فوائد فقهية في أعمال أيام الحج
خالد علي
من جاء قاصداً الحج، فإِما أن يكون متمتعاً أو قارناً أو مفرداً، المتمتع قد حلّ من إِحرامه بعد أن جاء بالعمرة، والقارن والمفرد مستمران في إحرامهما،وأعمال الحج تبدأ من اليوم الثامن إلى نهاية اليوم الثالث عشر، وهذا بيانها حسب الأيام:
اليوم الثامن يوم التروية
[1]:في اليوم الثامن يسن للمُحِلِّين ومن يريد الحج من أهل مكة أن يحرموا بالحج قبل الظهر، وصفة الإِحرام كما سبق، ويحرم من مكانه، فإِن كان بمكة أحرم منها، وإِن كان بمنى أحرم منها، ويلبي بالحج فيقول: "لبيك حجاً"،ويسن أن يتوجه الحجاج في هذا اليوم إلى منى، ويصلون كلِّ صلاة في وقتها، ويقصرون الظهر والعصر والعشاء، ويسن الإِكثار من التلبية، ويسن المبيت بمنى ليلة التاسع من ذي الحجة
يوم عرفة اليوم التاسع
السير إلى عرفة:إذا طلعت شمس هذا اليوم سار الحاج إلى عرفة ملبِّياً، والسنة أن يتجه الحاج إلى نَمِرة، فيمكث بها إلى أن تزول الشمس إن تيسّر له ذلك، ونَمِرة مكان قبل عرفة على حدودها
[2]، فإِذا زالت الشمس ودخل وقت الظهر، سن لإِمام المسلمين أو نائبه أن يخطب بالحجاج خطبة تناسب الحال، يقرر فيها التوحيد، ويعلمهم أحكام الحج ومهمات دينهم، ثم يصلي بها الظهر والعصر جمع تقديم ويقصر الصلاة. ولو دخل الحاج عرفة مباشرة ولم يجلس بنَمِرَة، جاز ذلك.
الوقوف بعرفة
معناه:وجود الحاج في عرفة في اليوم التاسع، سواء أكان قائماً أم جالساً أم مضطجعاً أم راكباً، وليس معناه القيام.
حكمه: ركن من أركان الحج لا يصح الحج بدونه، وإذا فات الوقوف فات الحج؛ لقول النبي: « الْحَجُّ عَرَفَةُ »[3].
وقته:يبدأ وقت الوقوف بعرفة من طلوع فجر اليوم التاسع إلى طلوع فجر اليوم العاشر، فمن وقف في عرفة في هذا الوقت ولو لحظة وهو من أهل الوقوف صح حجه، ومن لم يحصل له الوقوف في هذا الوقت لم يصح حجه؛ لما روي عن ابن عباس مرفوعًا: «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ»[4].
مكان الوقوف:عرفة كلُّها موقف، وقد وقف النبي عند الجبل قريباً من الصخرات مستقبلاً القبلة، ولم يصعد عليه، وقال- صلى الله عليه وسلم -: «وَوَقَفْتُ هَا هُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ »[5]، فإِن تيسر له أن يقف في المكان الذي وقف فيه رسول الله وإلا فيقف في أي مكان من عرفة، ولا يصح الوقوف في الوادي الذي قبيل عرفة، واسمه: وادي عرنة، ولا يصعد الجبل، ولا يرقى على الصخرات، وعرفة لها حدود معلومة عليها علامات موضوعة قديماً، والآن قد وضعت علامات جديدة كبيرة واضحة جداً تبين حدودها من جميع الجهات.
ما يفعله الحاج أثناء وقوفه في عرفة:يشرع للحاج في هذا اليوم أن يستقبل القبلة، وأن يكثر من الدعاء ويجتهد فيه، ويظهر التضرع والخضوع والضعف والافتقار إلى الله عز وجل، ويلح في الدعاء ويكرره، قال- صلى الله عليه وسلم -: « خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ»[6]، ويحرص على أن يدعو بالأدعية المأثورة، ويجتنب المستحدثة المتكلفة، وإِن قرأ شيئاً من القرآن فحسن، ويكثر من الصلاة على النبي، وعلى الحاج أن يتذكر عظمة هذا اليوم وفضله، وأن الله يجود فيه على عباده، ويباهي بهم ملائكته، ويكثر فيه العتق من النار، قال- صلى الله عليه وسلم -:« مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ؟»[7]،فينبغي على الحاج أن يغتنم ساعات هذا اليوم الفضيل، ويجدد التوبة ويحاسب نفسه، ولا يضيعه بالتجوال وكثرة الكلام والجدل.
الانصراف من عرفة:ينصرف الحاج من عرفة إِلى مزدلفة بعد غروب الشمس، ولا يجوز أن ينصرف قبل الغروب، فإِن خرج منها قبل الغروب رجع إليها ولو في الليل، وإن لم يرجع لزمه دم وهو: شاة أو سُبْع بدنه أو سُبْع بقرة.
