كيف تزكي أموالك
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"[آل عمران:102].
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" [النساء:1].
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا"[الأحزاب:70-71].
وبعد: فالزكاة هي الركن المالي الاجتماعي من أركان الإسلام الخمسة، وبها –مع التوحيد وإقامة الصلاة- يدخل المرء في جماعة المسلمين، ويستحق أخوتهم والانتماء إليهم، كما قال تعالى: "فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ"[التوبة:11].
والزكاة –كما هي في القرآن- ثالثة دعائم الإسلام، التي لا يقوم بناؤه إلا بها، ولا يرتكز إلا عليها، وهي طهارة لنفس الغني من الشح البغيض، وللفقير من الحسد والضغن على من يكنز ماله، وهي حماية للمجتمع كله من عوامل الهدم والتفرقة والصراع والفتن، وذلك كله يتضح من قوله تعالى: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا" [التوبة:103].
والزكاة وسيلة من وسائل الضمان الاجتماعي الذي جاء به الإسلام. فالإسلام يأبى أن يوجد في مجتمعه من لا يجد القوت الذي يكفيه، والثوب الذي يزينه ويواريه، والمسكن الذي يؤويه، فهذه الضروريات يجب أن تتوافر لكل من يعيش في ظلال الإسلام. والمسلم مطالب بأن يحقق هذه المطالب وما فوقها من جهده وكسبه، فإن لم يستطع فالمجتمع يكفله ويضمنه ولا يدعه فريسة الجوع والعري والسؤال. وإن من أعظم مظاهر الإحسان في الزكاة والصدقة صيانة ماء وجه الفقير من أن يراق علناً أمام جماعة الناس. قال تعالى: "إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" [البقرة:271].
والإحسان في معاملة المحتاج يجعل العلاقة بين الغني والفقير علاقة طيبة حسنة.
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ***فلطالما استعبد الإنسان إحسان
والزكاة من الموضوعات التي تهم المسلمين في حياتهم، خاصة وأنه قد ظهرت بعض المستجدات في عصرنا الحاضر كالورق النقدي والأسهم والسندات.
وهذه الرسالة مع صغر حجمها، إلا أنها احتوت الحديث عن: زكاة الثروة الحيوانية، وزكاة الذهب والفضة، وزكاة الزروع والثمار، وزكاة الثروة التجارية، وزكاة العسل، وزكاة الثروة المعدنية والبحرية، وزكاة المستغلات والدخل، وأخيراً زكاة الأسهم والسندات. وقد ذكرت الرأي المعاصر في النوع الأخير من الزكاة؛ وهو الأسهم والسندات، وسلكت في ذلك مسلك الاختصار وتقريب الموضوع إلى الأذهان.
ما تجب فيه الزكاة:
لم يحدد الله تعالى في كتابه الكريم، الأموال التي تجب فيها الزكاة، ولا المقادير الواجبة في كل منها، بل ترك ذلك للرسول –صلى الله عليه وسلم- يفصله في سنته القولية والعملية. يقول الله تعالى: "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" [النحل:44].
نعم هناك أنواع من الأموال ذكرها الله في كتابه، وأشار إلى زكاتها وأداء حق الله فيها إجمالاً وهي:
1- الذهب والفضة، التي ذكرها الله في قوله تعالى: "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" [التوبة:34].
2- الزروع والثمار، التي قال الله تعالى فيها: "كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ" [الأنعام:141].
3- الكسب من تجارة وغيرها، كما قال تعالى: "أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ" [البقرة:267].
4- الخارج من الأرض من معدن وغيره، قال تعالى: "وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ" [البقرة:267].
وفيما عدا ذلك عبر الله تعالى في كتابه عما تجب فيه الزكاة بكلمة عامة مطلقة، وهي كلمة أموال، في مثل قوله تعالى: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا" [التوبة:103].
وقوله "وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ" [المعارج:24-25].
وسوف نتحدث في هذا المقام عن الأموال التي تجب فيها الزكاة، ومقدار الواجب في كل نوع، مع التركيز قدر المستطاع على ربطها بالأشياء المعاصرة. وتحقيق ذلك وزنًا وكيلاً، وقيمة، والأموال التي سنتحدث عنها هي ما يأتي:
زكاة الثروة الحيوانية
المقصود بالثروة الحيوانية ما ينتفع به الإنسان من الأنعام، وهي: الإبل، والبقر، والغنم، وهي التي امتن الله بها على عباده.
وفي قوله تعالى: "وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ. وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ. وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ" [النحل:5-7].
الشروط العامة لزكاة الأنعام:
1- أن تبلغ الأنعام النصاب الشرعي؛ لأنها لا تجب إلا على الأغنياء، وأما من يملكون أعداداً يسيرة منها لحاجتهم فلا زكاة فيها؛ والنصاب في الإبل خمس، وفي الغنم أربعون شاة، وفي البقر ثلاثون بقرة، وما دون ذلك فلا زكاة فيه.
2- أن يحول على الأنعام حول كامل عند مالكها.
3- أن تكون الأنعام سائمة، ونعني بها الأنعام التي ترعى المباح أكثر العام.
4- ألا تكون عاملة، وهي التي يستخدمها صاحبها في حرث الأرض، أو نقل المتاع، أو حمل الأثقال؛ لأنها تدخل في الحاجات الأصلية كالثياب.
دليل وجوب الزكاة في الأنعام:
ما رواه أبو هريرة –رضي الله عنه- قال، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقّها، ومن حقها حلبها يوم وردها، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلاً واحداً، تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها، رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار! قيل: يا رسول الله: فالبقر والغنم. قال: ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، لا يفقد منها شيئاً، ليس فيها عفصاء ولا جلحاء ولا عضباء، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها، كلما مر عليه أولاها، رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله إمـــا إلى الجنــــة، وإما إلى الـنـــار..." (1)الحديث.
بيان كيفية زكاة الماشية:
أولاً: الإبل:
إذا ملك المسلم خمس ذود من الإبل، وحال عليها الحول، وهي في ملكه، وجب عليه فيها شاة من الضأن. وإذا ملك عشراً وجب عليه فيها شاتان. وإذا ملك خمس عشرة وجب عليه فيها ثلاث شياه. وإذا ملك عشرين وجب عليها فيها أربع شياه.
