أيها الأخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، وهو اسم " البديع "،قال تعالى:
﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
( سورة البقرة الآية: 117 )
أي: مبدع السماوات والأرض.
ما من شيء يصنعه الإنسان إلا وهو تقليد لمخلوق خلقه الله عز وجل:
أيها الأخوة الكرام، إن الله خلق كل شيء من لا شيء، أما الإنسان إذا عزي إليه مجازاً أنه خلق شيئاً فخلق شيئاً من كل شيء، أي من ابتدع نظام البذور ؟ من ابتدع الكواكب على شكل كرة وفيها منبع ضوئي هو الشمس والكوكب يدور ؟ من ابتدع نظام الذكر والأنثى ؟ الأصل نظام الذكر والأنثى، نظام التكاثر، نظام البذور، نظام الشمس والقمر، مبدأ الجاذبية، هذه القوانين والسنن، وهذه الأفلاك وهذه المجرات، وهذه الحيوانات وهذه النباتات من ابتدع فكرتها أولاً ؟ ومن حققها ثانياً ؟ إنه الله.
إن الإنسان لا يستطيع أن يفعل شيئاً إلا وفق نموذج سابق، فالغواصة تقليد للسمكة، والطائرة تقليد للطير، والعجلة تقليد لشجرة تتدحرج، وما من شيء يصنعه الإنسان إلا وهو تقليد لمخلوق خلقه الله عز وجل.
إيداع الله عز وجل لا يعد ولا يحصى منه:
1 ـ الأنواع الهائلة للأسماك:
تجد في البحر مليون نوع من السمك، أسماك صغيرة، وأسماك كبيرة، وأسماك زينة، وأسماك فسفورية، وأسماك شفافة، وأسماك سوداء، وأسماك تمشي على أقدام في قاع المحيطات، وأسماك كآنية الزهر، وأسماك كالأخطبوط، وأسماك عملاقة كالحيتان، الحوت وزنه مئة وخمسون طنًّاً، وأسماك صغيرة جداً كي تمتع نظرك بها، وأسماك متوحشة كالقرش، وأسماك وديعة، وأسماك طبيبة، فهي مليون نوع من السمك، هذا إبداع من ؟ إنه إبداع الله عز وجل.
2 ـ أشكال ورقة النبات:
كم شكلاً لورقة النبات ؟ يوجد أوراق عملاقة كأوراق الموز، و أوراق كالإبر كأوراق الصنوبر، و أوراق دائرية، و أوراق مسننة، و أوراق ملونة، اللون الأخضر متداخل مع اللون الأبيض، لو ذهبت تحصي أنواع الأوراق لم تنتهِ.
3 ـ قزحية عين الإنسان ونبرة صوته ورائحة جلده و زمرته النسيجية:
الإنسان المصمم يقدم لك نموذجاً، تقول له: أريد نموذجاً آخر، يقول: هذا ثان، وثالث، ورابع، بعد هذا يقول: انتهى، أما ستة مليارات إنسان، كل إنسان له شكل وجه معين، ولا وجه يشبه الآخر، ستة مليارات إنسان لكل واحد منهم قزحية عين، وما من قزحية تشبه الأخرى، الآن أتكلم بهويتك، لك قزحية عين لا يشبهك بها أحد، لذلك الآن بعد مكافحة الإرهاب اعتمدوا أن توضع صورة قزحية العين على الجوازات، لا يمكن أن يزور هذا الجواز، الآن في بعض البلاد في المطار تقف أمام جهاز فتؤخذ صورة قزحية العينين، ويكون على الجواز قزحية عينك هوية، ونبرة صوتك هوية، وما مِن إنسان في الأرض يشبه صوته صوتك، ورائحة جلدك هوية، الله عز وجل أبدع ستة آلاف مليون صوت، وستة آلاف مليون رائحة جلد، وستة آلاف مليون قزحية، وستة آلاف مليون زمرة نسيجية.
