(10) شكر العبد لنعم الله تعالى عليه :
لقوله تعالى:" إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121){النحل:120-121}
يقول الإمام ابن كثير –رحمه الله – في "تفسيره" : يمدح تعالى عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء ووالد الأنبياء, ويبرئه من المشركين ومن اليهودية والنصرانية, فقال: " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً " فأما الأمة: فهو الإمام الذي يقتدى به, والقانت: هو الخاشع المطيع, والحنيف: المنحرف قصداً عن الشرك إلى التوحيد, ولهذا قال: " وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " قال سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل, عن مسلم البطين عن أبي العبيدين: أنه سأل عبد الله بن مسعود عن الأمة القانت, فقال: الأمة معلم الخير, والقانت: المطيع لله ورسوله, وعن مالك قال: قال ابن عمر: الأمة الذي يعلم الناس دينهم, وقال الأعمش عن يحيى بن الجزار عن أبي العبيدين أنه جاء إلى عبد الله فقال: من نسأل إذا لم نسألك ؟ فكأن ابن مسعود رق له, فقال: أخبرني عن الأمة, فقال: الذي يعلم الناس الخير.
وقال الشعبي: حدثني فروة بن نوفل الأشجعي قال: قال ابن مسعود: إن معاذًا كان أمة قانتًا لله حنيفاً, فقلت في نفسي: غلط أبو عبد الرحمن, وقال إنما قال الله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} فقال: أتدري ما الأمة وما القانت ؟ قلت: الله أعلم, فقال: الأمة الذي يعلم الخير, والقانت المطيع لله ورسوله, وكذلك كان معاذ.
وقد روي من غير وجه عن ابن مسعود, أخرجه ابن جرير. وقال مجاهد: أمة أي أمة وحده, والقانت المطيع وقال مجاهد أيضًا: كان إبراهيم أمة :أي مؤمنًا وحده والناس كلهم إذ ذاك كفار.
وقال قتادة: كان إمام هدى, والقانت المطيع لله. وقوله: "شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ " أي قائماً بشكر نعم الله عليه, كقوله تعالى: " وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى " أي قام بجميع ما أمره الله تعالى به.
وقوله: " اجْتَبَاهُ " أي اختاره واصطفاه كقوله: " وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ", ثم قال: " وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " وهو عبادة الله وحده لا شريك له على شرع مرضي. وقوله: " وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً " أي جمعنا له خير الدنيا من جميع ما يحتاج المؤمن إليه في إكمال حياته الطيبة " وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ". وقال مجاهد في قوله: " وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً " أي لسان صدق.
ويقول العلامة السعدي –رحمه الله- : "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً " أي: إماما جامعا لخصال الخير هاديًا مهتديًا. " قَانِتًا لِلَّهِ" أي: مديمًا لطاعة ربه مخلصًا له الدين، "حَنِيفًا" مقبلًا على الله بالمحبة، والإنابة والعبودية معرضًا عمن سواه. { وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } في قوله وعمله، وجميع أحواله لأنه إمام الموحدين الحنفاء.
{ شَاكِرًا لأنْعُمِهِ } أي: آتاه الله في الدنيا حسنة، وأنعم عليه بنعم ظاهرة وباطنة ، فقام بشكرها، فكان نتيجة هذه الخصال الفاضلة أن { اجْتَبَاهُ } ربه واختصه بخلته وجعله من صفوة خلقه، وخيار عباده المقربين.
{ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } في علمه وعمله فعلم بالحق وآثره على غيره.