وإذا ملك خمساً وعشرين وجب عليه فيها بنت(2) مخاض، فإن لم يجدها أجزأه ابن لبون(3)حتى تبلغ ستًا وثلاثين، فيجب فيها بنت لبون حتى تبلغ ستًّا وأربعين، ففيها حقة(4) حتى تبلغ ستين، فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة (هي ما جذعت مقدم أسنانها أي أسقطته، وهي ما تم له أربع سنين ودخل في الخامسة)، حتى تبلغ تسعين، ففيها بنتا لبون حتى تبلغ مائة وعشرين ففيها حقتان. فإذا زادت على ذلك ففي كل أربعين بنت لبون. وفي كل خمسين حقة.
وهذا الجدول المصغر يوضح كيفية زكاة الإبل
جدول رقم (1) في بيان زكاة الإبل
العدد الواجب العدد الواجب
من إلى من إلى
5 9 شاة 36 45 بنت لبون
10 14 شاتان 46 60 حقة
15 19 ثلاث شياه 61 75 جذعة
20 24 أربع شياه 76 90 بنتا لبون
25 35 بنت مخاض 91 120 حقتان
فإذا زادت عن مائة وعشرين فالواجب في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة. وهكذا مهما بلغت.
ثانياً: البقر:
إذا ملك المسلم ثلاثين بقرة إلى تسع وثلاثين وجب عليه فيها عجل تبيع (التبيع ما تم له سنة كاملة سمي بذلك لأنه يتبع أمه). وإذا ملك أربعين إلى تسع وخمسين، وجب عليه فيها مسنة (المسنة ما تم له سنتان كاملتان سميت بذلك لأنها طلعت أسنانها). وإذا ملك ستين، إلى تسع وستين وجب عليه فيها عجلان تبيعان. وإذا ملك سبعين، إلى تسع وسبعين وجب عليه فيها مسنة وتبيع. ثم في كل ثلاثين تبيع. وفي كل أربعين مسنة. وهكذا مهما بلغت.
وهذا جدول يوضح كيفية زكاة البقر
العدد الواجب
من إلى
30 39 عجل تبيع
40 59 مسنة
60 69 تبيعان
70 79 مسنة وتبيع
ثم إذا بلغت ثمانين فما فوق، ففي كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة. وعليه ففي الثمانين مسنتان. وفي التسعين ثلاثة عجاجيل أتبعة. وفي المائة مسنة، وعجلان تبيعان، وفي مائة وعشر مسنتان، وتبيع. وفي مائة وعشرين ثلاث مسنات، أو أربعة عجاجيل أتبعة.
ثالثاً: الغنم:
إذا ملك المسلم أربعين رأسًا من الغنم إلى مائة وعشرين وجب عليه فيها شاة. فإذا زادت واحدة إلى مائتين، ففيها شاتان. فإذا زادت واحدة إلى ثلاثمائة، ففيها ثلاث شياه. فإذا زادت واحدة إلى أربعمائة، ففيها أربع شياه. فإذا زادت واحدة إلى خمسمائة، ففيها خمس شياه. ثم في كل مائة شاة مهما بلغت.
وهذا جدول يوضح كيفية زكاة الغنم
العدد الواجب
من إلى
40 120 شاة
121 200 شاتان
201 399 ثلاث شياه
400 499 أربع شياه
500 599 خمس شياه
ثم في كل مائة شاة. مهما بلغت.
مسائل تتعلق بزكاة الماشية:
الأولى: هل في صغار المواشي زكاة؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة؛ فمن قائل: إنه لا زكاة على الصغار! ولو بلغت نصابًا، ولا فرق عنده بين صغار الإبل أو البقر أو الغنم.
ومن قائل: بالتفريق بين صغار الغنم والإبل والبقر، فيوجبها في الثاني دون الأول.
ومن قائل: بعدم وجوبها إذا كانت الماشية كلها صغاراً. أما إذا كانت الماشية خليطاً بين الصغار والكبار ففيها الزكاة.
والذي يظهر وجوبها في الصغار لو بلغت نصاباً. وعليه فتؤخذ الزكاة من نوع النصاب..أما إذا كانت الماشية خليطاً بين الصغار والكبار فلا يجزئ في الزكاة إلا جذع الضأن، وثني المعز. وقد كان المصدق في عهد السلف يعتد بالسخلة(5)، ولا يأخذها. قال في المغني(6): "وإن ملك نصاباً من الصغار انعقد عليه حول الزكاة من حين ملكه. وعن أحمد لا ينعقد عليه الحول حتى يبلغ سنًّا يجزئ مثله في الزكاة؛ وهو قول أبي حنيفة وحكى ذلك عن الشعبي...".
وقال ابن تيمية(7)في مجموع الفتاوى: "إذا كانت الغنم أربعين صغاراً أو كباراً، وجبت فيها الزكاة، إذا حال عليها الحول...".
الثانية: زكاة الخيل:
قرر أهل العلم أنه لا زكاة فيما يقتنيه المسلم من الخيل للركوب أو حمل الأثقال، أو للجهاد عليها في سبيل الله، سواء أكانت سائمة أم علوفة؛ لأنها مشغولة حينئذ بحاجة صاحبها، ومال الزكاة كما قررنا هو المال النامي الفاضل عن الحاجة.
كما قرروا أن ما اتخذه منها للتجارة ففيه الزكاة؛ لأن الإعداد للتجارة دليل النماء والفضل عن الحاجة، سواء أكانت سائمة أم علوفة؛ لأنها في هذه الحالة تعد سلعة من السلع كسائر ما يباع ويشترى من الحيوان والنبات والجماد ابتغاء الربح.
كما قرر أهل العلم أن الخيل المعلوفة طوال العام أو أكثره لا زكاة فيها؛ لأن الشرط في وجوب الزكاة في الحيوان عندهم هو السوم.
وقد ذكر الكاساني في بدائع الصنائع إجماع أهل العلم على ذلك.
بقيت الخيل السائمة التي يقتنيها المسلم بغية استيلادها، ونتاجها، وهي خليط من الذكور والإناث، أو تكون إناثاً فقط.
فهذه محل خلاف بين أهل العلم! والصحيح المعتمد أنه لا زكاة فيها، لما ثبت عن الرسول –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة"(.
