فضل التلبية والتكبير
لبيك اللهم لبيك..لبيك لا شريك لك لبيك..إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك...
ما أروعها من كلمات..وما أعمقها من معان زاكيات..تخرج من القلب لتعلن الطاعة المطلقة، والاستجابة المتكررة لذي الجلال والإكرام..لبيك اللهم لبيك..أي استجبت لك يا الله استجابة بعد استجابة...
كأنا بهم قد سمعوا صدى ذلك النداء الخالد..والإعلام الجليل..والأذان الإبراهيمي الفريد: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}(سورة الحـج: 27) فهبوا مجيبين ذلك النداء من كل حدب وصوب..يشدهم الحب ويحدوهم الشوق إلى البيت العتيق...
أيها المسلم الحبيب: إن ذكر الله تعالى هو من أعظم العبادات، وأشرف القربات..ويزيد شرفاً وفضلاً عندما يكون عند بيت الله الحرام..ذلك المكان الشريف..والبيت المهيب..
هذا وقد خصص الشارع الحكيم للحاج المسلم أذكاراً يرددها في حجه لبيت الله تعالى..من ذلك: التلبية للحج وفي الحج..كذلك يسن للحاج أن يكثر في حجه من التكبير والتهليل والتحميد..فما صفة هذه الأذكار؟ وأين يسن قولها وذكر الله تعالى بها؟
صفة التلبية، والتهليل والتكبير والتحميد:
صفة التلبية أن يقول القارن: لبيك عمرة وحجة، ويقول المفرد بالحج: لبيك حجًّا، ويقول المتمتع والمعتمر: لبيك عمرة. ثم يلبي بتلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ) ( رواه البخاري ومسلم ). ولا بأس في الزيادة على هذه التلبية، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع الصحابة يقولون: لبيك ذا المعارج ) فلم يأمرهم بالتزام اللفظ الوارد، وجاء في بعض صيغ التلبية في السنن من حديث أنس ( لبيك حقاً حقاً، تعبداً ورقاً ) ، و ( لبيك إله الحق ) من حديث أبي هريرة .ولذلك قال جمهور العلماء بجواز الزيادة، وهو فعل السلف، وكان ابن عمر يقول: (لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل) . قال بعض العلماء:والأفضل أن يقتصر على الوارد؛ لأنه إذا اقتصر على الوارد أجر بأجرين: الأول: أجر التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم، والثاني: أجر اللفظ الوارد.[1]
وأما صفة التكبير: فقد ورد في مصنف ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه : أنه كان يكبر أيام التشريق :" الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد " . ورواه ابن أبي شيبة مرة أخرى بالسند نفسه بتثليث التكبير .
وروى المحاملي بسند صحيح أيضاً عن ابن مسعود :" الله أكبر كبيراً الله أكبر كبيراً الله أكبر وأجلّ ، الله أكبر ولله الحمد ".[2]
حكم التلبية:
" التلبية شعار المحرم، وهي مسنونة ومؤكدة ولا يجب بتركها شيء، وذهب بعضهم إلى أنها ركن من أركان الحج والعمرة، فطالما أحرم ولم يلبِ لم يصح إحرامه، وبعضهم جعلها واجبة فإذا لم يلبِ فعليه دم؛ لأنه ترك واجباً، ولكن أكثر الفقهاء على أنها سنة ولكنها تتأكد، فهي سنة مؤكدة".[3]
قال الله تعالى: " {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ}...وقال طاوس، والقاسمُ بن محمد: هو التلبية".[4]
"وقال ابن عباس: الإهلال، وعن عطاء وطاووس وعكرمة هو التلبية".[5]
وعن خلاد بن السائب بن خلاد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية)) رواه الترمذي(829) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم(1135).
فضل التلبية والتهليل والتكبير والتحميد:
لقد ورد في فضل التلبية أجور عظيمة عند الله تعالى، لا يكاد من يعلمها إلا ويبادر بالتلبية لاقتناص تلك الأجور العظيمة...
عن سهل بن سعد –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه أو عن شماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا)) رواه الترمذي(828)وصححه الألباني في المشكاة (2550).
وعن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الحج أفضل؟ قال: ((العج والثج )) رواه الترمذي(757)وصححه الألباني في صحيح الترمذي(827).
"ومعنى العج: رفع الصوت بالتلبية. والثج: إسالة الدماء بالذبح والنحر..."[6]
وعن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر؛ فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)) رواه أحمد (6154) وصححه شعيب الأرناؤوط.
