التكفير لا يخضع للأهواء ! الدكتور رياض بن محمد المسيميري
الكفر مسمى بغيض يأنف من التورط في مغبته كل من ذاق حلاوة الإيمان ، وخالطت شغاف قلبه نسائم التوحيد, ولذا لم يكن من الجائز إطلاق الكفر على من لا يستحقه قبل تحقق الشروط وانتفاء الموانع الحائلة بين المتورط بالكفر وإطلاق اللقب عليه .
فالتكفير مسمى شرعي لا يخضع للأهواء الشخصية والأمزجة النفسية ، وليس هو باب ردود الأفعال أو تصفية الحسابات, وليس هو كذلك معاقبة بالمثل أو اقتصاص من جائر ظالم .
لقد كان الكثيرون يطلقون ألقاب الكفر على شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – فما كان يعاملهم بالمثل لأن حماقة الجاهل, واجتراء الأحمق لا ينبغي أن تقابل بالمثل .
فكون رجل من الناس يكفر بعض المسلمين ممن لم يرتكب ناقضاً من نواقض الإسلام لا ينبغي أن يقابل بتكفيره هو ما دام مسلماً, وان كان ظالماً ببغيه وإطلاقه ألفاظ التكفير على من لا يستحقها !
قال شيخ الإسلام – رحمه الله – " مسائل التكفير والتفسيق هي من مسائل الأحكام التي يتعلق بها الوعد والوعيد في الدار الآخرة ويتعلق بها الموالاة ، المعاداة ، والقتل والعصمة وغير ذلك في الدنيا "
الناس في التكفير طرفان ووسط
انقسم الناس في مسألة التكفير إلى طرفين ووسط ، فسبحان من قسم العلوم, وفاوت بين العقول والفهوم !
1- فأما القسم الأول منهم فهم الغلاة الذين كفروا من لا يستحق الكفر ووصموا بالخروج عن الملة من فعل كبيرة أو أخل بواجب لم يعده الشارع خروجاً عن الدين أو انتماء لحزب الكافرين.
فكفر بعضهم شارب الخمر, وفاعل الزنا, وسارق المال, وقاطع الرحم, وعاق الأبوين, وغير ذلك مما لا يعد في نظر الشرع كفراً ,أو ناقضاً لأصل الإيمان.
كما كفر بعضهم تارك الزكاة أو تارك الصيام بغير مستند شرعي وان كان تركها من أشد الظلم, والفسق لكن التكفير خطير ، والإخراج من الملة عسير .
2- وأما القسم الثاني : فعلى النقيض من سابقيهم ، فلا يجترؤون على تكفير من ظهر كفره ، وبان فجوره ، فليس بكافر – في نظرهم من دنس مصحفاً أو سجد لصنم أو سبّ نبياً حتى يستحل فعله ويواطيءُ ما في قلبه لسانَه .
وربما اشترطوا شروطاً وافتعلوا قيوداً يستحيل معها إطلاق الكفر على أحد من المرتدين مها بلغ كفره ، وظهر شركه ، ولو كان في مقدور هؤلاء لأوصدوا باب الردة للأبد ومزّقوا أحكام المرتد من كتب الفقه والعقيدة !
3- وأما القسم الثالث : فهم وسط بين الفريقين وبرزخ بين الطائفتين فلم يتسرعوا في التكفير لأول وهلة ولم يجبنوا عن التكفير عند تحقق شرائطه وانتقاء موانعه !
فالذنوب في نظرهم دركات فمنها المكفرات ومنها الكبائر والموبقات فمن سجد لصنم, ليس كمن شرب خمراً, ومن شرب الخمر مُقرا بحرمتها ليس كالمستحل لشربها الجاحد لخبثها!
بالجملة فقد وضعوا ضوابط وقواعد للتكفير وطبقوها بالحذافير فأراحوا واستراحوا .
قال العلامة عبد الله أبا بطين مفتي الديار السعودية الأسبق : " وقد استزل الشيطان أكثر الناس في هذه المسألة؛ فقصر بطائفة فحكموا بإسلام من دلت نصوص الكتاب والسنة والإجماع على كفره, وتعدى بآخرين فكفروا من حكم الكتاب والسنة والإجماع بأنه مسلم فيا مصيبة الإسلام من هاتين الطائفتين "
اللهم أحيينا مسلمين , وتوفنا مسلمين ياكريم