الثالثة: ما يأخذه الساعي في زكاة الأنعام:
ينبغي للساعي أن يكون عارفًا قدر المستطاع بأحكام الزكاة، فلا يأخذ أعلى من الواجب، ولا ينقص منه. فعليه مراعاة السن الواجبة إذ لا يُجزيء أقل منها؛ لأنه إضرار بالفقراء، ولا ينبغي أعلى منها لأنّه إجحاف بالأغنياء. كما ينبغي أن يتجنب المريضة والمعيبة والكبيرة والهرمة؛ لأنها لا تنفع الفقير. وبالمقابل ينبغي أن يتجنب الأكولة وهي السمينة المعدة للأكل. والربيَّ، وهي: التي تربي ولدها والمخاض، وهي: الحامل. والفحل؛ لأنها كلها من كرام الأموال، وأخذها إضرار بالغني ولا شك أن الإسلام بتشريعه العادل وازن بين المصالح للفقراء والأغنياء. فندب إلى أخذ الفقير حقوقه كاملة غير منقوصة، وندب إلى مراعاة حقوق الأغنياء في أموالهم، لتحقيق الهدف النبيل من تشريع الزكاة؛ تجسيدًا للتلاحم والتعاون بين فئات المجتمع الإسلامي الكبير.
الرابعة: الخلطة في بهيمة الأنعام:
(أ) الخليطان يتراجعان بالسوية
إذا كان هناك مسلمان لكل منهما عدد من الإبل أو البقر أو الغنم، وكان راعيهما واحدًا، ومراح ماشيتهما واحدًا، والفحل واحداً فهما خليطان؛ يأخذ المصدق من ماشيتهما الزكاة على أنها واحدة. ولا ينظر لمسألة الخلطة، ثم على الخليطين أن يتراجعا بينهما بالسوية حسب ملكهما. فإذا كان لأحد الخليطين عشر شياه، وللآخر ثلاثون، وأخذ المصدق الواجب وهو شاة واحدة، فهنا على صاحب العشر الربع، وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أرباع، وهكذا.
(ب) الأنواع في بهيمة الأنعام يضم بعضها إلى بعض
فالضأن والمعز نوعان. والبقر والجاموس نوعان. والبخت(9) والعراب(10) من الإبل نوعان. ويضم كل نوع إلى نوعه في الزكاة، وتخرج الزكاة من أكثر النوعين. والله أعلم.
(ج) لا يجوز أن يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الزكاة
لأن ذلك تحايل لإبطالها، أو تخفيفها، وهذا لا يجوز لما فيه من الإضرار بالفقراء.
مثال ذلك شخصان يملكان أربعين شاة، وقد خلطاها، فإذا قرب وقت مجيء المصدق فرقاها لتسقط عنهما الزكاة.
أو شخصان يملكان مائتين وشاتين مختلطة، ففيها ثلاث شياه. فإذا قرب وقت مجيء المصدق فرقاها ليجب على كل واحد منهما شاة واحدة فقط!
أو شخصان لكل واحد منهما أربعون شاة، فإذا قرب وقت مجيء المصدق جمعاها ليجب عليهما واحدة فقط! في حين أنه يجب على كل منهما واحدة، فهذا كله لا يصح! لما فيه من التحايل على إسقاطها، أو تخفيفها. والله أعلم.
زكاة الذهب والفضة
لم تعرف النقود في الأزمان القديمة، وإنما كان الناس يتعاملون بالسلع عن طريق التبادل –المقايضة- وهو أسلوب عقيم لا يصلح للمجتمعات الكبيرة. وقد تدرج الناس في التعامل حتى استقروا على التعامل بالذهب والفضة؛ لما ركب الله فيهما من الخصائص الفريدة من بين المعادن الأخرى، وحين بُعث الرسول –صلى الله عليه وسلم- كان الناس يتعاملون بهذين النقدين الذهب، في صورة دنانير، والفضة في صورة دراهم. وكانت هذه النقود تصلهم عن طريق الأمم المجاورة لهم، حيث لم يعرف أنهم ضربوا سكة معينة.
دليل وجوب الزكاة في النقود:
من الأدلة على وجوب الزكاة في النقود، قول تعالى: "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ" [التوبة:34-35].
وقوله –صلى الله عليه وسلم- "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمى عليها في نار جهنم، فيكوى بها جبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.." (11)
نصاب النقود ومقدار الواجب فيها:
وردت في السنة أحاديث كثيرة توضح نصاب النقود ومقدار الواجب فيها نذكر طرفًا منها فيما يلي:
* من ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري –رضي الله عنه- قال، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمس أواق صدقة"(12)
* وما رواه جابر بن عبد الله، قال، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "ليس فيما دون خمس أواق من الوَرِقِ صدقة"(13)
* وما رواه أنس –رضي الله عنه- في "كتاب الصدقات المشهور الذي كتبه أبو بكر لأنس حينما وجهه إلى البحرين، وفيه: ".. وفي الرقة في مائتي درهم ربع العشر، فإن لم يكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها"(14)
قال النووي: "..فنصاب الفضة خمس أواق، وهي مائتا درهم بنص الحديث والإجماع. وأما الذهب فعشرون مثقالاً والعول فيه على الإجماع"(15)
وقال ابن قدامة: ".. وجملة ذلك أن نصاب الفضة مائتا درهم، لا خلاف في ذلك بين علماء الإسلام.." (16).
وقال: "قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الذهب إذا كان عشرين مثقالاً قيمتها مائتا درهم أن الزكاة تجب فيها إلا ما حكي عن الحسن"(17).
تبين لنا من خلال هذه النصوص الصريحة ثبوت نصاب الذهب والفضة بالسنة والإجماع، وأنه عشرون مثقالاً –ديناراً- بالنسبة للذهب، ومائتا درهم بالنسبة للفضة. وتبين أن الواجب فيهما إذا بلغا نصابًا ربع العشر، وهو نصف دينار بالنسبة للذهب، وخمسة دراهم بالنسبة للفضة.
قال ابن خلدون(18) في مقدمته: "فاعلم أن الإجماع منعقد منذ صدر الإسلام، وعهد الصحابة والتابعين، أن الدرهم الشرعي هو الذي تزن العشرة منه سبعة مثاقيل من الذهب.
والأوقية منه أربعين درهمًا، وعلى هذا سبعة أعشار الدينار، ووزن المثقال من الذهب ثنتان وسبعون حبة من الشعير. فالدرهم الذي هو سبعة أعشاره خمسون حبة وخمسا حبة، وهذه المقادير كلها ثابتة بالإجماع...".
وقال في مغني(19) المحتاج: "والمثقال لم يتغير جاهلية ولا إسلاميًّا، وهو اثنتان وسبعون حبة، وهي شعيرة معتدلة لم تقشر، وقطع من طرفيها ما دق وطال. والمراد بالدراهم الإسلامية التي كل عشرة منها سبعة مثاقيل، وكل عشرة مثاقيل أربعة عشر درهماً وسبعان.. إلى أن قال والدرهم خمسون حبة وخمسا حبة...".
