سعد بن عبيد الانصارى ـ رضي الله عنه
سعد بن عبيد الانصارى ـ رضي الله عنه
سعد بن عبيد الانصارى ـ رضي الله عنه
سعد بن عبيد الانصارى ـ رضي الله عنه
إنه أبو عمير سعد بن عبيد بن النعمان الأنصاري الأوسي -رضي الله عنه-، أسلم قبل الهجرة، وعمل على نشر الإسلام بالمدينة، فأسلم معه جماعة من الأنصار، ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ورأى ما صنعه سعد، جعله إمامًا لمسجد قباء الذي بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقبه بالقارئ، ولم يلقب بهذا اللقب غيره، ثم جاء أبو بكر فأقرّه على إمامة المسجد، وكذلك فعل عمر بن الخطاب.
وكان سعد أحد الأنصار الأربعة الذين جمعوا القرآن الكريم على عهد رسول صلى الله عليه وسلم، ولم ينصرف سعد إلى العلم والتفقه في الدين فقط، بل وهب روحه ونفسه في سبيل الله، واشترك في الجهاد ضد المشركين في بدر وأحد، وفي كل المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وخرج -رضي الله عنه- مع جيش أسامة وتحت إمرته لقتال الروم، كما أذن له الصديق -رضي الله عنه- في الخروج إلى العراق للجهاد في سبيل الله، وحمله أمانة تعليم المسلمين والقضاء فيما بينهم، فخرج سعد القارئ -رضي الله عنه- خلف قائده أبي عبيد بن مسعود الثقفي -رضي الله عنه- يبارز بالسيف، ويعلم بالقلم.
ثم خرج في جيش المسلمين تحت إمرة سعد بن أبي وقاص في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى بلاد كسرى في العراق؛ ليواصل جهاده هناك، لتكون كلمة الله هي العليا.
ويبدأ الجيش المسلم سلسلة من اللقاءات الحاسمة مع أعداء الله، بدأها بلقاء مع ملك الحيرة وحليف كسرى، الملك العربي النصراني المنذر بن النعمان بن المنذر.
واصطف الجيشان، وبدأ ملك الحيرة يخطب في جيشه؛ ليشجعهم على القتال، ويشعل الحماسة في قلوبهم، وبينما هو كذلك إذ صاح الحاجب: رسول من قائد الأعداء يطلب مقابلتك أيها الملك.
فحدث بين صفوف الجيش هرج ومرج، فقال ملك الحيرة غاضبًا: ائتني به. فدخل القارئ مرفوع الرأس، ثابت الخطأ يدكُّ الأرض برجله وسيفه، وهو يخترق تلك الجموع الحاشدة التي تأهبت لقتال المسلمين ثم وقف أمام الملك، فقال قائد الحرس لسعد القارئ: قبل الأرض تحية للملك.
فنظر القارئ باستخفاف واستنكار قائلا: الله أمرنا ألا يسجد بعضنا لبعض، ولعمري إن هذه كانت العادة المعروفة في الجاهلية قبل أن يبعث الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، فلما بعث جعل تحيته السلام، أما تحيتكم هذه فهي تحية جبابرة الملوك. اضطرب ملك الحيرة، وارتاع من جرأته، فأسرع صائحًا: ويح قومك! ما الذي جئت لأجله.
فعرض عليهم سعد الإسلام وخيّرهم بين ثلاثة أمور: إما الإسلام، أو الجزية، أو هي الحرب.
فقال له الملك: لقد حدثتكم أنفسكم بالأباطيل، أظننتم أن الفرس مثل الروم؟ كلا، وحق المسيح، إنهم أثبت وأشد، وهذا الملك أزدشير ملك الفرس قد جمع لكم جيوشه وعساكره، وسينالون منكم. فرد سعد القارئ في حزم وقوة: أيها الملك لقد تشرفت بالباطل، وتفوهت بكلام غير عاقل، أما علمت أن العاقبة للمتقين، وأن الله بكرمه يرفع عنا البأس، ويظفرنا بجميع الناس، وإن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: (ستفتح على أمتي كنوز كسرى وقيصر) فأما كنوز قيصر فقد فتحها الله علينا، وبقيت كنوز صاحبك.
فزاد غضب ملك الحيرة حتى فقد صوابه، فقال: ما عندنا جواب إلا السيف. ورجع القارئ إلى المعسكر، وأخبر قائده سعد بن أبي وقاص بالأمر، وما هي إلا فترة وجيزة حتى زحفت قوات الحق على أهل الباطل، فتطايرت الرءوس، وعلت الصيحات، وكتب الله النصر للمسلمين.
وتقدم المسلمون نحو القادسية، وهناك كانت جيوش الفرس في أوج أهبتها واستعدادها؛ فقد جمعت عدتها وعتادها في انتظار المسلمين.
وظلت الحرب دائرة يومين، وفي مساء اليوم الثالث، أخذ القارئ يحدث الناس، ويحمسهم، ويحثهم على الصبر والإخلاص، ويرغبهم في الشهادة، وما أعده الله للشهيد من فضل وكرامة، وقال لأصحابه: إنا مستشهدون غدًا، فلا تكفنونا إلا في ثيابنا التي أُصِبْنَا فيها.
وفي الصباح كتب الله للمسلمين النصر، وأنعم الله على القارئ بما كان يتمناه، فاستشهد في سبيل الله.
وقد روى سعد القارئ -رضي الله عنه- كثيرًا من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وترك بنين وبنات، أشهرهم ابنه عمير الذي ولاه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولاية الشام.