من مقومات الحياة الزوجية في الشريعة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين, وحبيب رب العالمين, و خاتم النبيين, وصفوة الخلق أجمعين, سيدنا محمد, صلى الله, عليه وآله وصحبه وسلم, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد
فإن للزواج في الإسلام أهمِّية, لا توجد في تشريع قط إلاّ الإسلام؛ لأن الإسلام لا يعتبر الزواج مجرد علاقة اجتماعية, ولا علاقة بين النوعين تنتهي عند شهوات الجسد, وإنَّما سما بهذه العلاقة على العلاقات الاجتماعية, والماديّة, فجعلها تجمع بين الروحيّة والمادية, وتدخل في مراتب العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى.
كما جعل للزواج شروطًا وأركانًا, لايتم إلا بها, وجعل له خصائص يتميز بها عن غيره, وأهدافاً ومقاصد وغاياتٍ, يجب أن يحققها حتى تستمر الحياة, وتكون في طاعة الله تعالى, فيتحقق المعنى الذي من أجله خلق الله الإنسان, واستعمره في الأرض, وأرسل الرسل والأنبياء, وهو تحقيق الخلافة في الأرض, بعبادة الله وحده, والزواج يؤسس حلقه لا تتناهى من حلقات الاستخلاف في الأرض؛ ولذا لا غنى عنه للفرد والمجتمع, و لا يمكن حصر المصالح والمقاصد والأغراض التي تترتب عليه.
كما أن الزواج في الإسلام شركة بين الزوجين, ويترتب عليه مجموعة من الحقوق, والواجبات, والأعباء على كل واحد من الزوجين, فهو ليس لصالح الزوج, أو لمصلحة الزوجة على حساب الزوج, أو لمصلحتهما معًا على حساب المجتمع .
فحقوق الزواج مُرَاعى فيها تحقيق العدل الاجتماعي بين الزوجين من جهة, وبينهما وبين المجتمع على حد سواء, ولأنه لا يمكن أن تُشرع الأحكام لمصلحة فئة على حساب فئة أخرى؛ لأن الكل خَلْق الله, فلا مزيَّة لهذا على ذاك.
ومن ناحية أخرى: فإن المجتمع عبارة عن مجموعة من العلاقات الزواجية, فلا يمكن تفضيل بعضها على بعض؛ ولذلك وضع لهذه العلاقات نظامًا محكمًا, يضمن لها ديمومة حياتها, واستقرارها, وأمنها؛ حتى يمكن أن تؤدي كل أسرة دورها في الحياة على الوجه الأكمل, ولا تتعطل مسيرة الحياة, ومن ثم يؤثر على المهمة والغاية التي من أجلها خلق الله الخلق, وهي: عبادة الله وحده جلَّ وعلا؛ ولذا جعل للحياة الزوجية مقومات, تضمن لكل واحد من الزوجين ديمومة السعادة, والحياة الطيبة بينهما ما تمسكا بهذه المقومات في حياتهما, كما يكون لها أثرها أيضًا في الآخرة؛ لأن كل ما يفعله المسلم ابتغاء وجه الله له في الآخرة منه أكبر الحظ والنصيب, فهذه المقومات الزواجية التي وضعها الإسلام, تُعدُّ بمثابة قانون لتحقيق دوام السعادة بين الزوجين, مَنْ تمسك بها, وسار على هديها كان من السعداء في الدنيا والآخرة, ووجد في حياته الزوجية جنة حياته, وراحة نفسه, وإرضاء عواطفه, وغرائزه بإذن الشرع.
ومَنْ لم يأخذ بها, ولم يسر على طريقها, قلَّ أنْ ينجح في حياته, ولربما كثرت مشكلاته الزوجية, وتعثرت حياته ,وغالباً تنتهي بالفراق والطلاق, أو تظل رهينة المحاكم, والمجالس العرفية إلى أنْ يعودا إلى هدي الإسلام ويعالجا حياتهما بما لم يأخذوا به أولاً, فإنه لا يصلح الدوام إلا ما أصلح الابتداء, وهذه المقومات منها ما هو مشروع على سبيل الوجوب, ومنها ما هو مستحب, ومندوب, ومنها ما هو محل اتفاق بين الفقهاء, ومنها ما هو مختلف فيه؛ ولهذا فإن في جمع هذه المقومات, وبيان أثرها فائدة عظيمة, لاسيما في الوقت الراهن, الذي طغت فيه الماديات, وكثرت فيه المشكلات بين الأزواج, وطفحت المحاكم بمشكلات الزوجية, وتعقدت فيها كثير من القضايا؛ لغياب المقومات التي تعالج اعوجاج الحياة, وتصلح أمرها, وتعيد لها نصابها, ولذلك استخرت الله تعالى أن أقوم بدراسة بعض هذه المقوِّمات, والتي لها أثرها في الحياة, وربما أهملها كثير من الناس وسوف يكون البحث بعنوان " من مقوِّمات الحياة الزوجية في الشريعة الإسلامية" باعتبار أن المقومات كثيرة ومتعددة, وقد تختلف بحسب وجهات النظر, لكن حسبنا منها ما تؤيده الأدلة النقلية, ويظهر أثره في استقامة الحياة وديمومتها, ويتوافق مع أهداف النكاح ومقاصده, ويتلاقى مع روح التشريع وجوهره.