وقال النووي(20) "..وقال أصحابنا: أجمع أهل العصر الأول على التقدير بهذا الوزن المعروف، وهو أن الدرهم ستة دوانيق، وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، ولم يتغير المثقال في الجاهلية ولا الإسلام".
وقال الفيروز آبادي(21) :".. والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم، والدرهم ستة دوانق والدانق قيراطان. ثم قال والحبة سدس ثمن درهم، وهو جزء من ثمانية وأربعين جزءًا من درهم".
تحويل الدينار والدرهم إلى الجرامات:
تبين لنا من النصوص السابقة أن الدينار اثنتان وسبعون حبة شعير، وأن الدرهم سبعة أعشار المثقال، وعليه فالدرهم إحدى وخمسون حبة شعير – احتياطاً(22).
وهنا يسهل تحويل الدينار والدرهم إلى الجرامات، وذلك عن طريق وزن حبات الشعير المحددة، وقد قمت بنفسي –والحمد لله- بوزن حبات الشعير مفردة ومجموعة في أكثر من مناسبة، وفي أكثر من ميزان من موازين الصاغة، وظهرت لي النتائج التالية:
وزن الدينار يتراوح بين ثلاثة جرامات ونصف الجرام، وبين ثلاثة جرامات وثلاثة أرباع الجرام، ووزن الدرهم يتراوح بين جرامين وثلث الجرام، وبين جرامين وثلاثة من عشرة من الجرام، علمًا بأن صفة حبات الشعير التي وزنتها أنها متوسطة مقطوعة الطرفين ما دق وطال عليها قشرتها، كما ورد وصفها عند أهل العلم.
وبهذا يُصبح نصاب الذهب بالجرامات سبعين جرامًا، حاصل ضرب عشرين ديناراً في ثلاثة جرامات ونصف الجرام (20&artshow-86-7942.htm#215;3.5 =70 جرامًا).
ونصاب الفضة أربعمائة وستون جرامًا، حاصل ضرب مائتي درهم في جرامين، وثلاثة من عشرة من الجرامات (200&artshow-86-7942.htm#215;2.3 =460جرامًا).
وبهذا يظهر أنني رجحت الأقل احتياطاً لأنه أبرأ لذمة المسلم وأحفظ لحقوق الفقراء، وعليه فمن ملك نصابًا من الذهب وهو سبعون جرامًا وجب عليه فيه ربع العشر وهو جرام وثلاثة أرباع الجرام (1.75) ومن ملك نصابًا من الفضة وهو أربعمائة وستون جرامًا.
وجب عليه فيه ربع العشر، وهو أحد عشر جراماً ونصف الجرام (11.5).
النصاب بالعملات الورقية المتداولة:
إذا ملك المسلم نصاباً من الذهب أو الفضة، أو أراد إخراج زكاته بالعملات الورقية المتداولة، لزمه أن يسأل عن سعر الجرام من الذهب والفضة حال وجوب الزكاة عليه، وبعد ذلك يخرج الواجب بالعملة المتداولة.
فمثلاً: إذا أراد إخراج زكاة الذهب أو الفضة بالريالات السعودية، فعليه أن يسأل عن سعر الجرام من الذهب أو الفضة في وقت وجوب الزكاة عليه، ثم يخرج حاصل ضرب سعر الجرام من الذهب أو الفضة ربع العشر مما يملك.
وحيث إن سعر الجرام من الذهب في يوم الثلاثاء 26/7/1405هـ هو سبعة وثلاثون ريالاً سعوديًّا (37) فعلى من يملك نصابًا من الذهب، وهو سبعون جرامًا أن يُخرج ربع العشر، وهو جرام وثلاثة أرباع الجرام (1.75) وقيمتها (64.75) ريال سعودي.
وحيث إن سعر الجرام من الفضة في يوم الثلاثاء 26/7/1405هـ هو سبعة ريالات سعودية، فعلى من يملك نصابًا من الفضة وهو أربعمائة وستون جراماً أن يُخرج ربع العشر، وهو أحد عشر جرامًا ونصف الجرام 11.5) وقيمتها (80.5) ريال سعودي، وهذه القيمة تختلف من وقت لآخر، وحسب سعر الجرام من الذهب والفضة.
فعلى أي مسلم يملك نصاباً من الذهب أو الفضة في بلد إسلامي، أن يُخرج زكاته بعملة بلده، وذلك بمعرفة سعر الجرام من الذهب والفضة بعملة بلده نفسها وهذا أمر ميسور، ولله الحمد والمنة.
النصاب بالريالات السعودية:
العملة المتداولة في المملكة العربية السعودية مقومة بالفضة، لأنها نائبة عنها في التعامل، وعليه فإذا أردنا معرفة نصاب الزكاة بالريالات السعودية، فعلينا أن نعرف سعر النصاب من الفضة بالريالات السعودية، ثم نخرج ربع العشر من القيمة.
فمثلاً(23): سعر نصاب الفضة في يوم الثلاثاء 26/7/1405هـ يساوي (460&artshow-86-7942.htm#215;7 =3220) ريالاً، نخرج ربع عشرها (3220 &artshow-86-7942.htm#247;40 =80.5) ريال، فمن ملك ثلاثة آلاف ومائتين وعشرين ريالاً، وجب عليه فيها ثمانون ريال ونصف ريال سعودي.
يقول الشيخ أبو بكر الجزائري: "وتجب الزكاة في الذهب إذا بلغ نصابًا، ونصابه عشرون دينارًا زنته اثنتان وسبعون حبة شعير، وزنتها بالجرامات ثلاثة جرامات ونصف الجرام، فإذا ضربت في عشرين دينارًا صارت سبعين جرامًا وهي نصاب الذهب".
ويقول(24) في موضع آخر: "الأوقية أربعون درهمًا، فإذا ضرب الأربعون في خمسة عدد الأواقي كان الحاصل مائتي درهم، وهو نصاب زكاة الفضة بالدرهم. والدراهم إحدى وخمسون حبة شعير، وزنتها بالجرامات جرامان وثلاثة من عشر هكذا (2.3). فإذا ضربت في مائتين عدد الدراهم كان الحاصل أربعمائة وستين جرامًا، وهو نصاب الفضة بالجرامات، والواجب فيه ربع العشر كالذهب سواء بسواء".
