ماهو حكم منع الزوج لزوجته من الخروج إلى الحج؟
د. عبود بن علي درع
أجمع أهل العلم على أنّ للرجل منع زوجته من الخروج إلى الحج التطوع.
واختلفوا في منع الزوج امرأته من حجة الإسلام على قولين:
القول الأول: ليس للرجل منع امرأته من حجة الإسلام. وهو مذهب الحنفية، وقول للشافعي، والصحيح من مذهب الحنابلة، وأما المالكية فعندهم تفصيل:
أ – على القول بأن الحج على الفورفليس للزوج منعها.
ب- على القول بأن الحج على التراخي فقولان للمتأخرين.
القول الثاني : أن للزوج منعها. وهو قول للشافعي وهو الصحيح المشهور في المذهب، ورواية عن أحمد، وكذا قول عند المالكية على القول بأن الحج على التراخي.
* أدلة القول الأول ( ليس للرجل منع امرأته من حجة الإسلام):
1- عن ابن عمر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « لا تمنعوا إماء الله مساجد الله».
وجه الاستدلال: أنه ليس للزوج منع زوجته من الحج؛ لأن المسجد الحرام الذي يخرج إليه الناس للحج والطواف أشهر المساجد وأعظمها حرمة، فلا يجوز للزوج أن يمنعها من الخروج إليه».
ونوقش: بأن حديث ابن عمر ورد في الصلاة.
قال النووي: «وأجاب الأوَّلون عن الحديث بأنه محمول على أنه نهي تنزيه، أو على غير المتزوجات؛ لأنّ غير المتزوجات لم يتعلق بهنَّ حق على الفور، وذلك كالبنت والأخت ونحوهما، وأن المراد: لا تمنعوهن مساجد الله للصلوات، وهذا هو ظاهر سياق الحديث، والله أعلم».
وأجيب: بأن العبرة بعموم اللفظ.
وتُعُقب: بأن محل ذلك إذا لم يعارض العموم نص آخر.
2-عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «لا تسافر المرأة إلا مع ذي مَحْرَمٍ ». فقال رجل: يا رسول الله، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج. فقال: « اخرج معها».
وجه الاستدلال : أن الرجل أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن امرأته تريد الحج فقال- صلى الله عليه وسلم -: « اخرج معها »، ولم يأمره بمنعها. قال ابن حجر: « واستدل به على أنه ليس للزوج منع امرأته من حج الفرض». وذلك لأن الجهاد أفضل من حج النافلة، فتبين أنه حج فريضة لم يأمره بمنعها من الخروج إليها وترك الجهاد في سبيل الله إلا لأنه لا يصح ذلك.
* الدليل الثالث: من جهة القياس والنظر:
وذلك قياساً على الصوم والصلاة المفروضتين.
قال ابن قدامة: « ولنا: أنه فرض فلم يكن له منعها منه، كصوم رمضان والصلوات الخمس».
وقال الرافعي: «لأنه عبادة مفروضة فأشبهت الصوم والصلاة المفروضتين».
وتُعُقب: بأنه قياس مع الفارق . قال النووي: « قال أصحابنا: والفرق بين الحج والصوم والصلاة أن مدته طويلة بخلافهما».
أدلة القول الثاني ( للزوج منعها):
1- عن ابن عمر، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها زوجها في الحج، قال -: «ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها».
وجه الاستدلال: أن الحديث ظاهر في أن المرأة لا تُحرم بغير إذن زوجها.
ونوقش من وجهين:
أحدهما: بأنه حديث ضعيف. قال الطبراني: « لم يروه عن إبراهيم إلا حسان».
الوجه الثاني : وعلى تقدير صحته فالجواب عليه إمّا بما قاله البيهقي: « ويحتمل أن يكون إن صحَّ قبل إحرامها على الاختيار لها»،وإما بما قاله ابن حجر: « فأجيب عنه: بأنه محمول على حج التطوع، عملاً بالحديثين»، أي : وبحديث ابن عباس مرفوعاً: « لا تسافر...» .
الدليل الثاني: من جهة القياس والنظر:
لأن الحجَّ على التراخي، فلم يتعيَّن في هذا العام، وحق الزَّوج على الفور فكان أولى بالتقديم.
ونوقش بأنه: على القول بأن الحج على الفور وكذا القول بالتراخي، فليس للزوج منع زوجته من الخروج لحجة الإسلام؛ لأنّ حق الزوج لا يظهر مع الفرائض، كالصوم والصلاة.
وقال ابن قدامة: « فإن الحج الواجب يتعين بالشروع فيه، فيصير كالصلاة إذا أحرمت بها في أول وقتها، وقضاء رمضان إذا شرعت فيه، ولأن حق الزوج مستمر على الدوام، فلو ملك منعها في هذا العام لملكه في كل عام، فيفضي إلى إسقاط أحد أركان الإسلام».
الترجيح: بالنظر إلى القولين السابقين وأدلة كل قول والاعتراضات على كل منها؛ يتبين أن الراجح في هذه المسالة هو القول بأنه ليس للرجل منع امرأته من حجة الإسلام، وذلك لما يلي:
1- قوة دلالة حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي مَحْرَم». فقال رجل : يا رسول الله، إن أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج، فقال: « أخرج معها».
2- صحة قياس الحج على الصوم والصلاة المفروضتين.
3- ضعف حديث ابن عمر مرفوعاً: « ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها».
4- ضعف دلالة بقية الأدلة المستدلّ بها على منع الزوج زوجته.
5- ولأن الله عز وجل أمر بحج بيته أمراً مطلقاً ، والأمر المطلق يقتضي فعل المأمور به على الفور. فالحج واجب على الفور.
6- لو سلمنا بأن الحج على التراخي ، فالأفضل لها أن تسارع إليه لتبرئ ذمتها.
7- أن بعض القائلين بجواز التأخير يقولون: إذا أخره حتى مات فهو آثم بالتأخير، فهي مدعوة إلى المسارعة أولى من طاعة الزوج في التأخير لئلا تتعرض للإثم.