فأنت غير عاقل أبداً، المنتفع لا يناقش، ولا يوجد أبشع من أن الإنسان يركب رأسه، في أن يتمادى بالباطل وهو على خطأه,
الناس يكرهون من ينسب الفضل إلى ذاته، تجلس مع رجل كلامه لا يحتمل، فلان أنا صرفت عليه، فلان ساعدته، فلان اشتريت له بيت، فلان لحم أكتافه من خيري، هذا تبجح، الناس يكرهون من يمدح نفسه ويحبون من يعزو الفضل إلى الله سبحانه وتعالى، تجلس مع مؤمن تطرب لكلامه، هذه القضية الله وفقني بها، الله أكرمني بها، هذه الله ألهمني الصواب بها تراه متواضع يعزو الفضل إلى الله وإلى صاحب الفضل، فكل إنسان ينسب الفضل إلى ذاته هذا إنسان غير سوي، أكثر الناس إذا قضية جيدة هو الذي فعلها، أما إذا سيئة مهيئ جواب,
نحن من رواسب في حياتنا، إذا وجدت حفرة في الطريق يقول لك الاستعمار، الاستعمار مضى من خمسين سنة، هذه أخطاؤنا لا ترتاح وتعزي الخطأ للاستعمار، اعزي الخطأ لك أنت مكلف بعمل لم تتقنه، ما أحسنت عملك، اعترف بخطئك، أكثر الناس حتى بالقضاء والقدر إذا عمل عملاً جيداً يقول أنا فعلت هذا، أما إذا ارتكب معصية يقول الله مقدر علي، الله بعالم الأزل مقدر علي هذا العمل، كؤوس معدودة في أماكن محدودة,
المعاصي مقدرة عليه أما الطاعات هو فعلها، لا يوجد إنصاف، إما الطاعات والمعاصي لله، أو المعاصي والطاعات لنفسك قال تعالى:
﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28﴾
( سورةالأعراف )
يتبع