dangerlove عضو ذهبى
عدد المساهمات : 355 تاريخ التسجيل : 03/04/2013
| موضوع: التقليد الأعمى - للشيخ : ( عبد الرحيم الطحان ) الثلاثاء 24 ديسمبر - 10:00 | |
| التقليد الأعمى - للشيخ : ( عبد الرحيم الطحان )
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته التقليد الأعمى - للشيخ : ( عبد الرحيم الطحان ) الإسلام دين يوافق الفطرة، ويؤيد العقل السليم، ولم يأت بإلغاء العقل بل جاء بترشيده ومحاربة الأشياء التي تقلل من دوره، ومن ذلك التقليد الأعمى وهو متابعة الغير بلا حجة، فقد ذمه الشرع ونعى على أقوام ألغوا عقلوهم وأسلموها لموروثات آبائهم، كما ذم النبي صلى الله عليه وسلم الشخص أن يكون إمعةً، وسواء كان التقليد الأعمى في الآراء والمعتقدات، أو كان في اللباس أو غيره فإن ذلك منهي عنه. صور من التقليد المحمود الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.له الحمد سبحانه وتعالى، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير.اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين، ورازقهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3].وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].أما بعد:فإن مما يحجب العقل ويمنعه من التفكير ويفسد الدنيا والدين: التقليد الأعمى، وأريد بالتقليد: أن يتبع المرء في دينه وفي أقواله وفي أعماله وفي أحواله من ليس بحجة، فخرج من ذلك صورتان لا يذم فيهما التقليد بحال من الأحوال:الصورة الأولى: تقليد النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاءنا به عن ربه تبارك وتعالى، فإن هذا يسمى اتباعاً، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الواسطة فيما بين الله وبين خلقه في تبليغ ما أنزل الله جل وعلا.والصورة الثانية: تقليد العلماء، فقد أباح الله ذلك ونص على ذلك بقوله: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، فالناس قسمان: عالم مجتهد يمكنه أن يأخذ أحكام دينه من كتاب الله ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فيجب عليه أن يسلك هذا المسلك ولا يباح له التقليد بحال.والثاني: رجل جاهل لا يمكن أن يأخذ الأحكام من الكتاب ومن السنة مباشرة، فما عليه إلا أن يسأل العلماء الأبرار الأخيار، كما قال الله جل وعلا: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، وما عدا هاتين الصورتين فكل أنواع التقليد محرمة سواء سلك الإنسان التقليد في الاعتقاد أو في الأعمال أو في الأقوال أو في الأحوال، فكل تقليد يخرج عن هاتين الصورتين فإنه يفسد العقل ويهدم الدنيا والدين وينشر الفوضى والإسراف الذي لا نهاية لهما. الآيات الدالة على انتشار التقليد في الأمم السابقة والله جل وعلا يخبرنا أن هذا الداء -أعني داء التقليد- انتشر في الأمم السابقة، وكان سبباً في هلاكها، وإذا وجد في هذه الأمة فسيكون سبباً في هلاكها، فالله جل وعلا يخبرنا عن إبراهيم خليل الرحمن على نبينا وعليه الصلاة والسلام أنه عندما دعا قومه إلى عبادة الله جل وعلا ونبذ الطواغيت والأنداد من دون الله، وناقشهم بحجج عقلية منطقية: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ [الأنبياء:52]، فما كان جواب قومه إلا أن قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ [الأنبياء:53]، بلا تفكير ولا تفكر ولا تأمل.سبحان الله! صنم ينحت ثم يعبد، ويفرد بالمحبة والرغبة والرجاء وغير ذلك؟ ولكن ما لهم حجة إلا التقليد الأرعن الذي ينافي العقل الصحيح والفهم السليم، لا حجة لهم في ذلك إلا تقليد الآباء سواء كانوا على حق أم على باطل، ولذلك يقول الله جل وعلا: وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ [الزخرف:23-24].