ويقول في موضع آخر(25)"… وعليه فمن كان لديه من العملة ما يساوي قيمة سبعين جرامًا من الذهب فقد وجبت عليه الزكاة، فيزكي ما عنده من العملات بنسبة ربع العشر أي اثنين ونصف في المائة، وبهذا أصبح الأمر ميسراً سهلاً إذ ما على المسلم إذا حال الحول على ما عنده من المال الذي عمل في الغالب ما عليه إلا أن يأتي بائع ذهب ويسأله عن قيمة سبعين جرامًا من الذهب أو أربعمائة وستين جرامًا من الفضة، فإذا أعلمه بها هل هذا المبلغ الذي ذكر له عنده أولا! فإن وجده عنده، علم أن الزكاة وجبت عليه وزكى ما عنده وإن كان ما عنده أقل مما أخبره به بائع الذهب علم أن ماله لم يبلغ نصابًا وأنه لا زكاة عليه فيه".
تنبيهات:
الأول: ليعلم أن الذهب يُضم إلى الفضة، وكذا يُضم إليهما أو إلى أحدهما العملة المتداولة في كل بلد، لأنها قائمة مقامهما، فمن ملك أقل من سبعين جراماً من الذهب وعنده من الفضة أو عملة بلده ما يكمل سبعين جرامًا وجبت عليه الزكاة، لأن مجموع ما عنده يبلغ نصابًا، وهكذا الحال بالنسبة للفضة وسائر العملات الورقية.
الثاني: ذهب بعض أهل العلم إلى أن نصاب الذهب خمسة وثمانون جرامًا (85جرامًا)، ونصاب الفضة خمسمائة وخمسة وتسعون جرامًا (595) جراماً.
وهذا القول(26) مرجوح في نظرنا لأمرين:
1- أن الأخذ بالأقل هو الأحوط لدين المسلم والأبرأ لذمته والأنفع لإخوانه الفقراء.
2- أن تقديرنا للدينار باثنتين وسبعين حبة والدرهم بخمسين حبة وخمسي حبة عليه عامة أهل العلم وقد قمت بوزن اثنتين وسبعين حبة شعير كما سبق فوزنت ثلاثة جرامات ونصف جرام، ومن قال: إن النصاب في الذهب خمسة وثمانون جراماً وفي الفضة خمسمائة وخمسة وتسعون جرامًا قدر الدينار والدرهم بأكثر مما سبق.
زكاة الثروة التجارية
أباح الله للمسلمين أن يشتغلوا بالتجارة ويكسبوا منها بشرط ألا يتجروا بسلعة محرمة.
وقد أوجب الإسلام على المسلم التاجر الذي يملك ثروة ويستغلها في التجارة أوجب عليه زكاة سنوية شكراً لنعمة الله، ووفاء بحق ذوي الحاجة من إخوانه، ومساهمة في المصالح العامة التي يعود نفعها للمجتمع المسلم، ولقد عُني فقهاء الإسلام بهذا النوع وأفردوا له مباحث مستقلة، سموها عروض التجارة، وهي تشمل عندهم كل ما يعد للبيع والشراء بقصد الربح.
دليل وجوب زكاة عروض التجارة:
دليل وجوب الزكاة في عروض التجارة، قول الحق تبارك وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ" [البقرة:267].
فقد ذكر عامة أهل العلم أن المراد بهذه الآية زكاة عروض التجارة. قال الإمام(27) الطبري في تفسير الآية: "يعني بذلك جل ثناؤه زكوا من طيب مما بتصرفكم –إما بتجارة وإما بصناعة- من الذهب والفضة، ويعني بالطيبات الجياد يقول: زكوا أموالكم التي اكتسبتموها حلالاً، وأعطوا في زكاتكم الذهب والفضة الجياد منها دون الرديء".
شروط وجوب زكاة عروض التجارة:
ذكر الفقهاء مجموعة شروط لابد أن تحقق في عروض التجارة، لكي تجب فيها الزكاة وهي:
1- الملك التام لعروض التجارة.
2- بلوغ عروض التجارة نصاباً، وذلك بتقويمها بأحد النقدين.
3- حولان الحول على هذه العروض.
مقدار الواجب في عروض التجارة:
يجب فيها ربع العشر، مهما كانت، وهو اثنان ونصف في المائة 2.5%، فإذا ملك عروضًا، تجارية قيمتها مائة ألف ريال وجب عليه فيها ألفا ريال وخمسمائة ريال (2500) ريال.
كيفية زكاة عروض التجارة:
على أصحاب المتاجر الذين يبيعون ويشترون، ولا تستقر البضائع عندهم طويلاً كباعة البقول والأقمشة وأدوات البناء وأواني الطبخ وغيرها، على هؤلاء أن يقوّموا الموجود عندهم رأس كل حول، ويضيفوا إليه ما عندهم من الأموال الزكوية فيزكوه بنسبة ربع العشر إذا بلغ نصابًا كما في المثال السابق.
زكاة الزروع والثمار
لقد أنعم الله على الإنسان بنعم شتى في نفسه وماله، وسخر له كثيرًا من المخلوقات، تكريمًا له وتشريفًا، ومن نعم الله على عباده أن جعل الأرض صالحة للإنبات والإثمار، لتكون مصدرًا من مصادر رزق المخلوقين، ووسيلة من وسائل معيشتهم التي تقوم بها حياتهم، والفضل من الله أولاً وأخيراً فهو الذي سخر الأرض للمخلوق ليستفيد منها، يقول تعالى: "أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ" [الواقعة:63-64].
ولعل من أبرز مظاهر الشكر لهذه النعمة العظيمة أداء الزكاة، مما تخرج الأرض من زرع أو ثمر مواساة للفقراء والمساكين، وسدًّا لخلة المحتاجين.
دليل وجوب زكاة الزروع والثمار:
استدل أهل العلم على وجوب زكاة الزروع والثمار بقول الحق تبارك وتعالى: "كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ" [الأنعام:141].
وما رواه أبو سعيد الخدري، قال، قال: رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة"(28).
وما رواه جابر بن عبد الله، أنه سمع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "فيما سقت الأنهار والغيم العشور وفيما سقى بالساقية نصف العشر"(29).
أنواع الزروع والثمار التي تجب فيها الزكاة:
اختلف أهل العلم في الأصناف التي تجب فيها الزكاة؛ وسبب اختلافهم راجع إلى تعلق الزكاة، هل هي متعلقة بالعين أم هي متعلقة بالعلة؟
وعلى أية حال فالعلماء متفقون على وجوب الزكاة في أصناف أربعة هي: الحنطة والشعير والزبيب والتمر.. وما عداها فهو محل خلاف.
فمن أهل العلم من لا يوجبها في غير هذه الأصناف الأربعة.
