بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
أحاديث ضعيفة في فضائل الأعمال
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، تكفل بحفظ دينه فقال في محكم التنزيل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر:9)، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير؛ من بعثه الله تبارك وتعالى رحمة للعالمين محمد بن عبد الله الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الكرام وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
من المعلوم أن إحدى خصائص هذه الأمة مما امتازت به؛ مسألة الإسناد حيث قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "علم الإسناد والرواية مما خصَّ الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وجعله سُلَّماً إلى الدراية، فأهل الكتاب لا إسناد لهم يأثرون به المنقولات، وهكذا المبتدعون من هذه الأُمَّة أهل الضلالات، وإنما الإسناد لِمَنْ أعظم الله عليه المِنَّة، أهل الإسلام والسُّنَّة، يُفرقون به بين الصحيح والسقيم، والمُعْوَجِّ والقويم..."1، وقد روي عن عبد الله بن المبارك رحمه الله أنه كان يقول: "الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء" صحيح مسلم (1/12) في المقدمة، وروى الخطيب البغدادي رحمه الله عن محمد بن حاتم بن المظفر رحمه الله أنه قال: "إن الله أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد، وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد، وإنما هي صحف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم، وليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل مما جاءهم به أنبياؤهم، وبين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوها عن غير الثقات..."2، وقال محمد بن سيرين رحمه الله: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم" صحيح مسلم (1/12)، وقال رحمه الله: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم" صحيح مسلم (1/12)، وهذا إن دل فإنما يدل على أهمية الإسناد، إذ به يتبين الصحيح من الضعيف، والمقبول من المردود.
وقد هيأ الله تبارك وتعالى لهذه الأمة من قام بحفظ أسانيدها، وتنقيتها من الغبش، وتمييز صحيحها من سقيمها، فكان منهم من صنف في الصحيح المجرد، وأول من صنف في هذا الفن هو الإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله، ثم الإمام مسلم، وهما أصح الكتب بعد كتاب الله تبارك وتعالى، ثم بعد ذلك الإمام ابن خزيمة والإمام ابن حبان، والحاكم رحمهم الله؛ لكن وُجد في كُتبهم الصحيح والحسن والضعيف، وأحسنها حالاً كتاب ابن خزيمة، ثم ابن حبان، والحاكم على تساهلهما، ومن الأئمة من صنف في أبواب الفقه كالإمام أبي داود، وابن ماجة، والبيهقي، والنسائي، والترمذي، وغيرهم رحم الله الجميع، ومن الأئمة من صنف على المسانيد كالإمام أحمد بن حنبل، وغيره، ومن العلماء من صنف في الضعيف كالمقاصد الحسنة للإمام السخاوي رحمه الله، واللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للحافظ السيوطي؛ وكتاب الموضوعات للإمام ابن الجوزي رحمه الله؛ لكن فيه تساهل أحياناً فقد يضع في كتابه أحاديث صحيحة أوردها الإمام مسلم في صحيحه ويحكم عليها بالوضع؛ وهو مع ذلك كتاب قيِّم جداً، وكتاب المراسيل لأبي داود رحمه الله، وجامع التحصيل في أحكام المراسيل للحافظ العلائي رحمه الله، والفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة للإمام الشوكاني رحمه الله، وكتب علماء الحديث رحمهم الله تبارك وتعالى في أحوال الرجال وما تكلموا فيهم به، وبينوا أحوالهم؛ كل ذلك نصيحة للأمة، ومساهمةً في حفظ السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
وسنذكر في مقالنا هذا بعضاً من الأحاديث التي رُويت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكنها لم تصح، وإن ورد في نفس المعنى أو قريباً منه حديث صحيح ذكرناه، فنقول وبالله نستعين:
من الأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال ما يلي: · عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من عال ثلاث بنات فأدبهن وزوجهن، وأحسن إليهن؛ فله الجنة))3، وعنه رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، أو ابنتان أو أختان؛ فأحسن صحبتهن، واتقى الله فيهن؛ فله الجنة))4، لكن صح في فضل إعالة البنات حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن، وأطعمهن، وسقاهن، وكساهن من جدته؛ كنَّ له حجاباً من النار يوم القيامة))5.
· وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهن بسوء عدلن له بعبادة ثنتي عشرة سنة))6.
· وعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جوره فله الجنة، ومن غلب جوره عدله فله النار))7.
· وعن أبي رافع رضي الله عنه قال: ((من قرأ الدخان في ليلة الجمعة أصبح مغفوراً له، وزوج من الحور العين))8.
· وعن فضالة بن عبيد وتميم الداري رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ عشر آيات في ليلة كتب من المصلين، ولم يكتب من الغافلين، ومن قرأ خمسين آية كتب من الحافظين، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ ثلاث مئة آية لم يحاجه القرآن في تلك الليلة، ويقول ربك عز وجل: لقد نصب عبدي فيَّ، ومن قرأ ألف آية كان له قنطار، القيراط منه خير من الدنيا وما فيها، فإذا كان يوم القيامة قيل له: اقرأ وارق فكلما قرأ آية صعد درجة حتى ينتهي إلى ما معه، يقول الله عز وجل له: اقبض بيمينك على الخلد، وبشمالك على النعيم))9.
· وعن ابن عباس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ((ما من ولد بار ينظر نظرة رحمة إلا كتب الله بكل نظرة حجة مبرورة، قالوا: وإن نظر كل يوم مائة مرة؟ قال: نعم الله أكبر وأطيب))10.
· وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من صلى في مسجدي أربعين صلاة لا يفوته صلاة كتبت له براءة من النار، ونجاة من العذاب، وبَرِئ من النفاق))11، لكن صحَّ في فضل الصلاة جماعة، والتبكير إليها، وإدراك تكبيرة الإحرام حديث عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق))12.
· وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وأسألك بحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا رياء، ولا سمعة، وخرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، فأسألك أن تعيذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت؛ أقبل الله عليه بوجهه، واستغفر له سبعون ألف ملك))13.
· وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت أبا بكر الصديق يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من اغتسل يوم الجمعة غفرت له ذنوبه وخطاياه، فإذا أخذ في المشي إلى الجمعة كان له بكل خطوة عمل عشرين سنة، فإذا فرغ من صلاة الجمعة أجيز بعمل مائتي سنة)) لا يروى عن أبي بكر إلا بهذا الإسناد تفرد به يحيى بن سليمان"14.
· وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال بعد صلاة الصبح وهو ثان رجله قبل أن يتكلم: لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت بيده الخير، وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب له بكل مرة عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكنَّ له في يومه ذلك حرزاً من الشيطان الرجيم، وحرزاً من كل مكروه))15، لكن صح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة؛ كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك، ومن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر)) رواه مسلم برقم (2691).
· وعن ابن عمر رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال: سبحان الله وبحمده كتبت له مئة ألف حسنة، وأربعة وعشرون ألف حسنة، ومن قال: لا إله إلا الله كان له بها عهد عند الله يوم القيامة))16، وصح في فضل الذكر بسبحان الله وبحمده مائة مرة حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة؛ حُطَّت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر)) رواه البخاري برقم (6405)، وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال، أو زاد عليه)) رواه مسلم برقم (2692).
· وعن أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من غسَّل ميتاً فكتم عليه غفر له أربعين مرة، ومن كفن ميتاً كساه الله من السندس وإستبرق الجنة، ومن حفر لميت قبراً فأَجْنَّهُ فيه؛ أجرى له من الأجر كأجر مسكن أسكنه إلى يوم القيامة))17.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لما يُرضيه، والحمد لله رب العالمين.