ليلة العاشر الانصراف إلى مزدلفة والمبيت بها: ينصرف الحجاج بعد غروب الشمس من عرفة إلى مزدلفة، ويسن للحاج أن ينصرف بسكينة ووقار حتى لا يؤذي الناس، وأن يكون ملبياً ذاكراً لله عز وجل، وإِذا وصل إلى مزدلفة فإِنه يبدأ بصلاة المغرب والعشاء جمعاً وقصراً للعشاء، قبل أن ينزل أمتعته وأغراضه.
حكم المبيت بمزدلفة: يجب المبيت في مزدلفة هذه الليلة ويصلي بها الفجر مبكراً، ولا يدفع من مزدلفة قبل الفجر إلا لعذر؛ كالضعفاء من النساء والصبيان ومن يرافقهم، أو الذين يقومون بخدمة الحجاج، فيجوز لهم الانصراف من مزدلفة آخر الليل إذا غاب القمر.
ما يفعله الحاج في مزدلفة:إِذا صلى الفجر يستحب أن يأتي عند المشعر الحرام، ويستقبل القبلة، ويكثر من الذكر والتكبير والدعاء رافعاً يديه، ويستمر كذلك حتى يسفر جداًّ، وفي أي مكان وقف في مزدلفة جاز، لقوله- صلى الله عليه وسلم -: « وَوَقَفْتُ هَا هُنَا وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ ».[8]، والمقصود بِجَمْعٍ: مزدلفة، وإِذا انصرف من مزدلفة استحب له أن يلتقط سبع حصيات لرمي جمار اليوم الأول فقط، أما بقية الأيام فيأخذ حصاها من منى، ومن أيِّ مكان أخذ الحصى جاز.
اليوم العاشر يوم العيد:ينصرف الحاج من مزدلفة قبيل طلوع الشمس متوجهاً إلى منى، ويكثر في طريقه من التلبية، وإِذا وصل إِلى وادي مُحَسِّر أسرع، وهو وادٍ قبل منى بينها وبين مزدلفة، فإِذا وصل إِلى منى، قام بأعمال يوم العيد، وهي إجمالاً: رمي جمرة العقبة، والنحر، والحلق أو التقصير، والطواف، والسعي، وبيانها بما يلي:
1. رمي جمرة العقبة:وهي أول أعمال يوم العيد، فإِذا وصل الحاج إلى منى اتجه إِلى جمرة العقبة وهي آخر الجمرات من جهة منى وأولها من جهة مكة، فإِذا وصل إليها قطع التلبية ورمى الجمرة بسبع حصيات متعاقبات ويكبر مع كل حصاة،ويبدأ وقته المستحب من فجر يوم العيد، فإِن رمى قبل الفجر آخر الليل صح وأجزأه، ويستمر وقت الرمي إِلى طلوع فجر اليوم الحادي عشر.
إرشادات هامة:
1. على المسلم أن يتجنب إيذاء إخوانه الحجاج عند رميه للجمرات وأدائه لباقي شعائر الحج.
2. على الحاج أن يتأكد من وقوع الحصى في حوض المرمى فبعض الناس يخطئ ويظن أن الرمي للشاخص فلا تقع الحصاة في المرمى، وبعضهم يرمي من مسافة بعيدة فلا تقع في المرمى، ومثل هذا لم يؤدِّ واجب الرمي.
3. على المسلم أن يتجنب المبالغة في الرمي كالرمي بحجر كبير أو حذاء، فالسنة أن يكون حجم الحصاة أكبر من حبّة الحمّص قليلاً لحديث جابر بن عبد الله-رضي الله عنه- وفيه: « رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى الْجَمْرَةَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ »[9].
4. إذا رمى الحصى جميعاً دفعة واحدة لم تحسب له إلا حصاة واحدة، ولو وضعها وضعاً في المرمى لم يصح بل لابد من حصول الرمي.
2. نحر الهدي: وهو العمل الثاني من أعمال يوم العيد، فينحر الهدي إن كان معه، ويأكل منه ويطعم المساكين، والهدي واجب على المتمتع والقارن، مستحب للمفرد، ولو أخّر ذبحه عن هذا اليوم جاز.
3- الحلق أو التقصير:وهو العمل الثالث من أعمال يوم العيد، فيحلق الرجل رأسه أو يقصَّر من جميعه، والحلق أفضل، أما المرأة فتقصر من رأسها قدر أنملة.
4- طواف الإفاضة:وهو العمل الرابع من أعمال يوم العيد، ويسمى طواف الإِفاضة أو الزيارة، وليس في هذا الطواف رَمَلٌ ولا اضطباع، وبعد الطواف يصلي ركعتين كما سبق في طواف العمرة،والأفضل في هذا الطواف أن يخلع عنه ملابس الإِحرام بعدما رمى وحلق ويلبس ثيابه المعتادة ويتطيّب؛ لقول عائشة رضي الله عنها: « كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ . »[10]
وقته: بعد طلوع الفجر يوم العيد، ويجزئ قبل الفجر آخر الليل من ليلة العيد لمن تعجل من مزدلفة من الضعفة. ويجوز أن يؤخره عن يوم العيد لكنه خلاف الأفضل.