والجمهور على وجوبها في غيرها ولكنهم مختلفون في العلة، هل هي الاقتيات والادخار أم هي الكيل أم تجب في كل الزروع والثمار؟ الذي يظهر لي تعلقها بعلة الاقتيات والادخار! لأنه الوصف الملائم لهذه المطعومات.
النصاب في زكاة الزروع والثمار:
الصحيح الذي ينبغي التعويل عليه أن نصاب الزروع والثمار خمسة أوسق فأكثر، فلا يجب فيهما دون خمسة أوسق زكاة.
وهذا منطوق النص الصحيح الصريح الذي لا يحتمل غير هذا، وما ذهب إليه بعض أهل العلم في وجوب الزكاة في القليل والكثير الخارج من الأرض فهو مرجوح، إذ هو خلاف ما دلت عليه النصوص الصحيحة الصريحة.
عدم اعتبار الحول في زكاة الزروع والثمار:
لا يشترط في زكاة الزروع والثمار حَوَلَان الحول، وهذه ميزة يتميز بها هذا النوع من أموال الزكاة عن غيره، وذلك لأن هذا النوع من أموال الزكاة نماء في نفسه، فتخرج منه الزكاة عند كماله، ثم بعد ذلك يبدأ في النقص لا في النماء، ولو أخرج منه العشر أو نصف العشر وبقى عنده أعوامًا طويلة لم يجب عليه فيه شيء لأن زكاته تجب مرة واحدة فقط.
مقدار الواجب في زكاة الزروع والثمار:
المعول عليه في المقدار هو ما ورد في السنة من تحديد النصاب والمقدار، فالنصاب ورد تحديده في الصحيح بخمسة أوسق كما سبق. والمقدار ورد تحديده أيضًا بالعشر، أو نصف العشر، في حديث جابر السابق. وإليك ثلاثة نصوص حددت النصاب والمقدار تحديدًا لا يبقى معه لبس.
أ- ما رواه أبو سعيد الخدري –رضي الله عنه- قال، قال: رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة"(30).
ب- ما رواه أبو سعيد الخدري –رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله –صلى الله صلى الله عليه وسلم- قال: "فيما سقت الأنهار والغيم العشور، وفيما سقي بالساقية نصف العشر".
ج- ما ثبت في الصحيح من حديث سالم بن عبد الله عن أبيه –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًّا(31)العشر، وما سقى بالنضح(32) نصف العشر(33).
هذه النصوص الثلاثة حددت النصاب بخمسة أوسق، وحددت المقدار، إن كان يسقى بدون مؤنة بالعشر، وهو نصف وسق. وإن كان يسقى بمؤنة بنصف العشر، وهو ربع وسق.
نصاب الزروع والثمار بالمقاييس العصرية:
النصاب خمسة أوسق، والوسق ستون صاعًا، فيكون النصاب ثلاثمائة صاع. يقول.. النووي(34)".. والمراد بالوسق ستون صاعا كل صاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي... فالأوسق الخمسة ألف وستمائة رطل بالبغدادي...".
قال في القاموس(35):" والوسق ستون صاعا " وقال في موضع آخر(36): "والصاع أربعة أمداد كل مد رطل وثلث. قال الداودي معياره الذي لا يختلف أربع حفنات بكفى الرجل الذي ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما إذ ليس كل مكان يوجد فيه صاع النبي –صلى الله عليه وسلم- انتهى وجربت ذلك فوجدته صحيحًا".
قال في مغني(37) المحتاج: "والصاع أربعة أمداد، فيكون النصاب ألف مُدّ، ومائتي مد والمد رطل وثلث بالبغدادي وذلك ألف وستمائة رطل...".
وقد قمت بنفسي –ولله الحمد- والمنة وقست المد بيدي وكلفت غيري ممن أثق به بقياس ذلك وسألت أهل الخبرة فظهرت لي النتائج التالية:
تبين لي أن المد يزن خمسمائة وستين جراماً من البر الجيد _560) جراماً.. وقد تحققت من هذه النتيجة عن طريق الوزن بالريال الفرنسي حيث إن المد يزن عشرين(38) ريالا فرنسيا (20) ريالا فرنسيا، والريال الفرنسي يزن ثمانية وعشرين جراما (28) جراماً. فيكون المد حاصل ضرب عشرين ريالاً فرنسيا في ثمان وعشرين جراما (20&artshow-86-7942.htm#215;28=560جراماً).. وبما أن الصاع أربعة أمداد بلا إشكال، فيكون الصاع بالجرامات حاصل ضرب خمسمائة وستين جراما في أربعة أمداد (560&artshow-86-7942.htm#215;4=2240) أي (2.25)كيلو، فظهر أن الصاع يساوي كيلوين وربعا من الكيلو، وعليه فيكون نصاب زكاة الزروع والثمار (300&artshow-86-7942.htm#215;2.25=675) كيلو جرام. وهذا بالنسبة للبر والأرز الثقيل والتمر. وأما الشعير يختلف عنها نظرا لخفته، فيكــون وزنه أقل من غيـره، والنسبـة بين الشعيـــر والبـــر تســـاوي 23/28(39)من حيث الوزن، وهذا ما ظهر لي خلال تجربتي في الوزن. والله أعلم.
وقد اطلعت أثناء البحث على ما قرره شيخنا فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، في كتابه مجالس شهر رمضان حول نصاب الحبوب، حيث قال ما نصه: "والوسق ستون صاعا بصاع، النبي –صلى الله عليه وسلم- فيبلغ النصاب ثلثمائة صاع بصاع النبي –صلى الله عليه وسلم- الذي تبلغ زنته بالبر الجيد ألفين وأربعين جراما أي كيلوين وخمس عشر الكيلو. فتكون زنة النصاب بالبر الجيد ستمائة واثنى عشر كيلو(40). وهنا لم يذكر شيخنا كيف توصل إلى ذلك ولعله قاس بنفسه أو سأل أهل الخبرة وعلى العموم فالنصاب تقريبي والاحتياط فيه مطلوب.
تنبيه:
قال ابن قدامة: "والنصاب معتبر بالكيل فإن الأوساق قليلة وإنما نقلت إلى الوزن لتضبط وتحفظ. وتنقل ولذلك تعلق وجـــوب الـــزكاة بالمكيلات دون الموزونات والمكيلات تختلف في الوزن فمنها الثقيل كالحنطة والعـــدس ومــنها الخفيف كالشعــــير والـــذرة ومــنها المتـــوسط..." (41).
زكاة العسل
امتن الله على عباده بكثير من الطيبات، ومنها العسل. يقول تعالى: "وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [النحل:68-69].
