مدح الرسول صلى الله عليه وسلم
أســـــرجْ خيالك و امتطِ الآفاقا ... و اسرحْ بفكركَ جائبًا ما طاقا
و انظـرْ حدودَ الكون إن بُلِّغتَها ... أوَجـدْتَ في أطـرافِـه أطـواقا
عجزتْ مداركُنا و كَلَّ وصولُنا ... و كبا الخيالُ فمـا يُطيقُ لَحاقا
كــونٌ تفــرّد ربنــا في صنعــه ... هــل تعـلَـمَـنَّ مثيـــلَهُ خــلّاقا
و بنــاهُ دون مشــقَّةٍ في ســــتةٍ ... والأرضَ , فيها قدَّر الأرزاقا
هذا الكمــالُ عن المثالبِ غافـلٌ ... مـا مسَّ نقـصٌ تِمَّــهُ أو حـاقا
بثَّ الإلـه عـلى مـــداهُ خــلائقا ... عاشــتْ تســبِّحُ ربَّها الـرزاقا
و اسـتخْلفَ الإنسان فيهم راعيًا ... لـكنَّــه قـــدْ ضــيَّـعَ الـميــثاقا
هذا المكــرَّمُ و المفـضَّلُ رتبــة ... كان الأشـــدَّ إلى العِتِيِّ سِباقا
جعل النقائصَ و الذّنوبَ وسائدًا ... و الكبرَ تاجًا و الهوى أرباقا (1)
حتى إذا وَسَــمَ الفســادُ جبـاهَهم ... و إلى القلوبِ اسْتحفرَ الأنفاقا
بعـثَ الإلــهُ الأنبـيــاءَ منـائــرًا ... تهــدي بنــورِ جـــلالِه الأُبّـاقا
و اختارَهم من بين صفوةِ خلقِه ... حتى يكونــوا حُجـةً مِسْـــلاقا (2)
و إِمــامُهــم كـانَ الـنَّبيُّ محمّـدٌ ... هـو خيـرُهم و أجلُّـهم أعـراقا
فهُو البشارُة والخلاصُ ورحمةٌ ... للعــــالمــين تنــزَّلَـتْ تِـرياقا
جُمِعتْ سـجايا الخلق في أردانِه ... فتشــعَّعَتْ و اسّـاقطتْ أبـراقا (3)
و كســـاهُ ربي بالمحاسنِ منعمًا ... و مـؤدِّبا , حتى سـما أخـلاقا
و إليــه تلـتجئُ المنــاقـبُ كلُّـها ... تسعى على قدمٍ و تطلِقُ ساقا
فالمـرءُ يعلــو بالمـديحِ منــازلًا ... فوق الورى و يزيدُه إشــراقا
إلا النبـيَّ محـمّـدًا فهُــو الــذي ... يُعطي المديحَ منـازلًا أعـلاقا
و مديحُ أَلْسِـــنَةِ البـريَّة مُحْدَثٌ ... قـد يســـتحيلُ تـزلفًـــًا و نِفـاقا
لكنْ مديـــحُ الله بــاقٍ ســـرمدٌ ... يغــدو بـهِ ممــدوحُـهُ عِمـــلاقا
و لقــد حَبـاهُ الله مـدحًـا خـالدًا ... يُتـلى , و ذكــرًا طبَّـقَ الآفـاقا
في يوم مولده البشـائِرُ أبْلَجَتْ ... كالشمسِ أدْهَشَ نورُها الطُّرّاقا
رؤيا تهزُّ "المُوبَذانَ" و قد رأى ... خيــــلًا تجـــرُّ وراءَهـا أنــواقا
حتَّى إذا عَبَرَ الفُــراتَ خِفافُها ... نفشَتْ , وقد كان العِراقُ عِراقا (4)
و تشقَّق الإيوانُ ليلًا و انْبَرى ... وادي ســـماوةَ فـائضًـا غَيـداقا
و تهدَّمتْ شُرفاتُ كسرى أربعا .. من بعــدِ عشــرٍ أعلنَتْ إِمحاقا
نيرانُ فارسَ أُخمِدَتْ ولقد مضى ... ألــــفٌ و لمّا تنطفئ إطــلاقا
وكذا بحيرةُ ساوةَ ابتُلِعتْ على ... كِبَــرٍ و غارَتْ في الفـلاةِ دِفـاقا
قــد كان مــولدُه بـدايةَ صفحةٍ ... عَمَّتْ بفيضِ ضيائِهـا الأوراقا
و طوتْ ظلامَ الكفر طيَّ سجلِّهِ ... من بعد أن مـلأ الفضاءَ بِقـاقا (5)
هو خاتَمُ الرّسُلِ الكرامِ بشرعةٍ ... تمَّـتْ , فكانـتْ للأنـــامِ خَـــلَاقا
لمّا خطا في بـدءِ ســيرتِهِ غدا ... طــوقُ العنــايةِ حــولَهُ أَحـداقا
مترعرعًا من بيتِ مُرضِعه إلى ... جَذَعٍ يســـوقُ أمامَهُ الأبْراقا (3)
فمـظـــلَّلٌ بغـمــامةٍ , فمـوكّلٌ ... بتجــارةٍ , لـم يعــرفِ الإخفــاقا
فُتِنتْ به عَينُ الأمانةِ و الحِجَى ... حتـى غـــدا فـي قــومِه نَــوّاقا (6)
لمّا أحبَّـتْه المــلائكُ في السّـما ... مـلأ القَبولُ الأرضَ منه دِهاقا
فــإذا محبتُهُ يفيـضُ نمــــاؤُها ... لمّــا نكلِّــفُ كنـــزَهــا إنفـــاقا
أعلِمْتُـمُ جَــذْعًـا لغيـــر محمَّـدٍ ... يبكي اشتياقَ اللّمسِ منهُ وِماقا ؟
هـو أمّــةٌ في نفسِــه , ما همَّهُ ... في رحـلةِ الإبــلاغ ما قـد لاقى
و التفَّ حـــولَ بنـانِهِ أصحابُهُ ... فغَـــدَوْا لســــفْرِ حيــاته أَلْحاقا
حملوا المشاعل بعده و توغّلوا ... ليُحوِّلــوا وجْـهَ الدُّجى غِـرناقا
فَعَنَتْ لهذا الدّينِ ناصيةُ النُّهى ... و توجهَتْ في خمسِــها أنْســاقا
هو منبعٌ صافي المناهلِ مغدقٌ ... يشفي النفوسَ , يطهّر الأرباقا (1)
لا فضـلَ فيـه لعــالمٍ أو عامـلٍ ... مـا لمْ يكُنْ إِخــلاصُهم رقــراقا
يا منقـذَ الأكوان يـا أُسَّ الهُدى ... جهَّـزتَ للحــقِّ المبـينِ عِتــاقا
مُستودِعًا فوق النّجائبِ عصبةً ... رفعــوا الســماحةَ بَيـرَقًا خفّاقا
و زَرعْتَ في بيدِ التفرُّقِ وحدةً ... طَرَحَتْ نَضــــيدَ إخـائِها أعْـذاقا
يا ربُّ جازِ محمّـدًا خيـرَ الجزا ... و أثِبْــهُ خيـــرًا وافــــرًا دفّــاقا
مما راق لى