فوائد فقهية في فقه الإحرام
الإحرام هو نية الدخول في النسك الذي يريده.
ولا ينعقد الإِحرام إلا بالنية، فلا يصير الشخص محرماً بمجرد العزم على الحج أو العمرة؛ لأنه من حين سفره من بلده وهو عازم على الحج أو العمرة، ولا يصير محرماً بالتجرد من المخيط أو التلبية من غير نية الدخول في النسك؛ لقول النبي- صلى الله عليه وسلم -:« إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»[1].
مستحبات الإحرام:
1- الاغتسال؛ لأن الرسول- صلى الله عليه وسلم - اغتسل لإِحرامه.
2- التنظيف بأخذ شعر إبطيه وعانته وقص شاربه وأظافره.
3- تجرد الرجل من المخيط قبل الإِحرام[2]، ولبسه إِزاراً ورداء أبيضين نظيفين ونعلين؛ لقول النبي- صلى الله عليه وسلم -: « وَلْيُحْرِمَ أَحَدُكُمْ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا إِلَى الْكَعْبَيْنِ »[3]، وأما المرأة فتحرم بما شاءت من الثياب، وليس لها لون معين، لكن تجتنب التشبه بالرجال ولباس الزينة، ولا تلبس النِّقاَبَ في الإِحرام ولا القُفّازين.
4- تطيب الرجل في بدنه من أحسن طيبه؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها- قَالَتْ:« كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ »[4]. ولا يطيب ثيابه لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم -: «وَلاَ تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلاَ الْوَرْسُ[5] »[6].
5- لا أصل لما يسمى صلاة سنة ركعتي الإحرام، فليس للإحرام صلاة تخصه، لكن إن وافق ذلك وقت صلاة مفروضة أحرم بعدها، كما فعل النبي- صلى الله عليه وسلم - ، كما لم يشرع التزام دعاء معين عند الإحرام.
6- لو كان سفره بالطائرة وخشي ألا يتمكن من لبس ملابس الإحرام إذا وصل للميقات فيلبسها من منزله أو من المطار، ولا يكون محرمًا بذلك حتى يمر بالميقات وينوي النسك.
7- يكشف بعض الحجاج عن كتفه الأيمن بمجرد لبسه ملابس الإحرام، وهو ما يسمى بالاضطباع، وهذا غير صحيح، فالاضطباع يكون عند طواف القدوم فقط، وأما ما عدا ذلك فيغطي كتفيه.
نية النسك: إِذا فرغ مريد الإِحرام من غسله وتنظفه، ولَبِسَ ثياب الإِحرام، وتجرَّد الرجل من المخيط، فإِنه ينوي الدخول في النسك من حج أو عمرة، ويستحب أن يتلفظ بالنسك الذي نواه، فيقول عند إِرادة الحج: "لبيك اللهم بحج"، ويقول عن إرادة العمرة: "لبيك اللهم بعمرة" ، لحديث أنس –رضي الله عنه- قال: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يقول: « لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» [7]، فإِن لم ينطق بشيء كفاه مجرد النية بقلبه.
الاشتراط في الحج والعمرة: من كان به مرض، أو خشي حدوث ما يعيقه عن إكمال نسكه؛ استحب له أن يشترط عند الإِحرام فيقول: "لبيك اللهم بعمرة فإِن حبسني حابس فمَحِلَّي حيث حبستني"، فعَنْ عَائِشَةَ-رضي الله عنها- قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لَهَا: « لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ » . قَالَتْ: وَاللَّهِ لاَ أَجِدُنِي إِلاَّ وَجِعَةً . فَقَالَ لَهَا « حُجِّي وَاشْتَرِطِي ، قُولِي اللَّهُمَّ مَحِلِّى حَيْثُ حَبَسْتَنِي » [8]، فإِذا قال ذلك وحصل له ما يعيقه جاز له التحلل بغير شيء.
أنواع النسك:
1. التمتع: أن يحرم الشخص بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ منها ويتحلل من إِحرامه، ثم يحرم بالحج في العام نفسه. ويقول أول ما يلبي به: لبيك عمرة متمتعاً بها إِلى الحج.
و المتمتع إِذا وصل إِلى مكة عمل أعمال العمرة، وهي: الطواف، والسعي، والحلق، أو التقصير، ثم يحل من إحرامه ويلبس ثيابه، فإِذا جاء اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج، ثم عمل أعمال الحج. ويجب عليه هدي بتمتعه.
2. القِرَان:أن يحرم الشخص بالحج والعمرة معاً، فيقول أول ما يلبي به: لبيك عمرة وحجاً، أو يحرم بالعمرة ثم يدخل الحج عليها قبل أن يبدأ في طوافها. والقارن يستمر في إحرامه إلى أن ينهي أعمال الحج، ويلزمه هدي بقرانه.
3. الإِفراد:هو أن يحرم بالحج فقط. ويقول أول ما يلبي به: لبيك حجاً، و المفرِد يستمر في إِحرامه إلى أن ينهي أعمال الحج، وليس عليه هدي.