أحياناً يضطر الإنسان أن يزرع كلية فيجد كلية زمرة صاحبها النسيجية لا توافق زمرته الموافقة التامة، الزراعة مستحيلة، فلا تقترب منها، لا تنجح هذه العملية، وهويتك في بصمتك، بصمة الإصبع هوية، من الذي أبدع هذا كله ؟
الآن لاحظ المركبات يشيع في العالم كله مركبة ذات خطوط منحنية انسيابية، بعد حين مركبة ذات خطوط و زوايا حادة، بعد حين العجلات على شكل أسياخ، بعد ذلك من نوع آخر، النافذة الخلفية تكون كبيرة جداً، ثم تكون صغيرة جداً، فهناك عدد محدود من التصميمات تعاد، لأن القدرة في الإنسان على الإبداع محدودة، أما الله عز وجل فبديع السماوات والأرض.
قال بعض العارفين بالله: " لو تشابهت ورقتا زيتون لما سميت الواسع ".
4 ـ عدم التشابه بين المخلوقات:
لا يوجد وجه مثل وجه آخر، ولا يوجد إنسان مثل إنسان آخر، كل إنسان له وجه، وله لكنة صوت، وله طريقة في المشي، وطريقة في الحديث، فالله بديع السماوات والأرض.
كنت في القاهرة، ودخلت إلى متحف للفراشات، الجدران بأكملها عليها نماذج من الفراشات، ليس هناك فراشة تشبه أخرى.
5 ـ النطفة عند الإنسان:
بالمناسبة الآن ثبت أن النطفة هوية للإنسان، وما مِن نطفة في الأرض تشبه نطفة إنسان آخر، لذلك وجدوا أيضاً أن المرأة عندها جهاز يستقبل شفرة هذه النطفة، ويخزن فيه، فما دامت هذه النطفة تأتيها تباعاً فلا شيء عليها، أما إذا جاءت نطفة أخرى بشفرة غير الأولى فهناك احتمال أن تصاب المرأة بسرطان الرحم، متى يمكن للمرأة ـ وقد برمجت على استقبال نطفة بعينها ـ أن تستقبل نطفة أخرى دون أن تتأثر ؟ بعد ثلاثة أشهر من انقطاع النطفة الأولى، هذه العدة، وإذا رافقَ المرأةَ شدّةٌ نفسية فإنها تحتاج إلى أربعة أشهر وزيادة، هذه عند وفاة الزوج.
والله هذا شيء لا يكاد يصدق، كنت في مؤتمر في القاهرة، وألقي هذا البحث العلمي، أن عدة المرأة المطلقة ثلاثة أشهر، وأن عدة المرأة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام، هذه العدة لها أصل علمي، لذلك أكثر المومسات والزانيات يصبن بسرطان الرحم، لأن نطفةً دخلت على نطفة:
((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ حُنَيْنٍ: لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، يَعْنِي إِتْيَانَ الْحَبَالَى ))
[أبو داود عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ]
أما من أجل أن تستقبل المرأة نطفة جديدة دون أن تصاب بأذى فينبغي أن ينقطع ورود النطفة الأولى مدة ثلاثة أشهر بالتمام والكمال.
لكرامة الإنسان عند الله جعله فرداً وسمح له أن يبدع طريق الجينات:
أيها الأخوة الكرام، هوية الإنسان قزحية عينه، وبلازما دمه، ورائحة جلده، ونبرة صوته، وزمرته النسيجية، وبصمة إصبعه، ونطفته، كم هوية ؟ لذلك الله عز وجل هو فرد، ولكرامة الإنسان عند الله جعله فرداً، الله عز وجل مبدع، ولكرامة الإنسان عند الله سمح له أن يبدع طريق الجينات، الآن هناك وردة سوداء بهولندا، الآن هناك بعض الفواكه هجين، يقال لك: أناناس، بطيخ على أناناس، الآن هناك خضراوات بألوان عجيبة جداً، لأن الله مبدع، ولكرامة الإنسان عند الله سمح له أن يبدع، الآن هناك نباتات مقزمة، في بيتك نبات برتقال وتحمل الثمار، ونبات تفاح يحمل الثمار، يوجد نباتات نقزمه عن طريق الهرمونات والجينات، وهناك هرمونات عملقة، وهرمون تقزيم، الإنسان الآن مبدع إبداعاً كبيراً جداً، لولا أن الله سمح له أن يبدع لما أبدع.