وهكذا يخبرنا الله جل وعلا عن حال النبي صلى الله عليه وسلم مع هذه الأمة عندما دعاها إلى الله جل وعلا في أول الأمر: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [البقرة:170] أي: ما وجدنا عليه الآباء، أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ [البقرة:170]، ثم ضرب الله صورة بشعة لمن يسلك هذا المسلك ولمن ينحو هذا النحو فقال: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [البقرة:171]؛ أي: إن مثل من يكلم هؤلاء الكفار ويطلب منهم أن يدخلوا في دين الله جل وعلا وأن ينبذوا الأوثان والطواغيت كمثل الذي يصرخ ويصيح ببهيمة لا تسمع ولا تفقه ما يقال لها إلا أنها تسمع صوتاً ينادي فقط، وأما المراد من هذا الصوت فلا تتأمله ولا تتدبره لأنه لا عقل عندها، وكذلك هذا الكافر عندما سلك طريق التقليد الأعمى لا يسمع من دعوتك له بالحق إلا ألفاظاً لا يتأملها ولا يتدبرها، وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [البقرة:171].ولذلك كانت نتيجة المقلدين يوم القيامة وخيمة وعقيمة وخبيثة ومؤلمة؛ لأنهم تابعوا آباءهم وتابعوا عشيرتهم وقومهم وعاداتهم وعرفهم في غير الحق وفي غير ما تقتضيه العقول المستقيمة، فتقع النفرة بينهم وبين من قلدوهم يوم القيامة، كما قال الله جل وعلا: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:166-167].ويقول الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا [الأحزاب:64-68].ولذلك يكون إبليس أمير الكفرة يوم القيامة في النار، ويلقي خطبته الشهيرة التي أخبرنا الله عنها في كتابه فقال: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم:22]، ولأن التقليد يتنافى مع العقل فقد جاءت الشريعة لتحريره والتنفير من التقليد. صور من التقليد المذموم الصورة الأولى: تقليد الناس في الإحسان والإساءة وصور التقليد كثيرة، إنما سنأخذ الآن بعض هذه الصور لنرى سفالة التقليد ووضاعة المقلدين، ويقاس ما لم يذكر على ما ذكر.معنى التقليد -كما قلنا-: أن يسير الإنسان مع الناس كيفما ساروا، لذلك روى الطبراني في كبيره بسند رجاله ثقات عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لا يكن أحدكم إمعة، قالوا: وما الإمعة يا أبا عبد الرحمن ؟ قال: أن يقول: أنا مع الناس، إن أحسنوا أحسنت، وإن أساءوا أسأت، وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أحسنوا، وإن أساءوا تجنبوا إساءتهم، وطنوا أنفسكم إن كفر الناس أن لا تكفروا.هذا هو التقليد أن يساير الإنسان في أعماله وأحواله وأقواله واعتقاداته أحوال الناس وأحوال البيئة التي يعيش فيها.ومن مظاهر هذا التقليد: تقليد الآباء والأجداد، وأن يسلك الفرع مسلك الأصل سواء كان على حق أو على باطل، وقد مر معنا كيف أن قوم إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام عبدوا الأصنام ورفضوا ما تقتضيه العقول من الحق اتباعاً لآبائهم، فما لهم حجة إلا أن آباءهم كانوا يسلكون هذا المسلك، وقد وجد في هذه الأمة، وفي هذه الأعصار وفي أعصار كثيرة قبلها دعوات منتنة جاهلية, ورثوها عن آبائهم وأجدادهم فلا يتزحزحون عنها وكأنها شرائع أنزلها الله جل وعلا.ولا يخفى على أحد منكم التقسيم الذي يجده الناس في هذا الوقت من قبلي إلى خضيري إلى غير ذلك من التقسيمات الضالة الجاهلية، فإذا جاء رجل ليتزوج من رجل من القبائل قالوا: أنت لست من قبيلتنا، وأنت وأنت، وليس لهم حجة في هذا العمل إلا أنهم أدركوا آباءهم يسيرون على ذلك فقلدوهم، أما في الشرع فالناس قسمان: بر تقي وفاجر شقي، ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]. الصورة الثانية: طاعة أولي الأمر في معصية الله والصورة الثانية من التقليد الذي ضلت به أمم لا تحصى في هذا الوقت: تقليد ولي الأمر، وأولوا الأمر قسمان: حكام وعلماء، فتقليدهم دين، واتباعهم في معصية الله تقليد أعمى، وهذا من ما نهي عنه.أما تقليد الحكام: فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ علينا العهد أن نسمع وأن نطيع إذا أمروا بطاعة الله، فإذا أمروا بمعصية فلا سمع ولا طاعة، فإذا أطاع أحد منا أحد الحكام في معصية الله فقد سلك التقليد الأعمى، وقد جعل هذا الحاكم نداً لله رب العالمين، وسيلقى جزاءه يوم القيامة.