(12)الإنابة إلى الله :
قال تعالى:" شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)"{الشورى:13}
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- : قد علمت أن من نزل في منزل التوبة وقام في مقامها نزل في جميع
منازل الإسلام، فإن التوبة الكاملة متضمنة لها وهي مندرجة فيها، ولكن لابد من إفرادها بالذكر والتفصيل تبيينا لحقائقها وخواصها وشروطها، فإذا استقرت قدمه في منزل التوبة نزل بعده منزل الإنابة وقد أمر الله تعالى بها في كتابه، وأثنى على خليله بها فقال :" وأنيبوا إلى ربكم"{الزمر : 54 }وقال : "إن إبراهيم لحليم أواه منيب"{ هود: 75 }وأخبر أن آياته إنما يتبصر بها ويتذكر أهل الإنابة ،فقال:" أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها إلى أن قال تبصرة وذكرى لكل عبد منيب"{ ق:68 }وقال تعالى:" هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب "{غافر: 13 }وقال تعالى:" منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة"{الروم:31} الآية.
ف"منيبين "منصوب على الحال من الضمير المستكن في قوله :"فأقم وجهك"{الروم:30}لأن هذا الخطاب له ولأمته. أي: أقم وجهك أنت وأمتك منيبين إليه نظيره قوله :"يا أيها النبي إذا طلقتم النساء"{الطلاق:1} ويجوز أن يكون حالًا من المفعول في قوله:" فطر الناس عليها"{الروم:30} أي فطرهم منيبين إليه ،فلو خلوا وفطرهم لما عدلت عن الإنابة إليه ،ولكنها تحول وتتغير عما فُطرت عليه ،كما قال صلى الله عليه وسلم :" مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ "(1) وفي رواية : عَلَى الْمِلَّةِ حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْهُ لِسَانُهُ " (2)وقال عن نبيه داود:" فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ "{ص : 24 }وأخبر أن ثوابه وجنته لأهل الخشية والإنابة فقال : " وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) "{ ق : 31-34 }وأخبر سبحانه أن البشرى منه إنما هي لأهل الإنابة فقال : :" وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى"{ الزمر : 17}.
"والإنابة" إنابتان : إنابة لربوبيته ،وهي إنابة المخلوقات كلها يشترك فيها المؤمن والكافر ،والبر والفاجر، قال الله تعالى :" وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ "{ الروم : 33 }فهذا عام في حق كل داع أصابه ضر كما هو الواقع ،وهذه الإنابة لا تستلزم الإسلام بل تجامع الشرك والكفر ،كما قال تعالى في حق هؤلاء:" ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ "{الروم : 33-34} فهذا حالهم بعد إنابتهم "
والإنابة" الثانية: إنابة أوليائه .وهي إنابة لإلهيته، إنابة عبودية ومحبة .
وهي تتضمن أربعة أمور : محبته ،والخضوع له ،والإقبال عليه ،والإعراض عما سواه، فلا يستحق اسم المنيب إلا من اجتمعت فيه هذه الأربعة،وتفسير السلف لهذه اللفظة يدور على ذلك .
وفي اللفظة معنى الإسراع والرجوع والتقدم ،و المنيب إلى الله : المسرع إلى مرضاته، الراجع إليه كل وقت المتقدم إلى محابه .
قال صاحب المنازل : الإنابة في اللغة : الرجوع .وهي وههنا الرجوع إلى الحق .
وهى ثلاثة أشياء : الرجوع إلى الحق إصلاحًا ،كما رجع إليه اعتذارًا ،والرجوع إليه وفاء كما رجع إليه عهدًا، والرجوع إليه حالًا ،كما رجعت إليه إجابة.
لما كان التائب قد رجع إلى الله بالاعتذار والإقلاع عن معصيته ،كان من تتمة ذلك : رجوعه إليه بالاجتهاد ،والنصح في طاعته ،كما قال :" إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا "{مريم:60}وقال : " إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا "{ البقرة : 160}فلا تنفع توبة وبطالة، فلا بد من توبة وعمل صالح : ترك لما يكره ،وفعل لما يحب ،تخل عن معصيته ،وتحل بطاعته .