هل في العسل زكاة؟
اختلف أهل العلم أيجب في العسل زكاة أو لا؟
فمنهم من قال: بوجوبها، متعمداً على بعض الآثار الواردة في ذلك.
ومنهم من لم يوجبها مستنداً إلى عدم وجود دليل صحيح صريح على وجوبها والذي يظهر وجوبها لأن العسل يخرج من النحل وهو يتغذى من الأشجار وهو مما يدخر وكلفته من الزروع والثمر..
قال ابن قدامة(42) في المغني: "ومذهب أحمد أن في العسل العشر قال الأثرم سئل أبو عبد الله أنت تذهب إلى أن في العسل زكاة قال نعم أذهب إلى أن في العسل زكاة العشر قد أخذ عمر منهم زكاة قلت ذلك على أنهم تطوعوا به قال لا بل أخذه منهم".
نصاب العسل ومقدار الواجب فيه:
اختلف القائلون بوجوب الزكاة في العسل في نصابه فمنهم من أوجبها في القليل والكثير ومنهم من حددها بعشرة أفرق ومنهم من قاسه على الحبوب والثمار فجعل نصابه خمسة أوسق فمتى بلغت قيمته خمسة أوسق من الحبوب والثمار وجبت فيه الزكاة ومقدارها العشر وهذا هو الظاهر لقوة الشبه بين العسل والحبوب والثمار ولأن خمسة أوسق هي النصاب الشرعي المنصوص عليه والله أعلم.
زكاة الثروة المعدنية والبحرية
أودع الله سبحانه وتعالى في الأرض موارد الثروة وأودع في الإنسان طاقة العمل فعليه أن ينصب ويكدح ليحصل على ما يستطيع من كنوز الأرض والبحر وعلى قدر استغلال طاقته والاستفادة من تجاربه تكون حصيلته من باطن الأرض والبحر.
تعريف المعدن:
المعدن في اللغة: مأخوذ من العدن وهو الإقامة سمي بذلك لعدونه أي إقامته يقال : عدن بالمكان إذا أقام به.
وشرعاً: كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة.
تعريف الركاز:
الركاز لغةً: من الركز بمعنى الإثبات.
وشرعاً: ما يوجد في الأرض أو على وجهها من دفائن الجاهلية ذهباً أو فضة أو غيرها.
أدلة وجوب الزكاة في المعدن والركاز:
استدل أهل العلم على وجوب الزكاة في المعدن والركاز بعموم قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ" [البقرة:267].
قال القرطبي –رحمه الله- يعني النبات والمعادن والركاز(43).
وقد نقل صاحب المجموع الإجماع على وجوب الزكاة في المعادن حيث قال: "قال أجمعت الأمة على وجوب الزكاة في المعادن"(44).
صفة المعدن الذي تجب فيه الزكاة:
اختلف أهل العلم في صفة المعدن الذي يتعلق به وجوب الزكاة على ثلاثة أقوال:
الأول: قول الإمام مالك والشافعي حيث قصرا المعدن الذي تجب فيه الزكاة على الذهب والفضة وأما غيرهما من الجواهر فلا زكاة فيه.
الثاني: قول أبي حنيفة وأصحابه حيث أوجبوا الزكاة في المعادن المستخرجة من الأرض الجامدة التي تنطبع بالنار وأما المعادن السائلة والمعادن الجامدة التي لا تنطبع بالنار فلا شيء فيها.
الثالث: قول الحنابلة حيث أوجبوا الزكاة في كل أنواع المعادن وهي كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة ولا فرق بين ما ينطبع وما لا ينطبع سواء أكان جامداً أم سائلاً.
والذي نراه رجحان ما ذهب إليه الحنابلة لعموم قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ" [البقرة:267].
وهذا ما يتمشى مع روح الشرع المطهر الذي يصلح لكل زمان ومكان حيث نرى إمكانات الناس الهائلة في وقتنا الحاضر في استخراج شتى أنواع المعادن من باطن الأرض وخصوصا السائلة منها.
نصاب الزكاة في المعادن:
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
الأول: ذهب الحنفية إلى وجوب الزكاة في المعدن في قليله وكثيره دون اعتبار نصاب له، لأنهم قالوا: إنه ركاز، ولا يعتبر له حول، فلم يعتبر له نصاب كالركاز.
الثاني: وذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد إلى وجوب الزكاة في المعدن إذا بلغ نصابا وذلك بأن يبلغ الخارج ما قيمته نصاب من النقود واستدل هؤلاء بعموم الأحاديث التي وردت في نصاب الذهب والفضة وبالإجماع على أن نصاب الذهب عشرون مثقالاً.
والصحيح الذي تعضده الأدلة هو اعتبار النصاب وعدم اعتبار الحول ووجه التفريق هنا ما ذكره صاحب المغني حيث قال: "إن المعدن مفارق للركاز من حيث إن الركاز مال كافر أخذ في الإسلام فأشبه الغنيمة. وهذا واجب مواساة وشكراً لنعمة الغنى فاعتبر له النصاب كسائـــر الـــزكوات وإنما لم يعتبر له الحــول لحصوله دفعة واحـدة فأشبـه الــزروع والثمار"(45).
مقدار الواجب في زكاة المعدن:
اختلف أهل العلم في هذه المسألة فذهب الحنفية إلى وجوب الخمس في المعدن وذلك بناء على أنه فيئ وعليه فيصرف في مصالح المسلمين عامة.
وذهب مالك وأحمد والشافعي في أحد قوليه إلى أن الواجب ربع العشر قياساً على الواجب في النقدين وعندهم أنه زكاة يصرف في مصارف الزكاة الثمانية المحددة بقوله تعالى: "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" [التوبة:60].
هل تجب الزكاة فيما يستخرج من البحر؟
لا تجب الزكاة على الصحيح من أقوال أهل العلم في المستخرج من البحر كاللؤلؤ والمرجان والعنبر والسمك وقال بعض أهل العلم بوجوب الزكاة فيه لأنه خارج من معدن فأشبه الخارج من معدن البر.
والذي يظهر لي عدم وجوب الزكاة في المستخرج من البحر لأنه قد كان يخرج على عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وخلفائه فلم يأت فيه سنة عنه ولا عن أحد من خلفائه من وجه يصح ولأنه الأصل عدم الوجوب فيه ولا يصح قياسه على معدن البر لأن العنبر إنما يلقيه البحر فيوجد ملقى في البر على الأرض من غير تعب فأشبه المباحات المأخوذة من البر(46).
زكاة المستغلات والدخل
أما زكاة المستغلات من العمارات المؤجرة والمصانع ونحوها.