وفي البخاري عن علي رضي الله عنه وبوب النسائي على هذا الحديث باباً في كتاب البيعة فقال: باب جزاء من أمر بمعصية فأطاع، ثم أورد الحديث عن علي رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل نفراً من أصحابه في سرية من السرايا وأمر عليهم أحد الأنصار، حتى إذا كانوا في وسط الطريق غضب الأمير لأمر من الأمور، فقال: ألم يأخذ عليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم العهد أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا حطباً، حتى إذا جمعوا الحطب قال: أوقدوا فيها النار، حتى إذا أوقدت النار قال: ألقوا أنفسكم فيها، فانقسم الصحابة رضوان الله عليهم إلى قسمين: قسم قالوا له: يا أيها الرجل! والله ما فارقنا الشرك إلى الإسلام واتبعنا النبي عليه الصلاة والسلام إلا فراراً من النار، فكيف نلقي أنفسنا في هذه النار؟ والله لا نطيعك في ذلك )، والقسم الآخر هموا أن يلقوا أنفسهم في هذه النار فلما خمدت النار قال لهم هذا الأمير: أردت أن أختبر سماعكم وطاعتكم لي، حتى إذا انتهت السرية وعاد الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا له القصة، فقال للذين لم يلقوا أنفسهم ولم يوافقوه على ذلك خيراً، وقال للذين أرادوا أن يلقوا أنفسهم فيها: ( والذي نفس محمد بيده صلى الله عليه وسلم لو دخلوها لم يخرجوا منها إلى يوم القيامة، ولبقوا فيها خالدين مخلدين أبداً، إنما الطاعة في المعروف ).ولذلك روى البخاري بسنده إلى ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة )، فطاعة الأمير مقيدة بطاعة الله، فإذا أطاع الله يطاع، وإذا عصى الله جل وعلا فلا طاعة له عليهم، ولذلك عندما أمر الإسلام الزوجة بطاعة زوجها حدد ذلك في إطار طاعة الله، وإذا طلب الزوج من زوجته معصية لله فلا تطيعه، فهي عبد لله وليست بعبد للزوج، ولذلك عقد البخاري في كتاب النكاح باباً بهذا الخصوص فقال: باب لا تطيع الزوجة زوجها إذا أمرها بمعصية الله، ثم أورد حديثاً بسنده إلى أمنا عائشة رضي الله عنها: ( أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني زوجت ابنتي من رجل فتقطع شعرها وسقط، فأمرها زوجها أن تصل شعرها -أي: أن تصل هذا الشعر القصير بشعر آخر- أفأصل شعرها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، لعن الله الواصلة والمستوصلة )، فوصل الشعر الذي عم في هذه الأوقات لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك ولعن الذي يفعل به ذلك؛ لأن هذا تبديل وتغيير لخلقة الله جل وعلا، ولا يباح للمرأة أن تصل شعرها لا بشعر طبيعي ولا بشعر اصطناعي، وهذه الباروكات التي عمت وانتشرت في كل مكان هي من تاج إبليس ومن زينته التي أخرجها للناس ليفتنهم بزهرة الحياة الدنيا عن جنة عرضها السماوات والأرض، فلا يباح للمرأة أن تصل شعرها بشيء إلا بخرق على سبيل الضفائر بشرط أن تتميز هذه الخرق عن الشعر، وأما أن يكون شعراً طبيعياً أو اصطناعياً فلا يجوز، ولذلك لم يبح النبي صلى الله عليه وسلم لهذه المرأة -مع أن زوجها أمرها بذلك- هذا العمل وقال: ( لعن الله الواصلة والمستوصلة ).وأما الثاني من أولي الأمر فهم العلماء الذين يتبعون الهوى وينحرفون عن شرع الله جل وعلا، ويشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، ويحرفون الكلم عن مواضعه؛ فهؤلاء ينبغي ألا يطاعوا، وألا يتبعوا، وما أكثرهم في هذه الأزمان، ولا زالت الفتاوى الضالة تطالعنا بين الحين والحين فكثيراً من العلماء أباحوا الربا الموجود في بنوك الدنيا في هذه الأيام بحجة أن الربا الذي يؤخذ في هذا الوقت إنما هو مقدار يسير، ثلاثة بالمائة أو خمسة بالمائة، وهذا ليس برباً، إنما هو أجور للموظفين، وهذه حيل شيطانية لا يعرفها إبليس، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود؛ فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل ).وفريق ثان وما أكثرهم أيضاً عندما يسأل عن التلفاز وعن هذه الآلات التي أحدثها الشيطان ليضل عن سبيل الله، فتراه يسلك مسلكاً يظن أنه يتفقه فيه على الناس فيقول: إن التلفاز آلة تستعمل في الخير وتستعمل في الشر، فيريد أن يحل علينا الزوال. نحن نتكلم في التلفاز الحاضر وليس في أصل الآلة، فالتلفاز الحاضر في جميع أرجاء الدنيا لا يستعمل إلا في معصية الله، لم تحريف الكلم عن مواضعه؟ إن هذا التلفاز الذي غزانا في بيوتنا وفي عقر دارنا جر علينا من المفاسد والبلايا ما لم تجره المسارح ولا المراقص ولا دور السينما ولا دور الخلاعة، فتلك الأشياء لها أمكنة محددة، ومن يقصدها محددون، ويقصدونها ما بين الحين والحين، أما هذه الآلة فهي في كل بيت يسمع إليها صاحب اللحية والذي لا لحية له، يسمع إليها الذكر والأنثى، وفيها من المفاسد ما في تلك وزيادة، فهي محرمة ولا شك في ذلك.وكل من يسلك هذه المسالك فهو من علماء السوء الذين ينبغي أن يجتنبوا، وألا يتبعوا، ورحمة الله على الإمام عبد الله بن المبارك إذ يقول:رأيت الذنوب تميت القلوبوقد يورث الذل إدمانهاوترك الذنوب حياة القلوبوخير لنفسك عصيانهاوهل أفسد الدين إلا الملوكوأحبار سوء ورهبانهافالذي ينحرف من هذه الأمة ويتبع هذه الأهواء الضالة يسلك مسلك اليهود الذين غضب الله عليهم؛ لأنهم ضلوا عن علم.وفي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي بإسناد حسن: ( أن عدي بن حاتم رضي الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ قول الله: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا [التوبة:31]، فقال: يا رسول الله! كيف تقرأ: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا [التوبة:31]، واقع الأمر أن النصارى ما عبدوا الرهبان والقسيسين، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: يا عدي ! أوما كانوا يحلون لهم الحرام ويحرمون عليهم الحلال فيطيعونهم؟ قال: بلى، قال: فهذه عبادتهم )، فكل من أطعته وقلدته واتبعته في معصية الله فقد عبدته من دون الله وجعلته لله نداً. الصورة الثالثة: اتباع العادة والعرف الصورة الثالثة: تقليد العرف والعادة، فالإنسان لا يكون مع الأعراف مقلداً, سواء كانت على حق أو على باطل، بل لا بد أن يتأملها ويتدبرها ويزنها بميزان العقل حسب نصوص الشرع، وأما أن يتبعها ولا يخرج عنها فإن هذا ضلال ليس بعده ضلال. الصورة الرابعة: التعصب للقومية والوطنية إن من الأفكار المسمومة التي بثها الاستعمار فيما بيننا ثم تركنا، لأننا أصبحنا نتناحر فيما بيننا فلا حاجة للاستعمار أن يتدخل في شئوننا أفكار سقيمة عقيمة يتاجر بها الناس في كل وقت في هذه الأزمان، فكرة القومية، فكرة الوطنية، والتعصب لذلك بحق أو بباطل، سبحان الله! إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] ولم يكن الإسلام في يوم من الأيام دولاً ولا دويلات، إنما كان دولة واحدة وأفراده كلهم إخوة متساوون، لا فرق بين أفراده إلا بالتقوى، فلم يكن في يوم من الأيام هذا التقسيم ولا دعوى: وطني ولا دعوى أجنبي ولا دعوى هذا من قومنا وهذا ليس من قومنا، إنما كانت الدعوى: هذا مسلم وهذا كافر وكفى، وإذا كان هذا مسلماً فله ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، أما أن يقال: هذا وطني وهذا أجنبي وغير ذلك فكلها مصطلحات جاهلية ما ينبغي لمسلم أن تخرج من لسانه ولا أن تدور في ذهنه، وهي من خصال الجاهلية التي حاربها الإسلام.ومن العجيب! أن كثيراً من الحروب قامت بين دول رعاياها إسلامية، ولن تزال الحروب بين الدول التي أفرادها إسلامية وسيقتتل المسلمون فيما بينهم إذا كانت الحالة هذه إلا إن فرج الله عنا وجمع كلمتنا. نعم يتقاتل المسلمون لا لشيء عظيم، إنما لشيء يسير جداً، فهنا أحد الحكام في هذه الدولة يميل لوجهة غربية وهناك الحاكم الآخر يميل لوجهة شرقية، فوجه جيوش أحد الدولتين إلى الأخرى فخرج الأفراد يتقاتلون، لو سألت القاتل: لم تقتل؟ يقول: لا أدري، ولو سألت المقتول: على أي شيء قتلت؟ لقال: لا أدري.فالحذر من المشاركة في مثل هذا الاقتتال فقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قتل، ولا يدري المقتول على أي شيء قُتل، قيل: وكيف ذلك يا رسول الله؟! قال: الهرج )، فتن بين المسلمين كقطع الليل المظلم، ففي الهرج القاتل والمقتول في النار، ولذلك ثبت في الصحيحين عن أبي بكرة نفيع بن الحارث أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قلت: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه ).دعوا هذه الدعوات المنتنة العصبية والجاهلية والوطنية والقومية وتسموا بما سماكم الله به: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ [الحج:78]، ولذلك ثبت في سنن أبي داود بإسناد حسن عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس منا من دعا عصبية، وليس منا من قاتل عصبية، وليس منا من مات عصبية ). الصورة الخامسة: التقليد الأعمى في اللباس ومن صور التقليد الأعمى وهي صور مزرية تتفطر لها الأكباد: ما يتعلق باللباس.إن اللباس ينبغي أن يكون للذكر وللأنثى لباس ساتر للعورة، لا يصفها ولا يشف عنها وليس لباس شهرة, وهذا اللباس هو الذي ينبغي أن يلبس بهذه الكيفية وأن نتقيد به، ولا نتقيد بالأعراف والعادات الضالة المنتشرة في كل إقليم وفي كل بلدة.ولا يخفى على أحد منا حال النساء في هذا الوقت، فكل امرأة ترتدي عباءة لو وزنت لما وزنت خمسين غراماً بلا مبالغة، ولو نفخها الإنسان لطارت، ويرى من داخل العباءة لونين أو ثلاثة من الثياب, ولو سألت عن ذلك لقالت: العادة والعرف أننا نلبس هذه العباءة ونخرج بهذه الشارع، ولو نظرت في نتيجة هذا الأمر لعلمت أن نتيجته وخيمة، وأنها لبست هذا بناءً على التقليد مع أنه غير شرعي، وعندما يسافر الإنسان من هذه البلدة إلى بلدة أخرى يرى أنه عندما يخرج الناس بسلم الطائرة يضع بعض الرجال والنساء ملابسهم ويلبسون ما يلبسه أهل تلك البلدة، ورأيت كثيراً من الرجال يذهبون إلى حمامات الطائرة ليغيروا هذه الملابس، ويلبسوا بعد ذلك بنطالاً لأنه سيناسب الدولة التي سيذهب إليها.سبحان الله! ما هذا الانحطاط الذي أصابنا؟ إن الكفرة عندما يأتون إلى بلادنا، يأتون ومعهم عاداتهم ذكوراً أم إناثاً، ولا يتخلى واحد منهم عن عاداته، فتخرج المرأة سافرة في بلاد الإسلام وتتحدى مشاعر المسلمين، ويخرج الرجل بلباس ويتحدى مشاعر المسلمين، ونحن لباسنا لباس الخير والفضيلة فيما يتعلق بالذكور وفيما يتعلق بالإناث، إذا أردنا أن نسافر إلى مكان خلعناه، لأننا في الأصل لم نلبسه على تقوى ولم نلبسه على تدبر وتفكر واعتقاد، فمن كان هذا حاله فإنه لا يقر على حال وسيبقى متذبذباً.عباد الله! استمسكوا بدينكم فهو خير لكم، فالله جل وعلا يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الزخرف:43]، استمسكوا بدينكم وراقبوا ربكم في سفركم وفي حضركم وفي سركم وعلانيتكم، فستعرضون على الله ولا تخفى منكم خافية، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8].الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير نبي أرسله.اللهم صل على سيدنا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة الطاهرين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.عباد الله! تدارسنا في مواعظ متعددة مناط العقل في الإسلام، وقد اتضح لنا مما تقدم أن الشرع المطهر اعتبر العقل مناط التكليف، وأن التفاضل يوم القيامة يكون بمقدار العمل وسمعنا كيف حافظ الإسلام على هذا العقل فحرم ما يزيله حساً من مسكرات ومخدرات، وحرم ما يزيله معنىً من اتباع للهوى -هوى الشبهات وهوى الشهوات-، ومن التقليد الأعمى: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50].اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وحببه إلينا، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه وكره إلينا، اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، اللهم اصلح أحوالنا واجعل الجنة دارنا، ولا تجعل إلى النار مصيرنا, وتب علينا يا رب العالمين، اللهم اغفر ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اجعل حبك وحب رسولك أحب إلينا من كل شيء.اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها يا أرحم الراحمين.اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميع قريب مجيب الدعوات، والحمد لله رب العالمين. | |
|
زهرة العراق مراقبة
عدد المساهمات : 74 تاريخ التسجيل : 13/01/2012
| موضوع: رد: التقليد الأعمى - للشيخ : ( عبد الرحيم الطحان ) الأربعاء 15 نوفمبر - 19:54 | |
| | |
|