الطواف : معناه ودلالاته
الطواف : معناه ودلالاته
الطواف : معناه ودلالاته
يعد الطواف واحدا من أهم أركان الحج وبد ونه يبطل , كما يعد واحدا من أركان العمرة الثلاثة وبد ونه تبطل العمرة أيضا فما هو الطواف وما هي أبعاده الكونية ؟
للطواف شروط وسنن وآداب معروفة منها الطهارة والنية وستر العورة , وأن يكون داخل المسجد الحرام , فتكون الكعبة المشرفة على يسار الطائف , ويبدأ الطائف طوافه بالحجر الأسود ويختم به , ويكون الطواف سبعة أشواط .
فالطواف إذن ركن هام في كل من الحج والعمرة , وإذا كان الحج فرض مرة في العمر فإن العمرة في العمر مرات ومرات لمن قدر عليها فهي سنة واجبة لقوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله )(البقرة من الآية 196 ) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للسائل: حج عن أبيك واعتمر )( أصحاب السنن وصححه الترمذي ).
والطواف في حد ذاته عبادة يثاب عليها المرء وهو كالصلاة إلا أن الصلاة لا كلام فيها قال صلى الله عليه وسلم الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير , وثواب الحج والعمرة كبير قال صلى الله عليه وسلم ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ).
والطواف كما قلنا سبعة أشواط حول البيت الحرام , والشوط الواحد يبدأ من الحجر الأسود وينتهي عنده كذلك , فما أبعاده الكونية والمعرفية ؟وما علاقته بالكون ؟ وإلى أي حد يمكن أن يشكل اتحادا من الانسان بالكون في خضوعهما وتسبيحهما وعبوديتهما للخالق الباريء عز وجل ...؟
يقول العلماء : إن الطواف الذي يتم حول الكعبة المشرفة يتم في عكس اتجاه عقرب الساعة , وهو نفس اتجاه الدوران الذي تتم به حركة الكون من أدق دقائقه إلى أكبر وحداته , فالإلكترون يدور حول نفسه ثم يدور في مدار حول نواة الذرة في نفس اتجاه الطواف أي عكس حركة عقارب الساعة, والذرات في داخل السوائل المختلفة تتحرك حركة موجبة , حتى في داخل كل خلية فإنها تتحرك حركة دائرية موجبة , والبروتوبلازم ايضا يتحرك حركة دائرية في نفس الاتجاه و وإذا أخذنا حركة الأجسام الكبيرة والأجرام السماوية فإننا نجد أنها تدور أيضا نفس دورة الطواف أي في عكس اتجاه عقارب الساعة . ( من آيات الإعجاز العلمي في القران الكريم – د . زغلول النجار – مكتبة الأسرة 2002)
وهكذا فان كل دقيق صغير في الكون وكل كبير هائل فيه يدور في نفس الاتجاه , وتبدو عظمة الله جل في علاه في الترتيب ألعلائقي لدوران هذه الأجسام , فكل دقيق صغير في الكون يدور حول ما
هو أكبر منه فالإلكترون يدور حول النواة , والنواة أكبر من الإلكترون , والأرض تدور حول الشمس , والشمس اكبر من الأرض , والمجموعة الشمسية تدور حول مركز المجرة , والمجرة أكبر ببلايين المرات من المجموعة الشمسية , والمجرة تدور حول التجمع المجري وهو أكبر ببلايين المرات من المجرة , وكل مفردات الكون في هذا النسق وضمن هذه المنظومة العلائقية تدور وتطوف حول واحد وهو رمز لوحدانية الله وعبودية خلقه أينما كانوا ومهما كانوا له , فكل مافي السموات والأرض زوجي المادة وأقطاب المادة الموجب والسالب , المادة الظاهرة والمادة الخفية , الذكر والأنثى , ولا يبقى في الكون إلا معنى واحد للتوحيد وهو وحدانية الله .( نفس المصدر السابق ) .
فالطواف حول الكعبة المشرفة سنة فطرية إذن ولا يخلو من هذا المعنى الذي أراده الخالق البارىء وهو خضوع الخلق جميعا: البشر والشجر والحجر وغيرهم لهذا الناموس الكوني وانضوائهم جميعا في هذه العبادة التي تقوم بها مفردات الكون صغيرها وكبيرها في خشوع وتسبيح وابتهال صامت ودائم , والله فرضه على الإنسان المسلم مرة في العمر لمن قدر ليتسق مع مفردات الكون في خضوعها وطوافها , ويعزز من هذا المعنى أن مكة المكرمة في قلب دائرة تمر بأطراف جميع القارات السبع التي تكون اليابسة والأرض هي مركز السموات السبع بنص الآية الكريمة من سورة الرحمن ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لاتنفذون إلا بسلطان ).
وهذا المعنى أشار إليه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : البيت المعمور منا مكة ووصفه صلى الله عليه وسلم للبيت المعمور بأنه بيت في السماء السابعة حيال الكعبة لو خر لخر فوقها .
فالطواف إذن فضلا عن كونه ركنا من أركان الحج والعمرة وعبادة وتقرب من الإنسان لخالقه , فهو اتحاد بين الإنسان ومفردات كونه في الخضوع للخالق , وهو اتساق مع حركة الكون وهو يسبح لله آناء الليل وأطراف النهار وفي كل وقت وحين , ولعله تذكير للإنسان المسلم الطائف بأن ما يقدمه قليل وأن جزاءه كبير فالكون كله في حالة صلاة وتسبيح طوعا وكرها بمسلميه وغيرهم لأن الطواف كما يقول الدكتور احمد شوقي إبراهيم رئيس لجنة الإعجاز العلمي في القران الكريم – في أي صورة من صوره هو صلاة وتسبيح لله تعالى(جريدة الإهرام 17-1-2005 ) وإلى هذا المعنى أشار ربنا تبارك وتعالى حين قال :في سورة الإسراء ( تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا ) وقوله كذلك في سورة الرعد ( ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال ) .
فالكون كله عزيزي القاريء الكريم من الحصاة الصغيرة إلى الجرم الكبير هو في حالة طواف وسجود وتسبيح لله لأنه مكون من ذرات تطوف حول ما هو أكبر منها . ولاننسى أن الطواف التزام
من المسلم المؤمن بمنهج ربه وهو عهد يقطعه المسلم على نفسه بألا يحيد عنه مهما لاقى من محن وخطوب فالإسلام هو السبيل والمنهج والمسار الى نعيم الله وجنته , فالطواف يؤكد كل هذه المعاني الجميلة فسبحان الله العظيم وله الحمد في الأولى والآخرة .