وكذلك الرجوع إليه بالوفاء بعهده ،كما رجعت إليه عند أخذ العهد عليك، فرجعت إليه بالدخول تحت عهده أولا،فعليك بالرجوع بالوفاء بما عاهدته عليه ثانيًا. والدين كله : عهد ووفاء ،فإن الله أخذ عهده على جميع المكلفين بطاعته ، فأخذ عهده على أنبيائه ورسله على لسان ملائكته، أو منه إلى الرسول بلا واسطة، كما كلم موسى ،وأخذ عهده على الأمم بواسطة الرسل ،وأخذ عهده على الجهال بواسطة العلماء ،فأخذ عهده على هؤلاء بالتعليم ،وعلى هؤلاء بالتعلم ،ومدح الموفين بعهده ،وأخبرهم بما لهم عنده من الأجر، فقال :" وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)"{الإسراء:34}وقال :" وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ "
{النحل :91}وقال : " وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا "{ البقرة : 177 }وهذا يتناول عهودهم مع الله بالوفاء له بالإخلاص والإيمان والطاعة،
وعهودهم مع الخلق .وأخبر النبي : أن من علامات النفاق:" الغدر بعد العهد"(3) فما أناب إلى الله عز و جل من خان عهده وغدر به ،كما أنه لم ينب إليه من لم يدخل تحت عهده،فالإنابة لا تتحقق إلا بالتزام العهد والوفاء به.
وقوله : والرجوع إليه حالاً كما رجعت إليه إجابة.
أي هو سبحانه قد دعاك فأجبته بلبيك وسعديك قولًا، فلا بد من الإجابة حالًا تصدق به المقال ،فإن الأحوال تصدق الأقوال أو تكذبها ،وكل قول فلصدقه وكذبه شاهد من حال قائله ،فكما رجعت إلى الله إجابة بالمقال، فارجع إليه إجابة بالحال، قال الحسن رحمه الله : ابن آدم لك قول وعمل ،وعملك أولى بك من قولك ،ولك سريرة وعلانية ،وسريرتك أملك بك من علانيتك.
قال : وإنما يستقيم الرجوع إليه إصلاحا بثلاثة أشياء : بالخروج من التبعات ،والتوجع للعثرات، واستدراك الفائتات .
والخروج من التبعات" : هو بالتوبة من الذنوب التي بين العبد وبين الله ،وأداء الحقوق التي عليه للخلق .
والتوجع للعثرات يحتمل شيئين:
أحدهما : أن يتوجع لعثرته إذا عثر ،فيتوجع قلبه وينصدع ،وهذا دليل على إنابته إلى الله ،بخلاف من لا يتألم قلبه ،ولا ينصدع من عثرته ،فإنه دليل على فساد قلبه وموته .
الثاني : أن يتوجع لعثرة أخيه المؤمن إذا عثر ،حتى كأنه هو الذي عثر بها ،ولا يشمت به فهو دليل على رقة قلبه وإنابته .
واستدراك الفائتات : هو استدراك ما فاته من طاعة وقربة بأمثالها أو خير منها ،ولا سيما في بقية عمره عند قرب رحيله إلى الله ،فبقية عمر المؤمن لا قيمة لها ،يستدرك بها ما فات، ويحيي بها ما أمات.
وقال : وإنما يستقيم الرجوع إليه عهدًا بثلاثة أشياء: بالخلاص من لذة الذنب ،وبترك الاستهانة بأهل الغفلة تخوفا عليهم ،مع الرجاء لنفسك وبالاستقصاء في رؤية علة الخدمة.
إذا صفت له الإنابة إلى ربه تخلص من الفكرة في لذة الذنب ،وعاد مكانها ألمًا وتوجعًا لذكره والفكرة فيه،فما دامت لذة الفكرة فيه موجودة في قلبه فإنابته غير صافية.
فإن قيل : أي الحالين أعلى؟ حال من يجد لذة الذنب في قلبه فهو يجاهدها لله ،ويتركها من خوفه ومحبته وإجلاله ،أو حال من ماتت لذة الذنب في قلبه وصار مكانها ألما وتوجعا وطمأنينة إلى ربه وسكونًا إليه والتذاذا بحبه وتنعمًا بذكره؟.