مواضع التلبية:
" ويستحب البداية بها إذا استوى على راحلته؛ لما روى أنس وابن عمر ((أن النبي صلى الله عليه و سلم لما ركب راحلته واستوت به أهل)) - رواه البخاري (1471)-...ومعنى الإهلال رفع الصوت بالتلبية من قولهم: استهل الصبي إذا صاح، والأصل فيه أنهم كانوا إذا رئي الهلال صاحوا فيقال: استهل الهلال، ثم قيل لكل صائح: مستهل وإنما يرفع الصوت بالتلبية".[7]
ذكر بعض العلماء للتلبية " أحد عشر موضعاً تتأكد فيها:
الأول: إذا علا نشزاً. أي: إذا رقى مكاناً مرتفعاً لبى.
الثاني: إذا هبط وادياً. أي: منخفضاً.
الثالث: إذا صلى مكتوبة. أي: فريضة من الفرائض.
الرابع: إذا أقبل الليل.
الخامس: إذا أقبل النهار.
السادس: إذا التقت الرفاق، وكانوا يتلاقون في الطريق وهم يمشون أو ركباناً على الإبل.
السابع: إذا ركب دابته أو مركوبه.
الثامن: إذا نزل.
التاسع: إذا سمع من يلبي، فيجدد التلبية.
العاشر: إذا رأى البيت.
الحادي عشر: إذا فعل محظوراً وهو ناسٍ، كتغطية رأس، ولبس مخيط، ونحو ذلك".[8]
التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة:
قال البخاري –رحمه الله-:" (12)-باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة:
وكان عمر رضي الله عنه يكبر في قبّته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج مِنى تكبيرا.
وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً، وكانت ميمونة –رضي الله عنها- تكبر يوم النحر، وكن النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد. أخرجه البخاري في صحيحه. وتخفض المرأة صوتها في حضرة الرجال الأجانب.
وأخرج البخاري بسنده أن محمد بن أبي بكر الثقفي قال: سألت أنس بن مالك ونحن غاديان من منى إلى عرفات عن التلبية: كيف كنتم تصنعون مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان يلبي الملبي لا ينكر عليه ويكبر المكبر فلا ينكر عليه".البخاري (970).
"وقال المهلب: أيام منى هي أيام التشريق، وتأول العلماء فيها قوله تعالى: {ولتكبروا الله على ما هداكم} (البقرة : 185)ومعنى التكبير في هذا الفضل- والله أعلم-؛ لأنه تصل الذبائح لله تعالى، وكانت الجاهلية تذبح لطواغيتها ونُصُبِهَا، فجعل التكبير استشعارًا للذبح لله تعالى؛ حتى لا يذكر في أيام الذبح غيره...".[9]
(التلبية الجماعية):
وجه سؤال لـ(اللجنة الدائمة بالمملكة)، يقول السؤال:
"ما حكم التلبية الجماعية للحجاج؟ حيث أحدهم يلبي والآخرين يتبعونه.
فكان جواب اللجنة: لا يجوز ذلك لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه الراشدين رضوان الله عليهم، بل هو بدعة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم".[10]
(تلبية المرأة):
"(ولا ترفع المرأة صوتها بالتلبية إلا بقدر ما تسمع نفسها) قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها وإنما عليها أن تسمع نفسها، وبهذا قال عطاء ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وروي عن سليمان بن يسار أنه قال: السنة عندهم أن المرأة لا ترفع صوتها بالإهلال وإنما كره لها رفع الصوت مخافة الفتنة بها ولهذا لا يسن لها أذان ولا إقامة".[11]
والحمد لله رب العالمين
[1] شرح الشنقيطي على زاد المستقنع ( 20/115 )
[2] روى ذلك ابن أبي شيبة عن ابن مسعود، وصححه الألباني، وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «هو المنقول عن أكثر الصحابة» ومنهم عمر وعلي رضي الله عنهما. نظر الإرواء 3/126
[3] شرح أخصر المختصرات- للعلامة ابن جبرين. رحمه الله (18 / 24).
[4] تفسير ابن كثير- دار طيبة (1 / 543).
[5] المغني لابن قدامة. رحمه الله(3 / 256).
[6] المغني- لابن قدامة. رحمه الله (3 / 256).
[7] المغني (3 / 256).
[8] شرح أخصر المختصرات- للعلامة ابن جبرين. رحمه الله (18 / 24).
[9] شرح صحيح البخاري ـ لابن بطال.رحمه الله (2 / 564).
[10] فتاوى اللجنة الدائمة(32)جزءا (11 / 358) الفتوى رقم ( 5609 ).
[11] الشرح الكبير لابن قدامة. رحمه الله (3 / 261).