وترجع أسباب اختيار الموضوع إلى:
1.أهمية هذا الموضوع، حيث إن مقومات الحياة الزوجية تعد أساسا لتحقيق السعادة التي هي غاية كل زوج.
2.أثر مقومات الزواج في حل المنازعات والخلافات الزوجية والتي غالبا ما تؤدي إلى الفرقة والشقاق، ومن ثمّ الطلاق؛ ولا يكاد مجتمع يسلم من ذلك.
3.أن الحاجة ماسة إلى مزيد من الدراسات التي تعالج تعثر الحياة الزوجية وتساعد على ديمومة المودة والألفة بين الزوجين.
وتقتضي طبيعة البحث تقسيمه إلى:
مقدمة , وتمهيد وثلاثة فروع وخاتمة .
المقدمة في خطة البحث
التمهيد في: معنى المقوِّمات في اللغة, وعند الفقهاء, والمراد بها في البحث.
الفرع الأول: من مقوِّمات الزواج أنه عبادة من أفضل العبادات.
الفرع الثاني: من مقوِّمات الزواج التراضي بين طرفيه.
الفرع الثالث: من مقوِّمات الزواج المعاشرة بالمعروف.
منهج البحث :
ليس الهدف في هذا البحث حصر كل مقومات النكاح, ولا حصر آثارها بالكلية, وإنما الإشارة إلي أهم تلك المقومات وأثرها علي الحياة الزوجية, وقد جعلت الدراسة مقارنة بين المذاهب الأربعة المشهورة, ومن ثم منهجي في البحث على النحو التالي:
1)- جمع المسائل الفقهية المتعلقة بمقومات النكاح, والتي يتبين من خلالها أثر تلك المقومات في استقامة الحياة الزوجية.
2)- دراسة تلك الفروع دراسة فقهية مقارنة يتبين من خلالها أثر تلك المقومات في تحقيق مقاصد الزواج.
3)- نسبة الآراء إلى قائلها, وتوثيقها من المراجع المعتبرة في المذاهب الفقهية, ومصادر التفسير والحديث وغيرها.
4)- توثيق الآيات القرآنية المستدل بها في البحث بالهامش ونسبتها إلى سورها.
5)- تخريج الأحاديث النبوية حسب المنهج المعروف في التخريج.
6)- ترجمة الأعلام الوارد ذكرهم بالبحث.
الخاتمة وضع الإسلام للحياة الزوجية مقومات, تضمن استمرارها بين الزوجين على الوجه الأمثل, تحقيقًا للمقاصد التي شرع الزواج من أجلها, والتي بوجودها ينعم الفرد والمجتمع بالحياة الطيبة دنيا ودين, وهذه المقومات كثيرة ومن أهمها مايلي:
أولا- اعتبر الإسلام الزواج عبادة, بل من أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى, وذلك يؤدي إلى ديمومة الحياة الطيبة المستقرة بين الزوجين.ويتفرع على اعتبار النكاح عبادة أمورًا من أهمها مايلي:
1- يستحب عقد النكاح في المسجد.
2- يستحب عقد النكاح يوم الجمعة ؛ لأفضليته.
3- أن يكون اختيار الزوج والزوجة على أساس الخلق والدين.
ثانيا- جعل الحياة الزوجية تقوم على أساس الرضا بين طرفيها, مما يكون له أثره في توثيق العلاقة بين الزوجين, ويحقق لهما التواصل الذي لا تتم الحياة الزوجية, فلا حياة بالإكراه, فإن أكرهت فلها أن تطلب الخيار.
ثالثا- أن أساس العلاقة الزوجية المعاشرة بالمعروف, وجعل حقوق العقد ترجع إليهما معًا, وليس لأحدهما دون الآخر بما يوطد روح التعاون بينهما طوال العمر, ويحقق المقاصد المطلوبة من الزواج, حيث لا يمكن تكثير النسل, والقيام على تربيته, إلا من خلال زوجية تقوم على المعاشرة بالمعروف, كما يؤثر ذلك في ديمومة التواصل بين الأسر والعائلات, وتوطيد العلاقة بين الزوج, وأقارب الزوجة, وبين الزوجة وأقارب زوجها, فتنهمر العلاقات, وتدوم المودة بينهما.