البدعة المحرمة والبدعة المطلوبة:
لكن موضوع الابتداع قد ينقلنا إلى موضوع البدعة، كلمة بدعة رائجة جداً في بعض الأوساط، والحقيقة أن كل شيء جديد لم يكن من قبل يعد بدعة، لكن الحديث الذي قاله النبي عليه الصلاة والسلام:
(( وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ ))
[النسائي عن جابر]
هذا يتعلق بالبدعة في الدين فقط، أما إذا أحدثنا تدفئة مركزية في المسجد، أحدثنا تكييفًا، أحدثنا تكبيراً للصوت، أحدثنا تصويراً، فهذه لا علاقة لها بموضوع البدع حينما ينهى عنها، هذه بدعة لغوية، وهي شيء جديد لم يكن من قبل.
كان مسجد النبي عليه الصلاة والسلام من الرمل، وكان سقفه من سعف النخيل، انظروا إلى المسجد النبوي الآن، فيه أعظم نظام تكييف في العالم، مساحة أجهزة التكييف تحتل سبعة وعشرين دونماً، وتبعد عن الحرم تسعة كيلومترات، والحرارة ست وخمسون درجة خارج الحرم النبوي، وداخله ثماني عشرة درجة، شيء لا يصدق، الأناقة والجمال والقباب المتحركة شيء لا يصدق، هذا ليس منهياً عنه، هذه كلها بدع لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه و سلم، نقصد بها البدع في الدين، لأن دين الله توقيفي، وقد قال الله عز وجل:
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾
( سورة المائدة الآية: 3 )
فأحكام الدين من حيث التمام تامة، التمام عددي، والكمال نوعي، تامة عدداً، وكاملة نوعاً، وأية إضافة على الدين اتهام له بالنقص، وأي حذف من الدين اتهام له بالزيادة، والتجديد في الدين أن ننزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه، الدين توقيفي، لكن البدع في تطوير حياتنا مطلوبة، وفي تطوير مساكننا، وفي تأمين فرص عمل للشباب، وفي حلّ مشكلات الشباب، وتزويج الشباب، وفي تطوير الصناعة، و في استخراج الثروات، و في إنشاء السدود، هذا كله مسموح به، بل نحن مطالبون به، لأن الله استعمرنا في الأرض، وأرادنا أن نعمرها، لكن الذي وقع، والذي يؤسف له أشد الأسف أننا ابتدعنا في ديننا، وقلدنا في دنيانا، والأصل أن نبتدع في دنيانا، وأن نقلد في ديننا، قال تعالى:
﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ﴾
( سورة الأنعام)
الله خلق كل شي من لا شيء فكرة وتنفيذاً:
على كل أيها الأخوة الكرام، بديع السماوات والأرض، هذا الذي تراه عينك أصل فكرته من أين ؟ أنت تأكل فاكهة، الفاكهة لها بذرة، هذه إذا وضعتها في الأرض تصبح شجرة، هذه الفكرة في الأصل من اخترعها ؟ من أبدعها ؟ إنه الله عز وجل.
الإنسان ذكر وأنثى، يلتقيان، فيولد ولد، لو تصورت البشر من دون نظام تزاوج !! ينتهون، لو تصورت الله عز وجل خلق الطعام أمامك، أكلنا وانتهى، ولم يبق طعام، ولكن كل شيء تأكله فيه بذور لإنباته مرة ثانية، هذا تصميم من ؟ إبداع من ؟ لذلك اسم " البديع " اسم يحتاج إلى مجلدات.
الملخص أن الله خلق كل شيء من لا شيء فكرة وتنفيذاً، وأن الإنسان إذا اخترع شيئاً يخترع شيئاً من كل شيء.
والحمد لله رب العالمين