5- السعي:يلزم المتمتع السعي بين الصفا والمروة بعد طواف الإِفاضة، وأما المفرد والقارن فإِن كانا قد سعيا بعد طواف القدوم فليس عليهما سعي بعد طواف الإِفاضة،وإِذا انتهى الحاج من طواف الإِفاضة والسعي -إِذا كان عليه سعي-، فقد تمت له أعمال يوم العيد، وعليه أن يرجع إِلى منى ليبيت بها ليلة الحادي عشر.
ترتيب أعمال يوم العيد:السنة ترتيب أعمال يوم العيد على النحو السابق: الرمي، ثم النحر، ثم الحلق، ثم الطواف، ثم السعي لمن عليه سعي. فإِن قدَّم بعضها على بعض جاز ذلك: لأن النبي رخص في ذلك، فلو حلق أولاً ثم رمى صح، ولو نحر أوّلاً ثم طاف ثم رمى صح، وهكذا لأن الرسول ما سئل عن شيء قُدم ولا أُخّر في هذا اليوم إِلا قال: « « افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ »[11].
التحلل الأول والتحلل الثاني:
التحلل الأول: هو إِباحة جميع المحظورات التي حرمت على المحرم بسبب الإِحرام ما عدا وطء النساء أو مباشرتهن أو عقد النكاح؛ فلا تحل له، ويحصل بفعل اثنين مما يلي: رمي جمرة العقبة، الحلق أو التقصير، الطواف مع السعي لمن كان عليه سعي.
التحلل الثاني: هو إِباحة جميع المحظورات التي حرمت على المحرم بسبب الإِحرام، ويحصل التحلل الثاني بفعل ما سبق جميعاً
-لا علاقة لنحر الهدي بالتحلل، فلو أخر نحر هديه إلى اليوم الحادي عشر، وعمل أعمال يوم العيد الأخرى، فإِنه يتحلل ولو لم ينحر.
أيام التشريق: ثلاثة هي:الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من شهر ذي الحجة سميت بذلك؛ لأن لحوم الأضاحي كانت تُشَرَّق فيها، أي تُقَطِّع وتُشَرَّح وتجفف بالشمس، وقد قال رسول الله في هذه الأيام: « أَلاَ وَإِنَّ هَذِهِ الأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ »[12].
أعمال الحج في أيام التشريق ولياليها
اليوم الحادي عشر وليلته:يجب المبيت بمنى ليلة الحادي عشر،وفي اليوم الحادي عشر بعد زوال الشمس يرمى الجمرات الثلاث، كل جمرة بسبع حصيات[13].
صفة الرمي
يبدأ بالجمرة الأولى: فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، ويكبر مع كل حصاة، ولابد من وقوع الحصى في الحوض، ثم يتقدم عنها قليلاً فيقف يدعو الله عز وجل رافعاً يديه.
ثم الجمرة الوسطى: فيرميها بسبع كالأولى ويدعو بعدها رافعاً يديه.
ثم جمرة العقبة: فيرميها بسبع، ولا يقف بعدها للدعاء.
اليوم الثاني عشر وليلته:يجب المبيت بمنى ليلة الثاني عشر،إِذا زالت الشمس رمى الجمرات الثلاث كما سبق في اليوم الحادي عشر.
فإِن كان يريد التعجل في هذا اليوم، فإِنه يرمي ويخرج من منى قبل غروب الشمس، فإِن غربت الشمس وهو مستقر في منى لزمه المبيت والرمي في اليوم الثالث عشر، وهو زيادة خير له، قال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ ...}[٢:٢٠٣] ،والمراد: فمن تعجل في يومين من أيام التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر أو تأخر فأتم اليوم الثالث عشر.
اليوم الثالث عشر وليلته:بعد الزوال من اليوم الثالث عشر يرمي الجمار الثلاث على الصفة التي سبقت في اليوم الحادي عشر. وينتهي وقت الرمي بغروب شمس هذا اليوم.
تأخير الرمي: لو أخر الحاج رمي جمار يوم إِلى اليوم الذي يليه جاز ولو أخرها إِلى آخر يوم جاز، لأن أيام التشريق كلها وقت للرمي.
وصفة الرمي إِذا أخرها: أن يبدأ بالرمي عن اليوم الأول في الجمرات الثلاث، ثم يرجع من الجمرة الصغرى فيرمي عن اليوم الذي يليه، وهكذا، ولا يكون ذلك إلا بعد الزوال.
طواف الوداع:إِذا أراد الحاج أن يخرج من مكة طاف طواف الوداع، وهو من واجبات الحج، وليس بعده سعي، ويسقط طواف الوداع عن الحائض والنفساء.
تأخير طواف الإفاضة إلى الوداع: لو أخر الحاج طواف الإِفاضة إِلى حين الوداع جاز ذلك، لكنه خلاف الأفضل، ويصح له أن يكتفي بطواف الإِفاضة عن طواف الوداع بشرط أن تكون النية عن طواف الإِفاضة فيكفيه عن الوداع حتى لو سعى بعده.
المراجع