قيل : حال هذا أكمل وأرفع ،وغاية صاحب المجاهدة: أن يجاهد نفسه حتى يصل إلى مقام هذا ومنزلته ،ولكنه يتلوه في المنزلة والقرب ومنوط به.
فإن قيل : فأين أجر مجاهدة صاحب اللذة وتركه محابه لله ،وإيثاره رضي الله على هواه ؟وبهذا كان النوع الإنساني أفضل من النوع الملكي عند أهل السنة ،وكانوا خير البرية ،والمطمئن قد استراح من ألم هذه المجاهدة وعوفي منها ،فبينهما من التفاوت ما بين درجة المعافى والمبتلى.
قيل : النفس لها ثلاثة أحوال : الأمر بالذنب ،ثم اللوم عليه ،والندم منه ،ثم الطمأنينة إلى ربها ،والإقبال بكليتها عليه ،وهذه الحال أعلى أحوالها وأرفعها ،وهي التي يشمر إليها المجاهد ،وما يحصل له من ثواب مجاهدته وصبره فهو لتشميره إلى درجة الطمأنينة إلى الله ،فهو بمنزلة راكب القفار ،والمهامة والأهوال،ليصل إلى البيت فيطمئن قلبه برؤيته والطواف به ،والآخر بمنزلة من هو مشغول به طائفًا وقائمًا،وراكعًا وساجدًا، ليس له التفات إلى غيره ، فهذا مشغول بالغاية ،وذاك بالوسيلة ،وكل له أجر ،ولكن بين أجر الغايات وأجر الوسائل بون، وما يحصل للمطمئن من الأحوال والعبودية والإيمان فوق ما يحصل لهذا المجاهد نفسه في ذات الله ،وإن كان أكثر عملًا ،فقدر عمل المطمئن المنيب بجملته وكيفيته أعظم ،وإن كان هذا المجاهد أكثر عملًا ،وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فما سبق الصديق الصحابة بكثرة عمل ،وقد كان فيهم من هو أكثر صيامًا وحجًا وقراءة وصلاة منه ، ولكن بأمر آخر قام بقلبه ،حتى إن أفضل الصحابة كان يسابقه ولا يراه إلا أمامه، ولكن عبودية مجاهد نفسه على لذة الذنب والشهوة ،قد تكون أشق ولا يلزم من مشقتها تفضيلها في الدرجة .
ومن علامات الإنابة : ترك الاستهانة بأهل الغفلة والخوف عليهم ،مع فتحك باب الرجاء لنفسك، فترجو لنفسك الرحمة ،وتخشى على أهل الغفلة النقمة، ولكن ارج لهم الرحمة ،واخش على نفسك النقمة ،فإن كنت لا بد مستهينًا بهم ،ماقتًا لهم لانكشاف أحوالهم لك ورؤية ما هم عليه، فكن لنفسك أشد مقتًا منك لهم، وكن لهم أرجى لهم لرحمة الله منك لنفسك .قال بعض السلف : لن تفقه كل الفقه حتى تمقت الناس في ذات الله ،ثم ترجع إلى نفسك فتكون لها أشد مقتًا .
وهذا الكلام لا يفقه معناه إلا الفقيه في دين الله ،فإن من شهد حقيقة الخلق وعجزهم وضعفهم وتقصيرهم، بل تفريطهم وإضاعتهم لحق الله ،وإقبالهم على غيره ،وبيعهم حظهم من الله بأبخس الثمن من هذا العاجل الفاني، لم يجد بدًا من مقتهم ،ولا يمكنه غير ذلك ألبتة ،ولكن إذا رجع إلى نفسه وحاله وتقصيره وكان على بصيرة من ذلك : كان لنفسه أشد مقتًا ،واستهانة فهذا هو الفقيه.
وأما الاستقصاء في رؤية علل الخدمة : فهو التفتيش عما يشوبها من حظوظ النفس ،وتمييز حق الرب منها من حظ النفس ،ولعل أكثرها أو كلها أن تكون حظًا لنفسك وأنت لا تشعر.
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