وزكاة الدخل من كسب العمل والمهن الحرة فالذي يظهر لي أن الزكاة لا تجب فيها إلا إذا حال الحول على المال وهو في حوزة مالكه معاملة لها مثل غيرها من الأموال المملوكة فإذا أجر شخص مصنعًا وقبض أجرته وحال عليها الحول وجبت فيها الزكاة وكذلك المساكن المؤجرة مهما عظمت وكثرت لا تجب الزكاة إلا في أجرتها إذا حال عليها الحول وهذا ما عليه عامة أهل العلم قديمًا وحديثًا.
زكاة الأسهم والسندات
التعامل بين الناس قائم ما وجدوا على ظهر الأرض ولا يستطيع الإنسان أن يعيش بمفرده بمعزل عن الناس بل بعضهم محتاج إلى بعض وصدق الشاعر:
الناس للناس من بدو وحاضرة بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
ولذا جدت معاملات معاصرة اقتضى الأمر عرضها على نصوص الكتاب والسُّنة وإلحاقها بأشبه المعاملات بها ومن هذه الأمور المستجدة الأسهم والسندات فكيف زكاتها.
نقول الأسهم حقوق مالية يمتلكها الأفراد في شركات أو مؤسسات ويقبض أرباحها حسب نظام الشركة.
والسندات جمع سند وهو تعهد مكتوب من جهة معينة كاملة بسداد مبلغ مقدر من قرض في تاريخ معين نظير فائدة مقدرة.
وأما كيفية زكاة الأسهم والسندات فالذي يظهر لي من كلام أهل العلم أن صاحب الأسهم مخير بين أن يزكي رأس ماله كل سنة وإذا قبض الربح زكاه لما مضى أو لعام واحد على خلاف بين أهل العلم.
وبين أن يسأل رأس كل حول عن قيمة أسهمه ويزكيها حسب ما يفيده به القائمون على الشركة أو المؤسسة التي ساهم فيها أو ما يفيده به أهل الخبرة سواء كانت رابحة أو خاسرة.
وزكاتها زكاة النقدين إذا بلغت نصابًا وهو ربع العشر 2.5%.
وأما السندات فهي ديون مؤجلة.
والصحيح من كلام أهل العلم وجوب تزكية الديون إذا كانت على موسرين فإذا حال الحول على الديون ومنها السندات زكاها كغيرها من الأموال الموجودة عنده.
وإن أخر زكاتها حتى قبضها زكاها إذا قبضها لما مضى.
يقول الدكتور القرضاوي [... هناك اتجاهان في زكاة الأسهم والسندات...]:
الاتجاه الأول:
ينظر إلى هذه الأسهم والسندات تبعًا لنوع الشركة التي أصدرتها أهي صناعة أم تجارية أم مزيج منهما.. فلا يعطي السهم حكماً إلا بعد معرفة الشركة التي يمثل جزءًا من رأس مالها وبناء عليه يحكم بتزكيته أو بعدمها.
الاتجاه الثاني:
ينظر إليها كلها نظرة واحدة ويعطيها حكمًا واحدًا بغض النظر عن الشركة التي أصدرتها... فيعتبرها عروض تجارة تأخذ أحكامها في كل شيء(47)...
وهنا أنبه إلى أمر هام وهو أن المساهمة في البنوك الربوية أمر محرم لأنه تعامل بالربا صراحة وإعانة لها على عملها وهو محرم كما أن المساهمة في الشركات التي يثبت تعاملها بالربا أمر محرم لأنه من التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه شرعًا "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" [المائدة:2].
فلا يجوز المساهمة ابتداءً في هذه الشركات لكن من جهل حالها ثم تبين له أنها تتعامل بالربا فعليه التخلص منها والبعد عنها وإن لم يستطع فينتظر حتى توزع أرباحها فإن علم قدر الربا أخرجه بنية التخلص منه لا بنية التقرب به إلى الله. وإن لم يعلم قدر الربا فعليه إخراج نصف الربح احتياطاً.
وعلى المسلم أن يحتاط لنفسه وذريته ومن تحت يده فلا يطعمهم إلا ما أحل الله وفي الحلال مندوحة عن الحرام والقليل الحلال أفضل وأزكى وأطيب من الكثير الذي تشوبه الشوائب.[size=24]
(1) رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم انظر صحيح البخاري (ج2ص91 وصحيح مسلم (ج3ص70).
(2) هي بنت الحامل يقال مخضت الناقة فهي ماخض إذا حملت وهي ما تم لها سنة ودخلت في الثانية.
(3) اللبون من الإبل ما وضعت حملها الثاني وهي ماتم له سنتان ودخل في الثالث.
(4) جمعها حقاق وهي ما استحقت أن يطرقها الفحل وهي ما تم له ثلاث سنين ودخل في الرابعة.
(5) (صغيرة الغنم التي لا تقوى على المشي يحملها الراعي)
(6) المغني لابن قدامة ج2ص452) وانظر حاشية ابن عابدين ج2ص282.
(7) مجموع الفتاوى ج35ص49
(
رواه مسلم انظر صحيح مسلم ج3ص67.
(9) هي الإبل الخراسانية.
(10) هي كرائم الإبل
(11) رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم –انظر صحيح البخاري ج2ص91 وصحيح مسلم ج3ص70.
(12) رواه مسلم في صحيحه انظر صحيح مسلم ج3ص66،67.
(13) رواه مسلم في صحيحه انظر صحيح مسلم ج3ص66،67.
(14) رواه البخاري انظر صحيح البخاري ج2ص100.
(15) شرح صحيح مسلم ج7ص48.
(16) المغني ج3ص35.
(17) المغني ج3ص37
(18) مقدمة ابن خلدون ج1ص219.
(19) مغني المحتاج للشربيني الخطيب ج1ص389.
(20) شرح صحيح مسلم ج7ص52.
(21) القاموس الميحط ج3ص330
(22) قلنا احتياطاً لأن الدرهم يزن خمسين حبة وخمسي حبة فجبرنا الكسر احتياطاً.
(23) ليعلم أن هذا النصاب يختلف من وقت لآخر تبعاً لسعر الجرام من الفضة فليقس على هذا المثال. والله أعلم.
(24) الجمل في زكاة العمل ص28،27.
(25) الجمل في زكاة العمل ص36
(26) ) ارتضى هذا القول شيخنا فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حيث قال في كتابه مجالس شهر رمضان ص23: "والمراد الدينار الإسلامي الذي يبلغ وزنه مثقالاً. وزنة المثقال أربعة جراما