أفضل الأنساك التمتع لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - أمر به أصحابه[9]، ثم القِرَان ثم الإِفراد.
التلبية: هي قول المحرم: « لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ » لحديث ابن عمر - أن تلبية رسول الله كانت كذلك[10].
و معنى "لبيك اللهم لبيك": إجابة لك بعد إجابة. وقد تضمنت التلبية الثناء على الله وشكره، والاستجابة لأمره، وإظهار توحيده، والبراءة من الشرك.
حكمها: سنة يرفع بها الرجل صوته، وتخفض بها المرأة صوتها مخافة الفتنة.
وقتها: يبدأ المحرم التلبية عقب إحرامه، ويكثر منها وهو في طريقه، وتتأكد في مواضع منها: إِذا علا مرتفعاً، أو هبط وادياً، أو صلى مكتوبة، أو أقبل ليل أو نهار، ويقطعها في العمرة إذا شرع في طوافها، وفي الحج إذا شرع في رمي جمرة العقبة يوم العيد.
محظورات الإحرام: المحظور هو الممنوع والمحرم، ومحظورات الإِحرام هي: الأعمال الممنوعة على المحرم بسبب إحرامه، وقد كانت مباحة له قبل الإِحرام. وهي تسعة:
1. حلق الشعر، أو قصه أو نتفه؛ لقوله تعالى:{... ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ۚ ...} البقرة [٢:١٩٦]
2. تقليم الأظافر؛ من أصابع يده أو رجله.
3. تغطية الرجل رأسه بملاصق؛ لحديث ابن عمر - - أن رجلاً قال: يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب ؟ قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: « لاَ تَلْبَسُوا الْقُمُصَ ، وَلاَ الْعَمَائِمَ ، وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ ، وَلاَ الْبَرَانِسَ[11]»[12].
و قال- صلى الله عليه وسلم - في المحرم الذي مات: « وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ[13] ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا » [14].
فإِن لم يكن ملاصقاً لرأسه، كأن يستعمل مظلة شمسية، أو بخيمة أو سقف بيت أو سيارة.
4. لبس المخيط للرجل؛ والمراد بالمخيط ما خيط على قدر البدن أو بعضه، مثل الثوب، والسراويل، والفنيلة، والقميص، والخفين، والجوربين، والقفازين ونحوها؛ لحديث ابن عمر المتقدم: « لاَ تَلْبَسُوا الْقُمُصَ ، وَلاَ الْعَمَائِمَ ، وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ ، وَلاَ الْبَرَانِسَ ، وَلاَ الْخِفَافَ »[15].
وإذا لم يجد مريد الإِحرام إزاراً فله أن يلبس السراويل إلى أن يجد إزاراً [16]، وإذا لم يجد نعلين فله أن يلبس الخفين؛ لقول النبي- صلى الله عليه وسلم -: « فَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا إِلَى الْكَعْبَيْنِ »[17]
5. الطيب في البدن والثوب؛ فيحظر على المحرم أن يطيب بدنه أو ثوبه، أو يقصد شمّه؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق وفيه: «وَلاَ تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلاَ الْوَرْسُ[18] »[19]، ولحديث الذي مات محرماً فقال: « وَلاَ تُحَنِّطُوهُ [20]»[21].
6. قتل صيد البر أو اصطياده ولو لم يقتله؛ لقوله تعالى:{...لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ...} [المائدة:95]، أي: وأنتم محرمون بالحج والعمرة، وقوله تعالى: {...لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ...} [المائدة:96]. والمراد بصيد البر: ما كان وحشياً مباحاً.
أما الحيوان المستأنس فليس بصيد فيجوز للمحرم ذبح الدجاج وبهيمة الأنعام ونحوها؛ وأما صيد البحر فجائز، لقوله تعالى:{...لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ...}[المائدة:96] وأما الحيوان الذي يحرم أكله؛ كالحية والعقرب فيجوز قتله، و يجوز للمحرم قتل كل حيوان اعتدى عليه إذا لم يستطع دفعه إلا بذلك.
7. عقد النكاح؛ لحديث عثمان- رضي الله عنه - أن رسول الله قال: « لا يَنْكِحُ المُحْرِمُ ولا يُنْكِحُ ولا يَخْطُبُ »[22].
8. الجماع؛ وهو الوطء في الفرج؛ وهو أشد محظورات الإِحرام.
9. المباشرة بما دون الفرج؛ كتقبيل ولمس؛ لأنه وسيلة إلى الوطء المحرم.
المرأة كالرجل في محظورات الإحرام، وتختلف عنه فيما يلي:
1. تلبس المخيط من الثياب.
2. تغطي رأسها.
3. لا تلبس النقاب والقُفّازين والبرقع لقوله- صلى الله عليه وسلم -: « لا تَنْتَقِب المحرمة، ولا تلبس القُفَّازَيْن »[23].
و تغطي المرأة وجهها عند الرجال الأجانب بغير ذلك بأن تسدل الثوب من رأسها ، ويباح لها التحلي بالسوار والقلادة والخاتم وغير ذلك.
المراجع