أحوال المأموم مع الإمام
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فنتحدث في هذه الأسطر عن الأحوال التي يكون عليها المأموم وهو يصلي مع إمامه وحكم كل حالة وما الحالة التي يجب أن يكون عليها الإمام وهو يصلي مقتدياً بإمامه:
إن حال المأموم مع إمامه تنقسم إلى أربعة أقسام:
الأول: مسابقة، الثاني: تخلف، الثالث: موافقة، الرابع: متابعة.
القسم الأول: المسابقة:
وهي أن يصل المأموم إلى الركن قبل أن يصل إليه الإمام مثل أن يركع قبل ركوع الإمام، أو يسجد قبل سجوده، أو يرفع من الركوع قبل رفع الإمام، أو يرفع من السجود قبل رفعه.
وهذا الذي يسبق الإمام قد عرض نفسه للعقوبة التي حذر منها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي: (أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ، أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ)1. وظاهر الحديث أنه حساً، يعني أن يكون رأسه رأس حمار، أو صورته صورة حمار.
وذهب بعض العلماء إلى أن المراد بذلك التحويل المعنوي بأن يجعل رأسه رأس حمار أي رأساً بليداً؛ لأن الحمار من أبلد الحيوانات، ولهذا وصف الله اليهود الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً، وعلى كل حال فالحديث دال على أن مسابقة الإمام محرمة، بل يوشك أن تكون من كبائر الذنوب.
لكن هل تبطل الصلاة بذلك أو لا؟
الصحيح أنه إذا تعمد السبق فإن صلاته تبطل سواء سبقه بركن أو سبقه إلى الركن، فإذا تعمد السبق مع علمه بالنهي فإن صلاته تبطل؛ لأنه أتى محظوراً من محظورات العبادات على وجه يختص بها، والقاعدة أن من فعل محظوراً من محظورات العبادة على وجه يختص بها فإنها تبطل، والله أعلم.
القسم الثاني: التخلف:
بمعنى أن يتأخر المأموم عن إمامه، مثل أن يركع الإمام ويبقى المأموم قائماً إلى أن يقرب الإمام من الرفع من الركوع، أو يسجد الإمام ويبقى المأموم قائماً إلى أن يقرب الإمام من الرفع من السجود، أو يقوم الإمام من السجود ويبقى المأموم ساجداً حتى ربما ينتصف الإمام بقراءة الفاتحة أو يكلمها.
وحكم التخلف أنه لا يجوز؛ لأنه خلاف أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا...)2؛ فإن الفاء في قوله (فأركعوا) وقوله: (فاسجدوا) تدل على التعقيب، أي على أن فعل المأموم يقع عقب فعل الإمام؛ لأن قوله: (فاركعوا.. فاسجدوا) جواب الشرط،وجواب الشرط يلي المشروط مباشرة ولا يجوز أن يتخلف عنه.
القسم الثالث: الموافقة:
بمعنى أن يشرع المأموم مع الإمام في أفعاله يركع معه، ويسجد معه ويقوم معه، وهذا أقل أحواله أن يكون مكروهاً، وتحتمل أن يكون محرماً؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ، وَلَا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ)3. والأصل في النهي التحريم، إلا الموافقة في تكبيرة الإحرام فإن أهل العلم يقولون إنه إذا وافقه في تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته فتكون باطلة، بل يجب أن ينتظر حتى يكمل الإمام تكبيرة الإحرام، ولا يجوز أن يشرع في تكبيرة الإحرام قبل أن يكمل الإمام تكبيرة الإحرام، ويستثنى أيضاً التسليم فإن بعض أهل العلم يقول إذا سلم الإمام التسليمة الأولى وهي التي على اليمين فللمأموم أن يسلم التسليمة الأولى وإن لم يسلم الإمام التسليمة الثانية، ثم يتابع التسليمة الثانية.
القسم الرابع: المتابعة:
وذلك بأن يفعل المأموم ما فعله الإمام بعده مباشرة، بدون تخلف، وهذا هو الموافق للسنة ولأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو الذي ينبغي أن يكون عليه المؤمن؛ لأن صفة المؤمن إذا أمر الله ورسوله بأمر أن يقول سمعنا وأطعنا؛ كما قال الله تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا (51) سورة النــور، وكما قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (36) سورة الأحزاب4.
فالمأموم إذا كان مع الإمام فقد ارتبطت صلاته بصلاة إمامه، فلا يجوز أن يتقدم على الإمام بالتكبير، ولا القيام ولا القعود ولا الركوع ولا السجود، ولا يأتي بذلك مع الإمام أيضاً، وإنما يأتي به بعده متابعاً له، فلا يتأخر عنه.
نسأل الله أن يوفقنا لمرضاته، وأن يجنبنا وساوس الشيطان وخطواته، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.